العراق والبحث عن تصفير الأزمات

 

شبكة النبأ: ما زال الوقت مبكرا للحديث عن انفراجة حقيقية للوضع المربك في العراق، كما يرى خبراء، اذ ان التداخل شديد التعقيد بين الخطوط الأمنية والسياسية، إضافة الى التأثيرات الإقليمية والدولية التي طبع عليها المشهد العراقي بعد سقوط النظام السابق عام 2003، على يد القوات الامريكية، وقيام نظام برلماني انتخابي وعملية سياسية جديدة في العراق، وقد ساهمت التنظيمات الإرهابية المتطرفة (ومن ابرزها تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية/داعش) التي احتلت العديد من المناطق المهمة في العراق بعد التاسع من حزيران الماضي، في إضافة المزيد من التعقيدات في العملية السياسية التي ما زالت تشهد عملية شد وجذب بين الكتل السياسية الكبيرة.

فبعد ان حسم منصب رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية، أصبح الخلاف يدور حول منصب رئيس الوزراء (المنصب التنفيذي الأقوى في النظام السياسي الجديد) وتشكيل الحكومة العراقية، سيما وان رئيس الوزراء المنتهية ولايته (نوري المالكي) ما زال المرشح الوحيد لائتلافه، وسط اعتراض اغلب الكتل بتجديد الولاية الثالثة له.

امنيا، اكدت الولايات المتحدة ان الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) قد اعطى الموافقة للقوات الامريكية، للقيام بضربات جوية ضرورية تستهدف تنظيم داعش لمنعهم من القيام بالمزيد من الجرائم الإنسانية، فيما اكدت مصادر امنية، ان العاصمة العراقية بغداد قد تم تأمينها بالكامل، ومنع المخطط الذي استهدف دخولها من ثلاث محاور مختلفة، بعد ان تم تامين سامراء وديالي بشكل كبير، فيما تشتد المعارك العنيفة بين تنظيم داعش وقوات البيشمركة شمالاً للسيطرة على قرى ومدن حيوية، بعد ان فاجئ هجوم داعش قوات حرس إقليم كردستان، واجبرهم على الانسحاب من عدة مدن باتجاه أراضي الإقليم، وقد أفادت مصادر حكومية ان المالكي اوعز للقوة الجوية العراقية للقيام بضربات جوية ضد الجماعات المسلحة لمساعدة قوات البيشمركة، على الرغم من الخلافات السياسية القائمة بينه وبين الاكراد.

ويبدو ان الأيام القادمة ستكون حبلى بالمزيد من المفاجآت الأمنية والسياسية، سيما وان المعادلات الإقليمية الضاغطة على بغداد، تحاول القيام بدورها من اجل منع انهيار العملية السياسية في العراق، الا ان محللين سياسيين أشاروا الى ان الانفراج الحقيقي في العملية السياسية العراقية يحتاج الى جهد سياسي اكبر من المقدم في الوقت الحاضر.  

المالكي وابواب الجحيم

فقد اعتبر رئيس الوزراء نوري المالكي مخالفة السياقات الدستورية سيفتح "نار جهنم" على العراق ويفتح ثغرات "هائلة للتدخل الخارجي، فيما أكد أن تعطيل أي مسؤول لتفعيل الإجراء الدستوري بحجة الضغوط التوافقات أمر غير معذور، وقال المالكي، إن "مخالفة السياق الدستوري سيفتح نار جهنم على العراق ويصادر إرادة الناخبين والعملية السياسية والديمقراطية"، محذرا من ان "ذلك سيفتح ثغرات هائلة للتدخل الخارجي"، وأضاف المالكي، أن "ما يعينه التدخل الخارجي هو عملية إسقاط لتجربة الشعب والاتجاه بالعراق نحو الصدام والتنازع"، مشيرا الى ان "تعطيل أي مسؤول لتفعيل الإجراء الدستوري بحجة الضغوط التوافقات أمر غير معذور"، يذكر ان النائب عن ائتلاف متحدون للاصلاح محمد الخالدي اكد، في (7 حزيران 2014)، أن السعودية وتركيا وإيران لديهم تدخلات في تشكيل الحكومة المقبلة، فيما أشار الى أن الكتل السياسية حسمت أمرها قبل تدخل تلك الدول.

