الصالونات الثقافية وتيارات التفكير

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الى جانب ضبابية المشهد السياسي، والفوضى التي تحاول أن تلقي بظلالها على حياتنا، هناك إرهاصات جديدة في مجالات الفكر والثقافة والكتابة ايضا، وهناك رغبة تدفع نحو تأسيس صالونات وأندية فكرية ثقافية، تتنافس فيما بينها، لاستقطاب الجمهور النخبوي، والجمهور الشاب، وكل من يرغب بمتابعة ما يستجد في الفكر والثقافة، هذه الصالونات الثقافية والاندية، تكاد تشكل ظاهرة، وهو أمر يدعو للغبطة حقا، لأننا بين هذا الركام الهائل من مشكلات الحياة، يوجد بيننا من يهتم بتيارات الفكر الجديد، والثقافة المعاصرة، ويحاول أن ينشط كي يؤسس ويبتكر، ويبذل جهودا متميزة في هذا المجال.

قد تذهب بنا الظنون احيانا، الى أن من يقف وراء هذه الاندية والصالونات، يخطط لهدف ما، وما الضير في ذلك؟!، اذا كان الهدف يقع ضمن حدود المشروع والمقبول، كذلك إذا كان الهدف خدمة محضة للثقافة والفكر، وتطوير الوعي الشعبي، فنحن ازاء جهود خلاقة تستحق الثناء فعلا، وتستحق الاشادة والتعضيد والوقوف الى جانبها، لسبب بسيط، أن الثقافة غالبا ما تكون طاردة للجهل والكسل والخمول، ومنتجة للابتكار والحركة والانتاج، لهذا فإن ظاهرة انتشار الصالونات تدعو الى البهجة والاغتباط، لأنها تؤكد حيوية الانسان، وتؤكد اصراره على التمسك بالحياة، على الرغم من صور الموت التي تحيط بنا.

هناك رأي يحاول طرحه وتثبيته المعنيون بالثقافة، والعقول والاقلام التي تتعاطى مع الفكر، والشخصيات التي تهتم بالابداع، هذا الرأي يقول، إن تأسيس الصالونات، وتنشيط الواقع الثقافي وتفعيل التيارات الفكرية، والمحاولات التي تسعى لنشر الوعي بين عموم الناس، خطوة جادة يجب أن تتلقى الدعم والتشجيع من لدن الجميع، كونها مؤشر مهم على حيوية العقل والارادة والتخطيط، ولكن هؤلاء المعنيون يؤكدون على أهمية أن تتحاشى هذه الصالونات الفعاليات الشكلية، والبهرجة التي لا تخدم تيارات الفكر والثقافة.

بمعنى أوضح لابد أن تبتعد هذه الصالونات ومن يديرها او يشرف عليها، عن تحويل الصالون الى دعاية شخصية، يتباهى بها القائمون على الصالون، وأن يتم الابتعاد عن كل مظاهر الترف الفكري او المادي، وأن يتم الابتعاد ايضا عن التبجح وما شابه من أمور، قد تفسد الهدف الاساسي من انشاء او تأسيس الصالون الثقافي، كذلك لابد من تحاشي الجانب الشكلي في الطرح والتعاطي مع الفعاليات، والحاجات الفكرية بجدية وتخطيط فعلي سليم، ومع أن فكرة او ظاهرة تأسيس الصالونات والمجالس الثقافية، ليست جديد على الوسطين الادبي والثقافي، إلا أننا بدأنا نلمس تصاعدا في أعداد الصالونات وهناك اندفاع نحو افتتاح نوادٍ فكرية جديدة، وثمة رغبة في إنشائها، يرادف هذا التوجّه، رغبة في ارتياد هذه الاماكن المنتجة لتيارات لفكر والثقافة، فهناك لدن جمهور مهتم متواصل ومتفاعل مع هذه الصالونات، وهذه مؤشرات مهمة، تدل على رغبة الناس على التواصل والتقارب مع الثقافة، وفهم جميع التيارات الفكرية، والانفتاح على الاخر من اجل الفهم والتقصي والابتكار.  

لا شك أن الدور الذي تلعبه هذه الصالونات الثقافية، مهم على صعيد بناء الوعي، وتطوير الثقافة العامة، خاصة اذا كان من يديرها مؤمن بصورة حقيقية في نشر ثقافة راكزة، علما أن الاجواء السياسية الراهنة، واجواء الحرية الواسعة، تشجّع على تطوير هذه التجربة، ونشرها والتعامل معها على انها ظاهرة ايجابية، هدفها بلورة تيارات التفكير، وتحفيز قدرات المجتمع وتوجيهها نحو الابتكار، وعدم الاكتفاء بآلية متشابهة للفعاليات التي يتم طرحها ضمن برامج هذه الصالونات، خاصة اذا اتفقنا على أن الهدف الاساسي منها، هو بناء ثقافة رصينة، وبلورة أفكار مبتكرة تُسهم في بناء سياق ثقافي فكري معاصر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/نيسان/2014 - 13/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م