حقوق البحرين ... بين استهتار السلطة والصمت الدولي

 

شبكة النبأ: يحتل نشطاء البحرين (إضافة الى نشطاء السعودية) المطالبين بحقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية، مكان الصدارة في تعرضهم للاضطهاد وضياع الحقوق، إضافة الى استخدام العنف المفرط ضدهم، وممارسة الاعتقالات والزج في السجون من دون محاكمات، كما يرى اغلب المحللين، وهو ما ميزهم عن الدول العربية التي مارست حقها الطبيعي في التغيير بعد احداث الربيع العربي عام 2011، والتي ايدها المجتمع الدولي والمنظمات الأممية.

الا ان الامر يختلف مع ال خليفة الحاكم في البحرين منذ قرون، والذي استعان بقوات درع الجزيرة (قوات مختلطة من السعوديين والاماراتيين والكويتيين) للقضاء على الربيع البحريني (ثورة دوار اللؤلؤة)، وسط صمت عربي ودولي غريب، سيما وان الربيع البحريني وئد لأسباب طائفية واضحة (كون الأغلبية من المواطنين في البحرين هم من المسلمين الشيعة ويشكلون ما نسبته 75%، بينما النظام الحاكم وباقي المواطنين من المسلمين السنة)، كما يرى المتابعون، وقد استمر نظام ال خليفة في حملة واسعة لإقصاء المعارضين والنشطاء المطالبين بالحقوق المدنية والدستورية داخل المملكة، كما قتل اكثر من 100 ناشط بحريني وجرح الالاف، فيما سجن الالاف بتهم سياسية بينهم أطفال ونساء.

وقد استعانت السلطات الحاكمة في البحرين بقوات مرتزقة من مختلف دول العالم، اضافة الى استخدام رصاص الشوزن المحرم دوليا، والغاز المسيل للدموع، فيما رصد نشطاء ومراكز حقوقية الالاف المخالفات التي ارتكبها النظام بحق المدنيين والمدن التي تشهد مظاهرات دائمة ضد النظام منها:

1. العنف المفرط في تفريق المظاهرات السلمية، والاعتداء على المتظاهرين بالرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع، إضافة الى الضرب بالعصي والآلات الحادة.

2. ما زال النظام يمارس حملة اعتقالات مستمرة منذ عام 2011، وبصورة استفزازية، تعتمد على مباغتة الأهالي الأمنيين في منازلهم عند الفجر، وتستخدم فيها القوات الأمنية، المتفجرات والرصاص الحي واعداد كبيرة من المرتزقة والملثمين، كما تعبث بمحتويات المنازل وتدمر اغلب اثاثه.

3. اكتظاظ السجون بالآلاف من المعارضين والنشطاء ومعتقلي الراي بطريقة لا تتناسب وحقوق الانسان، اذ تضاعفت اعداد السجناء بشكل كبير فاق الطاقة الاستيعابية للسجون (خصوصا سجن جو المركزي) مما أدى الى تراكم السجناء في المتر الواحد وظهور العديد من الامراض والاوبئة بين السجناء.

4. سحب الجنسية من المواطنين المعارضين للنظام في حالة تشكل سابقة خطيرة لانتهاك حقوق الانسان وسلب حقوقه الشخصية، كما طرد الالاف من وظائفهم واستعيض بمكانهم من الوافدين العراب والأجانب، علما ان تجنيس من يرغب منهم يتم بصورة سريعة ووفق اليات قانونية، في محاولة لتغيير ديموغرافية البحرين السكانية، كما يرى خبراء.

5. سن قوانين جديدة تتعلق بالمظاهرات والمعارضة والتجاوز على النظام الحاكم والذات الملكية...الخ، والتي تعني فرض المزيد من القيود على الحريات العامة، ومنع التظاهر ضد النظام، اما المخالفين فسيكون جزائهم السجن لفترات طويلة.     