واكد المالكي ان اسرائيل ليست بعيدة عن ما يجري في العراق وسوريا، وفيما اعتبر أن منظمة "داعش" الإرهابية هي امتداد للفكر الوهابي المتطرف، دعا الدول المجاورة لاتخاذ التدابير اللازمة وإجهاض التنظيم في حدود العراق، وقال المالكي إن "إسرائيل ليست ببعيدة عن الذي يجري في العراق وسوريا"، موضحا أن "أي خدمة ممكن أن تقدم لإسرائيل من أن ينشغل العرب والمسلمون بهمومهم في مواجهة داعش والإرهابيين"، وأضاف المالكي أن "منظمة داعش الإرهابية التي هي من فروع تنظيمات القاعدة والاثنان وغيرهما هما امتداد للفكر الوهابي المتطرف الذي يزحف في أكثر من دولة على خلفيات طائفية"، مشيرا الى أن "داعش تستبيح دماء وأعراض كل المسلمين لذلك فهو ليس خطرا على العراق فقط ولن تبقى في إطار سوريا فقط".

ودعا المالكي دول الجوار الى "اتخاذ التدابير اللازمة قبل فوات الأوان لإجهاض داعش في حدود العراق قبل أن ينتقل الى أماكن أخرى"، وأكدت لجنة الأمن والدفاع النيابية، في (27 آيار 2014)، امتلاك المجاميع "الإرهابية" وتنظيم "داعش" أسلحة إسرائيلية الصنع، فيما اتهمت السعودية وقطر وتركيا بتمويل الإرهابيين لإسقاط العملية السياسية في العراق، واعتبرت النائبة عن كتلة الأحرار البرلمانية ماجدة التميمي، في (26 تموز 2014)، تنظيم "داعش" صناعة أميركية إسرائيلية لتدمير حضارة وادي الرافدين والنسيج الاجتماعي العراقي، ويشهد العراق وضعاً أمنياً ساخناً دفع برئيس الحكومة نوري المالكي، في (10 حزيران 2014)، إلى إعلان حالة التأهب القصوى في البلاد، وذلك بعد سيطرة مسلحين من تنظيم "داعش" على محافظة نينوى بالكامل، وتقدمهم نحو صلاح الدين وديالى وسيطرتهم على بعض مناطق المحافظتين قبل أن تتمكن القوات العراقية من استعادة العديد من تلك المناطق، في حين تستمر العمليات العسكرية في الأنبار لمواجهة التنظيم.

طهران تبحث عن البديل

فيما قال مسؤولان إيرانيان كبيران إن إيران تعتقد أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لم يعد قادرا على الحفاظ على وحدة بلاده وإنها تبحث عن زعيم بديل لمحاربة المتشددين السنة، وأصاب المأزق السياسي منذ الانتخابات العامة غير الحاسمة التي أجريت في أبريل نيسان بالشلل الجهود الرامية لمحاربة مقاتلي الدولة الإسلامية الذين سيطروا على مساحات كبيرة في شمال العراق وغربه وفي سوريا وهددوا بالزحف على بغداد، وقال مسؤول إيراني تحدث شريطة عدم الكشف عن شخصيته إن طهران تتعاون مع فصائل عراقية لإيجاد بديل للمالكي لكن هناك قلة من المرشحين المناسبين.

وقال المسؤول الإيراني "توصلنا إلى نتيجة مفادها أن المالكي لم يعد يستطيع الحفاظ على وحدة العراق لكن آية الله (علي) السيستاني لا يزال لديه أمل" في إشارة إلى أكبر مرجعية شيعية في العراق، وأضاف "آية الله السيستاني يؤيد الآن رؤيتنا بشأن المالكي"، وتابع قائلا "لا يوجد مرشحون كثيرون يمكن أن تكون لديهم القدرة على الحفاظ على وحدة العراق، سفيرنا في العراق عقد عددا من الاجتماعات في الأيام القليلة الماضية مع الجماعات ذات الصلة وبعض المرشحين المحتملين"، وكان حلفاء سياسيون قالوا إن المالكي (الذي ينظر إليه على أنه شخصية استبدادية أدى برنامجه الطائفي إلى تقويض استقرار العراق) لا يعتزم التنحي رغم الضغوط المتزايدة من السنة والأكراد وبعض الشيعة من بني طائفته والآن إيران. بحسب رويترز.

