بعد فشل الانتخابات في مصر... هل سيفشل حكم العسكر؟

 

شبكة النبأ: اظهرت النتائج الأولية لفرز للانتخابات المصرية، فوز كبير لوزير الدفاع السابق "عبد الفتاح السيسي"، قاربت نسبته 96% بعد فرز 312 لجنة عامة من أصل 352 لجنة عبر البلاد بنسبة 88.6 من النتائج، كما اشارت مصادر إعلامية حصوله على 21 مليون و800 ألف و901 صوتا، بينما حصل منافسه الوحيد، صباحي، على 824 الفا و45 صوتا بنسبة 3.8%، والتي اجبرته على الاعتراف بخسارته للمعركة الانتخابية لصالح السيسي امام وسائل الاعلام بعد ان اكد قائلاً "أتت اللحظة التي أقول فيها لشعبنا العظيم إنني احترم اختياره وأقر بخسارتي في هذه الانتخابات".

لكن صباحي الذي خاض الانتخابات ضد السيسي، شكك في نسب النجاح، (التي اوصلتها بعض الجهات الرسمية الى 44%)، واعتبرها إهانة لذكاء المواطن المصري، بعد العزوف الكبير للمصريين عن المشاركة في الانتخابات الحالية مقارنة بالانتخابات السابقة التي فاز بها الرئيس المخلوع "مرسي"، واضطرار اللجنة المسؤولة عن الانتخابات تمديدها ليوم ثالث، كما حصول العديد من الخروقات، ووعد بالاستمرار في العمل ضد الفساد والانحراف والاستبداد وانتهاك الحقوق، بعد ان أوضح بانه لن يشارك في الحكومة التي سيشكلها السياسي ولن يقبل باي منصب سياسي في ظل السيسي.

من جانبه تأسف فريق المراقبة التابع للاتحاد الأوربي عن غياب المعارضة عن المشاركة في الانتخابات، قال رئيس البعثة ماريو ديفيد "معارضة خريطة الطريق أو البيئة التي جرى تنفيذها فيها أدت إلى عدم مشاركة بعض من اللاعبين السياسيين، وهذا قوض المشاركة الكلية في الانتخابات"، واكد ان "احترام حريات التنظيم والتجمع والرأي مازال مثار قلق بما في ذلك في إطار هذه الانتخابات".

وقد ذكر متابعون، ان التمديد للانتخابات والتشكيك في نزاهتها والاقبال الضعيف للمواطنين المصريين، مؤشرات تدل على حجم المبالغة في شعبية السيسي، فيما أضاف اخرون ان العزوف جاء نتيجة للمعرفة المسبقة لدى المصريين بان نتيجة الانتخابات محسومة.

وقد ادانت العديد من المنظمات العالمية تمديد الانتخابات ليوم ثالث، بعد ان اكدت انه لا يحصل الا في "ظروف استثنائية"، كما اشارت منظمة "الديمقراطية الدولية".

فيما اشارت "منظمة هيومن رايتس وتش" أن الانتخابات تأتي وسط حالة من "القمع السياسي" وأن "استكمال المرحلة الثانية من خارطة الطريق فشل في إعطاء أي دلالات على توطيد الديموقراطية"، وأضافت إن "الاعتقالات الجماعية للمعارضين السياسيين، سواء كانوا إسلاميين أو علمانيين، أغلقت الساحة السياسية وجردت الانتخابات من معناها الحقيقي" وأضافت "الانتخابات الرئاسية لا يمكن أن تحجب القمع الوحشي المستمر على المعارضة السلمية".

كما شهد الانتخابات العديد من المقاطعات او الدعوات لعدم انتخاب رجل عسكري في تكرار لمشهد حاولت الحركات المناهضة لمبارك والتي قامت بالثورة ضده (كحركة 6 ابريل وغيرها)، بتولي القادة العسكريين لرئاسة السلطة منذ عدة قرون (جمال عبد الناصر، السادات، مبارك، السيسي)، وأشارت الى "أن "قرار مد الانتخابات ليوم ثالث دون مبرر ما هو إلا حلقة جديدة من حلقات العملية الانتخابية غير الديمقراطية التي بدأت بدعم حزب الجيش المصري لمرشح الثورة المضادة".

