الربيع العربي وعودة الاستبداد الناعم

في ملتقى النبأ الأسبوعي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا وجود لربيع عربي، هكذا يفتتح باسم الزيدي الباحث في مركز المستقبل للدراسات والبحوث، جلسة الملتقى الاسبوعي لمؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، يصل الى تلك النتيجة من خلال المآلات التي وصلت اليها الانتفاضات في اكثر من بلد عربي، اضافة الى اعتقاده، ان ما سمي بالربيع العربي ما هو الا مؤامرة جديدة يقودها الغرب للتنكيل اكثر فاكثر بالبلدان العربية، وادخال شعوبها الى مناطق وازمنة احباط جديدة.

التدبير والنهاية، كما يعتقد الزيدي يراد منهما اعادة انتاج، او تقديم صياغة جديدة للاستبداد العربي، يصل الى سدة الحكم هذه المرة عبر الطرق الديمقراطية ممثلة بصناديق الاقتراع، بدلا من الدبابة والبسطال العسكري او انقلابات القصر.

كانت المداخلة الاولى لرئيس شبكة النبأ للثقافة والاعلام، مرتضى معاش حيث خالف الرأي السابق، وارجع الفشل الى وجود ما يعرف بالقوى العميقة الممثلة بتنظيمات الانظمة السابقة واصحاب المصالح، والتي تقوم باستخدام الاليات الديمقراطية لصعود اشخاص يدافعون عن مصالحها وضرب الاخرين.

ويرى معاش، ان التغييرات التي حدثت ودافعت عنها امريكا عند حدوثها تصب في صالح اهدافها المستقبلية، وهي تعتبر ان القوى العميقة والخفية تهدد مصالحها الاستراتيجية الكبرى، وتقوم بعملية عرقلة او مقاومة لمشاريعها، في هذه الحالة تقوم امريكا بكشف تلك القوى وضربها. وقد حاولت في مصر ادخال الاخوان في العملية السياسية كقوة جديدة فاعلة.

لكن تلك القوى وحين رأت الاخوان المسلمين يصعدون الى السلطة عبر الانتخابات، افتعلوا بوجهها الكثير من الازمات، مثل (الارهاب - ازمة البنزين - ازمة الكهرباء) لكن الاخوان ونتيجة لغباء سياساتهم وعدم الانتباه الى الدولة العميقة وقواها، لم تستطع ان تعالج الاوضاع الناشئة عن التغيير.

القوى العميقة قامت بانقلاب ضد رغبة امريكا، ويمكننا ان نلمس مثل هذا الصراع ايضا في تركيا، حيث لا يرغب الامريكان بوجود اردوغان بهذه الطريقة، التي يحاول فيها التفرد على حساب الاخرين، انها تريد منه  ان يشاركهم بالسلطة.

ويضيف معاش، ان هناك (شركات  - تنظيمات سرية من اصحاب المصالح) تشكل ظلا للدولة في اكثر من مكان، وهي تمثل القوى التقليدية في المجتمع، والتي تريد ان تحافظ على وضعها ومصالحها، والتي تناغم مصالح الاغلبية العظمى من مجتمعاتها، والتي تبحث عن تلك الامور اليومية مثل (توفير السكن – الغذاء – القدرة على الزواج)، مقابل طبقة اخرى طموحة للتغيير لكنها قليلة الحجم ان من ناحية العدد أو التأثير، وبالتالي فان ما تقوم به من تغيير لا يحقق لها ما تطمح اليه.

ويعتقد معاش، انه كان لدى الغرب الامل في نقل التجربة الى الاخرين، لكنه اصطدم مع تلك القوى التقليدية، التي استطاعت ان تعيد توازنها وتتسلق الى السلطة الا في العراق فقد نجحت التجربة فيه، لان الامريكان قد اقتلعوا النظام من جذوره.

ولتقريب مفهوم الدولة العميقة الى الاذهان، يستذكر معاش التجربة الجزائرية، حين فازت جبهة الانقاذ بالانتخابات، وكيف ان النظام السياسي في الجزائر، ولتشويه صورة جبهة الانقاذ، فانه قام بكل عمليات القتل الوحشية والصقها بالجبهة، لتنفير الناس منها، كما يؤكد ذلك الكثير من الباحثين والكتاب والصحفيين، وعلى راسهم الصحفي روبرت فيسك في كتابه (الحروب الكبرى).  وفي معرض تحليله لفوز بوتفليقة بولاية جديدة في الانتخابات الاخيرة، يعتقد معاش ان ذلك سببه لدى عامة الناس هو الخوف من النظام بالدرجة الاساس وليس الخوف من الاسلاميين.

يعود مرتضى معاش الى الربيع العربي، ويؤشر الى انه جزء من صراعات جديدة بدأت تظهر على الساحة الدولية، بين قوى تحاول ان تؤسس لسايكس بيكو جديد على أنقاض القديم، وانقاض الامبراطورية الانكليزية. وتبرز هنا امريكا وهي تحاول ان تقود هذا الصراع نحو التغيير. وهي تصطدم بقوى تقليدية غربية ايضا، مع قوى تقليدية داخلية في البلدان العربية، التي وجدت نفسها تتحالف مع بعضها لإجهاض التغييرات السياسية. الربيع العربي هو جزء من ادوات اللعبة الجديدة لصراع المصالح كما يرى معاش.. ويضيف: فالعالم يعيش الان بين قوتين، قوة تريد التغيير وقوة تخافه، لانه يفتح ابواب الجحيم عليها كما تعتقد. وهو يرى ان الصراع بين القوتين في العالم العربي قد انتقل الى الغرب، بين قواه الطامحة للتغيير وبين قواه التقليدية، وان هذا الصراع سيحدد مستقبلا مصائر التغيير في كل العالم.