وظل المالكي (الذي لم يكن معروفا إلى حد ما عندما تولى منصبه في عام 2006) يمارس مهام منصبه بصلاحيات محدودة منذ انتخابات أبريل نيسان وقال إنه سيسعى للظفر بفترة ولاية ثالثة رغم المعارضة الواسعة، وأكد وزير عراقي تحدث بشرط عدم الكشف عن شخصيته بسبب التوترات الطائفية داخل الحكومة المؤقتة أن ثمة تغيرا ملحوظا في موقف طهران صاحبة أكبر نفوذ أجنبي في العراق، وحثت الولايات المتحدة الساسة العراقيين على تشكيل حكومة تضم أكبر عدد من الأطياف قادرة على توحيد العراقيين والتصدي لجماعة الدولة الإسلامية التي انشقت على تنظيم القاعدة واجتاحت شمال العراق في يونيو حزيران دون ممانعة تقريبا من جيش المالكي الذي دربته الولايات المتحدة.

ولاقت هذه المهمة إلحاحا أكبر بعد أن سيطرت الجماعة على ثلاث بلدات أخرى في شمال العراق وعلى حقل نفطي خامس ووصلت إلى سد رئيسي بعد أن طردت المقاتلين الأكراد الذين كانوا يعدون أحدى القوى القليلة القادرة على التصدي للمتشددين، وتشكل جماعة الدولة الإسلامية التي أعلنت الخلافة في المناطق التي تسيطر عليها في العراق وسوريا أكبر تهديد أمني للعراق منذ سقوط صدام حسين في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003، وقال مسؤول أمني إيراني كبير إن اهتمام طهران بالاستقرار في العراق أكبر من اهتمامها بدعم المالكي الذي أيدته لفترة طويلة.

وقال المسؤول الثاني "العراق سيقسم إذا بقي المالكي في السلطة، العراق يحتاج إلى حكومة قوية كي يتصدى لجماعة الدولة الإسلامية ونحن نؤيد هذه الفكرة، تقسيم العراق تهديد للأمن القومي الإيراني"، وتعطل المشاحنات السياسية والإجراءات المعقدة الجهود الرامية لتشكيل حكومة تتقاسم السلطة فيما تعزز جماعة الدولة الإسلامية السنية المتشددة مكاسبها وتشعل التوتر الطائفي الذي أعاد العنف إلى المستويات التي كان عليها في عامي 2006 – 2007، وطبقا للدستور العراقي فإنه أمام الرئيس مهلة كي يطلب من مرشح أكبر كتلة في البرلمان أن يشكل حكومة خلال 30 يوما.

لكن خلافا نشب داخل التحالف الشيعي المسيطر، ويصر المالكي على أن ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه والذي حصل على 94 مقعدا في الانتخابات التي جرت في أبريل نيسان هي الكتلة الأكبر لكن الآخرين يقولون إن الائتلاف يجب أن يكون جزءا من تحالف وبالتالي لا يحق له بمفرده تسمية مرشح لرئاسة الوزراء، ولم يظهر المالكي أي علامة على استعداده للتخلي عن السلطة، ورفض أنصاره المتحمسون أي حديث عن البدائل، وقال عضو البرلمان من ائتلاف دولة القانون محمد الصيهود إن كل ما يقال عن مرشح بديل لمنصب رئيس الوزراء بلا أساس، وتابع قائلا إن ائتلاف دولة القانون هو أكبر كتلة في البرلمان ونوري المالكي هو مرشحهم وفقا للصلاحيات الدستورية وإن الائتلاف متمسك بهذا الحق.

وتتزايد التكهنات بأن الائتلاف الوطني (الائتلاف الشيعي الحاكم) سيؤيد ترشيح رئيس جديد للوزراء لإنهاء الأزمة السياسية، وقال الوزير العراقي إن عدة أسماء قد طرحت، وينظر إلى إبراهيم الجعفري الذي كان رئيسا للوزراء قبل المالكي على أنه شخصية أكثر اعتدالا، لكن الجعفري الذي درس الطب لم يكن قادرا على مواجهة العنف الطائفي الذي كان يتزايد في عهده، وأمضى الجعفري عشر سنوات في إيران منذ عام 1980 هربا من قمع صدام حسين لحركة إسلامية شيعية سرية، وتقول مصادر سياسية إن أحمد الجلبي وهو سياسي عراقي علماني شجعت مزاعمه الكاذبة عن أسلحة الدمار الشامل العراقية إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش على غزو العراق في عام 2003 مرشح آخر.