وبين الشد والجذب والمؤيدين والمعارضين تبقى التجربة الحقيقية، لقادم الأيام أكبر برهان على نجاح او فشل ما أطلق عليه الاخوان المسلمين والحركات العلمانية بـ"حكم العسكر"، وهو يواجه العديد من الصعوبات الاقتصادية الحقيقية، والتي يقف عندها المواطن المصري من دون ان يفرق بين السيسي او مرسي او غيرهما.

تمديد الانتخابات والمقاطعة

في سياق متصل شهدت مصر ثالث يوم من الانتخابات الرئاسية بعد قرار اللجنة الانتخابية تمديد التصويت ليوم إضافي وسط نسبة مشاركة لم تتجاوز 37 في المئة، وتعد نسبة المشاركة الرهان الرئيسي في هذه الانتخابات التي يعد فوز وزير الدفاع السابق المشير عبد الفتاح السيسي بها شبه مضمون.

وأوضحت اللجنة الانتخابية أن قرارها تمديد التصويت ليوم إضافي راعى "موجة الحر الشديدة التي تجتاح البلاد وازدياد إقبال الناخبين في الفترة المسائية"، ودانت حملة المرشح اليساري حمدين صباحي المنافس الوحيد للسيسي قرار التمديد معتبرة في بيان لها أنه "يثير شكوكا حول نزاهة العملية برمتها".

وقدمت حملة السيسي اعتراضا رسميا على قرار التمديد، بحسب ما قالت في بيان دون مزيد من الإيضاحات، وناشد عدد من مقدمي البرامج الإخبارية والسياسية في القنوات التلفزيونية الفضائية المصريين المشاركة في الانتخابات ووجهوا انتقادات لاذعة الى المقاطعين، والدعوة نفسها وجهها شيخ الأزهر وبابا الأقباط في مصر. بحسب رويترز.

ويقوم الاتحاد الاوروبي ومنظمات حقوقية مصرية بمراقبة هذه الانتخابات التي تعد الاستحقاق الثاني في خريطة الطريق التي أعلنها الجيش في تموز/يوليو الفائت والتي يفترض أن تنتهي بانتخابات تشريعية في الخريف المقبل.

وفي بلد شهد استقطابا حادا منذ الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بحكم حسني مبارك ربط البعض انخفاض نسبة الاقبال بلا مبالاة بعض الناخبين واعتراض آخرين على تولي ضابط من القوات المسلحة رئاسة البلاد واستياء بين الشباب ذوي الميول الليبرالية مما يرون أنه قمع للحريات ودعوة الإخوان المسلمين لمقاطعة الانتخابات.

ورغم أن التوقعات كلها تشير إلى فوز السيسي بالرئاسة فإن نسبة المشاركة في التصويت تمثل مؤشرا رئيسيا على مدى التأييد الشعبي الذي يحظى به وقد يضر ضعف الاقبال بشرعيته في الداخل وعلى المستويين الاقليمي والعالمي.

وقال ايريك بيورنلوند رئيس المنظمة في بيان "القرارات التي تتخذ في اللحظات الأخيرة عن إجراءات انتخابية مهمة مثل قرار تمديد التصويت يوما اضافيا يجب الا تتخذ سوى في ظروف استثنائية"، وقبل قرار التمديد اتخذت السلطات مجموعة من التدابير لحث الناخبين على المشاركة في العملية الانتخابية فقالت وزارة العدل إن المصريين الذين لا يصوتون ستفرض عليهم غرامة وأعلن عن اتاحة تذاكر مجانية للمسافرين بالقطارات حتى يتمكنوا من التصويت.

ونأت حملة السيسي بنفسها عن قرار تمديد التصويت الذي اعتبره معلقون محاولة محرجة لاستجداء أصوات الناخبين العازفين عن المشاركة في الانتخابات فأعلنت اعتراضها على القرار، وقالت لجنة الانتخابات في بيان إنها فحصت اعتراض حملتي صباحي والسيسي وقررت رفض الاعتراضين، وقرر صباحي سحب مندوبيه من جميع اللجان.

وعلق اتش.ايه هيلير الباحث بمعهد بروكينجز في واشنطن والمعهد الملكي المتحد للخدمات في لندن قائلا إن أنصار السيسي افترضوا فيما يبدو أن نسبة المشاركة ستكون مرتفعة، وأضاف "تمديد التصويت يوما ثالثا بافتراض أن السبب هو ضعف الاقبال خلال اليومين الأولين سيناقض هذا الافتراض وربما يثير الشكوك في قدرة الدولة بما فيها القوات المسلحة على التعبئة".

