صوت في الصندوق وآخر في عنق النائب

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: ربما لم يتوقع الكثير هذه المشاركة الجماهيرية في الانتخابات البرلمانية، بسبب حالات من التنافس السياسي الخارج عن جادة الممارسة الديمقراطية الصحيحة والمعهودة في العالم المتحضر، وما شهده الناس من حدّة التجاذبات السياسية وحمّى التنافس الى درجة الغليان والتراشق الكلامي، بل ان المراقبين والمتابعين أشروا على إسقاطات عديدة في طريقة الإعلانات الانتخابية. رغم كل هذا وغيره، كانت نسبة المشاركة عالية قياساً بالدورات الماضية، فمدينة صغيرة مثل كربلاء المقدسة، حصتها من البرلمان (11) مقعداً، سجلت مشاركة بنسبة (77) بالمئة، وهي أعلى نسبة بين المحافظات، فيما أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن النسبة الاجمالية للمصوتين في الانتخابات الاخيرة في فئات التصويت الخاص والخارج، والعام، بلغت (63) بالمئة.

ماذا يفسر هذا التفاعل الجماهيري في يوم الثلاثين من شهر نيسان الماضي، رغم كل الظروف العصيبة التي يعيشها المواطن العراقي؟.

انه ليس سوى الأمل بالتغيير نحو الأحسن، وليس أدلّ على ذلك الاصطفاف الجماهيري مع الكيانات السياسية الكبرى في الساحة التي يرتجى منها تحقيق تغيير ملموس في الواقع الاقتصادي والأمني والسياسي. والدليل الآخر؛ حالة التماهي مع هذه الكيانات بشكل لم يسبق له مثيل في التجارب الانتخابية الماضية، وهو ما بينته الحملة الانتخابية الاخيرة، فهناك من أدلى بصوته "طاعةً".. وآخر أدلى بصوته ايماناً بـ "الرجل القوي"، وآخر أملاً "بانتصار المواطن" وتحقيق طموحاته وآماله.

وبالإمكان ملاحظة المشاعر الجيّاشة لهؤلاء بعد الانتخابات، وربما تكون مفارقة مثيرة حقاً، فبدلاً ان تكون الكيانات السياسية هي المبادرة لاستعجال النتائج والاعلان عن الفوز، نرى شرائح الناخبين الموزعين على عديد الانتماءات، يواكبون هذه المبادرة، واحياناً يكون لهم قصب السبق على السياسيين. حتى حدا بالبعض أن يعد فوز هذا الكيان او هذه الشخصية، بمنزلة فوزه وانتصاره هو شخصياًّ!.

فاذا كان الامر كذلك، يكون من المفترض دخولنا مرحلة جديدة من العلاقة بين الساسة والمسؤولين وبين جماهير الشعب.. ربما يكون التذمر والتشكيك والمشاعر السلبية، مؤجلاً ومجمداً مقابل تفعيل حالة التواصل والعلاقة المباشرة مع هذا النائب وذاك، لاسيما وان هؤلاء ربما يتحولون الى وزراء في التشكيلة الحكومية القادمة، وهذه بالحقيقة تمثل مسؤولية جديدة تقع على عاتق الناخبين، فاذا كنّا نحمل النواب مسؤولية الجماهير والوفاء بوعودهم الانتخابية، فاليوم يتحمل الناخبون ايضاً مسؤولية الصوت الذي أدلوه في الصندوق وكان السبب والسبيل الذي حمل هذا المرشح وذاك الى قاعة البرلمان في بغداد.

ما تزال العديد من الازمات والمشاكل على حالها في العراق.. مما يعيشه الفرد في المجتمع، مثل الخدمات والقوانين والمسائل التنفيذية والادارية، وما لا يلمسه المواطن من القضايا الإستراتيجية في الدولة مثل الاستثمار والتنمية الاقتصادية والسياسية وقضايا الدفاع والأمن القومي. فما يرتبط مباشرة بالمواطن مثل الخدمات بمختلف اشكالها، فان الصوت الجديد بعد صناديق الاقتراع يجب ان يكون عند اسماع المسؤولين، سواءً من هم في الدوائر الحكومية، او من هم تحت قبة البرلمان.