ويقول مسؤولون عراقيون إن محاولات تبذل خلف الكواليس لمنح المالكي خروجا يحفظ ماء وجهه، وبموجب أحد الاقتراحات سيصبح نائب الرئيس خضير الخزاعي رئيسا للوزراء بينما يشغل المالكي منصب نائب الرئيس وهو منصب شرفي بالأساس، وستعتمد أمور كثيرة على ما إذا كان حلفاء المالكي الأقوياء في ائتلاف دولة القانون مثل وزير النقل هادي العامري سيستمرون في تأييده في مواجهة الضغوط المتزايدة، وسيعتمد مستقبل المالكي كذلك على ما إذا كان نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني الذي يتزعم جماعة من المستقلين داخل ائتلاف دولة القانون مستعد للتمسك به، وقد ينتظر الشهرستاني وآخرون الإشارة من السيستاني الذي قال إن الوقت قد حان لرحيل المالكي، وقال الوزير العراقي "قد يقرر أشخاص مثل العامري والشهرستاني الانصات إلى أكبر مرجعية دينية المقيم في مدينة النجف، في تلك الحالة فإن (أمر المالكي) يكون قد انتهى".

انتهاكات ضد الإنسانية    

بدوره دان مجلس الأمن الدولي الفظائع التي ارتكبها تنظيم "الدولة الاسلامية" بحق أقليات في العراق ولا سيما بعد سيطرته على مدينة سنجار (شمال)، معتبرا أن هذه الانتهاكات قد تشكل "جريمة ضد الإنسانية"، وقال أعضاء المجلس البالغ عددهم 15 في بيان رئاسي صدر بالإجماع إنهم "يعربون عن قلقهم العميق حيال مئات آلاف العراقيين، وبينهم كثيرون أفراد أقليات ضعيفة مثل الأيزيديين، الذين هجروا بسبب هجمات" تنظيم الدولة الإسلامية، وأضاف أعضاء المجلس أنهم "يدينون بأشد عبارات الإدانة الاضطهاد الممنهج بحق أقليات، وبينهم المسيحيون"، ويدعون "كل الطوائف في العراق إلى الاتحاد للتصدي له".

وتفيد تقديرات الأمم المتحدة أن نحو 200 ألف شخص فروا عندما اقتحم مقاتلو "الدولة الاسلامية" المدينة وانسحبت قوات البشمركة الكردية التي كانت تسيطر عليها، وينتمي غالبية هؤلاء النازحين إلى الطائفة الأزيدية وتعود جذور ديانتهم إلى أربعة آلاف سنة، وتعرضوا إلى هجمات متكررة من قبل الجهاديين في السابق بسبب طبيعة ديانتهم الفريدة من نوعها، وتعد مدينة سنجار المعقل الرئيسي للأيزيديين في العراق، لكن هذه المدينة التي يقطن فيها نحو 300 ألف نسمة سقطت بيد تنظيم الدولة الاسلامية الذي كان سيطر على مدينة الموصل في العاشر من حزيران/يونيو، إضافة إلى مناطق واسعة في شمال ووسط وغرب البلاد.

وإذ ذكر مجلس الأمن بأن تنظيم الدولة الإسلامية سيطر على انحاء واسعة من سوريا والعراق، أكد أن هذا التنظيم "لا يشكل تهديدا لهاتين الدولتين فحسب وإنما أيضا للسلام والأمن والاستقرار الإقليميين"، وأعاد مجلس الأمن التذكير بأن هذا التنظيم المتطرف مدرج على القائمة السوداء للأمم المتحدة للتنظيمات المرتبطة بتنظيم القاعدة، مشددا على أن الدول الأعضاء ملزمة بالتالي بتطبيق العقوبات المفروضة عليه بموجب هذا القرار (حظر على الأسلحة، تجميد أموال، منع من السفر)، وأكد المجلس أيضا أن "الهجمات الممنهجة ضد السكان المدنيين بسبب انتمائهم الاثني أو الديني أو بسبب معتقدهم يمكن أن تشكل جريمة ضد الإنسانية يجب على المسؤولين عنها أن يحاسبوا عليها"، وجدد المجلس كذلك دعمه للحكومة العراقية في جهودها لمواجهة "التهديد الإرهابي"، مطالبا كل الجماعات السياسية في العراق "بالعمل على تعزيز الوحدة الوطنية".

