آخر الزمر!

د. عادل محمد عايش الأسطل

 

منذ استئناف عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ يوليو الماضي، طمع الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" بإيجاد تسوية ما، لحل الصراع الدائر على يديه، باعتبار أن الجميع يرغب في ذلك، بغض نظره عن أن ذلك الجميع يفهم أنه من الصعب حصول تلك التسوية، بعدما تبين أن المفاوضات والمفاوضات من أجل إعادة المفاوضات قد وصلت إلى نهايتها، على الرغم من إعطاءه لوزير خارجيته "جون كيري" ومنحه مرّة تلو أخرى، حرية اتخاذ قراراته الملائمة بشأنها، الأمر الذي اضطر "أوباما" إلى تقديم كلمات تسلية ومواساة لنفسه بدايةً، ثم لوزيره اليائس"كيري" ونوّه إلى أن حكومته تقدر بشدة جهوده التي بذلها طوال الفترة الماضية من أجل إحلال السلام، والتي اعتقد الآن بأنها وصلت إلى النهاية وهي مُحزنة، وأنه لا يجد أيّة فرجة من الأمل لإعادتها إلى مسارها، وأن خطراً ما سيظهر لاحقاً. 

"كيري" على مضض قبِل تلك المواساة، ولكنه فضّل الاستماع أكثر إلى المتحدثة بلسان البيت الأبيض "جاي كارني" التي قالت بأن المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية لا زالت قائمة ومفتوحة، لكن الخطوة الأخيرة خلقت تحديات وبالإمكان تجاوزها. وفي الوقت نفسه أراد أن يوحي بأن مازال لديه أمل، على الرغم من نتائج اللقاء الأخير المتوتر والعاصف بين مسؤولة ملف التفاوض الإسرائيلية "تسيبي ليفني" وكبير المفاوضين الفلسطينيين "صائب عريقات" التي كادت أن تصل إلى التشابك بالأيدي، من خلال سعيه بالاتصال (هاتفياً) برئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" والرئيس الفلسطيني "محمود عباس" ودعاهما بعدم تسويد وجهه أكثر مما هو أسود، أمام نفسه وأمام المجتمع الدولي، وأوصى بأن يُبقيا الباب مفتوحاً.

اليائس، لم يستطع الحصول على إجابة، نظراً لطول انتظاره على الخط - في المرّتين- وساهمت أحوال الطقس الجزائرية، في عدم التمكن من الإنصات إلى عبارات مفيدة، كما أن الرصيد لديه كان منخفضاً إلى درجة أن قُطع الإرسال. لكن مقربون منه ذكروا أن الاتصالين قد أُنجزا بسهولة، ولكن ليس مهماً في الوقت الحالي الإفصاح عن مضمونهما، وما نضح فقط هو رغبة الجانبين في مواصلة الحديث، وإن على سبيل التسلية.

الرئيس "أوباما" انحى باللائمة على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في آنٍ معاً، وحمّلهما بالتعادل في مسؤولية الفشل المبدئي للمفاوضات، وحذرهما في الوقت نفسه من أن الوقت بدأ بالنفاذ، معتبراً أن إحجام إسرائيل عن إلغاء أو إرجاء تنفيذ اتفاق الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، كانت سبباً في تعثّر الجهود المبذولة، لكنه أدرج ليونة لموقفه إزاء إسرائيل بحجة أنها كانت بصدد تنفيذ الصفقة لو أن الفلسطينيين تقدموا خطوة إضافية واحدة إلى الأمام، لخلق فرصة جديدة لاستمرار المفاوضات، وبالتالي انتقلت ليونته هذه إلى صلابة بالنسبة إلى الجانب الفلسطيني، بسبب بدئهِ في اتخاذ مواقف وإجراءات انفرادية، وعلى رأسها التوجه إلى الأمم المتحدة على أمل تعظيم مكانة الدولة الفلسطينية، على الرغم من التبعات القانونية لذلك التوجّه.

تفاقمت الأزمة أكثر حتى بلغت الجبهة، عندما وضع الفلسطينيين قائمة من سبعة مطالب للاستمرار في المفاوضات والتي كانت بالنسبة لإسرائيل معجزة بل هي الموت نفسه وهذه المطالب تلخصت في استلام رسالة خطية من "نتانياهو" يعترف خلالها بحدود عام 1967، للدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وضرورة إطلاق سراح 1200 أسير فلسطيني، وعلى رأسهم "مروان البرغوثي" القيادي في حركة فتح، و"أحمد سعدات" الأمين العام للجبهة الشعبية و"فؤاد الشوبكي" الذي شغل مدير الإدارة المالية وتم اعتقاله بتهمة تمويل سفينة الأسلحة (Kareen-A) التي كانت متجهة إلى القطاع أوائل يناير/كانون ثاني 2002. وإلغاء حصار القطاع. وأيضاً الموافقة على عودة الذين أُبعدوا من كنيسة المهد في الضفة الغربية، ووقف البناء في القدس الشرقية وفتح المؤسسات الفلسطينية في القدس وعلى رأسها ( بيت الشرق) - مقر منظمة التحرير الفلسطينية منذ 1980- والذي أغلقته السلطات الإسرائيلية في العام 2001، وحظرت العمل به.

