دول المنطقة وخطر الإرهاب

محمد محفوظ

 

يبدو لي ووفق المعطيات والمؤشرات القائمة في المنطقة، أن جميع الأطراف والقوى، تشعر بالخطر، وإن ما يجري في المنطقة يهدد أمنها واستقرارها السياسي والاجتماعي.. فهذه الأحداث والتطورات المتسارعة في أكثر من موقع وبلد عربي، لا تساوي على المستوى العملي، أن هناك جهة سياسية حققت انتصارا كاسحا على خصمها في المنطقة.. فالجميع يشعر بالخطر مع وجود مكاسب جزئية.. إلا أن هذه المكاسب الجزئية تقابلها أخطار وتحديات أكثر عمقا وتأثيرا على الراهن والمستقبل.. فجميع الأطراف في المنطقة، تشعر اليوم بعدم الارتياح الأمني والسياسي، وإن أمن المنطقة واستقرارها السياسي العميق، لا يمكن أن يحمى ويصان في ظل خيارات كسر العظم أو إنجاز انتصارات كاسحة على الطرف الآخر..

ولكن السؤال الأساسي في هذا السياق: هل عدم الارتياح الجماعي من تطورات وأحداث المرحلة يقود أقطاب المنطقة ودولها الأساسية للتفاوض والجلوس المباشر مع بعضهم البعض وصياغة مشروع للمنطقة يجنب الجميع المخاطر المحدقة بأمن المنطقة واستقرارها السياسي..

يبدو أن الأفق السياسي حول هذه المسألة قاتم أو ليس واضحا وكل المؤشرات لا تحيل إلى قرب لحظة التفاوض والتفاهم سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.. وهذا يعني على الصعيد الفعلي استمرار المواجهات والتطورات الميدانية في كل مناطق النزاع والتوتر..

فإرهاصات التفاوض الجدي لم تتشكل بعد، كما أن التباينات السياسية سواء على مستوى القراءة السياسية للأحداث والتطورات أو على مستوى حركة الميدان واتجاهاته الفعلية لا زالت قائمة ودون توفر قدرة فعلية على تدوير الزوايا في هذه القراءات والمواقف من حركة الواقع والميدان..

ومن المؤكد أن استمرار المواجهة هو الخيار القائم اليوم وبالتالي لا يلوح في الأفق إمكانية سريعة وفعلية لطي هذه الصفحة وبداية صفحة جديدة سواء على مستوى التفاهمات الإقليمية أو التفاهمات الدولية..

والذي سيزيد أحداث المنطقة إرباكا واشتعالا هو قيام الكيان الصهيوني باعتداء آثم على غزة راح ضحيته إلى حد الآن عشرات الشهداء ومئات الجرحى وتهديم ممنهج للبنية التحتية في القطاع، مما يزيد من تطورات المنطقة خطورة وتهديدا لجميع الأطراف والقوى..

فالكباش أو الاشتباك الإقليمي أضحى حقيقة قائمة، ويتجلى هذا الكباش في أكثر من موقع وملف محلي أو إقليمي، بحيث إن جميع الأحداث والتطورات، أضحت لها جوانب وتأثيرات محلية وإقليمية ودولية في آن واحد.. فلم يعد الملف السوري ملفا داخليا فحسب، وإنما هو أضحى أحد عناوين الاشتباك الإقليمي والدولي.. وهذا الكلام أيضا ينطبق على الملفات العراقية واللبنانية والفلسطينية واليمنية.. وفي ظل هذا التداخل على مستوى أرضيات التباين والاشتباك، يأتي سقوط الموصل ومناطق أخرى من جمهورية العراق تحت سيطرة (داعش) وإعلان زعيم هذا التنظيم الإرهابي نفسه خليفة للمسلمين ويدعو الجميع إلى مبايعته والخضوع إلى أمرته ليزيد من سخونة الأحداث والتطورات وتشابكها السياسي والميداني.. بحيث دخلت المنطقة في صراع مكشوف، واللاعبون الأساسيون في هذا الصراع، لم تعد الدول بوحدها.. فهناك دول وحكومات، وقوى وتعبيرات مجتمعية تقليدية عشائر وطوائف إضافة إلى تنظيمات وأحزاب وتشكيلات أيديولوجية وسياسية.. كل هذه الأطراف أضحت جزءا من المشهد، وبعضها أصبح رقما صعبا في المعادلة السياسية من الصعوبة تجاوزه..