ودعت وزارة شوؤن المرأة العراقية في بيان إلى تدخل محلي ودولي لإنقاذ نساء سنجار، في شمال غرب العراق، واللواتي وقعن بيد تنظيم "الدولة الاسلامية" المتطرف من السبي والاسترقاق، وناشدت الوزارة في هذا البيان "جميع الجهات المعنية في الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان والمجتمع الدولي للتدخل السريع لوضع حد للمجازر التي يرتكبها داعش بحق المدنيين العزل من هذه المكونات وإنقاذ نسائها من السبي والاسترقاق"، وأضافت الوزارة أن "المعلومات تؤكد أن تنظيم داعش يحتجز نساء وفتيات في منزل واسع داخل سنجار، كما تم ترحيل عدد من النساء مع عوائلهن إلى مطار تلعفر بعد قتل الرجال ولا يزال مصير كل هؤلاء النسوة مجهولاً". بحسب فرانس برس.

وكشفت جمعية الهلال الأحمر عن حصولها على معلومات تفيد بأن "الدولة الإسلامية" اقتاد عدداً من النساء المسيحيات والايزيديات إلى مكان مجهول لبيعهن "سبايا"، وتؤكد الوزارة أن أي "تأخير في إنقاذ أهالي سنجار سيضاعف حجم المعاناة ويسهم في زيادة الانتهاكات كماً ونوعاً، ويدفع عصابات داعش الى التمادي وارتكاب أفعال شنيعة ووحشية"، وسيطر مقاتلو "الدولة الإسلامية" على مدينة سنجار الموطن الرئيسي للأقلية الايزيدية في شمال غرب العراق، ما دفع عشرات الآلاف من أبنائها إلى النزوح، وينتمي غالبية هؤلاء النازحين إلى الطائفة الايزيدية وتعود جذور ديانتهم إلى أربعة آلاف سنة، وتعرضوا إلى هجمات متكررة من قبل الجهاديين في السابق بسبب طبيعة ديانتهم الفريدة من نوعها، وتعد مدينة سنجار المعقل الرئيسي للايزيديين في العراق، لكن هذه المدينة التي يقطن فيها نحو 300 ألف نسمة سقطت بيد تنظيم الدولة الاسلامية الذي كان سيطر على مدينة الموصل في العاشر من حزيران/يونيو، إضافة إلى مناطق واسعة في شمال ووسط وغرب البلاد.

المالكي يتعاون مع الاكراد

الى ذلك قال التلفزيون العراقي إن رئيس الوزراء نوري المالكي أمر لأول مرة سلاح الجو بدعم القوات الكردية في مواجهة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية بعد ان حقق المتشددون السنة تقدما مثيرا آخر في شمال العراق، ويعتبر مقاتلو البشمركة الأكراد (الذين مروا بتجربة خوض معارك ضد قوات صدام حسين) من بين قلة من القوات القادرة على الصمود في وجه المتشددين المسلحين الذين لم يلقوا مقاومة تذكر من جيش المالكي (الذي تلقى تدريبا أمريكيا) خلال تقدمهم الخاطف عبر الشمال في يونيو حزيران الماضي، لكن مقاتلي الدولة الاسلامية كبدوا الأكراد هزيمة ثقيلة خلال تقدمهم السريع عبر ثلاث بلدات ليصلوا الى سد الموصل واستولوا في طريقهم على خامس حقل نفطي لتمويل عملياتهم. بحسب رويترز.

وقال التلفزيون الحكومي وشهود إن مقاتلي الدولة الاسلامية استولوا على أكبر سد في العراق، وقال مسؤولو البشمركة الأكراد إنهم طردوا المتشددين من منطقة السد وإنهم يسيطرون عليه، ولم يتسن التحقق من ذلك على الفور، ورغم توقعات القادة الأكراد بأن قواتهم ستشن هجوما مضادا ناجحا حث مسؤول كردي كبير الولايات المتحدة على تقديم العون والاسلحة "من أجل دحر الإرهاب"، وقال قادة أكراد تعرضت وحداتهم لهجوم من قبل مقاتلي الدولة الاسلامية إنهم يواجهون قوة نيران كاسحة وانهم أخذوا على حين غرة وان المقاتلين المتشددين بدأوا في عدة حالات في إطلاق النار من قرى عقدوا تحالفات مع سكانها.

