ساعة الصفر في العراق... حرب نفسية إرهابية

 

شبكة النبأ: التهويل الإعلامي الذي رافق الحملة العسكرية الخاطفة لما يسمى بـ"الدولة الإسلامية" واحتلت خلالها العديد من المناطق والمدن كان أهمها الموصل، كشف حجم الاعداد والدعم المسبق لهذه الحملة والدول التي تقف خلفها، سيما وان الاعلام تعمد على احاطة الموضوع بالكثير من الضبابية حول المسلحين اللذين وصفهم على انهم "ثوار اهل السنة"، وطبيعة علاقتهم بتنظيم الدولة الإسلامية/داعش، بحسب الكثير من المحللين.

واليوم يجري الحديث عن وصول من وصفتهم بـ"الثوار" على مشارف بغداد والتي يجري الاعداد لها كمعركة نهائية لإسقاط العملية السياسية بعد اقتحام المنطقة الخضراء شديدة التحصين والتي يتواجد فيها اغلب السياسيين، إضافة الى المؤسسات السياسية المهمة.

بالمقابل فان ذات الاعلام يصف الجيش العراقي بالميليشيات ويطلق عليهم اسم "قوات المالكي"، من اجل احداث التأثير المطلوب في الراي العام، وقد أشار معظم المتابعين للشأن العراقي، ان التناحرات الاقليمية اججت الوضع العراقي بصورة ملحوظة، وجعلت منه ساحة مكشوفة لأجندات طائفية حولت الجماعات الإسلامية المتطرفة الى ثوار، كما حولت الجيش العراقي الى ميليشيات طائفية، وقد وفرت هذه الدول، إمكانات اقتصادية هائلة من اجل الدعم والاعداد والتنفيذ لسقوط بغداد في عملية رمزية لسقوط العملية السياسية الديمقراطية الحديثة في العراق.

فيما عبر محللون آخرون عن استغرابهم من الصمت والبطء الحكومي في ردود الأفعال والتحرك السياسي والأمني، سيما وان اغلب الخطوات التي يقوم بها المسلحين هي تحت انظار الأجهزة الأمنية والاستخبارية.

وقد ساعد بطء ردود الأفعال والمبادرة الأمنية للقوات الأمنية العراقية من اتساع التحركات المسلحة وانتشار الشائعة بعجز القوات النظامية عن استعادة المناطق الخاضعة لسيطرة المسلحين، ويأتي هذا الامر في سياق عملية سياسية غير واضحة المعالم، بعد ان شهدت الجلسة الأولى تباين واضحا في وجهات النظر بين الكتل الكبيرة حول منصب رئيس الوزراء وترشيح المالكي نفسه لولاية ثالثة والتي أوصلت الى تأجيل الجلسة وجعلها مفتوحة على كل الاحتمالات، كما أدى تبادل الاتهامات بين الشركاء في العملية السياسية الى تعقيد العملية السياسية برمتها.

فالأكراد يبحثون عن الانفصال من العراق وانشاء دولة قومية خاصة بهم، فليما اتهمهم المالكي بالوقوف وراء الاعمال الأخيرة بعد ان أصبحت أربيل قاعدة عمليات لتنظيم الدولة الإسلامية والبعثيين وتنظيم القاعدة والإرهابيين، فيما قال مسؤول كردي كبير "هؤلاء سياسيون سنة حرموا من المشاركة في العملية السياسية".   

اقتراب ساعة الصفر

في سياق متصل يقول مسؤولو أمن عراقيون وأمريكيون بارزون إن المسلحين السنة يعدون العدة للهجوم على بغداد وإن الخلايا النائمة التي زرعت داخل العاصمة ستستيقظ في "ساعة الصفر" وتدعم المقاتلين القادمين من أطراف المدينة، واستولى المقاتلون السنة على مساحات شاسعة من الأراضي في شمال وغرب العراق خلال تقدم خاطف بدأوه منذ أسابيع وهم يقولون إنهم يزحفون صوب العاصمة التي يقطنها سبعة ملايين نسمة والتي لا تزال تعاني أثر الاشتباكات الضارية بين أحيائها السنية والشيعية خلال الاحتلال الأمريكي، وتقول الحكومة إنها تتعقب الخلايا النائمة وتقبض على عناصرها لتأمين العاصمة وتقول جماعات شيعية شبه عسكرية إنها تساعد السلطات، وهناك من السكان السنة من يقول إن الحملة تستخدم لترويعهم، ويتحدث العراقيون عن "ساعة الصفر" التي سيبدأ فيها تنفيذ خطة هجوم معدة سلفا.

