هل يكون فرط الازدهار ضارا؟

روبرت جيه شيللر

 

نيوهافين ــ في الأشهر الأخيرة، تعاظمت المخاوف بين خبراء المال ووسائل الإعلام على مستوى العالم من أن تؤدي أسواق الأصول المحمومة ــ العقارات والأسهم والسندات الطويلة الأجل ــ إلى تصحيحات كبرى وأزمة اقتصادية أخرى. ولكن يبدو أن عامة الناس لا يكترثون كثيراً بهذا الأمر: فقد أظهرت اتجاهات جوجل بعض الارتفاع في البحث عن مصطلح "فقاعة سوق الأوراق المالية"، ولكن البحث لم يصل إلى مستويات الذروة التي بلغها في عام 2007، وعمليات البحث عن "فقاعة الإسكان" نادرة وغير منتظمة نسبيا.

ولكن مخاوف الخبراء ملحوظة وصحية، لأن الاعتقاد بأن الأسواق تتسم دوماً بالكفاءة من غير الممكن أن يظل باقياً إلا إذا لم يصدق بعض الناس هذا الاعتقاد بشكل كامل فيتصورون أنهم قادرون على تحقيق الربح من خلال توقيت الأسواق. ومن ناحية أخرى، ينطوي هذا التخوف المتزايد أيضاً على مخاطر، لأننا لا نعرف ما إذا كان ذلك قد يؤدي إلى ردود فعل مبالغ فيها من قِبَل عامة الناس على الجانب السلبي.

وقد أصدرت هيئات دولية مؤخراً تحذيرات حول تجاوزات المضاربة في أسواق الأصول، مقترحة أننا لابد أن نقلق بشأن أزمة محتملة. ففي كلمة ألقاها في شهر يونيو/حزيران، زعم نائب المدير الإداري لصندوق النقد الدولي أن أسواق الإسكان في العديد من البلدان، بما في ذلك في أوروبا وآسيا والأميركيتين، "تظهر علامات الإنهاك". وفي الشهر نفسه، قال بنك التسويات الدولية في تقريره السنوي إن "مثل هذه العلامات مثيرة للقلق".

وتطلق الصحف أيضاً تحذيرات صاخبة. ففي الثامن من يوليو/تموز، نشرت صحيفة نيويورك تايمز في مقدمة صفحتها الأولى عنواناً رئيسياً يتسم بالتضخيم بعض الشيء: "من الأسهم إلى الأراضي الزراعية، كل شيء أصبح مزدهراً أو متضخماً في فقاعات: فأسعار كل الأصول تقريباً في مختلف أنحاء العالم مرتفعة، وهو ما يحمل في طياته مخاطر اقتصادية". والواقع أن كل الكلمات تقريباً قوية أكثر مما ينبغي، وإن كان العنوان الرئيسي يبرهن على التخوف المكتشف حديثا.

وليس من الواضح تماماً لماذا تقرع أجراس الإنذار الآن بالتحديد، بعد خمس سنوات من التوسع العام في الأسواق منذ بلغت أدنى مستوياتها في أوائل عام 2009. ولكن لماذا يتوقع الناس سنوات أخرى من التوسع بهذا القدر من الابتهاج؟

يبدو أن هذا التفكير يتأثر بشدة بالمستويات القياسية التي بلغتها أسواق الأسهم مؤخرا، حتى وإن كانت هذه المستويات بلا معنى من الناحية العملية نظراً للتضخم. فقبل شهر واحد فقط، كسر مؤشر مورجان ستانلي لرأس المال الدولي على مستوى كل بلدان العالم الرقم القياسي الذي بلغه في الحادي والثلاثين من أكتوبر/تشرين الأول 2007.

وفي يونيو/حزيران أعلن صندوق النقد الدولي عن إنشاء موقع جديد لمراقبة الإسكان العالمي على الإنترنت يتتبع أسعار ونسب المساكن العالمية. ويظهِر هذا الموقع مؤشراً عالمياً لأسعار المساكن يتجه نحو الارتفاع، قياساً على الناتج المحلي الإجمالي، وبسرعة لا تقل عن سرعته أثناء فترة الرواج التي سبقت أزمة عام 2008، ولو أن المؤشر لم يبلغ بعد مستويات عام 2006 القياسية.

