معضلة التوصيف في الحدث العراقي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في الحدث المصري الذي اطاح بمحمد مرسي الرئيس الاخواني، كانت حركة (تمرد) هي المحرك للتظاهرات والتجمعات.. الاسلاميون في مصر، وردا على هذه الحركة اسسوا (تجرد) تماهيا مع اللفظ وتباعدا في المعنى.

لم نشاهد في الحدث المصري وعلى الجانبين قادة ملثمين، او مقنّعين، بل كنا نشاهد وجوها واضحة المعالم، وتصريحات لالبس فيها، من قبل من يحملون لواء تمرد او من يحملون لواء تجرد.

مركز الحدث المتمرد والمتجرد هو العاصمة المصرية القاهرة.

النتيجة، ظهور نجم السيسي قائد الجيش المصري، قائدا لفعل التمرد وتنحية مرسي، ثم فوزه في انتخابات لاحقة كرئيس لمصر.

الحدث المصري من نتائجه ايضا اقصاء الاخوان المسلمين عن المشهد السياسي، وهو اقصاء ليس على مستوى القيادات فقط، بل على مستوى القواعد ايضا، وهي قواعد تعد بالملايين من المصريين.

حتى قبل الاحداث التي اطاحت بالرئيس حسني مبارك لم يوجه الجيش سلاحه الى المصريين، وربما يمكن فهم هذا القبول المجتمعي له من قبل المصريين، بعد ذلك ما حدث يختلف حوله الكثيرون.

الجيش العراقي ليس مشابها للجيش المصري، ولا قياداته تتشابه منذ تاسيسه وحتى اليوم، رغم تغير الانظمة والقيادات.

قادة (الحراك – التمرد – ثوار العشائر – المجالس السياسية) اختر اي تسمية شئت لها، ليسوا مثل الاخرين في مصر، ففيهم الملثمون والمقنعون والمسفرون عن وجوه كالحة. الخطاب ايضا مختلف، انحصر في الحدث المصري بين (الفلول – الاخونجية – العسكر) ولا توصيف ديني او مذهبي للمختلفين او المتصارعين بين تمرد وتجرد.

في العراق الخطاب يختلط فيه الحابل والنابل، ولا تستطيع التمييز بين ما هو وطني او مذهبي او طائفي او عشائري او مناطقي او عرقي او قومي، فهو كل ذلك واخر.

انعقد في الاردن مؤخرا مؤتمر (عمّان لدعم الثورة وإنقاذ العراق)، وفيه كما يشي عنوانه توصيف لما يحدث، وفعل نتيجة للحدث، فهو في الوصف ثورة، والفعل او العمل المطلوب هو الانقاذ.

والمؤتمر يطالب بالدعم الدولي للثورة والثوار، هكذا جاء في تصريحات القيادات الحاضرة في المؤتمر. وهو ايضا تبيان للموقف من العملية السياسية الجارية منذ العام 2003 وما تمخض عنها من نظام سياسي ومن دستور دائم.

والمؤتمر ايضا يهدف كما يقول (وضاح مالك الصديد)، وهو أحد شيوخ عشائر قبيلة شمَّر الى رفض "الإقصاء والتهميش" الذي طال أبناء العشائر على يد حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، ويهدف لرفض تقسيم العراق، والتأكيد على وحدته أرضا وشعبا.

ويقول ايضا: إن الاجتماع سيعمل على إقصاء العشائر التي شاركت في الحكومة العراقية، والتي تشكلت منها الصحوات لدعم الاحتلال الأميركي.

وأضاف الصديد أن الاجتماع سيصدر عنه بيان ونقاط واضحة ومحددة تهدف لرفض سياسة الإقصاء أو الاستقواء على العراق، كما لن يكتفي المشاركون بالمطالبة بتغيير الوجوه فقط بل أيضا بتغيير السياسات، وسيتم التأكيد على ضرورة الحصول على كامل حقوق المواطنة العراقية.

الحضور وعلى لسان المتحدث باسم هيئة علماء المسلمين بشار الفيضي، نسبة كبيرة موجودة من القوى الثائرة، بما في ذلك ممثلين عن حزب البعث العراقي، وعدد كبير من ضباط الجيش العراقي السابق.

من هم المستبعدون من حضور هذا المؤتمر؟

العشائر التي يشارك عنها ممثلون في الحكومة تم استبعادها من الاجتماع وكذلك الأمر بالنسبة للعشائر التي دعمت التواجد الأميركي في العراق، وأيضا تم إقصاء العشائر التي تشكلت منها الصحوات.

