أوجه القصور في الاستجابة الدولية للأزمات الإنسانية

 

شبكة النبأ: أصدرت المنظمة الإنسانية الدولية أطباء بلا حدود تقريراً شديد اللهجة بعنوان أين الجميع؟ يحدد عدداً من أوجه القصور الحاد في استجابة مجتمع المعونة الدولية للأزمات الإنسانية.

والعديد من القضايا التي أثيرت في التقرير مألوفة لدرجة مزعجة خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يعملون في الخطوط الأمامية للاستجابة لحالات الطوارئ: فأنظمة التمويل بطيئة جداً وغير مرنة، وتؤثر سلباً على توقيت الاستجابة.

كما أن المنظمات غير الحكومية المحلية الصغيرة، والتي غالباً ما تكون الأقدر على الاستجابة لحالات الطوارئ، مستبعدة من النظام الإنساني الذي يغلب عليه التوجه الغربي والذي يتمحور حول الأمم المتحدة، بالإضافة إلى ذلك، لا تحظى القدرة على الاستجابة لحالات الطوارئ بالأولوية التي ينبغي أن تكون عليها في نظام إنساني اتسع مجاله وأصبح يضطلع بالعديد من المهام الأخرى. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

وقد أشار برتراند تايث، وهو مؤرخ ثقافي في مجال المعونة الإنسانية، ومدير معهد الاستجابة للشؤون الإنسانية والصراعات بجامعة مانشستر، إلى أن التقرير يفتقر إلى الأدلة، وتساءل عما إذا كان التقرير الانتقادي لمنظمة أطباء بلا حدود بشأن المخاوف المعروفة "الذي تصدر عناوين الصحف" هو أفضل نهج "في حقبة أصبح يطبق فيها التقشف في جميع أنحاء العالم كذريعة لتقييد ميزانيات المعونة".

من ناحية أخرى، قال إيد شينكينبيرج، الرئيس التنفيذي لمنظمة دارا، وهي منظمة غير حكومية تقوم بتقييم فعالية الاستجابات الإنسانية، أنه على الرغم من أن المنهجية التي اعتمد عليها تقرير منظمة أطباء بلا حدود يمكن أن تكون أقوى من ذلك، إلا أنها تطرح عموماً، الأسئلة الصحيحة"، وأضاف في حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "على مدى السنوات العشر الماضية، شاهدنا زيادة ضخمة في عدد الجهات الفاعلة وجهداً ضخماً لإضفاء الطابع المهني على هذا القطاع، وعندما ننظر إلى كل هذه التطورات، يمكننا أن نسأل عن النتائج التي حصدتها لصالح المتضررين [من الأزمات الإنسانية]".

إذاً، ما هي القضايا الرئيسية التي يثيرها التقرير وكيف استجابت الجهات المقدمة للمعونة لها؟ فيما يلي تلقي شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) نظرة تحليلية على هذا الوضع:

يبدأ التقرير بالتأكيد على أن "لدى نظام المعونة الإنسانية الدولية الكثير من الوسائل والموارد تحت تصرفه... أكثر من ذي قبل"، ويشير التقرير فيما بعد إلى أن عدم كفاية التمويل لم تكن هي مصدر تقييد رئيسي في أي من دراسات الحالة الثلاث للاستجابة لحالات الطوارئ التي استعرضها التقرير (في جنوب السودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والأردن)، التي وصفت جميعها بأنها تنطوي على إخفاقات كبيرة.

من ناحيته، قال جريج بارو، مدير مكتب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في لندن، في رسالة بعث بها إلى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) عبر البريد الإلكتروني، أنه على الرغم من أنه قد يكون للمجتمع الإنساني المزيد من الموارد المتاحة، إلا أن "حجم وتعقيد وتكلفة الاستجابة لحالات الطوارئ الإنسانية تتزايد بلا شك".

حالات النزوح المتزامنة على نطاق واسع في العديد من الدول بما في ذلك سوريا والعراق وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان، تشكل ضغطاً غير مسبوق على النظام الإنساني الدولي. ويرى جينز لارك، المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، "الافتقار إلى التمويل لا يزال يشكل قيوداً على العمليات الإنسانية في جميع أنحاء العالم".

