صعود الأحزاب اليمينية... خوف في فرنسا من مستقبل مجهول

 

شبكة النبأ: في كلمة متلفزة للرئيس الفرنسي "هولاند"، وجهها الى المواطنين الفرنسيين، طالبهم فيها مجدد بالتمسك بمبادئ الجمهورية والتحلي بالصبر حتى يتم تطبيق الإصلاحات الاقتصادية التي اعان عنها عام 2013 بما يعرف "ميثاق المسؤولية والتضامن"، وقال "يجب ألا نترك الفرنسيين ينتظرون، مؤسساتنا قوية تسمح لنا بالتحرك، علينا أن نثبت قدرتنا على رفع التحديات واستعادة تماسكنا بالجمهورية والديمقراطية والتلاحم والحب بين الفرنسيين هذا هو الكفاح الذي ألتزم به"، في رسالة ضمنية، ربما الى قادة الاتحاد الأوربي، ومحاولاتهم للإصلاح الاقتصادي الصارم والتي أدت الى صعود أحزاب اليمين المتطرف، خصوصاً في فرنسا وبلجيكا ودول اوربية أخرى، في سابقة غير متوقعة.

الغريب في الامر، ان المظاهرات التي أعقبت صعود الأحزاب اليمينية الى برلمان الاتحاد الأوربي، كانت غير متوقعة أيضا.

أربعة الاف في فرنسا وربعهم في بلجيكا، سيما وان مقارنة بينها وبين أكثر من مليون ونصف المليون فرنسي خرجوا في مظاهرة عام 2002، لإحداث قريبة من الاحداث الحالية، تعتبر اجحافاً للواقع، كما يراه المحللون، اللذين أشاروا الى ان التغيرات السياسية الأخيرة في اوربا، هو بمثابة "عقاب شعبي" من قبل المواطنين الاوربيين لقادة الاتحاد، على سياساتهم الاقتصادية والنقدية التي لم تؤتي ثمارها الواقعية لكبح جماح البطالة وسياسة التقشف وتراجع النمو الاقتصادي وغيرها.

فيما رأى محللون اخرون، ان اوربا باتت عند مفترق طرق، وان الاتحاد بدء يفقد قيمته المعنوية والمادية، خصوصاً مع تعالي الأصوات المطالبة بفض الشراكة الاقتصادية، بعد ان تكبدت دول قوية أخطاء الاخرين، وقد جاء حزب اليمين الفرنسي بقيادة لوبان ليعبر عن هذا الامر بصوت عالي وغير خجول.

فقد حقق حزب الجبهة الوطنية المناهض للهجرة الوافدة والمعارض للوحدة الأوروبية أول نصر انتخابي على مستوى فرنسا منذ تأسيسه قبل 40 عاما وكان ذلك في انتخابات البرلمان الأوروبي التي كشفت عن خيبة أمل الناخبين في الاتحاد الأوروبي وفي المؤسسة السياسية الفرنسية ككل، واهتزت الساحة السياسية الفرنسية مرة أخرى حينما تنحت زعامة حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية المعارض المحافظ بصورة جماعية وسط حالة من التشوش بعد أقاويل شابت تمويل الحملة الانتخابية الفاشلة التي قام بها الرئيس السابق نيكولا ساركوزي عام 2012.

كما أزاحت نسبة البطالة العالية التي أعلنت مؤخرا اللثام عن سبب بقاء شعبية الرئيس الاشتراكي فرانسوا أولوند عند مستويات متدنية لم يسبقه إليها أي زعيم فرنسي في العصر الحديث، وزادت الأرقام من الإحساس بالإحباط العميق داخل نفوس الكثير من الفرنسيين، وقال جان دانيال ليفي من مركز هاريس إنترآكتيف لاستطلاعات الرأي "في ظل الوضع الحالي، حين تتحدث مارين لوبان يستمع إليها الناس"، وأضاف "انتخاب تلو انتخاب، تنتقل هي من قوة إلى قوة".

وظلت الجبهة الوطنية تعكف على مدى سنوات على اكتساب قوة دفع تدريجيا، لكن مؤيديها وخصومها والمحللين السياسيين المستقلين على السواء يجمعون كلهم على أن هناك شيئا جديدا يتبلور، وفي عام 2002 عندما أحدث جان ماري لوبان والد مارين هزة في فرنسا حينما أخرج منافسه الاشتراكي من الدورة الأولى في انتخابات الرئاسة خرج ما يقدر بنحو 1.3 مليون مواطن إلى الشوارع في احتجاج كان يعبر عن هول الصدمة.

