هل ما يزال العراقيون يعيشون الديمقراطية؟!

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: سؤال مثير وجدير في آن.. لاسيما في الوقت الراهن حيث تواجه "الديمقراطية العراقية" تحدياً خطيراً أمام حالة تكالب للمصالح الشخصية والفئوية، وايضاً المصالح الإقليمية والدولية. ففي الحملة الانتخابية نتذكر كيف أن كل شيء كان يتمحور حول الشعب والمواطن ورأيه المصيري والحاسم في العملية السياسية، وأنه الاول والأخير.. وهو كل شيء...! حتى الازمات المعهودة، من خدمات وأمن وحالة معيشية صعبة وغيرها، لم تصمد امام سيل الدعوات للمشاركة في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، وكانت النتيجة ايجابية، واحياناً مبهرة، إذ بلغ المعدل العام للمشاركة في العراق، نسبة (75) بالمئة. وإذن؛ تصور الناس الناس انهم بهذه المشاركة سيفرضون رأيهم وارادتهم، او على الاقل سيكونوا مؤثرين في صنع القرار والتقدم خطوة نحو الاحسن.

ولكن.. مضى اكثر من شهرين على اعلان النتائج النهائية للانتخابات، ثم انتهاء مدة صلاحية المجلس السابق وذهاب نوابه الى منازلهم او مواقع عملهم السابق.. وبقي البلد والشعب، ليس فقط من دون حكومة وبرلمان جديدين، إنما امام مخاطر أمنية ماحقة باتت تهدد الجميع بالانهيار والتمزق.

الواقع الجديد الذي لا يعلم أحد كيف برز من تحت الارض وفرض نفسه على الجميع، ألغى كل أمنيات الشعب العراقي بأن يكون هو من يقرر ويصنع الحدث، ولو بنسبة معينة.. وليس عصابات "داعش" المجهولو الهوية والمصدر، والقادمون من دهاليز المخابرات الاقليمية والدولية. ولا حتى من اطراف اقليمية ودولية، مع ما لديها من تأثير على الواقع العراقي. فلا النواب الجدد اجتمعوا لاختيار الرئاسات الثلاث (البرلمان، الحكومة، رئاسة الجمهورية). نعم؛ اجتمعوا مرة واحدة، وذلك للحصول على التأييد الرسمي كونهم نواباً وما قاموا بهم حتى الآن هو ترديد القسم امام كتاب الله والقانون بأن يكونوا حماة الشعب والوطن، وكذا حماة مصالح البلد.

الجميع اليوم بات أمام السؤال الحائر الكبير: لماذا لم تتشكل الحكومة حتى الآن؟، ولماذا لم يجتمع نواب الشعب تحت قبة البرلمان؟، ثم لماذا تتوالد الازمات الامنية الخطيرة دون حل جذري؟، والسؤال الاخر والاهم: ما هو دور الشعب من حالة الاخفاق والتشرذم السياسي الحاصلة حالياً؟.

الاجابة عن هذه الاسئلة من شأنه ان يجيب على السؤال الآنف الذكر الذي صدرنا به المقال.. فقد اتضح جلياً أمام الجميع أن الارادة الاقليمية والدولية هي التي تحكم القرار العراقي، وليس الشعب او الذين جاؤوا بهؤلاء السياسيين الى الحكم. وإلا ما تفسير الدعوات المخجلة التي نسمعها من عواصم إقليمية وأوربية والمكررة من واشنطن، بل وحتى من الأمم المتحدة، بضرورة الاسراع في تشكيل الحكومة وبالمواصفات، بأن تكون "ذات مقبولية من الجميع..". ثم نسمع عن اجتماع هذا المسؤول العراقي وذاك، مع هذا الضيف الامريكي او البريطاني او غيرهما في بغداد، والحديث يتناول بالدرجة الاولى الاسراع في تشكيل الحكومة وايضاً تشكيل الرئاسات الثلاث.. ليس هذا وحسب، إنما بلغ الامر بالعراق، أن تكون أطراف خارجية صاحبة كلمة في مسألة استمرار او عدم استمرار مسؤول عراقي في منصبه.

بغض النظر عن تفاصيل وحيثيات "الولاية الثالثة" لرئيس الوزراء المنتهية صلاحيته، نوري المالكي، وتمسكه بالمنصب وعدم التنازل والتنحّي جانباً، فان غياب الإرادة الجماهيرية في هذه الجعجعة السياسية، يشكل خطورة اكبر على العملية السياسية، ويفقد هذه التجربة مصداقيتها الحقيقية. ولعل هذا تحديداً ما يبرر للعواصم الاقليمية والدولية التدخل علانية في أمر تشكيل الحكومة، وهو شأن داخلي في جميع بلاد العالم. وبكلمة؛ هذا السلوك يوحي، بل يعزز الاعتقاد بان هذه العواصم لم تعترف يوماً بوجود عملية سياسية حقيقية او تجربة ديمقراطية بالفعل في العراق.

اذا نشعر اليوم اكثر من أي يوم آخر بالخطر من الوضع الأمني المضطرب في الشمال، سواءً من جانب اقليم كردستان، أو من جهة الموصل والمناطق السنية المضطربة الاخرى. فاننا يجب أن نستذكر الدور المفترض للجماهير في صنع الامن والاستقرار، إذ معروف في كل مكان، أن الامن والاستقرار والرفاهية لم تقدم الى الشعوب على طبق من ذهب، او تأتي على ابواب بيوتهم وهم نيام متخمون.. إنما تكون هنالك يقظة شاملة لدى القواعد الجماهيرية، متمثلة في مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية الفاعلة، وتحديداً لدى النقابات المهنية والمؤسسات الاكاديمية والبحثية، ووسائل الاعلام والتنظيمات السياسية الحرة وايضاً شريحة التجار واصحاب الرساميل، الى جانب الشريحة المثقفة والمتعلمة.. كل أولئك وغيرهم من مكونات المجتمع الحيّ هم الذين يفترض ان يشكلوا البوصلة التي تسير وفقها الحكومة، وهي لا تعدو في بلاد العالم المتحضر وحتى "الثالث"، كونها سلطة تنفيذية، ذات فترة زمنية محدودة. لا أن ينتظر كل هؤلاء ما يصدر عن الحكومة التي تكون في زمن الازمة والاضطراب، حكومة الشخص الواحد والقرار الواحد، بحجة ان الوضع لا يحتمل التعدد والمشاركة الواسعة والمتنوعة او حتى المعارضة، إنما "قرار الأغلبية السياسية".

من هنا؛ اذا ارادت هذه المكونات حقاً ان تفترض نفسها ضمن الاجواء الديمقراطية، - وليس نقيضها- عليها التحرك بسرعة فائقة في التخطيط والبرمجة والتنظيم وتضافر الجهود والتعاون لإيجاد مخرج سريع للنفق المظلم الذي يتخبط فيه العراق حالياً، وحتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه – لا سامح الله- ويزداد الجرح عمقاً والمشكلة تعقيداً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 13/تموز/2014 - 14/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م