ازمة أمريكية-بحرينية

فقد وجهت النيابة العامة البحرينية تهمة الاتصال بممثل حكومة اجنبية بشكل مخالف للقانون لكل من زعيم جمعية الوفاق الشيعية المعارضة الشيخ علي سلمان ولمعاونه السياسي خليل المرزوق، وذلك في اعقاب لقائهما مع مساعد وزير الخارجية الأميركي، وكانت المنامة اعتبرت مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون حقوق الانسان والعمل مالينوسكي في وقت سابق شخصا "غير مرحب به" في البحرين وطلبت منه مغادرة المملكة، وذلك بعد لقاء سلمان، واكدت النيابة العامة انها، وبعد استجواب سلمان والمرزوق، وجهت اليهما "تهمة الاتصال بممثل حكومة اجنبية بالمخالفة لما يقضي به قانون الجمعيات السياسية والقرارات الوزارية ذات الصلة".

ويفرض القانون البحريني على الجمعيات السياسية ان يكون اي لقاء تجريه مع جهات خارجية بالتنسيق مع وزارة الخارجية وبحضور ممثل عنها، واخلت النيابة العامة سبيل سلمان والمرزوق بضمان محل الإقامة، وكان سلمان ومعاونه السياسي مثلا بشكل منفصل امام المباحث ثم امام النيابة العامة، واشارت الخارجية البحرينية لدى اعلانها مالينوسكي شخصا غير مرحب به، الى انها اخذت القرار بحق المسؤول الاميركي "لتدخله في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين وعقده اجتماعات مع طرف دون أطراف أخرى"، واعتبرت الخارجية البحرينية ان تصرف المسؤول الاميركي "يبين سياسة التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، بما يتعارض مع الأعراف الدبلوماسية والعلاقات الطبيعية بين الدول". بحسب فرانس برس.

ومالينوسكي كان يعمل مديرا في منظمة هيومن رايتس ووتش المنتقدة بشدة للحكومة البحرينية قبل تعيينه في منصبه الرسمي، وتضم البحرين المقر العام للأسطول الخامس الأميركي، وتشهد المملكة منذ شباط/فبراير 2011 حركة احتجاج يقودها الشيعة ضد الحكومة، وتطالب جمعية الوفاق التي تمثل التيار الرئيسي وسط شيعة البحرين، ب"ملكية دستورية" في البلاد.

ويعد طرد دبلوماسي أمريكي كبير لاجتماعه معه في صفعة قوية لواشنطن من دولة حليفة في الشرق الأوسط، وقالت السفارة الأمريكية إن توماس مالينوسكي مساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية وحقوق الانسان والعمل غادر البحرين بعد أن طلبت منه وزارة الخارجية البحرينية مغادرة البلاد "لتدخله في الشؤون الداخلية للبحرين" وذلك من خلال "عقد اجتماعات مع طرف دون أطراف أخرى"، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة قدمت شكوى رسمية لسفارة البحرين حول هذا الموضوع.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الامريكية جين ساكي في مؤتمر صحفي إن الولايات المتحدة لا تزال تدرس ردها على الإجراءات البحرينية لكنها لم تخض في التفاصيل، ويكشف الخلاف حساسية علاقة واشنطن مع أحد حلفائها الإقليميين، سيما وانها اتخذت موقف التحدي بسبب انتقاد الأمريكيين لسجلها في حقوق الإنسان منذ أن قمعت انتفاضة شعبية في عام 2011، وأكدت ساكي من جديد أن بلادها ترى أن الإجراءات التي اتخذتها البحرين "غير ملائمة وتتعارض مع القواعد والأعراف الدبلوماسية" لكنها تابعت قائلة "لدينا أيضا علاقة مهمة مع حكومة البحرين".

