الازمة الأوكرانية... أسباب روسية لإعادة انتاج الحرب الباردة

 

شبكة النبأ: تتأرجح لغة التصعيد في الازمة الأوكرانية بين روسيا والغرب "الاتحاد الأوربي وأمريكا"، صعوداً ونزولاً، بحسب التحولات والتغيرات التي تطرأ على الأراضي الأوكراني، ويرى بعض المراقبين ان الأزمة الأوكرانية وعلى الرغم من خطورتها، والتي اعتبرت انها الازمة الأخطر منذ الحرب الباردة، الا انها لم تتخذ، بعد، مدياتها الخطيرة او وصولها الى مستوى الانذار الأحمر.

وما زالت التهديدات من لدن طرفي الصراع والعقوبات تقتصر على أمور ثانوية، سيما وان تداخل المصالح الاقتصادية والأمنية بين روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، تعيق أي عقوبات حقيقية مباشرة، إضافة الى ان الاتحاد القارة العجوز لا يرغب، حاضراً، في تصعيد الموقف مع روسيا لأسباب تتعلق بقضايا داخلية، كما يراه الكثير من المحليين.

فيما يشير محللون آخرون الى إن الأزمة الأوكرانية لن تقتصر على هذا المشهد المحدود، ولن تنتهي بضم روسيا للقرم وبعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، بل هناك علامات لتصعيد اكبر قد ينطوي على تداعيات كبيرة تؤثر على عموم اوربا.

في سياق متصل اتهم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عملاء روس وقوات خاصة روسية بإثارة الاضطرابات الانفصالية الجارية في شرق أوكرانيا وقال إن موسكو ربما تحاول تمهيد الطريق لعمل عسكري مثلما فعلت في القرم، ولا يزال محتجون مسلحون مؤيدون لموسكو يحتلون مباني حكومية أوكرانية في مدينتين في شرق أوكرانيا الذي تسكنه أغلبية تتحدث الروسية رغم أن الشرطة الأوكرانية تمكنت من إنهاء احتلال مبنى ثالث في عملية خاطفة.

وقال جهاز أمن الدولة الأوكراني إن انفصاليين احتلوا مقر أمن الدولة في مدينة لوهانسك بشرق البلاد وزرعوا متفجرات في المبنى ويحتجزون نحو 60 شخصا، ونفى النشطاء في المبنى أنهم زرعوا أي متفجرات أو أنهم يحتجزون رهائن لكنهم قالوا إنهم سيطروا على مخزن للسلاح ملئ ببنادق آلية.

وتقول الحكومة الأوكرانية إن احتلال المباني جزء من خطة تشرف عليها روسيا لتمزيق البلاد وقال كيري إنه يخشى أن تكرر موسكو ما قامت به في القرم، وقال في واشنطن "من الواضح أن القوات الخاصة الروسية وعملاءها كانوا العنصر المساعد وراء الفوضى التي جرت في الساعات الاخيرة" مشيرا إلى أن ذلك "من شأنه أن يخلق ذريعة لتدخل عسكري مثلما رأينا في القرم"، وضمت موسكو شبه جزيرة القرم الأوكرانية الواقعة في البحر الأسود الشهر بعد استفتاء نظمته بعدما سيطرت القوات الروسية بالفعل على شبه الجزيرة.

ورفض وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في وقت سابق الاتهامات الغربية بأن موسكو تعمل على زعزعة استقرار أوكرانيا وقال إن الموقف لن يتحسن إلا إذا وضعت مصالح الناطقين بالروسية في أوكرانيا في الاعتبار، وقالت وزارة الداخلية الأوكرانية إن أعيرة نارية أطلقت وألقيت قنبلة يدوية وألقي القبض على 70 شخصا فيما أنهي ضباط أوكرانيون الاحتلال في مدينة خاركيف في إطار عملية "ضد الإرهاب" استغرقت 18 دقيقة.

لكن النشطاء المسلحين ببنادق كلاشنيكوف والمحميين بحواجز من السلك الشائك في القلب الصناعي في شرق أوكرانيا تعهدوا بعدم التراجع عن مطلبهم الخاص بإجراء استفتاء على العودة للحكم الروسي، وفي مدينة لوهانسك قال رجل يرتدي زيا عسكريا مموها لحشد أمام مبنى أمن الدولة المحتل "نطالب بإجراء استفتاء على وضع لوهانسك ونطالب بعودة الروسية كلغة رسمية، وهزت المواجهة بين الكرملين والغرب ثقة المستثمرين في الاقتصاد الروسي وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته بشأن نمو الاقتصاد هذا العام إلى 1.3 بالمئة أي أقل من نصف معدل ثلاثة بالمئة الذي كان متوقعا في الأصل.