ان اجواء الانتخابات الاخيرة - بالحقيقة- من شأنها ان تزيل الحالة السلبية عن العلاقة بين المواطن والمسؤول، ابرزها حالة عدم الثقة، والشعور المتبادل باللامسؤولية، وهذا – ربما – يكون احد اسباب استمرار معظم الازمات الخدمية والامنية في العراق، فالازمة في الكهرباء والماء – مثلاً- يعزوها المسؤولون الى الاستهلاك المفرط، في مقابل الشكوى العامة من تلكؤ الدولة في الإجراءات الكفيلة بحل هذه الازمة.

ثم هنالك شعور سائد بين الناس، بعدم تحمل المسؤول الحكومي أي نوع من الانتقاد او المطالبة بالمزيد من العمل، فضلاً عن إزالة المشاكل الموجودة، وذلك من خلال سوق التبريرات أو ما يُعرف بـ "الشماعة"، كما حصل مع ازمة الكهرباء عندما علقها البعض بالإرهاب وتحديداً "تنظيم القاعدة" في السنوات الاولى، وفي الفترة الراهنة تُعلق أزمة الماء على "داعش"!.

مثال ذلك، زيارة قمت بها الى مديرية الماء في المدينة، والتقيت بمدير الدائرة، ولمجرد سؤالي عن سبب انقطاع الماء عن الحي السكني لمدة خمسة ايام ولمرتين خلال شهر واحد، أجاب على الفور: "إنهم داعش"!، معللاً سبب شحة الماء الى انخفاض منسوب الانهار المغذية للمنشآت الموجودة، ثم راح يشرح باسهاب القوة العسكرية التي يعتمدونها في سيطرتهم على مصادر المياه... وفي كل الاحوال تبقى هذه المشكلة والازمة لحين زوال "داعش" عن السدود ومصادر المياه!.

مع ذلك، اعتقد اني كنت أول من يدخل غرفة المدير ويعرض عليه هذه المشكلة، لانه تحدث عن اتصال هاتفي من احد المواطنين المقربين لديه، وهذا إن دلّ على شيء فانه يؤشر على اطمئنان المسؤول من عدم متابعة المشاكل والازمات من قبل الناس. وهنالك تصور سائد منذ البداية في دوائر الدولة، بان العراقيين "يعرفون كيف يحلون مشاكلهم.."، استناداً على الخلفية التاريخية والتجارب التي مروا بها خلال سنوات حكم الطاغية البائد. حتى المواطن العراقي اليوم قادر على ان ينتج كل شيء في بيته، من الكهرباء والماء الصالح للشرب وحتى الامن من خلال احتفاظ البعض بقطع السلاح في بيوتهم.

لقد ثبت في السنوات الماضية أن التظاهر في الشوارع او المتابعة الشخصية في الدوائر وغيرها من وسائل التعبير عن الرأي، أثمرت عن نتائج ملموسة، وإن كانت ضئيلة، إلا انها بداية للتغيير الشامل نحو الأحسن. والخطوة المكملة الاخرى تكون من قبل منظمات المجتمع المدني من مؤسسات ثقافية ومراكز اكاديمية تقف على جانب المطالب الجماهيرية وتساعد على إيصالها الى المسؤول بالاستفادة من وسائل الاعلام المختلفة وأجواء الحرية المتاحة في العراق.

ان نجاح هذه الدورة الانتخابية في العراق سيكون مرهوناً بنجاح العلاقة بين المواطن والمسؤول في المرحلة القادمة، وعدم شعور المواطن بانتهاء دوره بعد جمع صناديق الانتخابات، بما يجعل الصوت في صندوق الانتخابات أمانة في عنق المرشح الفائز، تدفعه لتحمل المسؤولية والعمل على حل المشاكل والازمات، ثم تحمل مسؤولية أي فشل يحصل في الطريق. وبالنتيجة تكون عندنا شراكة حقيقية بين المواطن والمسؤول في حال النجاح والفشل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/آيار/2014 - 5/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م