البقيع مازال مهدماً..

والهدم مازال متواصلاً

موقع الإمام الشيرازي

 

منذ تسعة عقود مرت على فاجعة البقيع ومازالت الأضرحة النبوية مهدمة ويحيطها غرباء أجلاف، ففي الثامن من شوال قامت شرذمة تكفيرية دفعتها نزعة متوحشة من وسط الصحراء لتهدم أضرحة أئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، حيث هجمت عصابات وهابية في العام 1922م لتعيث هدماً وخراباً في (البقيع)، لتعود مرة أخرى في العام 1926م وتقطع رؤوس عدد غفير من الشيعة في مناطق الإحساء، وقد سبقت ذلك أعمال إجرامية عديدة، منها ما جرى في سنة 1802م، حيث اجتاح تكفيريون مدينة كربلاء المقدسة، وانتهكوا حرمة ضريح سيد الشهداء (عليه السلام) بعد أن سلبوا وقتلوا مئات الأبرياء، وصولاً إلى تعرّض مرقد سامراء في 2007 لهجوم هدمت بسببه منائره، بعد حوالي عام وأربعة أشهر من تفجير قبته الذهبية في 2006، وتفجيرات وعمليات انتحارية ضد زوار أضرحة أهل البيت (عليهم السلام) في العراق وسوريا وأفغانستان وباكستان وغيرها.

على مدى قرون، لم يتوقف التكفيريون عن هدم آثار أضرحة الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) أو تفجيرها أو حرقها، فهدموا ضريح الإمام الحسين (عليه السلام) وقبور أئمة البقيع مرات عدة، وأحرقوا حرم الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) ودار الإمام الصادق (عليه السلام)، وقبل ربع قرن، قصف مرتزقة الطاغية المقبور بالمدفعية قبة أبي الفضل العباس (عليه السلام).

وبعد أن قام التكفيريون بتفجير مراقد صحابة أجلاء في الشام، وفشلوا في هدم ضريح السيدة زينب (عليه السلام)، يسعى التكفيريون اليوم إلى هدم ضريح سامراء مجدداً، بعد أن فشل هجومهم المسلح في شعبان/1435. وقد أقدم تنظيم "داعش" الوهابي على هدم وتفجير عدد من مراقد الأئمة والأولياء الصالحين والحسينيات في محافظة نينوى، واصفاً إياها بـ"المعابد الوثنية".

ومؤخراً، تعهد (داعش) قبل أيام بـ"هدم الكعبة"، عازياً السبب إلى أن "المسلمين يعبدونها من دون الله". فيما أكد أن "العقيدة الإسلامية لا تسمح بعبادة الحجر". مؤكداً أن "الحجاج يذهبون لمكة للمس الحجر، وليس لعبادة الله ، ولذلك فإنه لابد من هدمها".

هذا من أخبارهم، وفيها ماهو أقبح وأفظع وأخطر، ويبقى ما عندنا من أخبار!! فهل من قرار وعمل؟!!

مأساة البقيع .. عام جديد

 بعد قرون متخمة بالقمع والقتل والترهيب والتهجير، بدأ الشيعة باستعادة تدريجية لدورهم في الحياة، ورغم أن عملية الاستعادة هذه يحتاج استكمالها إلى وقت، فقد أتاح الوضع الشيعي الجديد للآخرين الاطلاع على علوم أهل البيت (سلام الله عليهم)، وأخذوا يستكشفون حقيقة التشيع وتاريخه، وبدؤوا يستهجنون المشوهين له، الأمر الذي وسّع الجغرافية الشيعية عرضاً وعلواً.

وفي الوقت نفسه، فإن التكفيريين أضحوا – اليوم - علامة بارزة للوحشية والظلامية، حيث انحصرت أعمالهم بين التكفير والذبح، وبات قانون الإنسان والحياة يطاردهم من جحر إلى جحر حماية للبلاد والعباد من شرهم، وهذا ما يؤكد أن العالم بدأ محاولاته لفهم التشيع على حقيقته بعيداً عن صراخ المدعين والملفقين.

إن خلاص العراق من نظام الطاغية المباد، وتحرر مراقد أهل البيت (سلام الله عليهم) المشرِّفة لأرض الرافدين، أنعش الآمال بانبلاج فجر أهل البيت (سلام الله عليهم)، ورفع الظلامات عن أتباعهم في كل مكان، ومنذ ذلك الحين والأنظار متوجهة إلى مراقد البقيع المقدسة حيث القلوب تهفو لإعادة إعمارها. يقول الفقيه السعيد آية الله السيد محمد رضا الشيرازي (قدس سره): "إن من الجفاء للنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (سلام الله عليهم) أن تمر ذكرى هدم أضرحة البقيع المقدسة دون أن نتوقف عندها ونذكّر بها وبالمسؤولية الملقاة على عاتق المسلمين في هذا المجال، فهدم هذه المراقد المطهرة جريمة بكل المقاييس،

وهي جريمة تحمل طابع التناقض مع ذاتها أولاً،

ومع القيم الدينية ثانياً،

ومع الحالة الحضارية ثالثاً،

ومع واقع الأمة الإسلامية وتاريخها رابعاً.

فإذا كان هدم القبور واجباً شرعياً، فلماذا هدم بعضها دون بعضها الآخر؟! وإذا كانت الأبنية عليها بدعة وحراماً شرعاً، فلماذا نرى مرقد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، ما يزال مشيّداً ولم يؤمر بهدمه إلى الآن؟ ولا نظن القوم يعملون بالتقية في هذا المجال، لأنهم ينكرونها، ويقولون إنه لا تقية إلا مع الكفار؟ أم تراهم يكفّرون كل المسلمين، وليس ذلك ببعيد عنهم!".

في شهر شوال للعام الهجري الفائت – كما في كل عام - استذكر الشيعة أحزان ذكرى البقيع، وكان الناس ينتظرون إنجاز خطوة للأمام على طريق الإعمار، لكن تبين أن 8/شوال/1432هو يوم فشل جديد، حيث اكتفت الجهود باحتفالات تقليدية لا تدفع عملياً باتجاه الحل، وهو واقع بائس ومريض، على الرغم من أننا نعيش عصراً يطالب فيه الجميع بحريته وحقوقه، وذلك يشير إلى أن (الأزمة شيعية أولاً). (وفي هذا يطول الحديث).

ولكي لا يكون الاحتفاء في هذا العام بـ(قضية البقيع) شكلياً، لابد من العمل على عقد تجمعات مليونية لإعلان الرفض وتأكيده، وإقامة مؤتمرات حقوقية وقانونية وثقافية للشروع بخطة عمل لإعمار مراقد البقيع المقدسة، فهذا أوان التغيير.

http://alshirazi.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 5/آب/2014 - 8/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م