وهناك أيضاً إعلان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الذي يزعم أنه إذا تقدم الاقتصاد كما هو متوقع فإن آخر مشتريات السندات في إطار جولة التيسير الكمي التي بدأت في سبتمبر/أيلول 2012 سوف تتم في الشهر التالي لاجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في أكتوبر/تشرين الأول 2014. ويبدو أن هذا النوع من الأخبار يؤثر أيضاً على تفكير المراقبين، ولو أنه لا يشكل أهمية كبيرة كخبر، لأن الجميع أدركوا أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف ينهي البرنامج قريبا.

والمشكلة هي أننا لن نجد طريقة أكيدة لتفسير الكيفية التي قد يستجيب بها الناس لمثل هذا التغير في السياسات، أو لأي علامات تشير إلى ارتفاع الأسعار بإفراط أو هبوطها، أو لقصص إخبارية أخرى يمكن نسجها باعتبارها مهمة على نحو ما. ونحن ببساطة ليس لدينا الكثير من التاريخ الجيد التوثيق لأزمات مالية كبرى يمكننا فحصها ودراستها، الأمر الذي يجعل خبراء الاقتصاد القياسي عُرضة لأخطاء خطيرة، برغم دراسة سلاسل زمنية لا يتجاوز مداها عادة بضعة عقود من الزمان.

قبل اندلاع الأزمة الأخيرة، كان خبراء الاقتصاد يبالغون في الحديث عن "الاعتدال العظيم": فزعموا أن التقلبات الاقتصادية أصبحت أكثر اعتدالا، واستنتج كثيرون أن سياسة تثبيت الاستقرار الاقتصادي بلغت ذُرى جديدة من الفعالية. وبدءاً بعام 2005، قبيل اندلاع الأزمة المالية، استنتج خبيرا الاقتصاد القياسي من هارفارد جيمس ستوك (الذي أصبح الآن عضواً في مجلس الرئيس باراك أوباما للمستشارين الاقتصاديين) ومارك واتسون أن الاقتصادات المتقدمة أصبحت أقل تقلباً وأقل ارتباطاً فيما بينها على مدى السنوات الأربعين السابقة.

والآن لابد من تعديل هذا الاستنتاج إلى حد كبير في ضوء البيانات المسجلة منذ اندلاع الأزمة المالية. فلم يكن التباطؤ الاقتصادي في عام 2009، وهو أسوأ أعوام الأزمة، أقل من كارثة.

الواقع أننا لم نشهد سوى ثلاث أزمات عالمية بارزة في القرن الماضي: أزمة 1929-1933، وأزمة 1980-1982، وأزمة 2007-2009. ويبدو أن هذه الأحداث كانت أكثر من مجرد نسخ أكبر من التقلبات الصغيرة الأكثر تكراراً التي نشهدها غالبا، وتلك التي حللها ستوك وواتسون. ولكن من الصعب أن نفهم هذه الأحداث في وجود ثلاث نقاط ملاحظة فقط.

فجميعها بدت وكأنها تتعلق بتحركات أسعار المضاربة التي فاجأت أغلب المراقين ولم يتم تفسيرها حقاً على الإطلاق، حتى السنوات التالية لها. وهي ترتبط أيضاً بالأخطاء التي يرتكبها صناع السياسات الحكومية. على سبيل المثال، اندلعت أزمة 1980-1982 بفعل الارتفاع الحاد الذي سجلته أسعار النفط نتيجة للحرب الإيرانية العراقية. ولكنها كانت ترتبط جميعها بفقاعات أسعار الأصول التي انفجرت فأدى ذلك إلى انهيار مالي.

الحق أن أولئك الذين يحذرون من مخاطر جسيمة إذا سُمِح للزيادات في أسعار المضاربة بالاستمرار بلا ضابط أو رابط محقون في تحذيراتهم، حتى ولو لم يكن بوسعهم إثبات وجود أي سبب للقلق. وقد تساعد التحذيرات في منع الطفرات التي نشهدها من الاستمرار لفترة أطول وفرض مخاطر أعظم.

* الفائز في جائزة نوبل في الاقتصاد في 2013، وأستاذ علوم الاقتصاد بجامعة ييل، وشارك في خالق مؤشر كيس شيلر لأسعار المساكن في الولايات المتحدة. ومؤلف كتاب من الوفرة الطائشة، الطبعة الثانية التي توقع فيه الانهيار القادم من فقاعة العقارات

http://www.project-syndicate.org

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/تموز/2014 - 23/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م