ورغم الحملة الرسمية لحمل الناخبين على التصويت كان الحضور في اللجان محدودا لعدة أسباب، وكانت جماعة الاخوان المسلمين التي يعتقد أن عدد أعضائها يبلغ نحو مليون عضو في بلد عدد سكانه أكثر من 85 مليون نسمة قد أعلنت رفضها للانتخابات ووصفتها بأنها استمرار لاستيلاء الجيش على السلطة، وكانت مصر قد أعلنت الجماعة منظمة إرهابية، وقتل نحو ألف من أنصار الاخوان في حملة أمنية.

وقال محمد عبد الحفيظ عضو الاخوان "إجراء الانتخابات باطل في ظل الانقلاب العسكري، لا يمكن للانتخابات أو أي وسيلة أخرى أن تمنحه الشرعية"، كما تغيرت آراء الشباب الليبراليين حتى من أيدوا قرار عزل الرئيس الاخواني محمد مرسي في يوليو تموز الماضي بعد احتجاجات حاشدة على حكمه وذلك بعد اعتقال كثيرين منهم في الحملة الأمنية التي أدت إلى الحد من الاحتجاجات والمظاهرات.

وربما يكون من أسباب انخفاض نسبة المشاركة ان بعض الناخبين المصريين اعتبروا فوز السيسي أمرا محسوما ولم يروا فائدة في الادلاء بأصواتهم، وربما امتنع آخرون لانهم يرفضون التصويت لرجل ذي خلفية عسكرية.

وبلغت نسبة الاقبال في انتخابات الرئاسة التي فاز فيها الرئيس الاخواني المعزول محمد مرسي 52 في المئة وقال حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن من الضروري أن يتجاوز الإقبال هذه المرة تلك النسبة حتى يتمتع السيسي بالشرعية السياسية كاملة، وأضاف نافعة أنه إذا لم تتحقق هذه النسبة فسيكون السيسي قد فشل في قراءة المشهد السياسي ولا بد من تصحيح خطأ حساباته من خلال التوافق.

وكان السيسي قد دعا إلى مشاركة 40 مليون ناخب في التصويت أي ما يقرب من 80 في المئة من اجمالي عدد الناخبين البالغ 53 مليونا، وعلق الكاتب الصحفي أحمد السيد النجار رئيس مجلس إدارة مؤسسة الاهرام على قرار التمديد على صفحته على فيسبوك قائلا إن القرار يظهر مصر وكأنها تتسول التصويت ويفتح الباب أمام كل التأويلات ويسيء للالتزام بالقواعد ونزاهة العملية الانتخابية.

وفي سيناء حيث يتمركز متشددون اسلاميون قالت مصادر أمنية إن مسلحين قتلوا جنديا مصريا، وفي شرق القاهرة فتح مسلحون النار على محطة للكهرباء فيما وصفته وزارة الكهرباء بهجوم ارهابي قالت إنه سيؤثر على امدادات الكهرباء، وتعاني مصر من انقطاع التيار الكهربائي بصفة شبه يومية.

إجراءات لتشجيع المشاركة

من جانبها هددت وزارة العدل المصريين بغرامة التخلف عن الإدلاء بالأصوات وتبلغ 500 جنيه (70 دولارا)، كما قدمت الحكومة التي تسعى لمزيد من الإقبال على التصويت تذاكر قطارات مجانية لمن يريدون السفر للإدلاء بأصواتهم في لجان الانتخاب المسجلين بها.

ووصف معلق تلفزيوني شهير امتعض من الإقبال المحدود على مراكز الاقتراع الناخب الذي امتنع عن التصويت بأنه "خاين خاين خاين وبيبيع البلد دي"، وبحسب التلفزيون الرسمي وصف شيخ الأزهر أحمد الطيب عدم التصويت بأنه "عقوق للوطن".

وقال هاني علي (27 عاما) ويعمل في القطاع الخاص "كنت سأنتخب السيسي لأنه سيكون الرئيس على أي حال ولأني ممتن له لإبعاد الإخوان المسلمين عن الحكم"، وأضاف "لكن الآن لن أذهب في الوقت الذي أشعر فيه بغضب الناس من الفوضى التي حدثت في الشهور الماضية وهم ليسوا موالين للسيسي كما اعتقدت"، وفي بعض اللجان الانتخابية ردد أنصار السيسي الاغاني ورقصوا على أنغام أغنية كتبت خصيصا لحث الناخبين على الإدلاء بأصواتهم، لكن الشباب المصري من الجيل الذي قاد انتفاضة عام 2011 غاب في بعض الأحيان عن طوابير التصويت.

