هَلّْ أَصْبَحَ القُرآنُ الكَرِيْمُ... مَادَّةً لِلْغِنَاءِ السُمْفُونِيّْ!!.

مُحَمَّد جَواد سُنبَه

 

قَبْلَ أَيَّامٍ، عُرِضَ على بَرنامَجِ (اليوتيوب)، حَفْلٌ سُمْفُونيٌّ، لكنْ كانَ العَرضُ مِن نَوّعٍ فَريْد. فِي هذا العَرضِ السُمْفُونيّ، خُصِّصَتْ (الآيةُ 13 مِن سُورَةِ الحُجُراتْ)، لتكونَ مادَّةً للغِنَاءِ الأُوْبِرالِيّ. فكانَتْ تُغَنّى تلكَ الآيَةُ الكريمَةُ، معَ العَزفِ الموسِيقيّ الأُوْركِسْتِراليّ، يُرافِقُ ذلك، تَرديْدٌ صَوّتِيّ (لِكُورَالٍ) مِنَ الفَتياتِ.

القُرآنُ الكريمُ كِتَابُ اللهِ العزيزِ، هِبَةُ الخَالقِ للبَشريَّةِ، لتَجِدَ فيهِ كُلَّ مَا يُصلِحُ أُمورَ حيَاتِها وآخِرَتِها. إِنَّهُ بِحَقٍّ الدِّستورِ الإِلهيّ العَظيمِ. الّذي تَتَجَسَّدُ فيهِ الرُؤْيَةُ الرَّبانيَّةُ، في تَخْطِيْطِ الكَوْنِ ماضِيَاً وحَاضِراً ومُستَقبلاً. ورَحمَةُ الخَالِقُ تَعالَى، شَاءَتْ أَنْ تَنْقُلَ هذا المَصدَرَ العَظيْمِ، مِن مَكنُونَاتِ الغَيّْبِ، وتَضَعَهُ بيَدِ الانْسَانِ، ليَتَفَكَّرَ بهِ، ويتَدَبَّرَ آياتِهِ، ويأْخُذَ مِنْهُ كُلَّ النَّوامِيْسِ، الّتي بِهَا، يُصْلِحُ تَجربَتَهُ الحَيَاتِيَّةُ، وبِهَا تَنتَظِمُ وشَائِجُ علاقاتِهِ، مَعَ اللهِ ومَعَ نَفْسِهِ ومَعَ الآخرَين.

هَذِهِ المنظومَةُ المُتكامِلَةُ والشَّامِلَةُ، مِنَ التَّشريعاتِ السَّماويَّةِ، الّتي لَمْ تَقتَصِرْ صَلاحيَّةُ عَمَلِهَا، على زَمَانٍ ومَكانٍ، مثلَمَا لَمْ تَقتَصِرْ، عَلى جِنْسٍ أَو نَوعٍ بَشَرِيّ مُعَيَّنٍ، كمَا أَنَّهَا تَتَعَدّْى حُدُودَ، اسْتِفَادَةِ الانْسَانِ مِنها لِذَاتِهِ فَقَطّ، فَتَصِلُ إِلى حُدودِ استِفَادَةِ البِيْئَةِ الصَمّْاءِ مِنْها، والبِيْئَةِ الحَيَّةِ أَيْضاً.

يَصِفُ الخَالِقُ سُبحانَهُ، عِظَمَ قَدّْرِ كِتابِهِ الكَريمِ، ومَنزِلَتِهِ بقولِهِ تَعالَى:

(لَو أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).(صدقَ اللهُ العَليُّ العَظِيْم).

لكنَّ المؤسفَ أَنْ يَتصَدَّعَ الجَبَلُ الأّصَمُ، ولا يتَأَثَّرُ الكثيرُ مِن البشَرِ، بهَذا النِّدَاءِ الرَبَّاني. لقَدّْ أَدركَ أَعداءُ الإِسْلامِ، مُنذُ زمَنِ الجاهليَّةِ الأُولَى، أَنَّ لهذا القُرآنِ شَأْناً عَظيْمَاً، سَيفَتَحُ عليهِمْ الأَبوابَ الّتي تُفقِدُهُمْ، مكانَتَهُمْ الاجتماعيَّةِ، وامتيازاتَهُمْ الطَّبقيَّةِ، ونُفوذَهُمِ وسُلطانَهُمْ. ومِن هُنا بَدأَتْ نُقطَةُ الصِّراعِ، بيّنَ حِزِبِ اللهِ وحِزِبِ الشَّيْطانِ.