وحضر مالينوسكي إفطارا مع جمعية الوفاق واجتمع مع زعيمها ومساعده مرة أخرى في مقر السفارة الأمريكية، واستدعت وزارة الداخلية الشيخ سلمان حيث جرى استجوابه من قبل الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية وقال الشيخ سلمان إن الاستجواب استغرق حوالي نصف ساعة، ولم يسمح لمحامييه بالحضور لكن سمح لهم بمراقبة الاستجواب من غرفة أخرى، وقال الشيخ سلمان في المنامة إن الاستجواب كان يتعلق بمضمون الاجتماع في السفارة الأمريكية وما تمت مناقشته في الاجتماع، وأضاف أن الاجتماع كان عاديا وإن الأمريكيين سمعوا وجهة نظر جمعية الوفاق في حالة حقوق الإنسان في البحرين بطلب من مساعد وزير الخارجية الأمريكي.

ونفى الشيخ سلمان أن تكون جمعية الوفاق تقدمت بطلبات محددة للأمريكيين، وقالت الوفاق إنه استدعي للاجتماع مع المدعي العام لبحث الاجتماع مع مالينوسكي، وأضاف سلمان أن طرد مالينوسكي رسالة تظهر أنه لا توجد نوايا حقيقية للحوار ولا للإصلاح في البحرين، وقالت وزارة الداخلية إنه تم استدعاء الشيخ سلمان ومساعده لمخالفتهما "القرار الصادر من وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف بشأن قواعد اتصال الجمعيات السياسية بالأحزاب أو التنظيمات السياسية الأجنبية"، وهذه هي المرة الأولى على ما يبدو التي يطبق فيها القانون وهو إجراء جديد يحظر لقاءات البعثات الدبلوماسية مع سياسيين.

وقالت ساكي في بيان إنه تم التنسيق مسبقا مع سلطات البحرين لزيارة مالينوسكي وان حكومة المنامة "تعلم جيدا" ان المسؤولين الامريكيين الزائرين يجتمعون بشكل تقليدي مع مختلف الجماعات السياسية، وأضافت أن البحرين طلبت حضور مسؤول اجتماعات مالينوسكي وهو طلب وصفته بأنه انتهاك لقواعد البروتوكول الدبلوماسي، وقال سايمون هندرسون مدير برنامج سياسات الخليج والطاقة بمعهد سياسات الشرق الأدنى في واشنطن إن الرد القاسي على اجتماع أعضاء من جمعية الوفاق مع الأمريكيين يشير إلى وجود صراعات داخل أسرة آل خليفة الحاكمة بين المتشددين والإصلاحيين، وتقول حكومة البحرين إنها ملتزمة بالبحث عن حل سياسي مع جماعات المعارضة.

وقال جاستن جنجلر وهو خبير في شؤون البحرين بجامعة قطر إن السلطات البحرينية ربما اضطرت كذلك إلى اتخاذ موقف أكثر تشددا بسبب الحرب بين السنة والشيعة التي تتفاقم الآن في العراق وسوريا والتي يخشون أن تمتد إليهم، وقال مصدر من المعارضة شارك في حفل الإفطار الذي حضره مالينوسكي إن الأجواء كانت مبهجة وكانت المحادثات صريحة، وأضاف أن المعارضة ترى أن الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة نعمة، وأضاف "أساء المتشددون فيما يبدو معالجة الأمر أخذا في الاعتبار رد فعل وزارة الخارجية الأمريكية، اعتقد أن المعارضة كسبت هذه الجولة من خلال استعادة الاهتمام الدولي بالأحداث في البحرين، هذه نعمة من الله للمعارضة".

السعي من أجل المصالحة

فيما دعا واحد من أشهر نشطاء حقوق الإنسان العرب بلاده البحرين إلى تجاوز الانقسام السني الشيعي بغية إنهاء الأزمة السياسية في المملكة، وقال نبيل رجب مؤسس مركز البحرين لحقوق الإنسان الذي أفرج عنه الشهر الماضي بعد عامين في السجن إن الاحتجاجات المعارضة هناك ستتواصل إذا لم تساو الحكومة بين مواطنيها، وقال إن احتجاجات الربيع العربي أخافت دول الخليج العربية، واتهمها باستخدام الانقسام السني الشيعي في قمع المعارضة، وأضاف في تصريحات للصحفيين في جنيف "أيا كان معتقدي، شيعي، سني، هندوسي، يهودي، مسيحي، فأنا بحاجة لأن يتم معاملتي كمواطن". بحسب رويترز.