وفي الجولة الثانية الحاسمة التقط ناخبون يساريون صورا لأنفسهم وهم يسدون أنوفهم أثناء التصويت لصالح المرشح المحافظ جاك شيراك ضاغطين على أنفسهم لضمان هزيمة جان ماري لوبان التامة، لكن هذه المرة لم تخرج مثل هذه الجموع المحتجة، ولم تنجح محاولات حشد متظاهرين مناوئين للجبهة الوطنية في شوارع باريس الذي يوافق عطلة عيد الصعود إلا في جمع حوالي 4200 شخص معظمهم من طلاب المدارس والجامعات وفقا لتقديرات الشرطة، وقالت ماريون فوشو وهي موظفة اجتماعية عمرها 28 عاما كانت في الحشد إن فوز الجبهة الوطنية "يظهر أن مناخا عنصريا معينا أصبح مألوفا في فرنسا".

ومنذ تسلمت مارين لوبان (45 عاما) زعامة حزب الجبهة الوطنية من أبيها عام 2011 غيرت صورة الحزب التي كانت مشوبة يوما بمعاداة السامية وسعت خطوة خطوة لجعله حزبا من أحزاب الحكومة، وكانت هناك زلة من جانبها حين اتهمت بنشر الكراهية العنصرية عندما شبهت عام 2010 المصلين المسلمين في الشوارع بالاحتلال النازي لفرنسا، بخلاف ذلك عملت على تهميش الحرس القديم بالحزب وكانت تعاقب من يبدي عنصرية صريحة في صفوفه، وأجرت ترقيات بين الكفاءات داخل الحزب مثلما فعلت مع نائبها فلوريان فيليبو، ولا يزال الحزب مناهضا للهجرة الوافدة لكن لوبان نفسها تركز في مهاراتها الخطابية على الكلمات الطويلة المناهضة لليورو والسوق الحرة وعلى نقاط ضعف منافسيها. بحسب رويترز.

وذلك التحول في استراتيجية حزب الجبهة الوطنية أكسبه جيلا جديدا بأكمله من المؤيدين، وقالت مؤسسة إيبسوس ستريا للاستطلاعات إن ما لا يقل عن 30 في المئة من الناخبين ممن هم دون الخامسة والثلاثين أيدوا الجبهة في التصويت الأوروبي كما نالت الجبهة تأييد 37 في المئة من العاطلين عن العمل وهي نسبة ضخمة، بالإضافة إلى ذلك فإن ما يسمى بالجبهة الجمهورية التي عرقلت تقدم جان ماري لوبان عام 2002 لم تعد بسابق قوتها، وهذه الجبهة تمثل اتفاقا غير مكتوب بين الأحزاب الرئيسية للتراجع ودعم منافسين إن توفرت لهم فرصة أفضل لإبعاد حزب الجبهة الوطنية عن الساحة.

وكان حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية تخلى بالفعل عن "الجبهة الجمهورية" قبل الانتخابات البرلمانية عام 2012 ولاحقتها الهزيمة في الانتخابات البلدية في مارس آذار الماضي، وكانت النتيجة أن حزب الجبهة الوطنية يدير الآن 11 مجلس مدينة في أنحاء فرنسا وهو رقم قياسي، وعن حزب الجبهة الوطنية قال فريدريك دابي نائب مدير معهد إيفوب لاستطلاعات الرأي "هل يمكن أن يستعيد انتعاشه في الوقت المناسب استعدادا لانتخابات 2017؟، من السابق لأوانه تحديد هذا في المرحلة الحالية".

الانتقادات الاوربية

فيما بدأت ردود فعل الدول الأوروبية تتوالى بعد فوز حزب الجبهة الوطنية الفرنسي، وهو اليمين المتشدد، بأكثر من 24 بالمئة من الأصوات في الانتخابات الأوروبية في جميع دول الاتحاد الأوروبي، الحزب الذي تتزعمه مارين لوبان سيرسل 24 نائبا فرنسا إلى البرلمان الأوروبي، فيما قدر عدد النواب الذين سيمثلون الأحزاب اليمينية المتطرفة وتلك المشككة في الاتحاد الأوروبي بـ130 نائبا على الأقل.

وإلى ذلك، وصف وزير الخارجية الألماني فرانك-فالتر شتاينماير حزب الجبهة الوطنية الفائز في الانتخابات الأوروبية بفرنسا بأنه "حزب فاشي"، وقال في منتدى حول أوروبا ببرلين: "إن التصويت الفرنسي لم يكن لحزب يميني بل لحزب فاشي وهذا يمثل للجميع في أوروبا وليس فقط لأصدقائنا الفرنسيين دعوة صارخة الى النظر للواقع".

وأضاف "إنها إشارة لنا جميعا في أوروبا" تماما كما هي نسبة الامتناع الهائلة في بعض دول شرق أوروبا مثل سلوفاكيا (87 بالمئة) معتبرا أنها "عار"، وبالنسبة للحالة الفرنسية قال الوزير "كان يمكننا أن نستمر في القول نحن نثق بالفرنسيين ونحن أفضل الأصدقاء لكن ذلك سيكون له أثر عكسي"، مضيفا أنه "أجريت العديد من المباحثات مع زملاء وأصدقاء في فرنسا لمعرفة ما يمكننا فعله". بحسب رويترز.