وجعلت وسائل الإعلام المملوكة للدولة والوسائل المملوكة لأفراد من السيسي الذي كان مديرا للمخابرات الحربية والاستطلاع قبل عام 2012 بطلا رغم أنه لم يكن مشهورا حتى العام الماضي، وباتت صور السيسي على قطع الحلوى والملابس والحلي والميداليات.

وعلى صفحة السيسي على فيسبوك وضع معجبون مئات من صورهم وهم يرتدون قمصانا عليها أعلام مصر أو تعليقات وطنية وعلى أصابعهم الحبر الفوسفوري الذي يبين أنهم أدلوا بأصواتهم، ورفع آخرون لافتات عليها عبارة "تحيا مصر" شعار السيسي.

والسيسي هو العسكري السادس الذي يقود مصر منذ ثورة يوليو عام 1952، فجاء بعد محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك ومحمد حسين طنطاوي الذي كان رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي أدار شؤون البلاد لفترة انتقالية بعد مبارك، ودعت جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها الإسلاميون الذين يرون السيسي قائدا لانقلاب على مرسي إلى مقاطعة الانتخابات.

وفي قرية العدوة مسقط رأس مرسي وهي في محافظة الشرقية شمال شرقي القاهرة قال مشرفون في مركزي اقتراع إن عددا ضئيلا من الناخبين أدلوا بأصواتهم وإن معدل التصويت بلغ خمسة ناخبين في الساعة.

والوجود الأمني كثيف في القرية التي رفعت فيها لافتة تقول إن مرسي لا يزال الرئيس الشرعي لمصر، وتحث اللافتة على مقاطعة "انتخابات الدم" كما ظهرت كتابات على الجدران تصف السيسي بأنه قاتل وخائن.

وأعلنت الحكومة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية واتهمتها بأن لها دورا في هجمات أوقعت مئات القتلى من رجال الأمن منذ العام الماضي، وتنفي لجماعة أي دور لها في العنف، وفي مدينة الإسكندرية الساحلية قالت عضو قيادية في جماعة الإخوان المسلمين في الأربعينات من عمرها إنها ابتهجت لضعف الإقبال. بحسب رويترز.

وأضافت العضو القيادي في الجماعة طالبة ألا ينشر اسمها خشية إلقاء القبض عليها "هذه المقاطعة تعطينا الأمل في أن السيسي لن يكون قائدا حقيقيا قادرا على الحكم"، لكن السيسي (59 عاما) يتمتع بتأييد مصريين مسلمين كثيرين قدم لهم نفسه كمدافع عن الإسلام كما يتمتع بتأييد الأقباط الذين هوجمت كنائس لهم بعد الإطاحة بمرسي ويرونه حاميا لهم.

وقال طبيب الأسنان عدنان الجندي (54 عاما) وهو يقف في طابور في انتظار دوره للأدلاء بصوته للسيسي في حي الزمالك الراقي بالقاهرة "سأعطي صوتي للسيسي لأننا بحاجة للتخلص من الاخوان المسلمين، وهو سيعمل على تحسين الامن والاقتصاد".

وجاء صباحي ثالثا في انتخابات 2012 التي فاز فيها مرسي، ولم يتقدم المرشحون الآخرون للانتخابات هذه المرة وقال كثيرون منهم إن المناخ السياسي في البلاد غير ديمقراطي بعد الحملة على الإخوان المسلمين ومعارضين آخرين.

وكتبت صحيفة المصري اليوم المستقلة "المصريون يختارون الرئيس ويعلنون نهاية الإخوان"، وانتقدت الحكومات الغربية الحملة على المعارضين بعد أن اثارت القلق على احترام الحريات، وفي العام الماضي أوقفت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية لمصر العام الماضي وتبلغ 1.3 مليار دولار سنويا لكنها أفرجت عن بعض هذه المساعدات هذا العام لمساعدة القاهرة على محاربة التشدد.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 31/آيار/2014 - 1/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م