ويقدر مسؤول أمني عراقي رفيع عدد عناصر الخلايا النائمة بنحو 1500 في غرب بغداد إضافة إلى 1000 عنصر في مناطق على مشارف العاصمة، وقال إن هدف هذه الخلايا هو اختراق "المنطقة الخضراء" شديدة التحصين التي أقامتها الولايات المتحدة وتضم مباني الحكومة على الضفة الغربية لنهر دجلة، وأضاف أن ذلك سيكون بمثابة نصر دعائي سينطلق منه المقاتلون لإقامة جيوب لهم في غرب بغداد وفي مناطق نائية، وتابع المسؤول قائلا "توجد خلايا نائمة كثيرة في بغداد، ستسيطر على منطقة ولن تسمح لأحد باستردادها، هي جاهزة ومتأهبة في غرب بغداد". بحسب رويترز.

وقال رجل يصف نفسه بأنه عنصر في خلية من هذه الخلايا (وهو أصلا من محافظة الأنبار التي تقع بالغرب وتقطنها غالبية سنية والتي كانت معقلا للمسلحين السنة) إنه يشتغل في بغداد عاملا بينما يجمع سرا معلومات لجماعته السنية، وأضاف الرجل الذي طلب الإشارة إليه باسم أبو احمد أن الهجوم على العاصمة سيأتي قريبا، وخلال لقاء في مكان عام قال وهو يتلفت بتوتر خشية أن يكون هناك من يتابع الموقف "نحن جاهزون، هذا يمكن أن يحدث في أية لحظة"، قال "عندنا مفاجآت"، وعند اقتراب أي غريب كان يتوقف عن الحديث ويجذب قبعته ليغطي بها أكبر قدر ممكن من وجهه.

كان رجلا ضخما في منتصف الثلاثينات وكان يرتدي قميصا رياضيا مقلما، قال إنه قاتل مع جماعة اسمها كتائب ثورة العشرين في سنوات الاحتلال الأمريكي وسجنته الحكومة العراقية من 2007 إلى 2009، وتوقف عن القتال في 2010 بعد أن سئم الحرب وكان متفائلا نسبيا إزاء المستقبل، لكنه حمل السلاح مجددا العام الماضي غضبا من حملة الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة على المحتجين السنة وانضم للمجلس العسكري وهو اتحاد فضفاض يضم جماعات سنية ومقاتلين من العشائر.

لم يكن من الممكن التيقن من كل تفاصيل روايته، وأبو احمد (مثله مثل كثيرين من المقاتلين السنة) لا ينتمي للتنظيم الذي كان يطلق عليه "الدولة الإسلامية في العراق والشام" والذي خرج من عباءة القاعدة وله رأي متذبذب في التنظيم الذي أطلق شرارة الانتفاضة الأخيرة حين بسط سيطرته على مدينة الموصل الرئيسية في الشمال في العاشر من يونيو حزيران ثم أعلن منذ أيام تغيير اسمه إلى "الدولة الإسلامية" وحسب، وكانت جماعات سنية كثيرة قد انقلبت على تنظيم القاعدة خلال الاحتلال الأمريكي لكنها تلتف الآن حول حملة الدولة الإسلامية ضد الحكومة رغم أن بعضها يشجب أسلوب التنظيم في قتل مدنيين واتهام الشيعة بالهرطقة.