القُرآنُ الكَريمُ أَخطَرُ مَصدَرِ تَهديْدٍ، للمصَالِحِ الدُّنيويَّةِ لكُلِّ الطُغَاةِ، لِذَا شَنَّ الطُغاةُ ضِدَّ انتِشَارِهِ، حَربَاً شَعوَاءَ، ليُوقِفُوا مَسيرتِهِ الاصلاحِيَّةِ، لتَنظِيْمِ وتَقْويمِ حَيَاةِ الخَليقَة.

فوقَائِعُ التَّاريخِ تُثبِتُ لنَا، أَنَّ القُرآنَ الكَريمِ، تَعَرَّضَ لِهَجَمَاتٍ مُنظَمَةٍ، مِنْ قِبَلِ أَعدَاءِ الإِسلامِ، المُسْلِميْنَ مِنهُمْ وغَيّرِ المُسلِميْن. أَمَّا بِتَحريْفِهِ، أَو تَغيّيبِهِ عَنْ وَعِيّ الإِنْسَانِ، أَو تَقلِيْلِ أَهَمِيَّتِهِ فِي نَظَرِ البَشَرِ، أَو بتَطبيْقِ أَحكامِهِ القَضائِيَّةِ على المُجتَمَعِ، دونَ تَطبيقِ نظامِهِ التَّشريْعيّ، والسِياسِيّ والاقتِصَاديّ. إِضَافَةً لذلكَ، فقَدّْ عَمِدَ أَعدَاءُ الإِسْلامِ، عَلى فَصْلِ تَطبيْقِ السُنَّةِ الصَحيْحَةِ، عَن تَطبيْقِ أَحكامِ القُرآن. ولهذا الدَّوْرِ أَثَرُهُ السَلبِيُّ الكبيْرُ، على تَطبيْقِ النِّظَامِ الإِسلاميّ في المُجتمَع. فالنِّظامُ الإِسلامِيُّ، نِظَامٌ شَامِلٌ، لا يُمكِنُ بأَيّ حَالٍ مِن الأَحوالِ، تَجْزئُ بَعضَهُ عًن بَعض. (كما تَفعَلُ الآنَ حكومَةُ آلِ سُعودٍ، ومِحوَرِها مِن دُوَلِ الخَليْج).

القَصْدُ مِنْ كُلِّ ذلكَ، صَرفُ فِكْرِ ونَظَرِ الانْسَانِ، عَمَّا مَوجُودٌ بَيّْنَ الدَّفَتَينِ، مِن قِيَمٍ إِنسانيَّةٍ رفيْعَةٍ، تُحقِّقُ العَدالَةَ والاسْتِقامَةَ والنِّظامَ، في حيَاةِ الانسَان.

فبَدَلاً مِنَ السَعيّ لتَحقيْقِ ذلكَ، يَتِمُّ الالتِفَافُ على المَفَاهِيمِ، الفِكْريَّةِ والعَقائديَّةِ، الّتي تَحِثُ الانسَانَ، عَلى إِقامَةِ نِظامِ الحَقِّ والعَدْلِ في الحَيَاة.

وبَدَلاً مِن تَعميْقِ أفكَارِ القُرآنِ، الّتي تَهْدِفُ تَحريْرَ الانْسَانِ، مِن رِبْقَةِ الوَلاءِ المُطلَقِ للحَاكِمِ المُتَسَلِّط. يَقوْمُ مُفَكِّرُوْ السُلُطاتِ الطَّاغُوتِيَّةِ، بِجَرِّ المُسْلِميْنَ للخَوّضِ، فِي نِقاشَاتٍ عَقِيْمَةٍ، لا طَائِلَ مِن وَرَائِها، لتَضيّيعِ وَقْتِهِمْ، وتَشْتِيتِ أَفكارِهِمْ، وتَبْدِيْدِ جُهُودِهِمْ، وتَضْيّيعِ أَنْشِطَتِهِمْ.