أيضاً المطالبة بتوقيع الجيش الإسرائيلي على تعهدات بعدم اختراقه مناطق (A) لتنفيذ الاعتقالات والاغتيالات لأشخاص مطلوبين، والسماح لسيطرة فلسطينية على المنطقة(C) لتتمكن من إدارتها بنفسها، ثم ضرورة الحصول على موافقة إسرائيلية على طلبات جمع شمل ما يقارب من 15 ألف فلسطيني - جنسية إسرائيلية-  بموجب جمع شمل العائلات.

اعتبرت إسرائيل تلك الشروط هي بمثابة وضع العراقيل في الدواليب، واستفزاز فلسطيني متطرف ومتعمد، يهدف إلى نسف المحادثات الجارية، وقامت بالتحذير من أنها سوف تُعيد النظر منذ الآن في كيفية المضي قدماً باتجاه علاقتها مع السلطة، بسبب أن أيّة تدابير من جانب واحد لا تقدم شيئاً في صالح العملية السلمية، ودعت الجانب الفلسطيني إلى تجنب خلق الصدام والعودة إلى طاولة المفاوضات، وفي الوقت نفسه، قامت بالتهديد بالمعاملة بالمثل واللجوء إلى لاهاي، وأعلنت صراحةً: ليعلم "أبو مازن" أن المحكمة الدولية لا تنتظر الإسرائيليين وحدهم، وقد قامت إسرائيل بالفعل إلى تجنيد منظمات وهيئات إسرائيلية وموالية لها وجيش من القضاة والمحامين للتصدي للخطوات الفلسطينية  ومن جهةٍ أخرى رفع دعاوى قضائية ضد القيادة الفلسطينية.

وفي خطوة تهديدية أخرى، تعكف إسرائيل على بحث سلسلة عقوبات ضد السلطة الفلسطينية، وأن هناك العديد من الخيارات لديها، ومن بينها تجميد تحويل أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة، وحسم الديون المستحقة لشركة الكهرباء الإسرائيلية، وفرض قيود على نشاط السلطة في مناطق (C)، وهناك احتمال وإن كان قليلاً في هذه الأثناء، أن تلجأ إسرائيل إلى خلق تصعيدٍ عسكري بحجة إطلاق صواريخ، ضد حركات المقاومة (حماس- الجهاد الإسلامي) وحركات أخرى في القطاع، بهدف  تصدير الأزمة وخلق مواجهة لإعادة خلط الأوراق وسلم الأولويات الدولية في المنطقة.

وعلى الرغم من كل تلك التهديدات الإسرائيلية، فإن الفلسطينيين يعتقدون بأنهم اكتشفوا الحلقة الأضعف لدى الإسرائيليين وأنهم اقتربوا من الكتف الإسرائيلية من وجهة نظرهم والمتمثلة في توقيعهم على اتفاقية (روما 2002) والتي تسمح بمقاضاة إسرائيليين كمجرمي حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية. وأن الاقتراب من الأمم المتحدة هو في حد ذاته المخلّص من الاحتلال الإسرائيلي.

في إسرائيل لا يولون اهتماماً لما سيقومون بفعله الفلسطينيين، وإن أبدوا المزيد من القلق ظاهراً، وبنظرة أخرى فإن إسرائيل ستعمل بجهدٍ أكبر بالتعاون مع الولايات المتحدة على إيجاد مخرج يتيح لها الخروج من الأزمة التي وجدت نفسها فيها، ولو أن البداية تُوجب على "نتانياهو" كما يقول بعض الخبراء في إسرائيل، أن يهتم أكثر بخلق تنسيق تام مع الإدارة الأمريكية حتى وان اضطر إلى دفع ثمن سياسي في مقابل هذا التنسيق.

صحيح، قد يتحقق ذلك، ولكن دون أن تكون تلك الأثمان (مؤلمة) كما يجب بالنسبة للإسرائيليين، بسبب أنها لن تتعدّ إطلاق أسرى، وإزالة حواجز وإغداق أموال وتخفيف حصار، والجانب الفلسطيني قد يكون مهتماً بقبول تلك الأثمان بداية الأمر، بسبب عِلمهم على الأرجح بصعوبة تمرير توجهاتهم عبر مجلس الأمن، بسبب أن إسرائيل ليست هي جنوب أفريقيا، وبسبب أن الفيتو الأمريكي ما يزال رابضاً هناك.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/نيسان/2014 - 17/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م