والمناطق التي فقدها الأكراد ليست ضمن اقليمهم شبه المستقل لكنهم كانوا قد استولوا عليها في شمال العراق في أعقاب سقوط صدام حسين، ويخوض المالكي نزاعا مع الأكراد على الميزانية والنفط والأراضي وتصاعد التوتر بينهما بعد ان استولى مقاتلو الدولة الاسلامية على مساحات كبيرة من الأراضي في شمال العراق وغربه، وفي يوليو تموز الماضي أنهت الكتلة السياسية الكردية مشاركتها في الحكومة الوطنية العراقية احتجاجا على اتهام المالكي للأكراد بالسماح "للارهابيين" بالبقاء في اربيل عاصمة الاقليم شبه المستقل المعروف باسم كردستان، ويقول خصوم المالكي إنه حاكم متسلط لديه توجهات طائفية وإن قيامه باقصاء السنة قد اشعل فتيل التمرد، ويتولى المالكي حاليا زمام حكومة لتسيير الاعمال بعد انتخابات لم تسفر عن نتائج حاسمة في ابريل نيسان الماضي.

وتجاهل المالكي نداءات من السنة والاكراد وحتى بعض الشيعة ابناء طائفته تطالبه بأن يتنحى عن منصبه حتى يفسح المجال لشخصية أقل استقطابا، وتلح المنطقة الكردية على إدارة الرئيس الامريكي باراك اوباما من أجل الحصول على اسلحة متطورة تقول إن المقاتلين الأكراد يحتاجونها لصد مقاتلي الدولة الاسلامية الذين يهددون المنطقة، وتتضمن الامدادات المطلوبة دبابات ومعدات قناصة ومركبات مدرعة لنقل الافراد ومدفعية وذخيرة، ومن المرجح ان تثير هذه الخطوة حفيظة المالكي الذي قد يراها محاولة للالتفاف على الحكومة العراقية في إطار حملة طويلة الأمد للاكراد من أجل تحقيق الاستقلال، وبدا ان المالكي قد نحا جانبا خصومته مع الأكراد مؤقتا لمحاولة منع الدولة الاسلامية (التي أعلنت قيام خلافة اسلامية في أجزاء من العراق وسوريا وتهدد بالزحف الى بغداد) من تحقيق مزيد من المكاسب.

ونقل عن قاسم عطا الناطق العسكري باسم المالكي قوله إن القيادة العامة للقوات المسلحة أمرت قيادة القوات الجوية بتقديم الدعم لقوات البشمركة الكردية ضد "العصابات الارهابية للدولة الاسلامية"، وقال مسؤول كردي كبير شريطة عدم نشر اسمه إن الإجهاد قد نال من الأكراد لانهم ملزمون بمراقبة منطقة كبيرة من الاراضي وان لدى مقاتلي الدولة الاسلامية قوة نيران كاسحة، وقال إن مقاتلي الدولة الاسلامية يرهبون الناس من خلال قطع الرؤوس، وبعد فرار آلاف الجنود العراقيين امام هجوم مقاتلي الدولة الإسلامية في تقدمهم الأولي في يونيو حزيران استولت الجماعة (التي كانت تعرف آنذاك باسم الدولة الاسلامية في العراق والشام) على دبابات ومركبات جند مدرعة ومدفعية مضادة للطائرات ومدافع مورتر ومدفعية ومركبات.

وقال المسؤول الكردي الكبير "إنه وضع خطير للغاية في المنطقة، يتعين القيام بشيء على وجه السرعة"، ورغم هشاشة موقفهم تحدث قادة الأكراد بلهجة الواثق من النصر، وقال ضابط كردي إن انسحاب الأكراد مجرد خطوة تكتيكية وتوقع ان تسترد عدة ألوية كردية جميع الأراضي التي سلبت منهم كما سيستعيدون الموصل أكبر مدن شمال العراق التي سيطر عليها مقاتلو الدولة الاسلامية سيطرة تامة، وقال "سنهاجمهم حتى نقضي عليهم قضاء مبرما ولن تأخذنا بهم شفقة، لقد منحناهم ما يكفي من الفرص وسنسترد حتى الموصل، اعتقد انه خلال الساعات الثماني والاربعين او الاثنين والسبعين سينتهي الموقف"، لكن القادة الذين فقدوا رجالا في المعركة لم يكونوا على نفس القدر من التفاؤل.

