هل يمكن ترويض الوحش الكامن فينا؟

كولاج  لفهم غير مكتمل

حيدر الجراح

 

"وأنت تطارد الوحش حذارِ من أن تتحول أنت أيضاً إلى وحش!". نيتشة

 

شبكة النبأ: يحذر الأخضر الإبراهيمي من صومال ثانية في سوريا، ويطلق صيحة تعجب وهو يحذر الأوربيين: "يا الهي كل هؤلاء الناس يتدربون في سوريا ويعتقدون ان مهمتهم اقامة دولة اسلامية في العالم، هذا تهديد كبير لكم، اليس كذلك؟".

اجل كل هؤلاء اطلقوا الوحش الكامن فيهم، متوهمين ان انيابه ومخالبه ستقيم عدل الله في الارض. لكن اي اله يتبعه هؤلاء، واي عدل يمكن ان يبسطه هذا الاله الذي اوغل في الدم دون حساب؟

ان وحشهم الكامن فيهم هو من يقتل بغير حساب، من اجل تحقيق الخير الأسمى لإلههم. وهو اله يتوهمه الكثيرون، يرسل اليهم رسائل خاصة، عبر وحي لا يتنزل الا عليهم، هم المختارون لاقامة عدل هذا الاله وبسطه على ربوع الارض.

تتساءل احدى الكاتبات، من أين يستمد الشرُّ سلطته التي تقوى كلَّ يوم أكثر فأكثر في العالم؟ من الجشع أم من التعصب، من الكره أم من الجبن؟ هذا العدو، الذي نعتقد أنه خارجنا، هو حيٌّ فينا، على ما يؤكد الفيلسوف الفرنسي المعاصر أندريه كونت سبونفيل.

وتضيف: الله، الوطن، الثورة، السلطة، المال، اللذة – كلها قضايا يُحمِّلها الإنسان منطقه الخاص؛ وإذا تطرَّف فيها اصطدم مع الآخرين وألحق بهم الأذى. الشر الأخلاقي إنساني بحت، يرتدي عباءة الأنانية والضلال، أو الجشع والتعصب، الكره أو الجبن – وكلها عناصر تنحدر بالإنسان إلى مستوى أدنى بكثير من الحيوان. والطريقة المثلى لمحاربة الشرِّ هي في صفاء الرؤية والنبل والتسامح والتجرد والشجاعة والحب. "الأنانية أساس كلِّ شر"، بحسب الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، وخاصة عندما تغرق الأنانية في الكره أو التعصب. أن نخوض المعركة ضد ذواتنا لنحارب الشرَّ أفضل من أن نخوضها ضد الآخرين – إلا إذا كانت دفاعًا عن النفس.

لقد ميّز الفيلسوف الألماني لا يبنتس بين ثلاثة أنواع من الشرور:

1 - ميتافيزيقي، يكمن في عدم الكمال؛

2 -  فيزيقي، يكمن في الألم؛

3 - أخلاقي، يكمن في الخطيئة.

حول الظلم والحسد يكتب انسي الحاج في يومياته:

هل في الإنسان شيءٌ «غير إنسانيّ»؟

وهل لهذا السؤال معنى؟ وما معناه؟

لا أعرف. يبدو لي، في غَلَيان مشاعري أمام الظلم، أنّ الظلم، مثلاً، جزءٌ من كائنٍ غير إنساني.

تابع لزلزال، لبركان، لوحش، لعتمة.

وغير الظلم؟

الحَسَد.

كأنّه إبليس كان يتحيّن الحجّة لينقلب على الله.

بل هو كذلك، ولو تَقَنَّع بالتمرّد.

التمرّد حقّ إنسانيّ عندما يكون على حالةٍ لا تُطاق، على جَوْر، ولا يعود إنسانيّاً عندما ينبع من حسد.

التمرّد، خارج رَفْض القهر العبثي أو الجائر، ليس قيمة أخلاقيّة.

حين تتعارض المصالح الخاصة والذاتية مع الدّين، نلجأ لتفسير الدين بها، ونوظفه لها، ونستثمره لصالحها، وهنا يأتي دور الوحش الديني الكامن فينا، الرابض في ظنوننا، القابع في مخيلتنا، المختبئ في مفهوماتنا، المتكون في مصالحنا الذاتية، يزكيه الالتباس بين قانون الدنيا وقانون الدّين.

