البَرلمَانُ العِرَاقِيُّ مِنَ الهَيّْبَةِ إِلى الخَيّْبَةِ!!!.

مُحَمَّد جَواد سُنبَه

 

فِي البَيَانِ رَقمِ (2)، مِن سِلْسِلَةِ بَيانَاتٍ رَمَضَانيَّةٍ، أَوضحتُ أَنَّ كُلَّ إِنسانٍ يَنتَمِي، الى مَنهَجٍ عَقائديٍّ أو فِكرِيٍّ صَحيْحٍ، لابُدَّ، أَنْ يكونَ لهُ مَوّْقِفٌ، مِنَ الأَحداثِ الّتي تجري، في بِيئَتِهِ الاجتِماعيَّةِ، مَهمَا كانَ نَوّْعُ هذه الأحداثِ، سِياسيَّةً او اجتماعيَّةً، او اقتصاديَّةً او سُلوكيَّةً... الخ.

وهذا الموْقِفُ، سيكونُ مُنْطَلَقَاً لحالَةِ التَّصحيّحِ، الّتي يَقودُها الانسَانُ الوَاعي، في مُجتمَعِه. كما قَدَّمتُ في تلكَ الحَلَقَةِ، هَوِّيَتَيّْنِ لنَموذَجَيّْنِ واعِيَيّْنِ، في المُجتَمَعِ، أَحَدُهُما يَنْتَمِي لِفكْرٍ وعَقيدَةٍ، نَابعَةٍ مِنَ المَنهَجِ الإِسْلاميّ الصَّحيحِ، وأَطلَقْتُ عليّهِ اصْطِلاحاً، (الانسَانُ المُؤمِنُ).

 أَمَّا النَّموذَجُ الواعي الآخَرُ، فَهو الانسانُ الّذي يَلتزِمُ بمنْهَجٍ قِيَميٍّ، يَتَبَنّْى العَمَلَ بطُرُقِ الاصلاحِ والخيّْرِ، وتَحقيْقِ العَدالَةِ وبَقيَّةِ القِيَمِ الانْسانيَّةِ النَّبيلَةِ، وقَدّْ أَسميّْتُهُ اصْطِلاحاً (المُواطِنُ الصَّالِحُ).

وإذا كانَتْ القِيَمُ، تَفْرِضُ على كُلٍّ مِنَ، (الانْسَانِ المُؤمِنِ) و(المُواطِنِ الصَّالِحِ)، أَنْ يُبْدِيَا وِجهَةَ نَظَرِهِمَا، في جُزئيَّاتٍ تَخُصُّ شُؤونَ شَريحَةٍ مِنَ المُجتَمَعِ، لِذَا أَصْبحَ واجِبُهُمَا أَكبرَ، لإِبْدَاِء رَأْييّْهِمَا، في شَأْنٍ عَظيْمِ الأَهمِّيَةِ، يَخُصُّ عُمومَ الشَّعبِ العِرَاقِيّ، وهو موضوعُ انعقادِ أَوَّلِ جلسَةٍ لمجلسِ النُوَّابِ العِراقِي، بتاريخِ 1/7/2014. الّتي كانَ يَعقِدُ الشَّعبُ العِراقِيُّ، كُلِّ الآمالِ عَليها، لوضع أَسَاسٍ جَديدٍ، لعمَلٍ سياسيٍّ بَنّْاءٍ. يُغيّرُ حيَاةَ العِراقييّنَ، نَحو الأَفضَلِ والأَرقَى. وبذلكَ تُكتَبُ صَفحَةٌ مُشْرِقَةٌ، فِي تَاريخِ العراقِ المُعَاصِرِ، تَكوْنُ مِن أَبرَزِ مَلامِحِهَا، تَحقيْقُ الانْسِجَامِ السِياسِيّ، بَيّنَ كُلِّ مُكوَّنَاتِ العَمَليَّةِ الدِّيمُقراطيَّة. والبِدءُ بعَمليَّةِ الاصْلاحِ الشَّامِلَةِ، على مُختَلَفِ الأَصْعِدَة. لِتَشْمَلَ تَوّْحيْدَ المَواقِفِ السِياسِيَّةِ، وتَصْحِيْحَ الأَخطَاءِ الدِّستُوريَّةِ، وإِزَالَةَ التَّعَارُضِ فِي البُنْيَةِ القَانُونِيَّةِ، واصْلاحَ الأَوْضَاعِ الاقتِصاديَّةِ، للانتِقَالِ الى مَرحَلَةٍ، مِن مَراحِلِ الرَّفَاهِ الاجتِمَاعِيّ.