وترى ويندي فينتون من فريق السياسات الإنسانية التابع لمعهد التنمية الخارجية، الذي يتخذ من المملكة المتحدة مقراً له، أنه بينما قد تواجه وكالات المعونة قيوداً على التمويل، إلا أن "لدى الوكالات خيارات حول كيفية العمل وترتيب الأولويات". والحجة الرئيسية التي تسوقها منظمة أطباء بلا حدود هي أن المنظمات الإنسانية غالباً ما تفشل في إعطاء الأولوية لقدرة الاستجابة للطوارئ التي يصفها مؤلفو التقرير بأنها "العمل الأساسي" للنظام الإنساني.

ويتفق أوجستين أوجيه، رئيس منظمة أليما، وهي منظمة فرنسية غير الحكومية تركز على إقامة الشراكات مع الجهات الفاعلة المحلية في تقديم الرعاية الطبية في حالات الطوارئ، على أن الاستجابات لحالات الطوارئ لا تتم حسب أولويتها بشكل كاف، لكنه ألقى باللائمة على النظام الإنساني برمته بدلاً من الوكالات بشكل فردي.

وفي هذا الصدد، قال لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "النظام لا يوفر حوافز كافية للمنظمات غير الحكومية المحلية لتطوير خبرة قوية في مجال العمل الإنساني". وأضاف "أنها جميعاً تريد العمل في التنمية لأنها تمكنها من الحصول على عقود أطول وتسمح لها بالاستثمار في البنية التحتية. وجميعها يقول أنه من منظور الأعمال تجارية، فإن الحوافز في النظام الإنساني ليست جيدة بما يكفي للعمل في مجال الاستجابة لحالات الطوارئ".

وفي الفترة من عام 2009 إلى 2013، تلقت المنظمات غير الحكومية المحلية والوطنية 1.6 بالمائة من إجمالي المعونات المقدمة للمنظمات غير الحكومية، وذلك وفًقا لنظام التتبع المالي التابع لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). وهذا يمثل 0.2 بالمائة فقط من إجمالي الاستجابة الإنسانية الدولية خلال نفس الفترة، وفقاً للبحث الذي أجرته منظمة "مبادرات التنمية".

ولعل الاستنتاج الأكثر إدانة في التقرير هو أن الوكالات تتحاشى استهداف القطاعات السكانية الأكثر ضعفاً والأصعب من حيث إمكانية الوصول إليها، مثل اللاجئين غير المسجلين في المناطق الحضرية في الأردن، النازحين داخليا الذين يعيشون بعيداً عن جوما، عاصمة شمال كيفو، وأضاف مؤلفو التقرير أنه في جميع حالات الطوارئ الثلاث التي تمت دراستها في التقرير، "كان أحد المحددات الرئيسية لمستوى التغطية والفعالية هو مستوى الصعوبة (وعلى العكس من ذلك، الراحة)".

واستشهد التقرير بانعدام الأمن والتحديات اللوجستية كعوامل يمكن أن تقيد الوصول إلى السكان في أماكن مثل شمال كيفو وجنوب السودان، لكنه أشار إلى أنه في الغالب لا تبذل جهود كافية للتغلب على هذه المعوقات.

وحول هذه النقطة، قال جينس بيدرسن، مستشار الشؤون الإنسانية في مكتب منظمة أطباء بلا حدود في جوهانسبرغ: "نحن لا نقول أنه ينبغي على [الوكالات] أن تُقدم على مخاطر لا لزوم لها، ولكننا نرى أنه في بعض الحالات، يصبح انعدام الأمن المتصور حجة دفاعية ... وهذا أمر يمكن معالجته من خلال التفاوض مع الأطراف [المختلفة]".