حينئذٍ ينكشف الوحش الديني ذو المخالب المدمرة والقاتلة لكل معاني السلام والحياة، المتربص بالدين الحق، يحاول خنقه وإنهاء فاعليته في قلوب الناس، هذا الوحش الديني الذي تم تدجينه، ثم تغذيته وتسمينه بالتراكم التراثي النقلي الاجتماعي والسياسي، ها هو جاهز للانقضاض على كل جمال الدّين، وسماحة التدين الفطري.

إن الإنسان يختلف عن الحيوان في حقيقة كونه قاتلا لأنه الحيوان الوحيد الذي يقتل أفرادا من بني جنسه ويعذبهم، دونما سبب بيولوجي أو اقتصادي وجيه، ويحس بالرضى التام من فعل ذلك!‏.

ليس هناك قدرٌ محتوم على البشر أن يتحولوا إلى جلادين وضحايا، وحوش مفترسة وأرانب أو فئران، ولكن أنظمة القمع والاستغلال هي التي تريد إبقاء البشر عند مرحلة الحيوانية الغريزية الأولى، وحين يحاولون الخروج من هذه الشروط تثبتهم فيها أو تنزلهم إلى ما هو أحط من الحيوانات من خلال القسر. ‏

يقول ممدوح عدوان في كتاب هو الاروع والاكثر قسوة في تناوله للوحش الكامن فينا، والذي حمل عنوان (حيونة الانسان): "هناك من يجتهدون لإيجاد تعريف موجز ومختصر للإنسان، فيقولون إنه: حيوان ضاحك، أو حيوان ناطق، أو حيوان مالي، أو حيوان يتمتع بالذاكرة، أو حيوان سياسي، أو حيوان طوره العمل.. إلى آخر الصفات.. ولكن هذه التعريفات كلها تتفق على منطلق واحد هو أن الإنسان حيوان".

ويصل ممدوح عدوان في كتابه إلى النتيجة التالية: إن عالم القمع المنظم منه والعشوائي، الذي يعيشه إنسان هذا العصر، هو عالم لا يصلح للإنسان، ولا لنمو إنسانيته، بل هو عالم يعمل على (حيونة الإنسان) (أي تحويله إلى حيوان).‏

الحياة واسعة جدا، تتسع للجميع، لكنها في لحظة ما، تضيق حتى تتحول إلى ممرٍ ضيق لا يفضي لغير العنف الذي قد تجد فيه الشخصيات حلولا لمشكلاتها، أو وسائل لتحقيق غايات تطغى على غاية الحياة وقيمتها الخالدة.‏

فضلا عن أن تاريخ الإنسان هو تاريخ عنفه أو قمعه كما يرى سيجموند فرويد في كتابه (الحب، الحضارة، الحرب). وليس فرويد وحده هو من توصل الى هذه النتيجة، إنما غالبية المؤرخين الذين وصفوا التاريخ بأنه "تاريخ الصراع الإنساني"، ولو تتبعنا المسار الزمني لمدونات هذا التاريخ، لوجدنا بأن هنالك فترات زمنية مظلمة أو منسية، أشبه بثغرات في بنية الزمان، تلك الثغرات تمثل العقود أو القرون التي خلت من الصراعات، فلم تظهر في مسودات التاريخ أو حتى في صوره السلبية.‏

ويمكن أن نتابع مع نيكوس كازانتراكيس:‏ "ربما كانت الكتابة لعبا في عصور أخرى: أيام التوازن والانسجام، لكنها اليوم مهمة جسيمة، لم يعد الغرض منها تسلية العقول بالقصص الخرافية، أو مساعدة هذه العقول على النسيان، بل الغرض منها: تحريض الإنسان على بذل قصارى جهوده، لتجاوز الوحش الكامن في أعماقه".‏

في كتاب خرائط العقل لتوني بوزان يتحدث عن التكرار والمضاعفة ويعتبره "سلاح ذو حدين للوحش الكامن فينا" ويشرح فكرته قائلا:

الاحباط والاكتئاب يولد مئات الاضعاف من الاشتباكات العصبية المخية التي تسارع بالسقوط والعكس. فالمدخلات الخاطئة تؤدي لنتائج خاطئة لكن في العقل المدخلات الخاطئة توسع النتائج الكارثية فعقولنا مبدعة بلا حدود او مدمرة بلا حدود والاختيار لك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 10/حزيران/2014 - 11/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م