بالعودة الى الربيع العربي غير المكتمل، يعتقد معاش، ان الغالبية من الشعوب العربية، ليس فيها من امل كبير على التغيير، لأنها دائما ما تبحث عن المال والامن، كما نلحظ ذلك لدى المجتمع العراقي، والذي لاتهمه الديمقراطية وفلسفتها واليات عملها بمقدار اهتمامه بهذين المطلبين. الدور اذن يقع على النخب الثقافية والفكرية في عملية التغيير اذا هي استطاعت ان تغير تفكيرها واليات تعاطيها مع المشاكل، واذا اخذت تتطلع الى الاهداف الكبيرة لمجتمعاتها وليس الى الاهداف الصغيرة، وهذه النخب اذا لم تغير مجتمعاتها نحو الاحسن فانها ستقودها الى الاسوأ، حين تحاول الحفاظ على انظمة الاستبداد.

في مداخلته يرفض احمد المسعودي الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية انكار وجود ربيع عربي، وهو يعتقد انه اجحاف بحقه وحق من قاموا به.

فلا يمكن انكار والغاء ما قام به المحامون الليبيون في تظاهراتهم، أو انكار حادثة البوعزيزي في تونس وما حدث بعدها، والانتفاضة المصرية التي شارك فيها الليبراليون والاسلاميون المعتدلون، الربيع العربي، كما يعتقد المسعودي هو نتاج عقود طويلة للكبت والحرمان والاستبداد الذي تعرضت له تلك الشعوب المنتفضة. وتلك الانتفاضات نبهت العالم الى ان العرب لديهم من يدير الصراع، وشكل مفاجاة، للكثير من الدول الغربية،  ثم تأييدا واستجابة لمطالب المنتفضين.

نعم هناك انحراف في مسارات هذا الربيع، حيث تحولت انتفاضة الليبيين الى صراع على السلطة، واتخذ مسارا اخر الى التطرف في بلدان ثانية، ووصل الى اقصى حالات التطرف، في بلدان اخرى.

 ويعتقد المسعودي، ان العودة الى القبلية التي نتجت عن الربيع العربي هي التي ستعيد انتاج الاستبداد بصور اخرى.

ويتفق المسعودي مع باحثين في الانثروبولوجيا البيئية، من ان هناك تأثير مباشر للمنطقة الجغرافية على التفكير، فالمناطق المتطرفة في المناخ تكون عادة مناطق متطرفة في السلوك، وتكون مجتمعاتها عاشقة لكل قائد تعتقد انه يخلصها من قسوة المناخ.

اما احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات، في معرض مداخلته، يرى ان النجاحات التي حققها الربيع العربي لم تكن لتحدث لولا هذه الظروف الجديدة التي تحكم العالم، والتي تختلف عما كان موجودا في عقود سابقة رغم حدوث ثورات في الكثير من المجتمعات.

ويعزو جويد ما حدث من ربيع عربي الى ان الشعوب عندما ترى لونا واحدا يحكمها فهي تريد ان تتغير، وتغير هذا اللون الواحد، متاثرة بما تسوقه وسائل الاعلام عن شعوب تمارس التغيير السياسي وتبادل السلطة بمنتهى السهولة.

وحول الربيع المصري وما حدث بعده، يعتقد جويد ان المصريين قد فرطوا بالحريات التي اكتسبوها، وعادوا الى حكم العسكر الذي ثاروا ضده، ويعود ذلك برايه الى ان الاخوان المسلمين قد تنكروا لشركائهم الذين قاموا بالتغيير بعد وصولهم الى السلطة، واستبدلوا ديكتاتورية باخرى. المصريون بعودتهم الى الاستبداد، فانهم يعودون الى بنيتهم الاجتماعية والثقافية التي تميل الى اتباع الشخص القوي.

ويختم جويد، ان الشعوب العربية يمكن لها ان تنجح في التغيير متى ما استطاعت ان تخلق التوازن في دولها بين التنظيمات المدنية والسلطة، والتي لا تسمح بانفراد جماعة معينة في ممارسة الحكم.

يشترك الدكتور علي محمد ياسين التدريسي في جامعة كربلاء في هذا النقاش، عازيا  كل فشل نهضتنا وانتفاضاتنا الى وجود جذور الاستبداد  في البنية الثقافية والاجتماعية لمجتمعاتنا العربية، التي لا تستطيع ان تفعل مثلما فعلت اوربا من قطع لهذا الجذر الابوي. لقد اعادت اوربا فحص الاشياء، وثارت على افكارها الموروثة، على العكس من مجتمعاتنا التي بقيت على نفس تلك الوتيرة من التفكير الذي يربط بين الدين كمفهوم متعالي نبيل وبين الاشخاص المتحدثين باسمه دون فهم له.

ويذكر بمثل من تاريخنا الاسلامي، وهو ما عرف بحروب الردة، واتهام قبائل كثيرة بردتهم عن الدين بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، كما يذكر بما قام به احد الولاة المسلمين بقتل ما لا يقل عن ثلاثين الف انسان من المدينة التي حاصرها واعطى وعودا لاهلها بالعفو عنهم، لكنه تنكر لوعوده تلك.

يرى ياسين ومن خلال الكثير من الوقائع التاريخية والمعاصرة، ان الاسلام لم يفهم على حقيقته حتى اللحظة.

ويعتقد ان الاستبداد يبقى يعود الينا مالم تقطع جذوره من الاصل، من خلال وضع الحلول الحقيقية التي يحتاجها المجتمع، وتعزيز التعددية والاختلاف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/نيسان/2014 - 19/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م