وشعر بعض العاملين في مجتمع المعونة بالإساءة، ليس فقط من عنوان التقرير ولكن أيضاً من الاستنتاجات التي توصل إليها، بأن المنظمات الإنسانية - باستثناء منظمة أطباء بلا حدود - غائبة إلى حد كبير من العديد من الأماكن الأكثر صعوبة من حيث إمكانية الوصول إليها، وفي مدونة بعنوان أين الجميع؟ نحن نقف بجوارك، أوضح بوب كيتشن، مدير وحدة التأهب والاستجابة لحالات الطوارئ في لجنة الإنقاذ الدولية إلى أن اللجنة هي من بين العديد من المنظمات الإنسانية الأخرى التي "تستمر في التصدي والإنجاز في مواجهة الفوضى وتصاعد الاحتياجات الإنسانية" في أماكن مثل الصومال، "الدولة التي تشهد أعمال عنف خطيرة لدرجة أن منظمة أطباء بلا حدود نفسها قد انسحبت منها".

وأشار أوجيه من منظمة أليما إلى أن العمل في الأماكن الأكثر صعوبة في الوصول إليها له "تكلفة ضخمة" لا تؤخذ في الاعتبار الكافي من قبل الجهات المانحة. وقال: "أنا لا أتهم المنظمات غير الحكومية ولكن أنظر إلى الأسباب التي تجعلها لا تستطيع العمل في تلك الأماكن".

ويدعي التقرير أن الدور الثلاثي لوكالات الأمم المتحدة القيادية مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كجهة منسقة ومنفذة ومانحة في أماكن مثل جنوب السودان يؤدي إلى تضارب في المصالح. وأوضح بيدرسن بقوله: "أعتقد أن هذا يمثل إشكالية إذ أن هناك حافزاً في عدم إثارة الانتقادات". ففي حالة جنوب السودان، على سبيل المثال، حيث كانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هي المسؤولة عن صرف الأموال للوكالات الشريكة المنفذة، وكونها منفذة هي نفسها، فقد كانت تلك الوكالات مترددة في إثارة المخاوف المتعلقة بمشاكل التنفيذ، بسبب "عدم الرغبة في عض اليد التي تطعمها".

وقالت أريان روميري، المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن المفوضية سوف تبحث في الانتقادات التي توجهها منظمة أطباء بلا حدود و"تبحث الدروس التي يمكن استخلاصها منها".

مع ذلك، فقد أشارت إلى أن "النتائج الرئيسية للتقرير تعود لأكثر من عام من (المقابلات والبيانات والزيارات الميدانية من عام 2012 و2013) والفجوة الزمنية الكبيرة بين البحوث والنشر ربما لا تنصف الجهود المبذولة للتصدي للتحديات المذكورة في الحالات الثلاث الواردة في التقرير".

وتتفق فنتون من معهد التنمية الخارجية في أنه قد تم بالفعل اتخاذ بعض الخطوات الإيجابية منذ إجراء البحث الوارد في التقرير. وعن هذا الأمر، قالت لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "لقد حدثت تطورات منذ أن تم القيام بهذه البحوث، على الرغم من أن العديد من المشكلات تتكرر في أماكن مثل جمهورية أفريقيا الوسطى ... فنظام كبير مثل الأمم المتحدة يستغرق وقتاً طويلاً حتى يتغير".

ويشير التقرير إلى أنه "لكي تكون الاستجابة لحالات الطوارئ فعالة، فإنها تتطلب تمويلاً مرناً ويسهل صرفه بسرعة وألا يكون مخصصاً لغرض محدد"، مضيفاً أن آليات التمويل الطارئة الحالية لا توفر هذه السمات، وغالباً ما تستغرق الأموال ثلاثة أشهر حتى تصل إلى الميدان، لكي تكون الاستجابة لحالات الطوارئ فعالة، فإنها تتطلب تمويلاً مرناً ويسهل صرفه بسرعة وألا يكون مخصصاً لغرض محدد

وأكد أوجيه أن ثلاثة أشهر هي الوقت النموذجي لمعظم تمويل الجهات المانحة الذي يتم صرفه من خلال وكالات الأمم المتحدة. وقال: "إننا نخسر الكثير من الوقت بسبب هذا"، مشيراً إلى أن الجهات المانحة مسؤولة جزئياً عن توجيه غالبية التمويل الإنساني من خلال الأمم المتحدة وليس عبر المنظمات غير الحكومية الفردية".

