واشنطن ولعبة البيادق المتحاربة!

علي الطالقاني

 

في الوقت الذي تلقي فيه الأزمة السياسية والأمنية المتفاقمة بظلالها على العراق، يسود ترقب شديد الى ما ستؤول اليه الاوضاع على مستويين، الاول ما ستفرزه مرحلة تشكيل الحكومة بعد انتهاء انتخابات عام 2014، فالتوافقات السياسية لاتزال في اطار المباحثات المعقدة فهناك خلاف يدور حول منصب رئيس الوزراء، أما المستوى الثاني فيتعلق بالجانب الأمني وخصوصاً بعد الانهيار الأمني الذي حدث في الموصل والانبار وديالى والمناطق المحيطة بالعاصمة بغداد، على يد تنظيم "الدولة الاسلامية" الذي أعلن "الخلافة" في أجزاء من سوريا والعراق.

وساءت الاوضاع الأمنية بشكل كبير منذ صدور مذكرة اعتقال بحق نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي المتهم بقضايا تتعلق بالإرهاب، حيث أدى ذلك الى هيجان الشارع السني المدعوم من دول خليجية، فقد شن تمرداً عنيفاً في المناطق السنية التي يعتقد سكانها أنهم أولى بالحكم في العراق بسبب إرث تاريخي وربما بسبب تشجيع بعض الدول العربية لهذه المطالب.

وتواجه الحكومة العراقية تحديات سياسية وأمنية زادت من عمق الفجوة بين الحكومة المركزية من جانب وبين الشارع السني من جانب آخر لتسوء الأوضاع بشكل أكبر فيما بعد وتتعمق الفجوة بين الحكومة المركزية وبين حكومة اقليم كردستان خصوصا بعد ان سيطرت قوات البيشمركة على محافظة كركوك الغنية بالنفط نتيجة انكسار الجيش العراقي في الموصل لأسباب ربما تقف خلفها مؤامرات أو بسبب خذلان القادة الأمنيين.

وهناك أسباب أخرى صعّدت من حدة الأزمة حيث يختلف كل من بغداد وأربيل على قضايا تتعلق بتصدير النفط، وبتطبيق المادة (140) التي تنص على إنهاء مشكلة الاراضي المتنازع عليها في محافظة كركوك ونينوى وديالى، فالأكراد لهم طموحات كبيرة تفوق قدرة البلد على تحملها، حيث يطالب الأكراد بضم هذه المناطق للإقليم اضافة الى طموحات الاقليم بالانفصال.

لكن بغداد تتهم الأكراد بتجاوز الصلاحيات وارتكاب مخالفات قانونية ودستورية بعد ان عمدت حكومة إقليم كردستان الى استغلال الفراغ الأمني الذي حدث في الموصل حيث قامت قوات البيشمركة بالسيطرة على كركوك الغنية بالنفط بالكامل في خطوة تمهد لضم كركوك الى الاقليم بالقوة.

ومن أوجه الخلافات السياسية الأخرى فان الحكومة العراقية متهمة بالوقوف إلى جانب النظام السوري الذي يخوض معارك ضارية ضد مجاميع مختلفة في التوجهات والايدلوجيات، ومتهمة بانها خاضعة للتأثير الايراني.

لكن واقع الحال يقول غير ذلك وخصوصا فيما يتعلق بارتباط الحكومة التي يرأسها الشيعة بايران، فالشيعة في العراق الذين يشكلون الاكثرية يفضلون بأن تكون الحكومة مستقلة غير خاضعة لتأثير أية دولة، أما اللجوء الى ايران فهو أمر يحتم عليهم ذلك لأن الامريكيين الذين دخلوا البلد لم يقفوا الى جانب العراق بشكل يدعم العملية السياسية خصوصاً أمام القوى المتشددة والمدعومة من دول المنطقة التي تدفع باتجاه ان يكون الحكم بيد السنة. كذلك بسبب ان إيران حليف العراق وجاره الأزلي.