لقَدّْ أُختُلِقَتْ شَتَّى الأَسَالِيْبِ، وأَمْكَرُ الدَّسَائِسِ الإِبليْسِيَّةِ، مِن أَجلِ تَحقيقِ القَطيْعَةِ، بَيّْنَ المُجتَمَعِ والإِسْلام. ومِنْ هذهِ المُؤامَرَاتِ، كانَتْ مُؤامَرَةُ المُجَسِّمَةِ، الّتي يُشَكِّلُ فيها ابنُ تَيْميَّةَ الحرَّانِيّ، أَحَدَ المُرَوِجينَ لهَا، ويتَبنَّاهَا الخَطُّ الوَهابيُّ المُنحَرِف. هَذا الخَطُّ الّذي يُغَذَّى، بأَموالِ المُسلِميْنَ، وبالتَّالي يَستَهدِفُ عَقيْدَتِهِمْ الصَّحيْحَة. يَقُوْلُ صَاحِبُ كِتَابِ، (رُؤْيَةُ اللّهِ فِي ضَوْءِ الكِتَابِ والسُنَّةِ والعَقْل) ما يلي:

(فما ترى في كتب الحديث قديماً وحديثاً من الاخبار الكثيرة حول التجسيم، والتشبيه، والقدر السالب للاختيار والرؤية ونسبة المعاصي إلى الانبياء، فكلّ ذلك من آفات المُستَسلِمة من اليهود والنصارى. فقد حسبها المسلمون حقائق راهنة وقصِصاً صادقة فتلقّوها بقبول حسن نشرها السلف بين الخلف، ودام الامر على ذلك.

 ومن العوامل التي فسحت المجال للاحبار والرهبان لنشر ما في العهدين بين المسلمين، النهي عن تدوين حديث الرسول (صلى الله عليه وآله) ونشره ونقله والتحدّث به أكثر من مائة سنة، فأوجد الفراغ الذي خلفه هذا العمل أرضية مناسبة لظهور بدع يهودية ونصرانية وسخافات مسيحية وأساطير يهودية، خصوصاً من قبل الكهنة والرهبان.

فقد كان التحدّث بحديث الرسول (صلى الله عليه وآله) أمراً مكروهاً، بل محظوراً من قبل الخلفاء إلى عصر عمر بن عبد العزيز (19-101هـ)، بل إلى عصر المنصور العباسي (341هـ)، ولكن كان المجال للتحدّث بالاساطير من قبل هؤلاء أمراً مسموحاً به، فهذا هوتميم بن أوس الداري من رواة الاساطير، وقد أسلم سنة تسع للهجرة، وهو أول من قصّ بين المسلمين واستأذن عمر أن يقصّ على الناس قائماً، فأذن له، وكان يسكن المدينة ثمّ انتقل إلى الشام بعد قتل عثمان.)(انتهى)( رُؤْيَةُ اللّهِ فِي ضَوْءِ الكِتَابِ والسُنَّةِ والعَقْل/جعفر السُبحاني/ص 17)

(روى البخاري في باب (الصراط جسر جهنّم) بسنده عن أبي هريرة قال: قال أُناس: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال: (هل تضارّون في الشمس ليس دونها سحاب؟.....الخ))(انتهى)(المصدر السابق/ص102).

(إنّ أساتذة الجامعات الاسلامية في الرياض ومكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة بدلاً من أنْ يُجهدوا أنفسهم في فهم المعارف ويتجرّدوا في مقام التحليل عن الاراء المسبقة، نراهم يقدمون لشباب الجامعات وخريجيها دعماً مالياً وفكرياً لمواصلة البحوث حول الرؤية (رؤية الله تعالى يوم القيامة) في محاولة لإثباتها واثبات الجهة لله تعالى)(انتهى)(المصدر السابق ص41).

