داعش والتحولات الجديدة في العراق

باسم حسين الزيدي/مركز المستقبل للدراسات والبحوث

 

يوما بعد اخر، يثبت تنظيم ما يسمى "الدولة الاسلامية" الموضوع على قوائم الارهاب العالمي، ان مشروع اقامة دولة اسلامية مفترضة الحدود بين العراق وسوريا، حقيقي، وليس من باب الاحلام التاريخية، وقد نشرت قبل ايام، أحد المواقع الجهادية التي تهتم بأخبار التنظيم دعائياً، خريطة الدولة المزعومة، (من تصميم داعش وليس سايكس-بيكو)، بعد ان ضمت دولة الكويت عن حدود الخليج الى حدود الدولة المستقبلية، وهي مصبوغة باللون الأسود.

سعار التنظيمات القاعدية التي انفصلت عن التنظيم الام

في الموصل ومن قبلها صلاح الدين وسامراء والفلوجة ودير الزور والرقة، السيناريو التقليدي الذي يعيد نفسه باستمرار، والمفاجأة التي برزت من بين احتلال هذه المدن، كانت الاستراتيجية الجديدة التي اتبعتها الجماعات المتطرفة، في التحول من تنفيذ العمليات الانتحارية والمفخخات التي استهدفت القوات الامنية، الى تنفيذ هجوم خاطف بمئات المقاتلين لمسك الارض واحكام السيطرة على المدن الكبرى التي ترتبط جغرافيا بمعقل داعش نحو الحدود السورية.

المفاجأة الاخرى كانت على لسان الناطق باسم التنظيم "العدناني" الذي أعلن بان هدف التنظيم القادم هو (بغداد، كربلاء، النجف)، بكل ما تحمله المحافظات الثلاث من رمزية سياسية ودينية لدى الطائفة الاكبر من المسلمين الشيعة في العراق، سيما وان العدناني اشار في خطابه الى رئيس الوزراء العراق "نوري المالكي بالقول "لقد أضعت على قومك فرصة تاريخية في السيطرة على العراق، وان للدولة الإسلامية حساب تصفيه مع السلطات العراقية وإن هذا الحساب الثقيل الطويل لن تتم تصفيته في سامراء أو بغداد إنما في كربلاء والنجف، انتظروا إنا معكم منتظرون".

مخاوف حقيقية

على أثر الاحداث المتسارعة في الموصل وما تلاها من انكسار كبير للجيش العراقي، اضافة الى التطورات الامنية المقلقة في ديالى وتكريت وسامراء وكركوك التي باتت الان في قبضة القوات الامنية الكردية "البيشمركة"، تزايدت التهديدات الامنية التي وضعت العملية السياسية الجارية في العراق على المحك، اضافة الى هيبة الدولة العراقية امام التنظيمات المتطرفة التي تمكنت من حسم معركة الموصل لصالحها خلال ساعات وبعدد مقاتلين لا يتجاوز (750) شخصا في اعلى الاحتمالات، امام عشرات الالاف من القوات النظامية، التي انسحب اغلب عناصرها نحو القواعد العسكرية الاكثر امنا ويقع اغلبها خارج محافظة الموصل.

وقد لجئت الحكومة العراقية الى فتح باب التطوع لضخ المزيد من العناصر المقاتلة الى الجيش العراقي، فيما اعادت العديد من الميليشيات والعشائر العراقية تنظيم نفسها استعدادا للأسوء في حال قام تنظيم داعش بمزيد من الغزوات التي قد تأتي متزامنة مع حلول شهر رمضان كما درجت عليه العادة في تنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات المتشددة.

المخاوف الحقيقية جاءت ايضاَ من خلال المرجع الاعلى للمسلمين الشيعة السيد علي السيستاني، بعد ان قال ممثله في كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي، خلال خطبة الجمعة في كربلاء ان "على المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح ومقاتلة الارهابيين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم التطوع والانخراط بالقوات الأمنية لتحقيق هذا الغرض المقدس".

