الفهم الصحيح للعولمة

ايان غولدن

 

اكسفورد- ان اخر الدلائل تشير الى ان معظم العالم قد دخل في فترة تتميز بانخفاض التقلبات في الاسواق المالية ولكن هذا لا يعني التهاون فمن المحتمل ان هناك اوقات مضطربة تنتظرنا مستقبلا.

خلال الخمسة والعشرين سنة الماضية فإن العولمة والتي تحركها التقنية والتي تميزت بالاندماج الواقعي والافتراضي للاقتصاد العالمي بما في ذلك فتح اسواق جديدة قد ساهمت في أسرع زيادة في الدخول والسكان في التاريخ ولكن بينما خلقت العولمة فرص غير مسبوقة فإنها قد اطلقت شكل جديد من المخاطر المنهجية وهو شكل قد يؤدي الى تدمير المؤسسات السياسية والاقتصادات الوطنية.

ان المخاطر المنهجية هي امر طبيعي بالنسبة للعولمة فالمزيد من الانفتاح والاندماج يزيد بالضرورة من امكانية انتشار الازمات وزيادة الصدمات.

بينما يصبح الافراد والمجتمعات اغنى فإنهم يصبحوا على اتصال اوثق مع بعضهم البعض اما افتراضيا من خلال الاتصالات والتقنيات او عمليا من خلال النمو السكاني والتمدن والسفر علما ان زيادة استهلاك المنتجات مثل الطعام والطاقة والأدوية تعزز العوامل الخارجية أو التأثيرات الجانبية للخيارات الشخصية علما ان الترابط بين الانظمة العالمية يزيد من نطاق ووقع تلك التأثيرات.

على سبيل المثال فإن تناول المضادات الحيوية يمكن ان يكون قرار فردي عقلاني ولكن عندما يقوم البلايين من الناس بتناول المضادات الحيوية ويستخدمها منتجو الماشية في تعزيز الفعالية فإنها عادة ما تصبح غير فعالة. ان المفارقة نفسها تنطبق على استخدام الطاقة بسبب التأثير المدمر لانبعاثات الكربون على نطاق واسع وحتى استهلاك الضروريات الرئيسة مثل الطعام (انتاجه يمكن ان يؤدي لعواقب بيئية كبيرة) والمياه (اذا اخذنا بالاعتبار الموارد المحدودة) ليست مستثناة.

علاوة على ذلك فلقد زاد انفتاح واندماج الاسواق مدفوعا بالتغيير التقني السريع مما يزيد من الانقسامات بين المجتمعات وفي داخل المجتمعات أنفسها واولئك الذين يفوتهم قطار العولمة في البداية عادة ما يفشلون في اللحاق به في وقت لاحق.

ان التحديات الاكثر الحاحا هذه الايام – من التغير المناخي الى جرائم الانترنت- تتجاوز بشكل متزايد الحدود الوطنية مما يجعل من الصعوبة بمكان التعامل معها بشكل فعال والاسوأ من ذلك ان من الممكن ان يكون لها تأثير واسع فعلى سبيل المثال يؤدي انتشار وباء او هجوم على الانترنت الى ازمه مالية او سياسية كما يؤدي الى تكبيد الخسائر بشكل غير متناسب لأقل ناس يمكن تحمل تكلفتها. ان ناقلات الاتصال مثل الانترنت والاسواق المالية والمراكز الإقليمية للمطارات أو المراكز اللوجستية تسهل من انتشار تأثيرات العولمة ايجابيا وسلبيا.

بالرغم من صعوبة ازالة المخاطر المنهجية التي تتسبب بها العولمة فإنه من الممكن التخفيف منها بشرط ان يعمل قادة العالم معا وأن يتعلموا من اخطائهم السابقة ولكن للأسف لا يبدو ان من الممكن ان يحصل ذلك.