وبِمَا أَنَّ القُرآنَ العَزيزَ، هُو مَصدَرُ كُلِّ الخَطَرِ، عَلى عُروْشِ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ، فِي الوَقْتِ الحَاضِرِ والمُستَقبَلِ، كمَا كَانَ خَطَراً، عَلى عُروْشِ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ الأُوْلَى. لِذَا اتَّجَهَ الطَّواغِيْتُ، ليَجعَلوا مِنَ القُرآنِ أُسْطُورَةً خُرافِيَّةً، مُشْبَعَةً بالتَّناقُضَاتِ الفِكْريَّةِ والعَقَائديَّة. وأَنْ يَرسِمُوا فِي أَذهَاِن النَّاسِ، صُورَةً سَاذِجَةً عَنْهُ، حَتَّى يَصرِفِوا أَنْظَارَهُمْ، عَنِ الاهتِمَامِ بِهِ، والتَّبصُرِ فِي مَضَاميْنِه. والآنَ وقَدّ تَقَدَّمَتْ التِّقَنِيَّةُ عَالمِيَّاً، لذا تغَيَّرَتْ وَسَائِلُ تِلكَ المُؤَامَرَة.

فَمِنْ تِلكَ الأَسَاليْبِ المَشْبُوهَةِ، فِي الوَقْتِ الحَاضِرِ، أَنْ تُقَامَ فِي أَندُونِيْسْيَا، البَلَدُ الأَكثَرُ سُكَانَاً مِنَ المُسلِميْنَ فِي العَالَمِ، حَفَلاتٌ سِمْفونِيَّةٌ، تُغَنَّى فيها آياتٌ قُرآنِيَّةٌ. وكانَ مِنْها الحَفْلُ الّذيْ عُرِضَ عَلى (اليُوتيوب)، فِي أَواخِرِ شَهْرِ أَيّْارَ 2014. والّذي كانَتْ مادَّةُ الغِنَاءِ فيْهِ، قَولَهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

أَندُونِيْسْيَا بَلَدٌ تَرَعْرَعَ عَقَائِدِيَّاً، تَحتَ رِعَايَةِ الخَطِّ الوَهَابِيّ، قُبَيْلَ أَنْ يَشْهَدَ ثَوْرَتَهُ الصِّنَاعِيَّةِ، فِي أَواخِرِ القَرنِ الماضِيْ. وحتّْى يَكونَ القُرآنُ فَاقِداً، لِجَوْهَرِ حيَوِيَّتِهِ وفَاعِليَّتِهِ، ابتَكَرَ أَصْحَابُ الأَفكَارِ الشَّيْطَانِيَّةِ، أُسْلُوبَ جَعلِ القُرآنِ الكَريْمِ، مُجَرَّدَ تَرانِيْمَ مُوسِيقِيَّةٍ.

هَلّْ يَنتَبِهُ المُسلِمُونَ الآنْ، إِلى حَجْمِ عَمَلِيَّةِ هَذا التَّشْويْه؟.

هَذِهِ العَمَلِيَّةُ، تَستَهْدِفُ القُرآنَ الكَريْمَ، أَوّلَ الثِقْلَيّْنِ فِي العَقيْدَةِ الإِسْلامِيَّةِ، بَعدَمَا فَشِلَ أَعدَاءُ الإِسْلامِ، باسْتِهْدَافِ ثَانِيْ الثِقْلَيّْنِ، عِتْرَةِ الرَّسولِ (ص) مِن أَهْلِ البَيّْتِ(ع). بِتَحْجِيْمِ دَوْرِهِمْ، بِشَتّْى صُوَرِ الافْتِرَاءِ والتَّزيّيْفِ، لِتَنْفِيْرِ النَّاسِ مِنْهُمْ، ومَنْعِ تَأَثُرِهِمْ بِمَنْهَجِ أَهْلِ البَيّْتِ(ع). ولكِنْ كُلَّ تِلكَ المُحَاولاتِ البَائِسَةِ بَاءَتْ بالفَشَل.

فَهَلّْ يُدْرِكُ المُسلِمُونَ المُؤْمِنُونَ، حَجْمَ الخَطَرِ المُحْدِقِ بِعَقِيْدَتِهِمْ أَمّْ لَاْ.؟.

رابِطُ الحَفلِ السِمفُونِيّ المَذْكُور هُوَ:

https://www.youtube.com/watch?v=pVz7SW5556U

* كاتِبٌ وبَاحِثٌ عِرَاقي

[email protected]

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/حزيران/2014 - 8/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م