تشويه الجوهر الواقعي للإسلام

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: تؤكد كثير من المخططات التي يضعها وينفذها أعداء الإسلام، على السعي المتواصل لهؤلاء من اجل تشويه الجوهر الإسلامي، وجعل الغموض يحيق به، لتبدو الصورة غامضة وغير واضحة لفكر الاسلام، فتهتز ثقة الناس به ويصبح مصدر شك لهم، وهذا بالضبط هو الهدف الذي يسعى إليه أعداء الاسلام منذ ظهوره في عصر الرسالة النبوية، أما في العصر الراهن، ومع تزايد الاطماع بثروات المسلمين وأرضهم، وتعاظم المصالح الحيوية للدول الكبرى، فإن تشويه الجوهر الاسلامي الواقعي، بات الهم الشاغل لهذه القوى، حتى تجعل الاسلام ومبادئه وتعالمه وجوهره بشكل عام محل شكوك الجميع، بمن في ذلك المسلمين أنفسهم.

فعندما تكون صورة الاسلام ليست واضحة، سوف تزداد الشكوك به، وهذا ما يعمل على تحقيقه الاعداء بالضبط، وطالما أن الانسان يبحث عن الحقيقة، فإن توضيح الامور يغدو أمرا لا مناص منه لإزالة الغموض والشكوك، وهذا ما نحتاجه الآن لصد الهجمة الشرسة على الاسلام ومبادئه وجوهر الانساني، فهناك من يسعى ويخطط بخبث منقطع النظير لتشويه الفكر الاسلامي الحقيقي، بشتى السبل والطرق والذرائع، مستخدما في ذلك قدراته المالية والفكرية وكل ما يملك، فضلا عن تجنيد العناصر الذيلية المطلوبة لتحقيق هذا الهدف.

لذلك هناك حرب بصور وأشكال عديدة تُخاض ضد الاسلام، تستدعي توضيحا متواصلا وجليا للصورة الحقيقية للاسلام ولجوهره وتعاليمه السمحاء، وقد ورد في كتاب الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، الموسوم بـ (تحويل المعنويات الإسلامية من القوة إلى الفعل)، إشارة مهمة جدا، عن سعي الانسان وراء الحقيقة والمعرفة.

إذ نقرأ في هذا الكتاب: أن (الإنسان بطبيعته يعشق الحقيقة ويدافع عنها.. ويصبو الى المعرفة ولا يحيد عنها). فهذه إذاً هي طبيعة الانسان، إنه يسعى دائما وأبدا الى الحقيقة، لأنها السبيل الوحيد الذي يُشفي غليله ويُشبع فضوله، ويزيل الشكوك من أعماقه وعقله، لذلك نقرأ في السياق نفسه وفي الكتاب المذكور نفسه: أن (الحقائق والخلفيات الواقعية هي التي تسيّر الإنسان وتحركه، وتعطيه الروح المعنوية، والدافع نحو العمل والاستقامة أمام المحن والمعضلات. فمن عرف الحقيقة يعزّ عليه ان يتركها.. ومن شخّص الباطل لا يهنأ إلا بعد دحره).

رفع الحاجز الضبابي

كما أسلفنا القول، أن الجوهر الواقعي للإسلام، يتعرض اليوم الى هجمة شرسة، تقودها دول ودوائر عالمية، تسعى بكل جهدها لتدمير هذا الجوهر الفكري المبدئي الإنساني، لأنه الفكر الوحيد الذي يشكل خطرا على افكارهم، ومنهجهم في النهب والاستغلال المبرمج لخيرات العالم، لاسيما الدول الفقيرة التي لا تستطيع أن تقارع ذلك الفكر الغربي القائم على المادية، وغمط حقوق الآخرين بشتى الطرق والوسائل.

من هنا ليس أمام المسلمين، وخاصة قادة الاسلام السياسيين والفكريين ورجالات الفكر والثقافة وغيرهم، سوى مواجهة الامر الواقع، والتصدي بعقلية منفتحة مؤمنة ومحنكة، لجميع الاساليب والمخططات والمحاولات المستميتة والمستمرة لتشويه الاسلام، وهذا يتطلب جملة من الخطوات المهمة، كما يرى الامام الشيرازي في كتابه المذكور أعلاه، تبدأ برفع الحاجز الضبابي المصطنع الذي وضعه وخطط له الاعداء بصورة مستمرة، لإخفاء الجوهر الواقعي والحقيقي للإسلام، والذي أسهم بقوة في نقل الانسانية من الظلام الى النور.