وقال أبو احمد إن جماعته (التي تضم ضباطا سابقين من جيش صدام حسين) تؤيد بعض أهداف تنظيم الدولة الإسلامية، وأضاف "هناك طيبون في الدولة الإسلامية وهناك أشرار، بالنسبة للطيبين، قضيتنا واحدة"، وتقول الحكومة إنها قادرة على حماية العاصمة وإن لديها عيونا تتعقب الخلايا النائمة من أمثال أبو احمد لاعتقالها، وقال الفريق قاسم عطا المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية إن السلطات لديها العديد من الخطط الأمنية مشيرا إلى أن الخلايا النائمة ليست في بغداد وحسب بل وفي كل المحافظات الأخرى وأنها تنتظر أي فرصة للهجوم، وأضاف أن هذه الخلايا تخضع لمتابعة يومية دقيقة وأنه تم اعتقال عدد منها وتكليف ضباط في المخابرات بتتبعها عن كثب، وقال إن هناك خططا خاصة للتصدي لأنشطة هذه الخلايا.

ومحاولة السيطرة على بغداد (وهي مدينة أغلبية سكانها من الشيعة وبها مناطق خاضعة لتأمينات قوية) ليست بالمهمة اليسيرة بالنسبة للمسلحين الذين ركزوا اهتمامهم حتى الآن على السيطرة على مناطق سنية، ويقول كثير من أهل بغداد (منهم السنة ومنهم الشيعة) إنهم سيتصدون للمسلحين الذين يسعون لإقامة خلافة إسلامية، وكانت العاصمة هي ساحة المعركة الرئيسية في أسوأ اقتتال طائفي شهده العراق خلال عامي 2006 و2007 حين قتل عشرات الآلاف معظمهم من المدنيين في القتال بين المسلحين السنة والميليشيات الشيعية والقوات الأمريكية، وبعدها فر الملايين من العاصمة وترك ملايين آخرون منازلهم ببغداد وتحولت أحياء كانت يقطنها مزيج طائفي من قبل إلى قلاع تهيمن عليها طائفة أو أخرى.

ورغم مرور ست سنوات على الأقل منذ آخر مرة سيطر فيها مسلحون سنة وميليشيا شيعية على قطاعات كاملة من بغداد مازالت العاصمة عرضة للاختراق من قبل انتحاريي الدولة الإسلامية الذين لا يكاد يوم يمر دون أن يضربوا أهدافا شيعية وحكومية، وصرح مسؤول كبير بالمخابرات الأمريكية بأن واشنطن لديها أدلة على أن الدولة الإسلامية تتأهب للهجوم على بغداد من خلال خطة تشمل هجمات انتحارية منسقة، غير أن مسؤولين أمريكيين آخرين يرون أن الدولة الإسلامية يمكن أن تحمل نفسها عبئا لا قبل لها به إن هي حاولت السيطرة على بغداد بأسرها، وهم يقولون إن الخطة الأكثر ترجيحا هي أن يسيطر المقاتلون على منطقة سنية ويحدثون بلبلة بهجمات تفجيرية.

أما مقاتلو الدولة الإسلامية فيؤكدون أن خطتهم هي السيطرة على العاصمة والإطاحة بالنخبة السياسية في بغداد، وقال أبو سعدة وهو مقاتل من التنظيم في الموصل "سنتلقى الأوامر الخاصة بساعة الصفر"، وأضاف أن الجماعة لديها خلايا في بغداد تتواصل معها عبر البريد الإلكتروني رغم أن الحكومة تقطع اتصالات الإنترنت من آن لآخر سعيا لعرقلة عمل المسلحين.

الأمر بالمدينة الآن أشبه بلعبة القط والفأر، وقال أبو أحمد إن المسلحين زرعوا عيونا لهم في قوات الأمن العراقية والوزارات الحكومية وداخل المنطقة الخضراء، أما هو ورفاقه فيحاولون تفادي الحملة المكثفة التي تقوم بها قوات الأمن والميليشيات الشيعية للإمساك بالمتآمرين، وقال إن هناك "مزيدا من الاعتقالات الآن وبخاصة لضباط الجيش السابقين ومن كانوا في السجون الأمريكية، تقتحم قوات الشرطة الخاصة والميليشيات منازلهم ثم لا نسمع شيئا عنهم بعد ذلك، نبحث عنهم في السجون فلا نجد لهم أثرا".