وقال ماشيا رمضان فتاح ضابط البشمركة الكردية إن القاعدة التي كان يرابط بها تعرضت لقصف بالمورتر من جانب مقاتلي الدولة الاسلامية لمدة 12 ساعة متواصلة طوال الليل، وقال إنه فوجئ ان 500 من قوات البشمركة تعرضوا لهجوم من مقاتلين لتنظيم الدولة الاسلامية يفوقونهم عددا وأجبروهم على الفرار، وقال قائد آخر طلب عدم نشر اسمه إن مقاتلي الدولة الاسلامية باغتوا الجميع ونشروا افراد قناصة واسلحة أقوى وانه في كثير من الحالات نفدت ذخيرة الاكراد، وقال "لم يعد بمقدورنا مواصلة القتال ببنادق الكلاشنيكوف وحدها".

مثلث الموت

من جهة اخرى يقول مسؤولو مخابرات وأمن عراقيون إن مسلحي الدولة الإسلامية يقتربون على نحو خطير من بغداد مستخدمين أنفاقا سرية حفرها صدام حسين وأرضا وعرة جنوبي بغداد بدعم من رجال قبائل سنة مدججين بالسلاح لمباغتة القوات العراقية، ويمثل تنظيم الدولة الإسلامية المنبثق عن تنظيم القاعدة أكبر خطر أمني في العراق منذ سقوط صدام عام 2003، وكانت قوات التنظيم قد تقدمت بجرأة في الشمال في الآونة الأخيرة ووصلت إلى سد رئيسي واستولت على حقل بترول خامس هناك وثلاث بلدات إضافية، وجاء ذلك بعد أن سحق التنظيم قوات الأمن الكردية في المنطقة التي استولى التنظيم عليها وهي جزء من إقليم كردستان شبه المستقل، لكن قدرا أكبر من القلق ينتاب بعض مسؤولي المخابرات والأمن العراقيين إزاء حملة للدولة الاسلامية لم تسلط عليها أضواء كافية في المناطق الريفية إلى الجنوب من العاصمة مباشرة وهي أرض وعرة في وادي نهر الفرات كان الأمريكيون يسمونها أيام احتلالهم للعراق "مثلث الموت".

وفي حين أوقفت القوات العراقية زحف متشددي الدولة الإسلامية على بغداد من الشمال قرب مدينة سامراء التي تبعد تخومها عن بغداد نحو 100 كيلومتر يتجمع مقاتلون تابعون للتنظيم خفية في مدن جنوبي العاصمة، وقال فلاح الراضي رئيس اللجنة الأمنية في الحلة التي تجاور بغداد من الجنوب "قلنا للحكومة إن من الضروري أن تكون هناك عمليات عسكرية عاجلة لمنع الدولة الإسلامية من الاستيلاء على بلدات جديدة جنوبي بغداد"، ويقول المسؤولون إن تنظيم الدولة الإسلامية (وهو تنظيم سني) يدفع بمقاتلين وينقل أسلحة ومؤن منذ أسابيع عبر أنفاق سرية في الصحراء من مواقعه الحصينة في غرب العراق إلى مدينة جرف الصخر التي تبعد 40 كيلومترا إلى الجنوب من بغداد، والأتفاق التي حفرها صدام في التسعينات لإخفاء الأسلحة من مفتشي الأمم المتحدة مكان مثالي للاختباء يسمح للمقاتلين بتجنب نيران طائرات الهليكوبتر.

ويصل متشددو الدولة الإسلامية (الذين يحتلون مدينة الفلوجة وجزءا من مدينة الرمادي اللتين واجهت فيهما القوات الأمريكية مقاومة شرسة من قبل) إلى الأنفاق من منطقة قريبة من منشآت عسكرية كانت تستخدمها قوات صدام، وقال مسؤول في المخابرات واصفا جرف الصخر والبلدات المجاورة لها جنوبي بغداد "هذا يجعل من غير الممكن بالنسبة لنا أن نسيطر على هذه المنطقة"، وفي ظل الاحتلال الأمريكي كانت المنطقة التي تقع جنوبي بغداد (وهي رقعة خضراء تحيط بالمدن) واحدة من أكثر المناطق عنفا، وهي منطقة مختلطة دينيا حيث يلتقي الفرات الأعلى ذي الأغلبية السنية مع المناطق الواطئة من النهر التي تسكنها أغلبية شيعية، والمنطقة بما فيها من قنوات ومصارف وزراعات توفر غطاء نموذجيا للمتمردين.