وبالتالي أدت هذه المواقف الى تزايد حدة التوترات التي شجعت المجاميع الارهابية التي تدعمها قوى سياسية سنية متشددة الى تفجير نزاع طائفي في عام 2007 وامتد هذا الصراع الى يومنا الحالي بأساليب مختلفة، وبالتالي عكست هذه الاحداث صورة غامضة عن مستقبل العراق السياسي والأمني.

بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخرا لا تزال الأحزاب الشيعية تمثل الأغلبية التي ربما تتيح لها تشكيل حكومة الأغلبية والتي طالب بها رئيس الوزراء نوري المالكي الذي حصل بدوره على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية حيث يحق له البقاء في السلطة وفق الموازين الدستورية.

لذا طالب المالكي بتجديد ولاية ثالثة لمنصب رئيس الوزراء وهو الأمر الذي رفضه الكرد والسنة وأحزاب شيعية معروفة، مما جعل تشكيل الحكومة في مرحلة حرجة.

الادارة الأمريكية وعلى اعتبارها الحليف الأكبر للعراق وتربطها معاهدة أمنية وتحالف سياسي "غير مستقر" أكدت في مرات عدة انها ترغب بإزاحة المالكي في مقابل تقديم الدعم العسكري ورعاية مصالحها، وفي نفس الوقت لا ترغب باختيار رئيس وزراء العراق فان ذلك قد يجعل منها ترتكب خطأ ما.

وعلى ما يبدو ان واشنطن لا ترغب أيضا بان يكون في العراق حكومة أغلبية لأسباب ربما ترتبط بايران ومعارضة السعودية لذلك. حيث قال جيمس جيفري السفير الأمريكي السابق في بغداد إن المعضلة الأساسية نشأت خلال الاحتلال الأمريكي وتتمثل في أن الديمقراطية مكنت أغلبية شيعية تخشى حكامها السنة السابقين. لكن يعود ويقول كلنا نسعى للديمقراطية وهذا ما كنا نفعله هناك والديمقراطية قادت إلى هذه النتيجة.

انتهاكات مرعبة

واليوم دخل البلد في أزمة أمنية من خلال ما جرى في الموصل وضع واشنطن أمام اختبار حقيقي، فهناك الالاف من النازحين الذين فروا بسبب العنف الذي ترتكبه التنظيمات الارهابية بحق المدنيين، حيث يقوم التنظيم بإخضاع الاهالي تحت سيطرته، ويعاقب المخالفين بقطع الرؤوس وبتر الاطراف ويقوم بختن الاناث تحت الاجبار وينفذ اعدامات بشكل علني ويرجم النساء ويفرض أتاوات ويشرع قوانين تخالف حقوق الانسان، فالشيعة كانوا أول الضحايا بسبب المعتقد والانتماء حيث يتم قتلهم بطرق بشعة أما منازلهم فقد كتب عليها حرف الراء اي روافض.

أما الأقليات فقد تم مساومتهم على تغيير معتقدهم من خلال اخضاعهم لمعتقدات متشددة باسم الاسلام أو العيش تحت ظل "الدولة الاسلامية" مقابل دفع الجزية من دون تحديد سقفها أو الهجرة من مدينتهم دون اية امتعة وفي حال رفض ذلك يتم قتلهم، كما كتب على بيوتهم حرف النون، اي نصارى، كذلك فهناك بعض السنة الذين رفضوا بيعة تنظيم "الدولة الاسلامية" كان جزاؤهم القتل. وحذرت منظمة العفو الدولية من ان التنظيم يريد القضاء على أي أثر للأقليات في الموصل شمال العراق.

ما هو مطلوب؟

لاشك ان الدعم الأمريكي للعملية السياسية في العراق يتوقف على استيفاء شروط معينة. ونظراً للتطورات الأمنية الخطيرة من قبل المجموعات الارهابية المتزايدة النفوذ على الصعيد الاقليمي وحتى العالمي، يجب أن تكون مسألة تزويد العراق بمعدات عسكرية خارج اطار اللعبة السياسية. وهذا يتطلب من القادة العراقيين اقناع واشطن بذلك رغم أن الأمر ليس بهذه البساطة.

