لماذا الخوف من الفيدرالية!

زاهر الزبيدي

 

لا أعلم لما يخاف العراقيون من الفيدرالية، الدولة إتحادية، ولا أعلم لما الخوف من الأقاليم إذا كانت تحقق مصلحة الجميع، فبعد أن فرطنا بوطن بلا أقاليم على أساس طائفي، على أقل تقدير، ظهرت تحفظات الجميع على بعضهم تظهر للعيان بقوة السلاح وسطوة الطائفية التي لم تسطع كل القيادات العراقية التغلب عليها ؛ بل فتحت الباب على مصراعيه أمام نشوء الأقاليم والتفكير بها بجدية والقتال من أجلها وبقوة من خلال سياسات عدة منها عدم القدرة على تجاوز محنة الإرهاب والسيطرة عليه وتفكيك مسبباته التي أردت حال الوطن لما هو عليه الآن، ومسببا أخرى ليس بأهمها ضعف الإداء الحكومي في مواجهة تحديات المطالب الشعبية الكبيرة في تقديم الخدمات على أنواعها والتي أسقط جزء منها ما ولده الإرهاب من بيئة طاردة للإستثمار وتأخير كبير في إقامة المشاريع الكبيرة التي تغطي مساحة العراق ولتكون له عصمة من التقلبات الإقتصادية الكبيرة.

وحدة العراق اليوم أصبحت وهمٌ كبير كنا نمني النفس بها منذ زمان طويل إلا إننا فشلنا في تفتيت مسببات هذا الوهم حتى تحول الى حقيقة بعدما تكالبت الأزمات على الوطن لتحيله الى حقيقية يحلم بها الكثر، لقد تنامت جراحات التعايش السلمي بين أبناء الشعب الواحد من خلال طول طرق من العمليات الإرهابية في تأجيجها لأفاع الفتنة الطائفية التي نجحت في حفر جحورها في قلب النسيج الإجتماعي العراقي.. التهديدات المستمرة من قوى التطرف على إختلاف طوائفها ساهمت في تحويل المدن الى كانتونات طائفية مقفلة فهاجر من هاجر ونزح من نزح من كلا الطوائف بحثاً عن ملاذ آمن.

كما أن نجاح التجربة الثرية لإقليم كردستان جعلت من فكرة الأقاليم اكثر مقبولية لدى كلا الطائفتين التي يكال لهما أغلب المعارك التي تجري منذ عشر سنوات وحتى يومنا هذا تنطلق التهديدات وتتشعب الجبهات وتتدخل فيها أطراف دولية دعماً وتأجيجاً مستفيدة من نجاح الطوائف في إقناع جمهورها وتسويق المسببات المختلفة في نفوسهم لتصبح بعد حين حقائق على الرغم من عدم مقبوليتها المطلقة بين معتدلي تلك الطوائف ممن لم تثنهم المعارك عن المنادات بالوحدة، الوهم، لتجنيب الوطن المزيد من الدماء التي تهدرها الطائفية المقيتة، وإذا كانت الأقاليم تعصم دماء شبابنا ونساءنا من القتل على الهوية فما الضير في ذلك وحرمت الدم أشد من حرمة بيت الله.

المهم دستورنا ومن وضعه وصوت عليه في عام 2005 كانت نصوصه صريحة في مجال الدولة الإتحادية، إلا إذا كان من وضع الدستور أخطأ فيما كتبه ليسحب بذلك الشعب الى ماهو عليه اليوم من تخبط أمام المستقبل المنشود، 55 عضواً كان للإئتلاف العراقي الموحد منها حصة الأسد بنسبة 50% هم من كتبوا الدستور ومنهم السيد أحمد الصافي ممثل آية الله السيستاني ومنهم دولة رئيس الوزراء نوري المالكي ومنهم السيد عبد الهادي الحكيم وأكرم الحكيم ومنهم بهاء الأعرجي والشيخ همام حمودي.. وغيرهم من أقطاب السياسة العراقيون وأغلبهم لازالوا يمارسون حياتهم العملية في ظل الحكومة أو في ظل السلطة التشريعية في البلد.. فلماذا يتنصل الجميع مما كتبته ايديهم اليوم ـ وقد أقسم الجميع على حفظه.