وقد نجحوا في تحرير 12 منهم حتى الآن أحدهم على الأقل من خلال رشوة قدرها 20 ألف دولار، وهو يرى أن سوء المعاملة التي يلقونها من الحكومة العراقية هي التي تدفعهم للقتال، وفتح قميصه ليكشف عن أثر جرحين غائرين في صدره قال إنه أصيب بهما خلال استجوابه وهو في الحجز، وما من سبيل للتحقق من روايته عن قيام قوات الأمن بانتهاكات، ودفع احتمال الهجوم على بغداد جماعات شيعية شبه عسكرية (يعمل معظمها في السر منذ عام 2008) للتعبئة هذا العام لمساعدة السلطات في التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية، وتقول جماعة عصائب أهل الحق الشيعية التي تعتقد واشنطن إنها تتلقى تمويلا وتسليحا من إيران إنها ساعدت في ضبط عناصر مسلحة في بغداد.

الارهابيون يستهدفون العاصمة

فيما أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن تفجيرين انتحاريين في بغداد وظهرت بوادر على أن حدة الأزمة التي تشل برلمان العراق قد تخف في النهاية في مواجهة التهديد الذي يشكله التنظيم الذي سيطر على أجزاء كبيرة من البلاد، ونشر التنظيم الذي استولى على مساحات كبيرة من الأراضي في سوريا والعراق صورا على الانترنت لرجلين ملثمين أمام علمه الأسود ويحملان رشاشات، وقال إنهما منفذا تفجيري بغداد وإنهما لبناني وليبي، وقتل خمسة أشخاص في التفجير الأول في مقهى بمنطقة الوشاش، وقتل أربعة من الشرطة وثلاثة مدنيين عند نقطة تفتيش في الكاظمية بشمال بغداد، ويغلب على سكان المنطقتين الشيعة.

وشهدت بغداد هجمات قليلة مقارنة بالعنف في المناطق الأخرى التي تعرضت للهجوم المباغت لتنظيم الدولة الإسلامية الشهر الماضي، وتبددت الآمال في احتمال انتهاء حالة الشلل السياسي التي تعيشها بغداد بتشكيل حكومة جديدة لمواجهة المتشددين حين أجل البرلمان اجتماعه القادم خمسة أسابيع لكنه عدل عن هذا القرار بعد 24 ساعة، وقال الرئيس المؤقت للبرلمان الجديد مهدي الحافظ إن البرلمان سيقدم موعد الجلسة إلى الأحد  القادم بدلا من 12 اغسطس آب، وقال الحافظ في بيان "من أجل المصلحة العامة والتزاما بالسياقات الدستورية وحفاظا على الاستمرار في بناء الديمقراطية، لقد قررنا تغيير موعد دعوتنا السابقة للبرلمان للانعقاد في يوم 13 تموز.

وانتقد النواب أنفسهم التأجيل وتبادلوا اللوم ايضا كما انتقدته واشنطن، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن "الوضع الأليم على الأرض" يجعل التقدم اللازم لحل الأزمة اكثر إلحاحا، وفي غياب اي مؤشرات على أن رئيس الوزراء نوري المالكي سيتخلى عن مسعاه للفوز برئاسة الوزراء لولاية ثالثة فإن معارضيه من السنة والشيعة والأكراد يحذرون من خطر تفكك العراق على أسس عرقية وطائفية، وتسلط الأسباب وراء الأزمة بشأن الترشيح لمناصب رئيس الوزراء والرئيس ورئيس البرلمان الضوء على الخلافات الأعمق بالبلاد، وغير تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام اسمه إلى الدولة الإسلامية وهو يسيطر على أراض في شمال وغرب العراق ويهدد بالزحف إلى بغداد. بحسب رويترز.

وتواجه العاصمة التي يسكنها سبعة ملايين نسمة تهديدات المتشددين من ثلاثة جوانب، ويتواجد مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية ومقاتلون سنة آخرون بينهم رجال عشائر وإسلاميون اكثر اعتدالا وضباط سابقون بالجيش وأعضاء بحزب البعث المحظور في الضواحي الغربية لبغداد وفي مدن إلى الشمال منها، كما اندلعت اشتباكات إلى الجنوب، ولم يتمكن الجيش العراقي مدعوما بميليشيات شيعية ومتطوعين حتى الآن من استعادة أي مدينة رئيسية لكنه يحاول التقدم إلى تكريت مسقط رأس الرئيس السابق صدام حسين في محافظة صلاح الدين، وقال الجيش إنه "طهر" الطريق من بغداد إلى سامراء على بعد 100 كيلومتر إلى الشمال لكن قوات الأمن مازالت تتعرض لهجمات على الطريق.