حيث تواجه المدن التي تشكو من الارهاب تحديات كبيرة فالتقارير الصحفية التي توصف ما يجري في هذه المدن تكاد تنعدم بسبب الوضع الأمني المتردي فهناك اتصالات فردية تجري من قبل مهتمين بالشأن الأمني توضح أن انتهاكات كبيرة تحدث على مدار الساعة فالأضرار والانتهاكات كبيرة ومرعبة.

وبما أن واشنطن وبغداد متفقان على خطوط عريضة تهم الأمن القومي لكلا البلدين من الضروري أن تزود الولايات المتحدة بغداد بالمعدات العسكرية وبالدعم اللوجستي والارشاد من أجل انجاح مهمة العراق.

واستناداً لمعطيات الاحداث الجارية يمكن ان تسرع واشنطن في تسليح الجيش العراقي في خطوة استباقية من أجل تفعيل المعاهدة الأمنية وقبل ان يتخذ العراق شريكا له غير واشنطن في استراتيجيته ازاء الاحداث التي تجري في المنطقة.

ويمكن للولايات المتحدة الامريكية أن تعطي الأولوية لدعم الأمن في العراق خصوصا في الوقت الراهن. ومن شأنها في نفس الوقت ان تراقب العدم العسكري الذي سيستخدم من قبل القوات الأمنية العراقية ضد التنظيمات المتشدد الارهابية.

ومع أنه من المرجح ان تعارض هذه الخطوة اشكاليات في التطبيق بسبب فقدان الثقة بين واشنطن وبغداد، لكن على بغداد ان تكون ملزمة بما تعهدت به او ما ستتعهد به في ما يخص رعاية المصالح الأمريكية التي لا تتنافى مع توجهات العراق السياسية وفقا للالتزامات التي نصت عليها الاتفاقية الأمنية بين البلدين.

خلاصة

أدرك الجميع ان واشنطن كان لها الدور الكبير في انهيار الأمن في مناطق عدة من العراق بسبب عدم مساعدتها الحكومة العراقية وفق التزامات المعاهدة الأمنية وكذلك بسبب فرض شروط معينة مقابل الدعم العسكري بكل تفاصيله.

حيث اكدت وسائل اعلام امريكية، ان دور الولايات المتحدة الأميركية تقلص بشكل كبير وتراجع أكثر نتيجة الدعم الروسي للعراق في حربه ضد الارهاب. وما زاد مخاوف القادة العراقيين بشكل أكبر وعدم ثقتهم بالجانب الأمريكي بعد قيام وزير الخارجية الأمريكية جون كيري بجولة دبلوماسية في المنطقة تمخض عنها تقديم 500 مليون دولار لدعم "ثوار سوريا" وهو ما يوضح الدور الأمريكي المضطرب في منطقة الشرق الأوسط.

وهناك شواهد كثيرة تؤكد دور واشنطن السلبي، فقد قال السفير الامريكي السابق في العراق جيفري إن المساعي الأمريكية لإعادة رسم العراق لم تكن واقعية قط. وأضاف أن إدارة بوش لم توضح للرأي العام حجم المجهود المطلوب، وإن إدارة الرئيس أوباما بددت التأثير المحدود الذي كان قائما.

ومن أجل تأهيل جسور الثقة بين الطرفين ومن أجل ان يبقى لواشنطن سهم كبير في السياسة العراقية عليها ان تدرك معاناة العراق وان تسارع في تقديم الدعم الدبلوماسي والسياسي والأمني، فهي مطالبة بتصحيح مواقفها تجاه العراق. ويتطلب من واشنطن أيضا حثّ كل من تركيا وايران وسوريا وأكراد العراق بتشكيل تحالف لمواجهة خطر المتشددين.

* كاتب صحفي

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/تموز/2014 - 29/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م