على سبيل المثال فإن السياسات القومية في البلدان الرئيسة تبتعد بشكل عام عن التعاون مع زيادة انعدام المساواة والتفكك مما يجعل من الصعوبة بمكان على الحكومات وخاصة في الدول الديمقراطية ان تتخذ قرارات صعبة وفي الوقت نفسه فإن الشعوب ترفض المؤسسات الإقليمية والدولية فأوروبا على سبيل المثال تشهد حاليا تصاعد الدعم للاحزاب القومية مثل حزب الاستقلال في بريطانيا كما تتصاعد الدعوات لتقرير المصير مثل اسكتلندا وكاتالونيا.

ان من الاشكاليات الاخرى كذلك ان العالم قد فشل بشكل عام من التعلم من اكبر وأوضح مشكلة واجهت العولمة والتي كان لها تأثير واسع وهي مشكلة الازمة المالية سنة 2008. على الرغم ان من المستحيل تأمين النظام بشكل كامل فإن التنظيم الصحيح والمراقبة الفعالة كان يمكن ان تمنع حدوث الأزمة أو على الاقل ان تقلل من تأثيرها على ارزاق ملايين الناس. ان المشكلة هي ان البنوك المركزية ووزارات المالية والمنظمات متعددة الاطراف مثل صندوق النقد الدولي – اعمدة الاطار المؤسساتي للاقتصاد الدولي-قد فشلت في استيعاب الخصائص والتأثيرات الناشئة للعولمة وهذا يعود الى حد ما الى صعوبة الحكم على التحولات الهيكلية على اساس الكمية الضخمة من البيانات المتوفرة حاليا.

وفي هذا المعنى كان يجب ان تكون الازمه بمثابة جرس الانذار الذي يدفع القطاع المالي وصناع السياسات والمنظمات المتعددة الاطراف لإتخاذ اجراءات لتعزيز الاستقرار المنهجي ولكن بالرغم من توظيف عشرات الالاف من الاقتصاديين الحائزين على تعليم عالي والذين تتمثل وظيفتهم الرئيسة في تحديد ما هي أفضل الطرق لحماية النظام المالي من الاثار المزعزعة للاستقرار فإنه يبدو ان استعداد تلك المؤسسات للتحرك الان أقل من الفترة التي سبقت الازمة.

ان هذا ينطبق على وجه التحديد على الاقتصادات المتقدمة حيث ان الاحتياطات المالية المستنزفة والشلل السياسي يمنعان من حدوث استثمارات بناءه في مجالات مثل البنية التحتية والتعليم والتي تمكن المواطنين من الاستفادة من فوائد العولمة علما ان ما يجعل الامور تسير على نحو اسوأ هو ان بعض البلدان قد خفضت من مساهماتها والتزامها بإصلاح المؤسسات الاقليمية والدولية والتي تعتبر ضرورية من اجل ادارة المخاطر المنهجية.

في هذا السياق لم يكن من المفاجئ ان يشعر المواطنون العاديون بالشك والغموض فيما يتعلق بالمستقبل بالاضافة الى الشعور بالإحباط من حكوماتهم والتي فشلت لغاية الان في حمايتهم من تداعيات العولمة ولكن استعادة السلطة من المؤسسات الاقليمية والدولية –مهما كانت تلك المؤسسات تبدو كئيبة وبعيده عن الواقع – سوف يعقد المشكلة لأنه سوف يحد من القدرة على التقليل من النزعات القومية والتي تشكل عالمنا المستقبلي كما ان التعاون يعتبر ضروريا بشكل متزايد من اجل ادارة الزيادة في التعقيد والاندماج.

لقد حان الوقت ان يقر قادتنا بالمخاطر المنهجية الجديدة والعمل معا من اجل التخفيف منها وإلا فإن الماضي القريب سوف يكون فقط البداية بحيث توثر تلك المخاطر سلبا على الاقتصاد الدولي.

* مدير مدرسة أكسفورد مارتن وأستاذ العولمة والتنمية في جامعة أكسفورد

http://www.project-syndicate.org

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 20/تموز/2014 - 21/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م