أخلاقيات التغيير... الأخلاق والسياسة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لم يتوقف الجدل المستمر يوما حول العلاقة بين الاخلاق والسياسة، وهو جدل يستدعيه في كل وقت الاحداث التي تجري في العالم كله، او مايجري منها في بلداننا ومنطقتنا.

واذا كانت الكثير من الدول حاولت ان تزاوج بين الاثنين في انظمة حكمها، من خلال بعض السياسات المتعلقة بالعدالة والمساواة واحترام الحقوق والتعددية والتنوع، الا انها بقيت تعاني من عدد من الشروخ حتى في مجال تلك التطبيقات، ولم تستطع ان تغلب الجانب الاخلاقي بالمطلق في تلك السياسات.

في بلداننا، ونحن المعنيون اكثر في محاولة تغليب السياسة على الاخلاق، بما تستدعيه من وسائل غير شريفة او نبيلة من اجل غايات لا تستهدف الا تكريس الاستبداد والتفرد، ونحن معنيون ايضا لكثرة تجاربنا الفاشلة، بل قل جميعها في انظمة حكمنا، والتي نعيش اثارها السلبية منذ تشكل النمط الذي غلّب السياسة بكل غاياتها على وسائلها دون مساءلة تلك الوسائل ان كانت خيرة او شريرة، والتي كرس نهجها وخطوطها العريضة معاوية بن ابي سفيان.

ونحن معنيون اكثر كعرب ومسلمين، لتفكيك تلك المنظومة من الحكم، ومحاولة احياء النمط الاخر، والذي لم يترك له ان يترسخ او يكرس نفسه في الفضاء الاسلامي والعربي العام، لقصر مدته، وهو نموذج الامام علي عليه السلام.

حول السياسة والحكم، والرابط الاخلاقي بينهما، وجودا او عدما، يكتب جورج جرداق في رائعته (الامام علي صوت العدالة الإنسانية) ما نصه:

(لمفهوم السياسة والحكم، منذ كانت السياسة وكان الحكم حتى يومنا هذا، خطان لاثالث لهما: اما الخط الاول فيتالف من منهج خلاصته ان السياسة هي علم (إحياء الشعب)، وانها ان لم تكن كذلك فهي وسيلة رخيصة لغاية رخيصة، واما الخط الثاني فيتالف من منهج خلاصته ان السياسة ليست الا مجموعة اساليب بهلوانية لاتقوم على علم ولاتستنير بوجدان، بل تعتمد الحيلة والمكر والغش والنفاق توصلا الى مآرب شخصية لاعلاقة لها بمصلحة الجماعة ولا صلة، بل ان هذه المآرب قد لا تتحقق الا على انهاك قوى الشعب وكبت حرياته ودفن مواهبه في ظلمات الاستبداد المريعة.

وقد عرف العرب في تاريخهم هذين الخطين للسياسة والحكم. اما الخط الاول، فمصدره الاكبر وواضع معالمه، هو علي بن ابي طالب، واما الخط الثاني، فصاحبه وراسم خطوطه، هو معاوية بن ابي سفيان).

وفي الكثير من كتابات المرجع الديني السيد صادق لشيرازي (دام ظله) نجد الحاحا متواصلا على التذكير بالخط الاول للسياسة والحكم، وقد افرد لذلك كتابا كاملا حمل عنوان (السياسة من واقع الاسلام) سار فيه على هذا الخط الرابط بين السياسة والحكم وهو الاخلاق.

وفي محاضراته كذلك، والتي جمعت عدة منها في كتاب حمل عنوان (نفحات الهداية) تطرق الى نفس الموضوع من خلال بوابة الغدير، كحدث متواصل للنبوة المحمدية، من خلال اتمام النعمة.

والحدث بطبيعته التاريخية لاينفصل عن المحدث، وهو بطبيعته الاخلاقية والرسالية والانسانية متمم لكل القيم والمثل العليا التي بشر بها النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ونادى بها القران الكريم.

والحدث ايضا باقترانه بشخصية مثل الامام علي عليه السلام يكشف عن جدارة تلك الشخصية في مدار اتمام النعمة، (ففي شخصية ابن ابي طالب تحدّ كثير، هو تحدي المحبة للبغضاء، والبساطة للتعقيد، والثورة للجمود، والانسان للتاجر، والصدق للنفاق، والحياة للموت، حتى لكأنه الارض المحبة تصدق مواسمها ولاتخادع). كما يكتب جورج جرداق في خماسيته الشهيرة تلك.

والنعم التي يذكر اتمامها القران من خلال هذا الحدث، كما يشرح ذلك السيد المرجع، (المراد منها النعم التي يصيبها الإنسان في الدنيا)، والتي لايمكن لها ان تغادر العلاقة المباشرة (بين ولاية أمير المؤمنين علي سلام الله عليه والتمتع بالنعم الدنيوية).

حدث الغدير، ورغم وقوعه قبل حكومة الامام علي عليه السلام، بفترة زمنية تقارب العقود الثلاثة، الا انه وكاستشراف مستقبلي لمآلات الاحداث وما يمكن ان تصل اليه، من قبل الخالق الخبير، وعبر اعلان الحدث من قبل النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وضع كما يكتب السيد المرجع الشيرازي (إحدى الشروط المهمة الرئيسية للوصول بنا إلى مجتمع الحرية والبناء القائم على أساس العدالة والأخلاق وسيادة القيم والفضائل الأخلاقية الإنسانية) ولا يتم ذلك الا من خلال صاحب الخط الاول في السياسة والحكم وهو علي بن ابي طالب، عبر التسليم لما بلّغ به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في يوم الغدير.

الغدير وصاحبه، هو (روضة الفضائل والأخلاق والمكارم والمحاسن بل هو المكارم بعينها)، والتي لو استطاع ذلك الصاحب، ان يكون على سدة الحكم منذ وفاة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) لتمكن من ترسيخ هذا الخط في السياسة والحكم، فثلاثة عقود كفيلة بردم الهوة بين الحاكم ورعاياه، وكفيلة بتمكين المثل والاخلاقيات في نفوس المحكومين.

وحول تلك النقطة يكتب السيد المرجع صادق الشيرازي: (لو لم يقص الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه وسمح له بأن يحكم الأمة مباشرة خلال هذه الثلاثين سنة التي عاشها بعد رسول الله صلى الله عليه آله وسلم لكانت حكومته امتدادا كاملا ودقيقا لحكومة النبي صلى الله عليه وآله وسلم).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 20/تموز/2014 - 21/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م