يورو أضعف من أجل أوروبا أقوى

مارتن فيلدشتاين

 

على الرغم من التحسن الأخير في بعض بلدان منطقة اليورو فإن اقتصادها يظل في حالة ركود، حيث من المرجح أن يكون المعدل العام لنمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي هذا العام أعلى قليلاً من 1%. وحتى معدل النمو في ألمانيا أقل من 2%، في حين لا يزال الناتج المحلي الإجمالي في انحدار في فرنسا وإيطاليا وأسبانيا. وكان معدل النمو البطيء هذا سبباً في الإبقاء على معدل البطالة في منطقة اليورو مرتفعاً إلى حد مؤلم (12%).

والحق أن مشاكل منطقة اليورو ليست النمو البطيء والبطالة المرتفعة فحسب. فمعدل التضخم السنوي، وهو 0.5% فقط، يقترب الآن من الصفر حتى أن أي صدمة بسيطة قد تدفع المعدل إلى المنطقة السلبية وتشعل شرارة دوامة من الأسعار الهابطة. وسوف يضعِف الانكماش الطلب الكلي من خلال رفع القيمة الحقيقية (المعدلة وفقاً للتضخم) لديون الأسر والشركات، وزيادة أسعار الفائدة الحقيقية. وقد يتسبب انخفاض الطلب بدوره في تسارع وتيرة هبوط الأسعار، وإرسال الأسعار إلى حالة خطيرة من الانحدار السريع.

الواقع أن العلاجات الشاملة قليلة، إن كان هناك أي شيء من هذا القبيل. ولكن الانحدار الحاد في سعر صرف اليورو ــ ولنقل بنسبة 15% ــ من شأنه أن يعالج العديد من المشاكل الاقتصادية الحالية في منطقة اليورو. فضعف اليورو من شأنه أن يؤدي إلى زيادة تكلفة الواردات والأسعار المحتملة للصادرات، فيدفع بالتالي معدل التضخم الإجمالي في منطقة اليورو إلى الارتفاع. وخفض قيمة اليورو من شأنه أيضاً أن يعزز متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو من خلال تحفيز الصادرات وتشجيع الأوروبيين على الاستعادة عن السلع والخدمات المنتجة محلياً بسلع وخدمات مستوردة. ورغم أن القدرة التنافسية داخل منطقة اليورو لن تتأثر، فإن ضعف اليورو من شأنه أن يحسن إلى حد كبير من التوازن الخارجي مع بقية العالم، والذي يمثل نحو نصف حجم التجارة في منطقة اليورو.

وقد أكد رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي على قلقه إزاء تسبب ارتفاع قيمة اليورو على مدى السنوات الثلاث الماضية في زيادة خطر الانكماش. ولكن إعلانه الشهير في يوليو/تموز 2012 بأن البنك المركزي الأوروبي لن يتوانى عن القيام "بكل ما يلزم" للحفاظ على اليورو هو الذي أسهم رغم نجاحه في خفض أسعار الفائدة في البلدان المتعثرة على أطراف منطقة اليورو في إكساب اليورو قوته الحالية.

واليوم، لم تتسبب تصريحات دراجي الأخيرة ولا التوقعات بتبني برنامج واسع النطاق لشراء الأصول على غرار الطريقة الأميركية (والمعروف باسم التيسير الكمي) في إضعاف اليورو أو إعادة معدل التضخم باتجاه مستواه المستهدف بنسبة 2%. وبالتالي فإن السؤال المؤثر الآن هو كيف يمكن خفض القيمة النسبية لليورو وفي الوقت نفسه صيانة حس الاستقرار الذي ساعد دراجي في ترسيخه في عام 2012.

ولأن التيسير الكمي من قِبَل البنك المركزي الأوروبي حظي بالتأييد كوسيلة لإضعاف اليورو، فمن المفيد الآن أن نتناول بالدراسة التأثير المترتب على استخدامه من قِبَل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على قيمة الدولار ومعدل التضخم في الولايات المتحدة.

الجواب القصير هو أنه لم يخلف سوى تأثير ضئيل للغاية على أي من الأمرين. فالقيمة الحقيقية المعايرة تجارياً للدولار هي الآن عند نفس المستوي الذي كانت عليه في عام 2007، قبل اندلاع أزمة الركود العظيم. صحيح أنها ارتفعت لفترة وجيزة خلال عام ذروة الأزمة 2008، مع سعي المستثمرين العالميين إلى الملاذ الآمن المتمثل في الأصول المقومة بالدولار، ولكنها تراجعت خلال عام 2009 إلى مستواها السابق. ثم ظلت قيمة الدولار بعد ذلك مستقرة نسبياً على مدى أكثر من ثلاث سنوات من التيسير الكمي ــ وارتفعت في واقع الأمر خلال عام 2013، عندما بلغت مشتريات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي من الأصول ذروة تجاوزت تريليون دولار.

بطبيعة الحال، هناك عوامل أخرى أثرت على قيمة الدولار خلال هذه الفترة أيضا. ورغم هذا فإن سلوك سعر صرف الدولار خلال فترة التيسير الكمي لا تقدم أي دعم للاستخدام المقترح للمشتريات من الأصول على نطاق واسع من قِبَل البنك المركزي الأوروبي كوسيلة لخفض قيمة اليورو.

ولم يتسبب برنامج بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي للتيسير الكمي أيضاً في زيادة معدل التضخم. فقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 1.6% في عام 2010، عندما بدأ برنامج التيسير الكمي، ثم تزايد بوتيرة أسرع إلى حد ما في عامي 2011 و2012، قبل أن يتراجع إلى 1.5% فقط في عام 2013، وهو العام الذي شهد ذروة شراء الأصول.

وإذا كان البنك المركزي الأوروبي راغباً في خفض قيمة اليورو وزيادة معدل التضخم في منطقة اليورو في الأمد القريب، فإن الوسيلة الوحيدة التي يمكن التعويل عليها لتحقيق هذه الغاية تتلخص في التدخل المباشر في سوق العملة ــ بمعنى بيع اليورو وشراء سلة من العملات الأخرى. ورغم أن التدخل المباشر لإضعاف اليورو من شأنه أن يخلق تحديات في أجزاء أخرى من العالم، فينبغي لصناع السياسات في الولايات المتحدة وأماكن أخرى أن يدركوا أهمية اليورو الأكثر قدرة على المنافسة لمستقبل الاقتصاد الأوروبي.

* أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد

http://www.project-syndicate.org/

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتي

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/آيار/2014 - 5/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م