لكِنَّ مَا حَصَلَ، فِي هذهِ الجَلسَةِ البَائِسَةِ، خَيَّبَ كُلَّ الآمالِ، مِثلَما ضَيَّعَ هَيّْبَةَ، تِلكَ المُؤَسَّسَةِ التَّشْريْعيَّةِ والرِّقابيَّةِ الدِّستوريَّةِ، الّتي انتَخَبَها العِراقِيّونَ، أَمَلاً فِي تَحقيْقِ مَرحَلَةٍ الانْطِلاقِ، بواقِعٍ جَديدٍ مُشْرِقٍ، يَسْعَدُ فِي ظِلِّهِ كُلُّ العِراقِييّنَ، ويُمكِّنُهُمْ مِن نَفْضِ غُبَارِ، مَآسِ اخفَاقَاتِ السِّنيْنَ السَّابِقَةِ، على مُستَوى الجَانِبِ الأَمنِيّ، والسِياسِيّ، والتَّنْمَويّ، والاجتِمَاعِيّ، والثَّقَافِي، والاقتِصَادِيّ، والعِلْمِيّ، والتَربَوِيّ، وغيّرِ ذلكَ مِنَ الطُموحَاتِ المَشْروعَةِ، الّتي ما انفَكَّ، يَحْلِمُ بتَحقيقِها المُواطِنُ العِراقيّ.

لكِنَّ التَّصَرُفَ المُشِيّنَ، لِبعْضِ الأَطرافِ السِّياسيَّةِ، الّتي اجتَمَعَتْ لدَقائِقَ، لتَثْبيْتِ وجُودِها رسْميّاً، حَتّى تُحتَسَبَ لَهُمْ الرَّواتِبُ الشَّهريَّةَ، مِنْ تَاريخِ مُباشَرَتِهِمْ، كأَعضَاءٍ فِي مَجْلِسِ النُوَّابِ، بَعدَ تَرديْدِهِمْ لِلقَسَمِ الدِّستُورِيّ، وكذلك حُصُولِهِمْ على الحَصَّانَةِ البَّرلمانيَّةِ بِشَكْلٍ رَسْمِيّ. بَدَّدَ كُلَّ آمَالِ الشَعبِ العِراقيّ.

وإِذا مَا أَخضَعنَا مَوّْقِفَ، هَذَا البَعضِ مِنَ الأَطْرافِ السِياسِيَّةِ، لِلّْتَقيّْيمِ، على ضَوْءِ مَا يُؤمِنُ بِهِ، كُلٌّ مِنِ (الانْسَانِ المُؤْمِنِ والمُواطِنِ الصَّالِحِ)، نَجِدُ الملاحظاتِ التَّاليَةَ، تَرتَسِمُ باسْتِهْجَانٍ واضِحٍ فِي ذِهنِيَّةِ كلٍّ مِنْهُمَا:

1. حَسَبَ مَفهومِ (الانسَانِ المُؤمِنِ والمُواطِنِ الصَّالِحِ)، كانَتْ جَلْسَةُ البَرلَمانِ الّتي انْعَقَدَتْ، فِي الثَّالِثِ مِن شَهرِ رَمَضَانَ المُبارَك 1435 ه، غَيّْرَ مُنسَجِمَةٍ، مَعَ أَبْسَطِ الأَخلاقِيَّاتِ، الّتي يُؤكِّدُ عليها الإِسلامُ الحَنيْفُ، مِثلَ (الصِّدقِ، والوفَاءِ بالعَهدِ، وأَداءِ الأَمانَةِ، وعَدَمِ الحِنْثِ باليَمِيْن). وزِيَادَةً فِي التَّأْكيْدِ، يَعتَبَرُ الإِسْلامُ شَهرَ رَمَضَانَ، مَحَطَّةً لمُراجَعَةِ وتَقْييْمِ المَواقِفِ الصَحيْحَةِ، الّتي يَتَّخِذُها الانْسَانُ، على مُستَوَى ذَاتِهِ، والآخَرِيْن.