وقال مصدر أمني محلي ومسعف إن انتحاريا قتل ثلاثة من رجال الشرطة ومدنيين اثنين على بعد 15 كيلومترا جنوبي سامراء، وقالت الأمم المتحدة إن اكثر من 2400 عراقي قتلوا في يونيو حزيران وحده، ويحاول الجيش منذ 28 يونيو حزيران التقدم إلى تكريت وهزيمة المسلحين بما في ذلك جيش النقشبندي وهي جماعة يقودها ضباط سابقون بالجيش وبعثيون مثل عزة ابراهيم الدوري نائب صدام، وينتمي الدوري إلى تكريت أيضا وهو اكبر مساعد لصدام لايزال طليقا، ويرفض أعضاء حزب البعث الذي كان يحكم العراق قبل عام 2003 الحكومة التي يقودها الشيعة.

وقال المتحدث العسكري باسم رئيس الوزراء إن ضباطا سابقين بالجيش ورجال عشائر في المناطق ذات الأغلبية السنية مثل الموصل وتكريت يحشدون ضد الدولة الإسلامية، وأضاف اللواء قاسم عطا للصحفيين أنهم مستعدون لانتفاضة شعبية ضد الدولة الإسلامية وقال إن قوات الأمن مستعدة لإمداد رجال العشائر بالمساعدة التي يحتاجونها، وكثف الجيش غاراته الجوية على مواقع يسيطر عليها المتشددون في محافظات شمالية منها صلاح الدين ونينوى حيث توجد الموصل في محاولة لإخراج المتشددين، ونشر تنظيم الدولة الإسلامية صورا وبيانا على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر جثة تغطيها الدماء لضابط بالجيش قال إنه العميد ابراهيم عبد الله حسين وإنه أعدمه.

وكان حسين أحد الضباط الذين قالت الحكومة إنهم فروا من تكريت في بداية هجوم الشهر الماضي الذي شهد انسحاب ضباط الجيش والشرطة، ولم يتسن التحقق من صحة هذا الزعم من مصدر مستقل، وقال سكان المدينة إن المتشددين يحتجزون سجناء في قصر صدام السابق هناك، وقال عطا إن 30 "إرهابيا" قتلوا في غارة جوية شنتها القوات الحكومية على بلدة الشرقاط إلى الشمال من تكريت، وقال طبيب في المستشفى المحلي إن خمسة مدنيين أصيبوا حين قصفت طائرة هليكوبتر المستشفى الذي ذكر الطبيب أن بعض المصابين من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية يعالجون به.

تخبط سياسي وعسكري

في سياق ذي صلة قرر البرلمان العراقي تقديم موعد جلسته الثانية وسط تخبط سياسي وفوضى دستورية يوازيهما عجز عسكري عن دخول المناطق الخاضعة لسيطرة مسلحين متطرفين منذ شهر، واوضح بيان موقع من قبل اكبر اعضاء مجلس النواب المنتخب سنا مهدي الحافظ الذي تراس الجلسة الاولى "لقد قررنا تغيير موعد دعوتنا السابقة للبرلمان للانعقاد في يوم 13 تموز/يوليو 2014"، وذكر الحافظ في البيان ان قرار تقديم موعد الجلسة جاء "من اجل المصلحة العامة والتزاما بالسياقات الدستورية وحفاظا على الاستمرار في بناء الديموقراطية وبعد التشاور مجددا مع رؤساء الكتل في البرلمان".

وكان البرلمان الذي فشل في جلسته الاولى في انتخاب رئيس له بحسب ما ينص الدستور، اعلن تأجيل الجلسة التي كان من المقرر عقدها اليوم الى 12 اب/اغسطس، وهو موعد يتخطى المهلة الدستورية الممنوحة له لانتخاب رئيس للجمهورية، ويعيق غياب التفاهمات السياسية والخلافات التي تعصف بالكتل النيابية جراء عدم التوافق حول الرئاسات الثلاث، وخصوصا رئاسة الوزراء، عمل البرلمان الجديد الذي بدا ومنذ جلسته الاولى وكانه يستنسخ الخلافات التي عصفت بالبرلمان السابق واعاقت عمله، وقال الحافظ في بيانه "اود ان ادعو الكتل البرلمانية في هذه الفترة للتوافق على الترشيحات الضرورية من اجل البدء بالدورة البرلمانية وتشكيل الحكومة".