لذلك نتمكن من القول: إن المنطقة بأسرها أمام مفترق طرق: إما الفوضى والمزيد من الانهيارات الأمنية والسياسية والاجتماعية، بحيث تتحول الدولة الواحدة إلى مجموعة دويلات متحاربة، متصارعة، والمزيد من التشظي الأفقي والعمودي في المجتمعات العربية.. أو العمل على وقف هذه الانهيارات والتشظيات والإسراع في صياغة مشروع يحفظ أمن المنطقة ويحول دون إشاعة الفوضى فيها ومعالجة الملفات الضاغطة والتي تساهم في زيادة وتيرة الاحتقان بين مجموع الأطراف والأفرقاء وكل الاحتمالات لهذين الطريقتين متوفرة.. بمعنى أن صعود نجم الأصوليات المتطرفة والتي تتبنى خيار العنف والإرهاب، يعزز من فرص استمرار الفوضى والانهيارات الاجتماعية والأمنية والسياسية..

كما أن عدم قدرة الأطراف السياسية في بلدان التوتر والصراع المفتوح بين مكوناته من صياغة مشروع للتفاهم والإجماع الوطني على أسس جديدة، يحفظ حقوق الجميع ويوفر لكل التعبيرات المشاركة الفعالة في الشأن العام، مما يفضي إلى احتمال استمرار النزاعات الداخلية في هذه الدول، وهذا بطبيعة الحال سيعزز من خيار الفوضى في المنطقة..

وفي مقابل هذه الاحتمالات، هناك احتمالات مقابلة تجعل من خيار التفاهم والتلاقي لإنقاذ المنطقة من أتون الحروب المذهبية والطائفية والتشظيات المفتوحة على كل الخيارات هو الاحتمال الأقرب للإنجاز..

وعلى كل حال ما أود أن أقوله إن أمن المنطقة واستقرارها السياسي العميق، لم يعد يحتمل التجريب سواء على مستوى الخيارات السياسية أو مستوى تفجير تناقضات المجتمعات العربية الأفقية والعمودية..

وإذا كان بإمكان دول المنطقة اليوم التحكم في مسار الأحداث والتطورات، فإن استمرار الفوضى والانهيارات وقضم الأراضي من قبل الأصوليات المتطرفة، سيقلل من قدرة جميع الدول من التحكم في مسار الأحداث والتطورات.. لذلك ثمة ضرورة اليوم في كل الدول والبلدان إلى النقاط– البرامج التالية:

1-نبذ خيار العنف والاقتتال الداخلي مهما كانت دواعيه وبواعثه.. لأن هذا الاقتتال هو بوابة صناعة الفوضى في كل الدول والبلدان.. ولا وقف للانحدار إلا بنبذ خيار الاقتتال الداخلي بين جميع المكونات والتعبيرات..

2-استقرار كل هذه الدول، لا يبنى بقانون الغلبة والقمع ومنع إنصاف مكونات المجتمع.. فمن حق جميع الأطراف أن تشعر بعدالة نظامها السياسي، وأنه يتم التعامل معها على قاعدة المواطنة الجامعة والمتساوية بصرف النظر عن الانتماءات المذهبية أو القومية..

3-لم يعد مقبولا أن تنعم طائفة أو فئة أو شريحة بكل الخيرات وبركات التنمية، وبقية أهل الوطن الواحد يعيشون شظف العيش وصعوبة الحياة..

فالمطلوب في كل دول المنطقة الإنصاف الاقتصادي والعدالة التنموية، حتى لا تتشكل حواضن عنفية ضد الدولة والمجتمع..

وحدها العدالة السياسية والاقتصادية، هي القادرة على هزيمة نزعات العنف والتطرف في المنطقة..

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17/تموز/2014 - 18/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م