أَمّا حَسَبَ مَفهومِ (المُواطِنِ الصَّالِحِ)، فَإِنَّ أَبسَطَ الأَخلاقيَّاتِ، الّتي تَفرضُها حقُوقُ المُواطَنِةِ الصَالِحَةِ، هِيَ (الالتزامُ التَّامُّ بحفْظِ حُقوقِ النَّاخبينَ، وعدَمِ التَّفريطِ بها)، وهَذا ما لَمْ يَلتَزِمْ بِهِ، مَنْ تَهرَّبَ مِنْ مُواصَلَةِ، حُضورِ هذهِ الجَلْسَةِ، بعدَ انتهاءِ فَترَةِ الاسْتِراحَة.

2. (الانْسَانُ المُؤْمِنُ والمُواطِنُ الصَّالِحُ)، يَنظُرانِ مَعَاً، لهَكَذَا تَصَرُّفٍ، بأَنَّهُ خِيَانَةٌ واضِحَةٌ، لِحقُوقِ النَّاخِبيْنَ الّذينَ انْتَخَبوا، هؤلاءِ الأَشْخَاصِ. فكانَ النَّاخبونَ، يُعَوِّلونَ عَليهِم، لانتِشَالِهِم مِنْ مُعاناتِهِم، وإِدارَةِ شُؤونِ مَصَالِحِهِم، ضِمْنَ إِطَارِ العَمَلِ المُؤَسَسِيّ للدَّوْلَةِ الديمقراطيَّة. وإِنَّهُمَا (الانْسَانُ المُؤْمِنُ والمُواطِنُ الصَّالِحُ)، لَمْ يَنتَخِبَا حَفْنَةً، مِنَ الكَذَّابيْنَ والدَّجَاليْنَ والمُخَادِعيْن.

3. وإِذَا كانَ الأَمْرُ هَكذَا بِدَايَتَهُ، (فالانْسَانُ المُؤْمِنُ والمُواطِنُ الصَّالِحُ)، لا يَسْتَرجِوانِ خَيّْراً أَبَداً، مِنْ آخِرِه.

4. فِي نَظَرِ (الانْسَانِ المُؤْمِنِ والمُواطِنِ الصَّالِحِ)، أَنَّ مِنَ المُعِيْبِ جِدّاً، أَنْ يَكوْنَ الرَّمْزُ السِيَاسِيُّ، الّذي سَعَيَا لانْتِخَابِهِ، بِهَذِهِ الأَخلاقِيَّةِ، الّتي لا تَنِمُّ عَنْ الشُعورِ، بأَبسَطِ مَشَاعِرِ المَسؤوْلِيَّةِ، تِجَاهَ المُجتَمَعِ والوَطَن.

5. يَعتَقِدُ كلٌّ مِنَ (الانْسَانِ المُؤْمِنِ والمُواطِنِ الصَّالِحِ)، بِأَنَّ الأَعضَاءَ الّذينَ، لَمْ يَحضَروا هَذِه الجَلْسَةِ، ولَمْ يُؤَدّوا اليَميْنَ الدِّسْتُورِيّ، والّذينَ يَبلُغُ عَدَدُهُمْ (73) نائباً، هُمْ بِحُكْمِ المُتَنَازِلِينَ عَنْ القِيَامِ بِمَسْؤوْلِيَّاتِهِمْ، وهُمْ غَيّْرُ جَديْريْنَ بالثِّقَةِ إِطْلاقَاً. وعَلى المُشَرِّعِيْنَ القَانُوْنِييّْنَ، إِيْجَادُ مَخْرَجٍ قَانُوْنِيٍّ، لِحَذْفِ أَسْمَائِهِمْ مِنْ قائِمَةِ، نُوَّابِ الشَّعْبِ العِرَاقِيّ، واعتبارِهِمْ مُستَقيلينَ مِن وَظائِفِهِم.