وتابع ان "التأخر في ذلك يعرض امن العراق ومسيرته الديموقراطية للخطر ويزيد من معاناة الشعب العراقي والتجاوز على حقوق الناخبين"، ودعا ايضا "جميع السياسيين الى تحمل مسؤولياتهم الوطنية وتجاوز خلافاتهم من اجل محاربة الارهاب واعادة العراق للمسار الديموقراطي والاسراع بتشكيل الحكومة لمواجهة التحديات التي تواجه العراق"، وينص الدستور العراقي على ان يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال ثلاثين يوما من تاريخ اول انعقاد للمجلس، ويكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية، على ان يتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف تسمية اعضاء وزارته خلال مدة اقصاها 30 يوما من تاريخ التكليف.

وفي ظل استمرار غياب التوافق السياسي، كررت الولايات المتحدة التشديد على ضرورة ان يكون العراق موحدا ليتمكن من مواجهة تهديدات تنظيم "الدولة الاسلامية" عشية دخول هجومه الكاسح الذي يشنه الى جانب تنظيمات متطرفة اخرى شهره الأول، وقال المتحدث باسم البيت الابيض جوش ايرنست انه "لا بد ان تكون البلاد موحدة" لمواجهة خطر تنظيم "الدولة الاسلامية" الذي اعلن "قيام الخلافة الاسلامية" وبايع زعيمه ابو بكر البغدادي "خليفة" قبل ان يلقي هذا الاخير خطبة في الموصل (350 كلم شمال بغداد) الجمعة الماضي في اول ظهور علني مصور له. بحسب فرانس برس.

وحذر المتحدث من ان "مزيدا من الانخراط العسكري" من قبل الولايات المتحدة التي ارسلت 300 مستشار عسكري الى العراق "لا يمكن ان يتم الا بموازاة التزامات ملموسة من قبل القادة العراقيين" وتقديم وعد باعتماد "برنامج حكومي اكثر انفتاحا" على كل الأطراف، فيما تواصلت سيطرة المسلحين المتطرفين على مناطق واسعة من شمال وشرق وغرب العراق، فيما استمرت القوات الحكومية بتنفيذ غارات جوية وعمليات محدودة على الارض من دون ان تنجح في دخول اي من المدن الرئيسية الخارجية عن سيطرتها وبينها تكريت (160 كلم شمال بغداد)، وقتل ثمانية اشخاص بينهم ستة من الشرطة واصيب اخرون بجروح في هجومين منفصلين قرب سامراء (110 كلم شمال بغداد)، وفقا لمصادر امنية وطبية.

رئاسة الوزراء

من ناحية اخرى حث رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ائتلاف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على سحب دعمه للمالكي لتولي منصب رئيس الوزراء لفترة ثالثة واختيار مرشح آخر وسط أزمة برلمانية بشأن تشكيل الحكومة الجديدة في العراق، ويتعرض المالكي لضغط متزايد منذ أن سيطر متشددو تنظيم الدولة الإسلامية على أجزاء في شمال وغرب البلاد الشهر الماضي وأعلنوا قيام خلافة إسلامية على الأرض التي سيطروا عليها هم وجماعات سنية مسلحة أخرى في العراق وسوريا، وفي بيان نشر على موقعه على الانترنت قال الصدر إن المالكي "زج نفسه وزجنا معه بمهاترات أمنية طويلة بل وأزمات سياسية كبيرة" وأشار إلى أن الحيلولة دون تولي المالكي منصب رئيس الوزراء لفترة ثالثة سيكون "خطوة محمودة ومشكورة".