ويوجد خارج نظام الأمم المتحدة شبكة ستارت (START)، وهي عبارة عن اتحاد يضم 19 من المنظمات غير الحكومية الرئيسية التي تشترك في وعاء مخصص لتمويل حالات الطوارئ (صندوق ستارت)، الذي يحوي تمويل تبرعت به وزارة التنمية الدولية في المملكة المتحدة. ويهدف الصندوق، الذي أطلق في أبريل 2014، لمعالجة الثغرات في الاستجابات السريعة للأزمات المفاجئة فضلاً عن الاستجابات لحالات الطوارئ الصغيرة والمتوسطة الحجم التي غالباً ما تحصل على تمويل قليل.

وقالت فنتون: "تعد شبكة ستارت تطوراً مهماً ومثيراً لأنه حتى وقت ظهور هذه الشبكة وقرار بعض الجهات المانحة الاستثمار فيها، لم يكن هناك بديل للأمم المتحدة فيما يتعلق بإدارة مبالغ كبيرة من التمويل المُجمع".

وتسعى الشبكة أيضاً لمعالجة أحد الانتقادات الأخرى التي آثارها تقرير منظمة أطباء بلا حدود-وهو أنه غالباً ما يتم تهميش المنظمات غير الحكومية المحلية الصغيرة، في الاستجابة لحالات الطوارئ من قبل الوكالات الدولية الكبرى، وأحد أهداف الشبكة هو تطوير قدرة هذه الجهات الفاعلة المحلية وزيادة إشراكها في عملية صنع القرار.

ولا يقدم التقرير في نهايته قائمة طويلة من التوصيات، وقد أوضحت منظمة أطباء بلا حدود أن الغرض من التقرير هو أن يكون بمثابة نقطة انطلاق لمناقشات حاسمة في مجتمع المعونة وليس محاولة لتقديم إجابات سهلة. ومهما كانت الآراء حول كيفية قيام منظمة أطباء بلا حدود باستعراض بعض الاستنتاجات التي توصلت إليها، يبدو أن هناك اتفاقاً واسع النطاق على الحاجة لمثل هذه المناقشات، لاسيما في وقت تكثر فيه حالات الطوارئ الملحة التي تتطلب استجابات إنسانية عاجلة.

ومن غير الواضح بعد من هي الجهة التي ستتولى مسؤولية الانتقال بالمناقشة إلى مستوى متقدم. من جانبه، يرى شينكينبيرج من منظمة دارا، أنه نظراً لأن منظمة أطباء بلا حدود قد أثارت هذه القضايا الحرجة، فينبغي عليها تحمل مسؤولية "الاستثمار في عملية تعطي المنظمات المانحة الوقت الكافي للانخراط بشكل أعمق".

مع ذلك، دعا هو وأوجيه وكالات الأمم المتحدة إلى المشاركة في مناقشات أكثر انفتاحاً بشأن أوجه القصور التي تعتريها.

وفي هذا الإطار، قال أوجيه "بشكل عام أعتقد أن هناك اتفاقاً من قبل الجميع على أنه ينبغي علينا أن نبذل جهودا أكثر وأفضل، ولكن الحلول سوف تأتي فقط من الجهات التي لديها الصلاحية لتنفيذ مثل هذه الحلول، وهي الأمم المتحدة والجهات المانحة الكبرى".

من المرجح أن يتم إجراء مزيد من المناقشات بشأن هذا الموضوع في الوقت الذي تستعد فيه وكالات المعونة لعقد مؤتمر "القمة العالمية للعمل الإنساني"، المقرر عقده في اسطنبول في عام 2016. وتجدر الإشارة إلى أن أحد الأهداف المعلنة لهذا المؤتمر، الذي سيعقده الأمين العام للأمم المتحدة، هو إيجاد سبل لزيادة فعالية المعونة الإنسانية. وقد بدأت بالفعل مشاورات إقليمية وعبر الإنترنت بغية المساعدة في تحديد بعض التحديات الإنسانية التي سيتم معالجتها.  

وختاماً، قالت فنتون: "أعتقد أن ما قامت به منظمة أطباء بلا حدود هو إعادة طرح بعض المسائل القديمة مرة أخرى على الطاولة لتسليط الضوء على الحاجة إلى محاولة التصدي لها، ربما في مؤتمر القمة العالمية للعمل الإنساني".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 24/تموز/2014 - 25/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م