6. يَشْعُرُ كُلٌّ مِنَ (الانْسَانِ المُؤْمِنِ والمُواطِنِ الصَّالِحِ)، أَنَّ بَعضَ العَنَاصِرِ المَشْبُوهَةِ، قَدّْ تَسَلَّلْتْ مرَّةً أُخْرى، إِلى مَجْلِسِ النُوَّابِ، لتُدَبِّرَ المُؤامَرَاتِ بِلَيّْلّ. وعَلى الشَّعبِ العِراقِيّ، بِكُلِّ مُكوِّنَاتِهِ، أَنّْ يَهُبَّ لاستِبْعَادِ هَذِهِ العَنَاصِرِ المَشْبُوهَةِ.

7. يَعّْرِفُ تَمَامَاً، كُلٌّ مَنَ (الانْسَانِ المُؤْمِنِ والمُواطِنِ الصَّالِحِ)، وبِقَنَاعَةٍ جَازِمَةٍ، أَنَّ الأَطْرَافَ المُعَطِّلَةِ، لإِتْمَامِ مَهَامِّ نُوّْابِ الشَّعبِ، فِي جَلْسَةِ البَرلمَانِ الأُوْلَى، تَتَلَقّْى تَوجِيَهاتِهَا مِنْ دُوَلِ مُحِيْطِ العِرَاقِ وخَارِجِهِ، الّتي لا تُريْدُ الخَيْرَ للعِرَاقِ ولا للعِرَاقِييّْن.

8. يَجِبُ على (الانْسَانِ المُؤْمِنِ والمُواطِنِ الصَّالِحِ)، أَنْ يَرفَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَوّْتَهُ، مُوَضِحَاً للجَمَاهِيْرِ الوَاعِيَةِ، بأَنَّ كُلَّ جِهَةٍ سِياسِيَّةٍ، تَرْتَبِطُ بِطَريْقَةٍ مُبَاشِرَةٍ أو غَيّْرِ مُبَاشِرَةٍ، بالدُّوَلِ المُعَادِيَةِ لِلعِرَاقِ وشَعّبِهِ، مَا هِيَ إِلّا جِهَةً خَائِنَةً لِلعِرَاقِ وشَعّْبِهِ، وإِنَّهَا جِهَةٌ تَنْطَبِقُ عَليّْها، تُهْمَةُ الخِيَانَةِ العُظْمَى لِلشَّعبِ والوَطَن.

9. يُؤْمِنُ كُلٌّ مِنَ (الانْسَانِ المُؤْمِنِ والمُواطِنِ الصَّالِحِ)، بأَنَّ التَّسَامُحَ وعَدَمَ حَسْمِ الامُوْرِ، بِحَزْمٍ وشِدَّةٍ، سَيُبْقِيْ الشَّعبَ العِرَاقِي، يَدُوْرُ فِي فَلَكِ الأَزَمَاتِ، الّتي يَفْتَعِلُهَا أَعْدَاؤه. وسَيَظَلُّ هَذَا الشَّعبُ المظْلومُ، تَحْتَ رَحمَةِ المُخَطَّطَاتِ الأَجنَبِيَّةِ، الّتي لا تَتَوَرَّعُ عَنْ إِرَاقَةِ الدِّمَاءِ البَريْئَةِ، وتَدّْمِيرِ البُنَى التَّحتِيَّةِ لِلشَّعبِ العِرَاقِيّ، وهَدرِ أَمْوالِهِ وتَحطِيْمِ مُمْتَلَكاتِه.

(وسَيَعلَمُ الّذيْنَ ظَلَمُوْا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُوْن)(صَدَقَ اللهُ العَلِيُّ العَظِيْم).

* كاتِبٌ وبَاحِثٌ عِرَاقي

[email protected]

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/تموز/2014 - 15/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م