حسين علي محفوظ

(1926 – 2009)

طيّبٌ من القول لا تذروه الرياح

د. علي محمد ياسين

 

في بيت جدّه لأمّه ولد حسين علي محفوظ في محلّة التل بالكاظميّة التي علّمته مدارسها الابتدائيّة حروف الهجاء الأولى عام 1933 لينتقل في سنة 1942 لمدارس بغداد الثانويّة، ثم لدار المعلمين العالية عام 1944، وانتهاء بدكتوراه الدولة في الآداب الشرقية (الأدب المقارن)، عام 1955م.

وقد كان لمجالس العلم ومواسم الأدب، وصحبة العلماء بمدينة الجوادين أثرهما البالغ في نشأته العلميّة، وتوجّهاته المعرفيّة صوب الأدب والتحقيق الذي عشقه محفوظ مبكرا كما عشق التراث واطلع عليه اطلاعا دقيقا.

جمع الدكتور محفوظ الدراستين القديمة والحديثة، واطّلع على أصول التاريخ والأدب والثقافة في بيته، وتتلمذ على أفاضل أسرته، وقرأ مقدمات المنطق والأصول على العلماء من أهله، وطالع شيئا من كتب الأدب واللغة والبلاغة والتفسير والتجويد، وعلوم القرآن، وعلوم الحديث، والفقه، والعربية، والفلسفة، والحساب والفلك، والطب، والأخلاق، والآداب، وبعض العلوم، والمعارف القديمة والحديثة في خزائن والده، وعمه يرحمهما الله.

وقد انجذب في بداية حياته الأدبيّة إلى الأستاذ علي الوردي الذي كان يستلهم في تفكيره مناهج العلوم الإنسانيّة، ويستنير بآراء الفكر الأوربي المتفتح على الحضارة الغربية في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، وقد أفاد محفوظ من هذه الصحبة التي أتت أُكلها من خلال اضطراه للاحتكاك بالمناهج الحديثة المواكبة لروح العصر، ثم التعرف على هذه المناهج، وتوظيفها في دراساته الادبية واللغوية والاجتماعية والثقافية المتنوعة.

عيّن حسين علي محفوظ مدرساً في دار المعلمين العالية ببغداد سنة 1956م، ثم انتقل إلى كلية الآداب بجامعة بغداد التي أسّس بها سنة 1969 قسم الدراسات الشرقية، ورأسه حتى سنة 1973م. كما مارس التدريس الجامعي في جامعات عديدة منها الكلية الشرقية بجامعة بطرسبورغ منذ 1961م حتى سنة 1963م، وحاز على لقب أستاذ المستشرقين.

وقد ابتدأ التأليف في سن مبكرة من حياته العلميّة، لذا تجاوزت تآليفه الـ (400 أثر مطبوع) بين كتاب ورسالة ودراسة وبحث ومقالة في مختلف حقول العلم، وقد أنجزَ العديد من الدراسات التراثية في مختلف الموضوعات كالعمارة، والفلك، والتقويم، والطفل، والتعليم، والزراعة، والنقود، والأوزان والمقاييس والمكاييل، والمصطلحات والمعرَّبات، وعلم الوثقائق والخط، والمكتبة، والأخلاق، والفولكلور، والتقويم والأهلّة، وتأثير العربية خارج البلدان الناطقة بها وسوى ذلك.

كما كان له حضوره اللافت في الكتابة الصحفيّة، فقد أغنى المجلات والجرائد العراقيّة والعربية بعديد من المواضيع الطازجة لمدة تجاوزت الثلاثة عقود، وما زالت بعض أعمدته في الصحافة العراقية عالقة في الأذهان حتى يومنا هذا بسبب قيمتها العلميّة والأدبيّة، ومنها مثلا، عموده الموسوم (هشيم تذروه الرياح) وعموده (الطيب من القول) وعموده (ثمرات) وهي مجموعة مقالات دورية كان محفوظ يكتبها في صحف (العراق و الجمهورية والمصور العربي وغيرها).

وكان من بين اهتماماته التي شغلته محاولاته الصادقة والمخلصة للتقريب بين مذاهب الإسلام الواحد وردم الهوة التي باتت تتسع مع تطور الزمن ووسائل الاتصال بين أفراد هذا الدين وقد كتب مجموعة مقالات قيّمَة خصّ فيها مسائل الاختلاف والاتفاق بين المذاهب الإسلاميّة، وتـُعدّ مقالته الرائعة (الوفاق بين المذاهب الإسلامية، حقائق الوفاق في ظواهر الخلاف) إحدى الجهود الساعية إلى تشخيص موارد الاختلاف السطحي، وإيجاد سبل تجاوز هذه القطيعة القائمة على الفهم المغلوط بين المسلمين، وعلى عدم وقوف كلّ من الطرفين على حقيقة الآخر.

وكان مما عرف به حسين علي محفوظ حثّه على إقامة المجالس والصالونات الأدبيّة وحرصه على الحضور إليها حتى لو استلزم ذلك منه أن يتجشم أهوال الطريق ووعثاء السفر في مدن أخرى غير مدينته بغداد، لأنه يرى في هذه المجالس امتدادا لثقافة حضارية حرص عليها أجدادنا العرب الأولون، فأسواقهم ومحافلهم الأدبيّة كعكاظ والمربد كانت شاهدا على صحوة ثقافيّة، ودليلا على حاجة المثقف لشحذ ذهنه بشكل دوري ومستمر من خلال هذه المجالس، لئلّا يصدأ هذا الذهن ويصيبه الوهن.

وقد سجل الكثير ممّن كان يحضر مجالس المرحوم حسين علي محفوظ أنّها كانت غاية في الموضوعيّة والجِدّة، وبالرغم من العلاقة القوية التي كانت تشد المجالس التي يقيمها أو يحضرها محفوظ، غير أنّه لم يكن يتطرّق في مجالسه إلى كلّ ما يثير الضغينة والكراهيّة بين عموم الحاضرين، كالأحاديث ذات البعد الطائفي، أو المواضيع التي تنتقص عشيرة، أو قبيلة ما من القبائل، أو عرقا من الأعراق البشريّة بغض النظر عن لونه، أو دينه، أو لغته، وإنّما كان غالبا ما يتحدّث في أمور توحّد المشاعر وتسمو بالسامعين، وهنا سرّ نجاح مجالسه الأدبيّة.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 11/حزيران/2014 - 12/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م