أخلاقيات التغيير.. رمضان يغيرنا

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الرتابة في كل الأعمال تقود الى الجمود والى الملل، ونرى ذلك في حياتنا جميعا، لقد اعتدنا على أساليب معاشية وحياتية عديدة، أصبحنا نؤديها بصورة آلية تفتقد الى الشغف والى الحميمية، وهي تسير بوتيرة واحدة، حتى مشاعرنا وعواطفنا وافكارنا قد ارتبطت بها وبمسيرها، لهذا كثيرا ما تكون ردود أفعالنا متوقعة تبعا لهذه الرتابة في اساليب حياتنا.

وتعوّد الناس من ضمن ما تعودوا عليه في محاولة كسر الرتابة والجمود في حياتهم، ان يقوموا ببعض التغيير في الاعمال او جدول حياتهم، وهي كثيرا ما تقتصر على السفر والانتقال من مكان الى اخر وتغيير جغرافية التواجد والاقامة والاحتكاك مع الاخرين.

السفر في حقيقته ليس مجرد وصول الى مكان اخر، انه ذهاب وانتقال اليه، وهو في هذه الحالة ينفتح على محاولات الاكتشاف والتجربة وارتياد افاق وعوالم جديدة.

فيه كل ما يستدعي التغيير في حياة الانسان، الامكنة، ألوان الطعام، الوجوه، الاصوات، طرق التعامل، وحتى الحواس والاذواق والرغبات.

وهو ايضا اضافة الى خبراته الجديدة التي يكتسبها المرء من خلاله، نوع مما يمكن ان اسميه بالاستحمام المطلوب لإزالة ما علق بالروح من رتابة طيلة العام.

كل سفر فيه مشقات وصعاب، فالافتراق عما تعودنا عليه، ومفارقة الوجوه التي الفناها، والامكنة التي ارتبطنا بها، ولو مؤقتا، هو جهد وضنك وفيها نوازع الاشتياق والرغبة في العودة، انه صراع ما يلبث ان ينقضي عند العودة من هذا السفر، لكنها عودة وقد تخلص فيها الانسان من جميع سموم رتابته وجموده.

شهر رمضان المبارك وفلسفة الصوم والامتناع فيه قريبة من حالة السفر، فهو تغيير للعادات وللسلوك اليومي المعتاد، وهو ايضا تغيير للاوقات التي درجنا فيها على اداء بعض الاعمال، انه انتقال من حالة الى اخرى، فيها من مشاق الانتقال الكثير.

درجنا في رمضان المبارك على ترويض الجسد على مشاق الجوع والعطش، وقليلا منا من يعمل على ترويض الروح على الجوع والعطش، فهو فرق كبير بين نوعين من جوع الانسان وعطشه.

ما يتعلق بالحاجات الجسدية يمكن اشباعه وينقضي، ويمكن احتماله لفترات طويلة، كما نشاهد ذلك عند المضربين عن الطعام والشراب في السجون دفاعا عن قضية عادلة يعتقدون بها، لكن ما يتعلق بجوع الروح وعطشها هو الاصعب في الاشباع والاكتفاء.

فالانسان لا تقتصر حياته على الاكل او الشراب، لان هناك امورا اجل واعظم، تفرضها عليه مكانته التي اختارها الخالق سبحانه وتعالى له.

تلك المكانة تجعله دائب الحركة والصراع مع نفسه اولا، وهو صراع لا يكسبه الكثيرون لفقدانهم الارادة والتصميم والمثابرة.

شهر رمضان المبارك، كما يكتب عنه المرجع الديني الكبير السيد صادق الشيرازي (دام ظله) في كتاب نفحات الهداية هو (شهر بناء الذات وتغيير النفس).

البناء اما ان يكون من الاساس اي خلاق شخصية جديدة للانسان على أنقاض شخصيته السابقة لهذا الشهر، او ترميم ماتهدم من زوايا واركان مهمة فيها، والتغيير يقترن بهذا البناء وينعكس عليه، في وتيرة متصاعدة نحو الاحسن والافضل والاجمل.

ولا تعد عملية البناء والتغيير مقصورة على فئة من الناس دون غيرهم، مثلما يتصور الكثيرون، بل هو (مطلوب من الجميع، يستوي في ذلك اهل العلم وغيرهم).

ذكرنا ان الجوع والعطش المادي يمكن اشباعهما وهما الاسهل في التحمل والصبر عليهما، وذكرنا ان الجوع والعطش الروحي هما الأصعب في الإشباع، لأنهما يخلقان حالة من الصراع في داخل الانسان، اما ان يكسبه لصالح نفسه ويربح معركة وجوده، او يخسرها لصالح رغباته وشهواته ويخسر معركة وجوده المكلف بتحقيقه على الصورة التي ارادها خالقه، وفي هذه الحالة يخسر معركة الحياة وما بعدها، ولا يعود من قيمة لحياته مهما بلغ فيها من مكانة او حاز فيها من مال، فكل شيء زائل الا طبيعة الارباح من تلك المعركة المستمرة.

تلك الحرب المستمرة لا تتوقف عند كسب معركة واحدة، لانه (مهما يبلغ المرء درجة في هذا الطريق فثمة مجال للرقي ايضا).

يعتبر السيد المرجع الشيرازي ان (بناء الذات واجب عيني في حد اداء الواجبات وترك المحرمات). وهذا الواجب يشبه ما يسمى بالجهاد العيني، والذي لا يمكن لاحد ان يقوم به ويؤديه عن صاحبه، ويمكن له ان يسقط تكليفه له. انه واجب الانسان تجاه نفسه (فعلى الانسان ان يحاول في هذا الشهر المبارك ان يعمل حتى يبلغ مرحلة يعتقد فيها انه تغير فعلا وانه اصبح احسن وافضل من السابق).

أسهل الطرق التي يرسمها لنا السيد المرجع الشيراوزي، في هذا الشهر المبارك لترويض النفس وتغييرها هو مبدأ المحاسبة، محاسبة النفس عما فعلته في يومها، أي اعادة المشهد اليومي الحياتي المعيش من قبل الانسان والتوقف عند كل نظرة من عينه ابداها او كلمة تفوه بها او خاطرة مرت بذهنه، محاسبة النفس كما يعبر السيد المرجع الشيرازي (مطلوبة جدا ولها تاثير كبير على الانسان).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/حزيران/2014 - 30/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م