وتابع قوله "إذا كانت الحكومة راغبة في معاملة الناس بمساواة فأعتقد أن بمقدورنا حل نصف المشاكل، ولكن الحكومة ما زالت غير راغبة في عمل ذلك"، ووصف رجب التوترات الطائفية وهي قضية أساسية في البحرين حيث قمعت الأقلية السنية الحاكمة احتجاجات ديمقراطية قامت بها الأغلبية الشيعية عام 2011 بوصفها "ملعبا تخصصت دول الخليج اللعب فيه"، وكان رجب قياديا بارزا في احتجاجات 2011، واتهم رجب دول الخليج وبخاصة السعودية وربما البحرين والإمارات العربية المتحدة باستخدام هذا التوتر "للنأي بنفسها عن أي ضغوط من المجتمع الدولي من أجل تحسين حالة حقوق الإنسان أو من أجل القيام بتحول ديمقراطي".

وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون إنه دعا مرارا قادة الدول التي تواجه مشاكل أمنية إلى إيلاء مزيد من الاهتمام لحقوق الإنسان، وأضاف بان "هذا النوع من عدم الاستقرار السياسي يقود في الأغلب إلى تهيئة الأجواء للتطرف والإرهاب كي يتسلل للمجتمع"، وقال رجب إن الولايات المتحدة التي لديها قاعدة للأسطول الخامس في البحرين وكذلك بريطانيا التي تبيع الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي للبحرين هما البلدان اللذان لديهما أكبر قدرة على الضغط على البحرين كي تسمح بمزيد من حقوق الإنسان، ولكنه تابع أن هذين البلدين يلعبان دورا سلبيا، وقال "لدينا من الأمور المشتركة مع أوروبا أكثر من هذه الأسر القبلية الحاكمة التي لا تؤمن بأي شيء، ولكن للأسف الحكومات في أوروبا ترى مصالحها أكثر أهمية من حقوقنا".

بسبب دفاعه عن السجناء؟

الى ذلك أعلن رئيس مجلس النواب البحريني خليفة الظهراني في بيان بثته وكالة أنباء البحرين إسقاط عضوية النائب السني أسامة مهنا، وذلك في سابقة في تاريخ البرلمان البحريني منذ تدشينه في العام 2002، وأشار الظهراني إلى أن مجلس النواب وافق بأغلبية 31 صوتا من أصل 40 نائبا على إسقاط عضوية مهنا، وكان مهنا قدم مداخلة في جلسة مجلس النواب التي انعقدت في 29 نيسان/أبريل 2014، تحدث فيها عن "إساءة معاملة السجناء في سجن جو المركزي" جنوب البلاد، وتسببت المداخلة بإشعال الجلسة وبحدوث مشادات بين مهنا وعدد من النواب، وعلى إثر ذلك تقدم 25 نائبا بطلب رسمي لإسقاط عضويته من المجلس.

والنائب أسامة مهنا كان واحدا من بين 18 نائبا دخلوا مجلس النواب في تشرين الأول/أكتوبر 2011، ليحلوا محل نواب جمعية الوفاق الشيعية المعارضة التي استقال نوابها من البرلمان احتجاجا على تعاطي السلطات مع الاحتجاجات التي قادتها الأغلبية الشيعية في العام 2011، ويتظاهر آلاف من الشيعة منذ أكثر من ثلاث سنوات للاحتجاج على استمرار الاعتقالات والمحاكمات السياسية للمعارضين، وكانت المعارضة التي تقودها حركة الوفاق الشيعية قد أكدت، في بيان أن الحكومة لم تطبق توصيات لجنة التحقيق حول أعمال العنف في ربيع 2011 التي خلصت إلى أن قوات الأمن أفرطت في استخدام القوة ضد المتظاهرين الشيعة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/تموز/2014 - 15/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م