وتشير تقديرات مسؤولي أمن أمريكيين وعراقيين الى أن الدولة الإسلامية لديها ثلاثة آلاف مقاتل على الأقل في العراق بجانب نحو 17 ألف مقاتل جندتهم منذ مكاسب حققتها في يونيو حزيران، وفي الشمال انهار الجيش العراقي تقريبا عندما شن تنظيم الدولة الإسلامية هجوما خاطفا في يونيو حزيران استولى خلاله على الموصل وتكريت وعدد من المدن، ويسيطر التنظيم أيضا على الكثير من غرب العراق وكان قد أعلن الخلافة الإسلامية في المناطق التي استولى عليها في كل من العراق وسوريا كما أعلن نيته الزحف نحو بغداد، وسيكون الاستيلاء على بغداد عسيرا لأن بها آلاف من أفراد القوات الخاصة بجانب عدد كبير من مقاتلي الميليشيات الشيعية، لكن الاستيلاء على بلدات جنوبي العاصمة سيسمح للتنظيم بشن هجمات بسيارات ملغومة وهجمات انتحارية في العاصمة وربما يطلق العقال من جديد لصراع الميليشيات الشيعية والسنية التي تقاتلت من شارع إلى شارع عامي 2006 و2007. بحسب رويترز.

في أواخر يوليو تموز وصل نحو 400 مقاتل يتبعون تنظيم الدولة الإسلامية إلى جرف الصخر لشن هجوم على المدينة التي تقع على نهر الفرات بحسب قول مسؤول كبير في الحلة، وأطلقت مئتا قذيفة مورتر على المدينة وفجر انتحاريون يستقلون سيارات همفي أمريكية الصنع مستولى عليها أنفسهم، وتم الاستيلاء على عدة منشآت للشرطة ومكتب رئيس البلدية، وبحسب المسؤول قال ستة من مقاتلي الدولة الإسلامية سقطوا في قبضة السلطات للمحققين إن المسلحين اعتزموا فتح جبهات جديدة في مدن المسيب واليوسفية وجبلة القريبة، ويستخدم المقاتلون في المنطقة الأرض الوعرة في تجنب القتل والأسر لأن المركبات العسكرية لا يمكنها السير وسط المستنقعات والحشائش الطويلة والأدغال وقنوات الري، وبسبب اليأس من أن تكون للتنظيم اليد العليا بدأ الجيش في قصف المنطقة بالبراميل المتفجرة التي تلقيها الطائرات.

وقال ضابط جيش برتبة عقيد "مقاتلو الدولة الإسلامية اجتاحوا المدينة وطردوا قوات الأمن وإذا أردنا استعادة السيطرة فنحتاج للتعامل مع حوالي عشرة آلاف فدان من الأرض المزروعة"، وأضاف "بدأنا في استعمال سياسة الأرض المحروقة، هذا قاس، نحن نعرف ذلك، لكن طائرات الهليكوبتر العسكرية تحتاج إلى رؤية واضحة لملاحقتهم وتدميرهم"، ويخشى المسؤولون من أن المكاسب الإضافية للدولة الإسلامية ستمنحها السيطرة على الطرق الرئيسية التي تربط بغداد بالمدن الجنوبية التي تسكنها أغلبية شيعية منها كربلاء والنجف اللتان أعلن تنظيم الدولة الإسلامية أنه يستهدفهما، وليس هناك أي فرص للنجاة أمام الأسر الشيعية في المدن التي تقع جنوبي بغداد، وإلى الآن فرت مئات من هذه الأسر، والشيعة في مفهوم تنظيم الدولة الإسلامية كفرة يجب قتلهم، وكشف مقاتلو التنظيم عن نوايا بهذا الشأن.

وقال كاظم الياسري وهو شيعي فر تاركا مزرعة السمك التي يملكها خشية أن تقطع رقاب أفراد أسرته "كان يوما مرعبا عندما رأيت منشور التهديد وعليه علامة تنظيم الدولة الإسلامية" متضمنا طلب ترك البيت وإلا سيكون الذبح نصيب كل من يسقط في أيديهم"، وقال "خلال ساعة واحدة هربت من جرف الصخر ومعي زوجتي وأربعة أولاد، الخوف المرعب من قطع رأسي لم يزل إلا عندما وصلت إلى ملاذ آمن"، ويقول سكان سنة إن القوات التي أقامت نقاط تفتيش وأبراج مراقبة أثارت عداء كاملا لها من جانب السكان بمن فيهم مجموعة مكونة من 50 من رجال القبائل المسلحين بالقذائف الصاروخية والقنابل التي تزرع في جنبات الطرق وأيضا أسلحة مضادة للطائرات.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/آب/2014 - 12/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م