الشيخ مجيد الكعود، أحد قادة ما يسمى بـ «ثوار العشائر» وهو الذي لم يشارك  في هذا المؤتمر، يتحدث عن موقفه منه: «القوى الفاعلة على الأرض وبالذات ثوار العشائر لم تشارك في هذا المؤتمر سواء بقواها الأساسية وبمختلف مسمياتها أو في إطار رموزها مثل الشيخ رافع الرفاعي مفتي الديار العراقية الذي رفض بشدة هذا المؤتمر وكذلك الشيخ علي حاتم السليمان (رئيس مجلس ثوار عشائر الأنبار) والشيخ قاسم الكربولي وعدد آخر من قادة الثوار ممن يعارضون سياسات المالكي». وأوضح أن «حزب البعث لا يملك نفوذا لدى الجهة التي يؤيدها الآن وهي (الدولة الإسلامية - داعش) بدليل أنه لو كان يملك هذا النفوذ لتمكن من إطلاق سراح اثنين من أبرز قادته المحتجزين لدى (داعش)، وهما عضوا القيادة القطرية السابقين قي الحزب سيف الدين المشهداني وفاضل المشهداني»، موضحا أن «رجال جيش الطريقة النقشبندية لا يمثلون حزب البعث ولكن لديهم تحالفا مع حزب البعث وبالتالي لا توجد صلة تنظيمية بين الطرفين». وأضاف «أنه يجري الآن تداول تسمية (المجلس السياسي لثوار العشائر) في مؤتمر عمان علما أن هذا المجلس لا يمثل ثوار العشائر ولا يوجد هكذا مجلس في الداخل بل جرى تشكيله في الخارج ومن قبل أناس كلهم في الخارج».

المؤتمر وكما تفصح عنه تصريحات المشاركين فيه، قد جاء لرفض سياسات الاقصاء والتهميش، لكنه مارس بالمقابل نفس السياسة التي ادت الى عقد هذا المؤتمر، ومن الحاضرين اليه حزب البعث العراقي، والذي لا ينسى ملايين العراقيين جرائمه بحقهم (الشيعة – الاكراد) وحتى قسم من السنة، والمؤتمر حتى في رفضه للتدخل الخارجي في الشؤون العراقية، لا يمس الا جهتان، واحدة مذهبية وهي ايران، والثانية ايديولوجية (قومجية – اسلاموية) وهي امريكا، وما عدا ذلك فليس من تدخلات للاخرين في شؤون العراق كان تكون (سعودية – قطرية – تركية) او حتى اردنية والتي عقد المؤتمر تحت رعايتها.

وحسب المؤتمرين، ليس من داعش الا بالقدر الضئيل في مدنهم ومناطقهم، ولو فرضنا جدلا صحة ذلك، فهل تكون التقارير الصحفية للوكالات العالمية، كلها كذب وتلفيق، وهي الوكالات نفسها التي تنشر مايؤكد الاقصاء والتهميش الذي عانوا منه، وتلك الوكالات تكون صادقة من هذه الزاوية، اليس مستغربا ان تكون الوكالة صادقة وكاذبة في الوقت نفسه.

واين نضع ظهور الخليفة ابراهيم من على منبر اكبر جامع في الموصل وخطبته (الخليفية) العصماء، والتي ابهرت الناظرين اليه بزيه العباسي وساعته الرولكس السويسرية، وهو مزج بين التقليد والحداثة في القرن الواحد والعشرين؟.

ثم ما الذي يمنع هؤلاء المقصيين والهمشين الجدد، والمشاركون في المؤتمر لم يذكروا الاكراد والشيعة في اقصائهم مستقبلا، وذكروا فقط ابناء مذهبهم وعشائرهم، ما الذي يمنع اولئك من رفض الاقصاء والتهميش المستقبلي لو حدث لهم، هل سنكون في ثورة وثورة مضادة، انقلاب ابيض وانقلاب اسود، تمرد وتجرد؟.

حقيقة حتى اللغة احيانا لا تسعف الكاتب في اقتناص المفردة التي تصف ما يحدث، هل هو عجز اللغة، ام عجز الكاتب، ام قدرة الحدث على الافلات من التوصيف؟.

لا اعرف تحديدا، لكن من المؤكد انها اذا اجتمعت باعمدتها تلك تحققت المستحيلات الثلاثة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/تموز/2014 - 20/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م