ما الضير أن يكون هناك اقليم سني أو اقليم شيعي إذا كان ذلك تحت مظلة الدستور وقوانينه بالخصوص والتي لم تشر الى عدم إمكانية تكوين أقاليم على أساس طائفي بل ترك الموضوع بيد المقترعين من أبناء المحافظات الراغبة بالأقاليم ؛ ما الضير أن يكون الإقليم السني إذا كان أهلنا السنة يريدون ذلك وفقاً للضوابط التي أعلنها الدستور فنحن قد نفترق يوماً ولكننا سنجتمع لعمر طويل، إن شاء الله، تحت إختصاصات السلطة الإتحادية التي نص عليها الباب الرابع بمواده ( 109 – 115) التي تنظم العمل بالإختصاصات الإتحادية كافة والتي نرى أن الإيمان بها يعتبر السبيل لقيام دولة إتحادية حقيقية تكفل السعادة والأمان لشعبها وتبدأ بتقديم خدمتها وفقاً للتوزيع العادل لثروات البلد وحدود أقاليمه.

العراق ليس دولة، العراق أمة من قوميات وأديان وطوائف وتختلف ديموغرافياً عن بقية دول المنطقة التي تنعم بقومية واحدة وطائفة واحدة تقريباً وذات المشاكل ستكون لديها لو كان تكوينها الديموغرافي كما العراق. إلا إننا ما أن نفكر بالفيدرالية حتى نضع أمام أعيننا دول الجوار وهذا هو الخوف من الفيدرالية، كذلك فالفترة الطويلة التي عشها العراقيون في ظل الأنظمة القومية وشعاراتها الوحدوية التي تشبعت فيهم دعتهم الى نبذ كل عمل يشير ولو باشارة الى معنى للتقسيم.. مع العلم بإن دول كثيرة تعيش في ظل وئام تام بإقاليم يحترم أحدها الأخر ويعيشون في ألفة ووئام وخط خطوات طويلة في التحضر والتطور في كافة المجالات ـ بل أصبحت فيدراليتها قوة ومنعة لها.

ونشير بالخصوص الى المادتين (118-119) المختصتين بسن قانون الأقاليم وطرق تشكيل الأقاليم قد أستثنت من إي تعديل ممكن أن تقوم به لجنة تعديل الدستور وكما نصت على ذلك المادة 138 خامساً ـــ أ ـــ وعلى هذا لأساس فتشكيل الأقاليم يعتبر أمراً عابراً للدستور ولامناص من الإيمان به اليوم على الرغم من أن البعض يتكلم دائما عن سيئاته ولايتحث عن حسناته التي من أهمها.. إمتصاص الغضب الشعبي الكبير لدى القوميات والطوائف كافة المتأتي من شعورها بالغبن.. على الرغم من أن الجميع يعيشون حالة الغبن هذه يرفقها الشعور بالتهميش وشيئاً من الإقصاء مع بعض التفريط بالحقوق ومن شمال العراق الى جنوبه يتولد هذا الشعور ويتفاقم في نفوسنا لينتج لنا حالة لانحسد عليها اليوم.

من جانب آخر فلدينا القانون 13 لسنة 2008 الذي اختص بالإجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الأقاليم وهو نافذ المفعول ولدينا قانون النفط والغاز الذي سنحل به عقد شتى تسببت في أزمات كبيرة في الوطن وفرقت أخوته.. فآمنو بالفيدرالية ولتهدأ سريرتكم وتنالوا الوئام وينهض الوطن وبرحمة الله ننهي القتال ونكون يداً واحدة امام التهديدات الخارجية المتعاظمة ونحقن دماء الصابرين من شبابنا ونحل عقد المظلومين ونعضّ على دستورنا.. حفظ الله العراق الفيدرالي.

[email protected]

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 28/حزيران/2014 - 29/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م