وأضاف الصدر الذي اكتسب نفوذا سياسيا أثناء الاحتلال الأمريكي "من الضروري التحلي بروح الوطنية والأبوية من أجل هدف أعلى وأسمى من الشخصيات والتكتلات" وأشار "أعني تبديل المرشحين"، وكان الصدر وحلفاؤه السياسيون دعوا من قبل إلى اختيار رئيس الوزراء المقبل من خارج ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي، إلا أنه قال "المرشح يجب أن يكون من ائتلاف دولة القانون باعتبارها الكتلة الأكبر ضمن (التحالف الوطني)"، وائتلاف دولة القانون جزء من الائتلاف الوطني وهو تكتل يضم أكبر الأحزاب الشيعية في العراق بما في ذلك قائمة المالكي وخصومه، وكرر ضياء الأسدي القيادي في التيار الصدري موقف الصدر، وقال "لا مشكلة لدينا على أي مرشح لدولة القانون طالما هذا المرشح ليس المالكي".

ودعت الولايات المتحدة وإيران والأمم المتحدة ورجال دين شيعة عراقيون الساسة إلى التغلب على خلافاتهم ومواجهة أعمال العنف التي يشنها المتشددون، ويلقي معارضو المالكي باللوم على طريقة حكمه المثيرة للانقسام في اشعال الأزمة السياسية ويريدون منه التنحي، ويقول المنافسون الشيعة الرئيسيون للمالكي إن هناك توافق آراء بالفعل بين الائتلاف الشيعي والسنة والأكراد ضد مسعى المالكي الحصول على فترة ثالثة.

وقال علي شبر القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي العراقي "هناك رغبة لدى كل الكتل السياسية ما عدا دولة القانون، للتغيير"، وأضاف "نحن نشعر بأن التغيير يجب أن يحصل لغرض تغيير المعادلة السياسية"، ومن جهته دعا رئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي وهو سياسي شيعي آخر المالكي للتخلي عن سعيه للحصول على فترة ثالثة في رئاسة الحكومة وإلا فإنه يخاطر بتفتت العراق.

فيما رفض رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي التخلي عن مسعاه لرئاسة الحكومة لفترة ثالثة متحديا منتقديه الذين يطالبون بأن يترك المنصب بينما تواجه البلاد تهديدا لوجودها من الإسلاميين المتشددين، ويتعرض المالكي لضغط متزايد منذ سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على أجزاء من البلاد الشهر الماضي وأعلن دولة خلافة في الأراضي التي استولى عليها في العراق وسوريا، وقال المالكي في بيان قرأه مذيع على التلفزيون الرسمي إنه لن يتخلى عن ترشحه لمنصب رئيس الوزراء، وأضاف في البيان أنه سيظل جنديا يدافع عن مصالح العراق وشعبه في مواجهة "إرهابيي" تنظيم الدولة الإسلامية وحلفائه من البعثيين وجيش النقشبندي الذين ينفذون اجندة خارجية. بحسب رويترز.

وكان يشير إلى بعض من أبرز الجماعات السنية المسلحة التي تسيطر على أجزاء كبيرة من المناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، ويعقد بيان المالكي جهود تشكيل حكومة جديدة لتوحيد البلاد وهو ما فشل فيه البرلمان، كما يطيل أمد الأزمة السياسية التي ازدادت خطورتها بسبب التهديد الخطير لسلامة الأراضي العراقية، ويتهم منتقدون المالكي بتعميق الانقسام الطائفي في البلاد ويتعرض لضغط هائل من خصومه السياسيين من السنة والأكراد بل ومن طائفته الشيعية ليتنحى، ووصف المرجع الشيعي الأعلى على السيستاني في خطبة الجمعة التي ألقاها مساعده أحمد الصافي نيابة عنه فشل البرلمان في تشكيل حكومة جديدة في أولى جلساته بأنه "إخفاق يؤسف له".

وجدد السيستاني دعوته لأن تحظى الحكومة "بقبول وطني واسع" وهو ما ترجمه كثير من المسؤولين بأنه دعوة لإزاحة المالكي الذي يلومه السنة على تهميشهم وإذكاء التوترات الطائفية، ويعتقد مسؤولون عسكريون في الولايات المتحدة التي أرسلت مستشارين إلى العراق أن باستطاعة الجيش العراقي الدفاع عن بغداد لكنه سيواجه صعوبة على الأرجح في استعادة الأراضي التي خسرها نظرا لمشاكل لوجيستية في الأساس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 10/تموز/2014 - 11/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م