هويةٌ في اختبارٍ صعب

د. مازن مرسول محمد

 

مرة اخرى نجد انفسنا امام اختباراً صعباً، يتمثل بإعادة صياغة الرقعة السياسية التي تحكم العراق من جديد، ومعها نستدعي الهوية لتخرج وتمارس دورها بشكلٍ كبير، لتُحدد ما يتناسب مع المعطيات التي تجذَّرت عليها، ولتُقصي كل الادران التي تبغي الالتفاف على هذه الجذور.

لقد تصدَّعت الهوية الوطنية بفعل انتكاسات المَّت بجسدها وجعلتها قاب قوسين او ادنى من التلاشي، واستُبيحت خصوصياتها واُفرغت من محتواها الحقيقي وبقيت تتعلق ببعض الجذور الاصيلة التي كانت عصيَّة على التفتت، لتتواصل بالنمو وتعمل لمحاولة غرس التربة العراقية بدماءٍ جديدة ممكن ان تُحيل الوطن الى واحةٍ من الامن والسلام، بعد ان جعلت منه المحن مقطَّع الاوصال لا تكاد قطعة تتفق مع الاخرى الا بشق الانفس.

لعل الهوية الوطنية العراقية باتت تتأرجح بين الثبوت وعدم الاستقرار، فتارة تُمتحن بنكباتٍ وتقلبات تكاد تقضي عليها تماماً، وتارةً تظهر وكأنها تحاول المُضي بعيداً لنفض غبار الزمن ومحاولة العودة من جديد، فبات الفرد العراقي اليوم على المحك فهو الذي يريد ان يُطمَّئن نفسه واهله وكينونته بأن له هوية لا يمكن ان تُمسخ، لذلك يحاول ان يمضي رغم كل الظروف باختبار هذه الهوية من جديد من خلال واقع اختيار ما يناسب الوطن في الانتخابات، انه يقوم باجترار الهوية الاصيلة المغروسة في داخله ويُكلَّفها مرة أخرى لتُحسن الاختيار، عسى ان تلملم جراحاتها هذه المرة وتؤسس لقاعدةٍ تضع فوقها حجر الاساس لوطنٍ يعمَّه الرفاه.

ويقيناً ان الرغبة الحقيقية للفرد العراقي في تمتين اواصر هويته الوطنية هي من تدفعه لهذا الاختبار الذي يعقد امالاً كبيرةً عليه، فهو ربما قد حاكم وحاسب هويته بكل ما تجذَّر بها في فتراتٍ سابقة، لأنها لم تحسن التدقيق والتمحيص بمن سيكون مؤهلاً لبناء وحكم الوطن بحسب رأيه، اذ قد تكون الصورة التي خُيَّلت لها آنذاك قد دفعتها لاختياراتها، ولكن بعد سقوط الاقنعة بدأت الهوية الفردية بجلد ذاتها ولومها على ما قررته لتحديدِ المصير، وهي تُمنَّي النفس اليوم في انها اصبحت على علمٍ ودراية بالذي يجري وبأنها لن تخطأ ربما مرة اخرى وستكون قراراتها في الصميم، والا ستضعف ثقتها بهذه الجذور التي كوَّنتها واستند عليها الفرد، ومآل ذلك انهزامية واضحة وتردد وانطوائية وعزلة تحيل الوطن الى خرابٍ.

لذا فالهوية اليوم في المجتمع العراقي وفي هذه المرحلة بالذات مرحلة اعادة صناعة واجهة القيادة من جديد، هي على المحك وتتطلع جميع الانظار لها لتمارس دورها ولتُفصح عن ما في دواخلها في اختيار الاكفأ بصورةٍ تعكس قوة او هشاشة الجذور التي غُرست من خلالها هذه الهوية، انها في معركة جديدة وهي عائدة من جراحات معارك قد مضت فأما ان تنتصر او تنقهر وتطوي صفحة شيء اسمه الهوية العراقية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 29/نيسان/2014 - 27/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م