واضاف ان "العراق يواجه تحدياً كبيراً وخطراً عظيماً وأن الارهابيين لا يستهدفون السيطرة على بعض المحافظات، بل صرحوا بأنهم يستهدفون جميع المحافظات لاسيما بغداد وكربلاء والنجف، ومن هنا فإن مسؤولية التصدي لهم ومقاتلتهم هي مسؤولية الجميع ولا تختص بطائفة دون اخرى أو بطرف دون آخر"، وختم بالقول ان "من يضحي منكم في سبيل الدفاع عن بلده واهله واعراضه فإنه يكون شهيداً"، والشهادة في المفهوم الاسلامي تقترن كثيراً مع مفهوم الجهاد، سيما إذا كان "الغرض مقدس" على حد وصف الكربلائي.

وقد أكد شهود عيان ان الاقبال على التطوع للقتال او الدفاع عن المدن المقدس، يشهد تصاعداً كبيرا، بعد هذا الاعلان، فيما تحولت العديد من المقار الحزبية الى اماكن لتسجيل الاسماء وربما التجهيز بالسلاح لاحقاً.

المخاوف الحقيقية قد تأتي إذا ما تكمن تنظيم داعش المتطرف من استغلال الاجواء الطائفية والدينية المشحونة لإحداث حرب اهلية، طالما حذر الخبراء والمتابعون من تبعاتها، وهنا يأتي دور الحكومة المركزية والزعماء السياسيون والدينيون في العراق لتجنيب البلاد خطر الانزلاق في هذه الحرب، التي تصب بالتأكيد في مصلحة التنظيمات الارهابية التي غالبا ما تنشط وسط الاوضاع المرتبكة والازمات.

توصيات لإدارة الازمة الجديدة

ما حدث مؤخراً ازمة حقيقية لا يمكن للحكومة العراقية او المجتمع الدولي السكوت عنها، سيما وان التهديدات التي شملت العراق، من السهولة بمكان انتقالها الى دول اخرى في الشرق الاوسط، كما ان الثقل الاكبر يقع على عاتق الحكومة العراقية وطريقة تفكيرها التقليدية لإدارة هكذا ازمات كبيرة، اضافة الى اتسامها بالبطء والتراخي في الاستجابة لتسارع وتيرة الاحداث، ومن خلال قراءة منطقية لملابسات الاحداث الاخيرة يمكن تقديم التوصيات الاتية لتطويق الازمة قبل اتساعها.

1. ازمة الموصل، وقبلها الانبار، اثبتت فشل القيادات الامنية الكبرى في العراق، والتي يقع على عاتقها ادارة المعارك والمبادرة في التصدي للتنظيمات الارهابية، لذا اقتضى من الحكومة المركزية اعادة هيكلة القيادات الامنية، والاستعانة بقيادات لها القدرة على احداث الفرق والتأثير في سير العمليات العسكرية.

2. التخفيف من الشحن الطائفي، لأنها نقطة تصب في صالح التنظيمات الارهابية التي سعت منذ البداية لتأجيج الخلاف الشيعي-السني، وبالتالي الجر نحو حرب اهلية تمزق البلاد.

3. طلب الدعم العسكري واللوجستي من المجتمع الدولي، وبالأخص الولايات المتحدة الامريكية، بصورة عاجلة.

4. المبادرة الى احتواء الغضب الشعبي ضد الحكومة المركزية، من جانب المناطق السنية، والذي سهل وقوع العديد من المدن، ومن بينها الموصل، تحت يد العناصر المسلحة، من خلال مبادرات حقيقية يمكن تطبيقها على ارض الواقع.

5. التركيز على الاعلام المضاد، اذ ان أكثر من 60% من انتصارات داعش هي انتصارات اعلامية، وربما ما حدث من انهيار كبير للقوات الامنية في الموصل، يعطي مثالاً واضحاً على ذلك.

6. ترك الجدل السياسي بين قادة الكتل والاحزاب السياسية المتصارعة، والتوحد نحو صد الخطر المشترك، الذي يهدد الجميع الان، سيما وان التباطء في كسر شوكة "الدولة الاسلامية" داخل العراق، سوف يزيد الاعجاب بقدرتها المتنامية، وبالتالي كسب المزيد من المقاتلين العراقيين اللذين قد يرغبون في الانضمام الى صفوفها، مما يؤدي الى تعقيد المسالة بصورة أكبر.      

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث/المنتدى السياسي

http://mcsr.net

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 15/حزيران/2014 - 16/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م