لذا لابد أن يسعى المسلمون والمعنيون منهم اولا الى توضيح الصورة الحقيقية للإسلام، إذ يقول الامام الشيرازي في كتابه نفسه: (عندما تكون الصورة غير واضحة لدى البعض، ويشوبها بعض الغيوم، من الطبيعي ان يقع اللبس والغموض حول مجموعة حقائق ومواقف مهمة). هنا تحديدا يكمن خطر الضبابية والتشويه التي تحاول دوائر الغرب والدول الطامعة، أن تلحقها بجوهر الاسلام وتعاليمه الانسانية الراقية.

لذلك يؤكد الامام الشيرازي أيضا، قائلا في هذا المجال: (إذا أردنا التعريف - بالإسلام كنظام للحياة- لابد لنا من رفع الحاجز الضبابي الذي جعل البعض يثير قسماً من الأسئلة والإشكالات حول الصورة الإسلامية الواقعية). ولابد أن نفهم أن الاسلوب الخبيث الذي يلجأ إليه الاعداء، هو اسلوب خلط الاوراق، والقيام بالمحاولات المستميتة من اجل تشويه الصورة الحقيقية للإسلام، وهذا ما يحدث الآن بصورة فعلية.

فقد تم توظيف جهات وجماعات وافراد محسوبين على الاسلام، للقيام بهذه المهمة نيابة عن أعداء الاسلام الحقيقيين، لكي يبدو الامر وكأن المسلمين أنفسهم بأنفسهم، يؤكدون الصورة المشوهة لدينهم، لكن جميع الحقائق والادلة المستقلة، تؤكد أن هؤلاء الذين يشوهون الاسلام، هم ذيول صنعتها الدوائر الغربية، التي تسعى وتخطط وتعمل على مدار الساعة لخلط الاوراق، وخلق الاجواء المضبّبة التي تجعل الناس في شك دائم بجوهر الاسلام وتعاليمه.

السؤال القائم حالياً

من هنا لابد أن نفهم جميعا، نحن المسلمين، ما يجري ضدنا في الخفاء والعلن، وما تخطط له الدوائر المعادية، لتشويه الفكر الاسلامي ومبادئه، ولابد أن نجيب بصورة واضحة عن السؤال الجوهري، الذي يتردد على ألسنة المسلمين وغير المسلمين، والذي مفاده: هل الإسلام قادر على النهوض بالمسلمين؟. ولكي تكون الاجابة واضحة ودقيقة، ينبغي أن تكون الخطوة الاساسية، هي إزاحة الضبابية عن جوهر الاسلام والتعريف الحقيقي بتعاليمه وفكره.

كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي بكتابه المذكور نفسه، إذ يقول سماحته في هذا المجال: (لابد من التعريف الواقعي والحقيقي للإسلام وقادته، حتى لا يكون هناك غموض في مواقفهم وأهدافهم وطريقة معالجتهم للحياة).

ويتبع ذلك جانب أكثر إلحاحا، يتعلق بالسؤال الخطير الذي يطرحه مسلمون، أو محسوبين على الاسلام، ويطرحه آخرون من الاديان الاخرى، يتمثل جوهر هذا السؤال، بقدرة الفكر الاسلامي على خلق مجتمع حيوي، متميز، ومتطور، له القدرة على مواكبة جميع ما ينطوي عليه العصر من قيم ومستجدات وصعوبات وإشكالات كبيرة.

لذلك نقرأ السؤال نفسه، في كتاب الامام الشيرازي المذكور آنفا، عندما يتساءل، سماحته: (هل هنالك للإسلام نظام باستطاعته أن ينهض بالمسلمين في العصر الحاضر، بحيث يكون أفضل من الأنظمة المعاصرة: الغربية والشرقية، في إعطاء/الحرية/ والرفاه/ والتقدم/ والسلام/ للمسلمين بما يجعلهم قادة العالم في عصر الفضاء، كما جعل الإسلام المسلمين قادة العالم إبان ظهوره؟).

ولعل الاجابة عن هذا السؤال، هي التي تزيل الضبابية والغموض المصطنع، الذي يحيط بالإسلام وفكره، وهذه بالضبط مهمة علماء المسلمين ورجالاته وقادته، وحتمية سعيهم الدؤوب والمتواصل، للحد من تأثير الذيول والجماعات المسيّرة المحسوبة على الاسلام، والتي تقوم بمهمة تشويه الاسلام من خلال أقوالها المتطرفة، وافعالها على الارض والتي لا تمت بصلة للفكر الحقيقي للاسلام، وذلك من خلال اختلاق هذه الذيول والجماعات، للأفكار والاقوال التي تساعد على تشويه صورة وجوهر الاسلام، وسوف يتم تحجيم دور هذه الجماعات والدول والدوائر التي تصنعها، عندما تتضح حقيقة الجوهر الواقعي للإسلام، وهي مهمة تبدو عسيرة في واقع الحال، لكنها ليست مستحيلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/تموز/2014 - 29/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م