وأضاف الوزير الفرنكفوني والمؤيد بشدة للفكرة الأوروبية "حين أقرأ أن 39 بالمئة فقط من الفرنسيين يرغبون في البقاء في الاتحاد الأوروبي، والنسبة بالتأكيد أكبر في بريطانيا فإن قناعتي هي أن علينا أن نقيم أوروبا أفضل"، وكانت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل اعتبرت أن صعود الأحزاب الشعبوية في أوروبا أمر "مؤسف".

وحل حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف في الانتخابات الأوروبية بفرنسا أول (24,85 بالمئة من الأصوات) متقدما على الاتحاد من أجل حركة شعبية (معارضة يمينية-20,80 بالمئة) والحزب الاشتراكي الحاكم (13,98 بالمئة)، من جهتها قالت نائبة رئيس المفوضية الأوروبية فيفيان ريدينغ لتلفزيون "ار تي اس" السويسري أنها تعتبر الجبهة الوطنية الفرنسية "خطيرة بلا ريب ككل الفاشيات".

ساركوزي إلى الحياة السياسية

في سياق ذي صلة أكد مقربون من الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أن الأخير يفكر كثيرا في العودة إلى الساحة السياسية الفرنسية، وبشكل مبكر، لإنقاذ حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية "الذي يواجه أصعب أزمة منذ تأسيسه والدفاع عن نفسه إزاء الكم الهائل من الانتقادات والهجمات التي يتعرض لها منذ فشله في الانتخابات الرئاسية في 2012.

ويرى كريستيان إستروزي، رئيس بلدية مدينة نيس، جنوب فرنسا، أن في حال رغب ساركوزي في العودة حقا إلى السياسة، فعليه ألا ينتظر كثيرا، بل أن يعود اليوم قبل الغد، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لاستباق منافسيه في الحزب، مثل آلان جوبيه وفرانسوا فيون، اللذين سيترشحان بالتأكيد للانتخابات الرئاسية في2017 حسب إستروزي.

وتشارك نادين مورانو، التي انتخبت نائبا في البرلمان الأوروبي، رأي زميلها إستروزي حيث صرحت أن بإمكان ساركوزي استغلال المؤتمر الاستثنائي الذي سينظمه حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لفرض نفسه رئيسا للمرة الثانية على هذا الحزب، خلفا لجان فرانسوا كوبيه الذي أعلن استقالته من هذا المنصب اعتبارا من 15 يونيو/حزيران المقبل على خلفية فضيحة " بيغماليون".

وقالت مورانو:" طبعا تولي رئاسة حزب ‘الاتحاد من أجل حركة شعبية‘ ليست الأولوية بالنسبة لساركوزي، لكن إذا تغيرت المعطيات السياسية داخل الحزب، فهذا يمكن أن يعجل بعودته"، مشيرة أن الحزب بحاجة إليه أكثر من أي وقت مضى"، ويواجه نيكولا ساركوزي سلسلة من الانتقادات تتعلق بفضائح مالية عديدة، مثل قضية التمويل المحتمل من قبل معمر القذافي لحملته الانتخابية في 2007 وقضية تجاوز السقف المحدد في النفقات المالية المخصصة للحملة الانتخابية في 2012 وقضية كراتشي، إضافة إلى قضايا سياسية وعدلية أخرى.

ويرى بعض متتبعي الشؤون الفرنسية أن كل هذه القضايا التي قد يكون ساركوزي تورط بها بشكل مباشر أو غير مباشر والمشاكل التي يواجهها مع القضاء بإمكانها أن تؤثر سلبا على طموحاته الرئاسية وتعقد أكثر عودته إلى السياسية، بالمقابل، يعتقد روجيه كروتشي، وهو نائب في البرلمان، وأحد المقربين من ساركوزي أن سيناريو العودة المبكرة لا أساس له من الصحة لأن الرئيس الفرنسي السابق غير مهتم بتولي منصب رئاسة "حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية" بل هو مهتم بالمشاكل التي تعاني منها فرنسا حاليا، خاصة في المجال الاقتصادي.

وكان نيكولا ساركوزي ومنذ فشله في الانتخابات الرئاسية في 2012، قرر الابتعاد مؤقتا عن عالم السياسة وإعطاء أهمية أكبر لحياته الشخصية والعائلية، لكن في الحقيقة اعتمد الرئيس السابق على إستراتيجية إعلامية ذكية تركز تارة على نشر مقالات في الصحافة الفرنسية حول الوضع الاقتصادي في البلاد وتارة أخرى على "زيارات" ميدانية مثل تلك التي قام بها خلال الانتخابات البلدية حيث شارك في مهرجان انتخابي لنتالي كوسيسكو موريزيه التي رشحت نفسها لتولي رئاسة بلدية باريس، لكن يبدو أن هذه الإستراتيجية وصلت إلى مداها وساركوزي مطالب اليوم بالجديد في حال أراد البقاء على الساحة السياسية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/حزيران/2014 - 3/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م