وأبدت بريطانيا تخوفها من أن روسيا تريد تعطيل التحضير لانتخابات الرئاسة التي ستجرى الشهر القادم في أوكرانيا التي تدير شؤونها حكومة مؤقتة منذ الإطاحة بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش في فبراير شباط الماضي.

وتعاني أوكرانيا -الجمهورية السوفيتية السابقة- من اضطرابات منذ العام الماضي بعد أن رفض يانوكوفيتش توثيق العلاقات مع الاتحاد الأوروبي مفضلا توثيقها مع روسيا، وأدى هذا إلى مظاهرات احتجاج قتل خلالها 100 محتج على أيدي الشرطة وأطاحت بيانوكوفيتش وفقدان كييف السيطرة على القرم.

وفي كييف ألقى وزير الداخلية الأوكراني ارسين افاكوف بقدر من المسؤولية على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أحداث خاركيف، وقال "قامت مجموعة بوتين-يانوكوفيتش بالتحريض على كل هذا وبتمويله"، وقال مساعد لوزير الداخلية إن الشرطة تدخلت عندما رفض المحتجون تسليم أنفسهم وأسلحتهم.

وأضاف أن الضباط لم يطلقوا النار بالرغم من إطلاق النار والقنابل من الجانب الآخر، وأصيب ضابط شرطة بجروح بالغة وأصيب ضباط آخرون بجروح أقل خطورة، وفي لوهانسك وهي مدينة يسكنها نحو 450 ألف نسمة أغلق المحتجون الشوارع المؤدية إلى مبنى أمن الدولة بالأسلاك الشائكة والإطارات والصناديق والحواجز المعدنية التي تستخدمها الشرطة وأجولة الرمل.

وقال شخص يدعى أندريه إنه كان بين من اقتحموا المبنى وإن المحتجين لديهم ما بين 200 و300 بندقية كلاشنيكوف وبعض قنابل الصوت لكن لم تسمع أي طلقات إلى الآن، وهناك مواجهة أخرى مستمرة في دونتسك موطن يانوكوفيتش ومركز صناعة التعدين حيث أعلنت مجموعة من النواب المؤيدين لروسيا داخل المبنى الرئيسي للحكومة الإقليمية جمهورية مستقلة.

وخلافا للوضع في خاركيف لم تكن هناك مؤشرات واضحة على عمليات أخرى وشيكة في المدينتين الأخريين، وقال الرئيس الاوكراني المؤقت أولكسندر تيرتشينوف "نأمل في تحرير المباني المحتلة في دونتسك ولوهانسك.

وحذرت روسيا كييف من استخدام القوة لإنهاء احتلال المباني لكن السلطات ربما قررت على أي حال ألا تعطي موسكو مبررا للتدخل والانتظار أملا في أن تتلاشى الاحتجاجات تدريجيا، وفي لندن قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيج إن احتلال المباني "يحمل كل بصمات الاستراتيجية الروسية لزعزعة استقرار أوكرانيا"، وأبدى الغرب قلقه مما يقول إنه حشد للقوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا.

وقالت روسيا إن القوات تشارك في تدريبات عسكرية لكن الأمين العام لحلف شمال الاطلسي أندرس فو راسموسن دعا إلى الحذر، وقال فو راسموسن في مؤتمر صحفي في باريس "إذا تدخلت روسيا أكثر في أوكرانيا فإن ذلك سيكون خطأ تاريخيا"، وتابع قائلا "سيكون لهذا عواقب وخيمة على علاقتنا مع روسيا وسيفرض مزيدا من العزلة على روسيا دوليا"، ونفى لافروف مسؤولية روسيا عن الاضطرابات بالمناطق الناطق سكانها بالروسية في أوكرانيا، وقال في مؤتمر صحفي في موسكو "لا ينبغي للمرء أن يلقي بالمسؤولية على آخرين".

وخلافا للقرم حيث يشكل الروس العرقيون أغلبية فإن معظم الناس في شرق وجنوب أوكرانيا أوكرانيون يفضلون الحديث بالروسية كلغة أولى، ولم توف كييف بمهلة انقضت في منتصف الليل لتقليص ديونها المرتبطة بالغاز البالغ حجمه 2.2 مليار دولار لكن شركة جازبروم الروسية لم تقل ما إذا كانت ستتخذ أي إجراء ضد كييف. بحسب رويترز.

وفي بروكسل بحث وزير الطاقة الأوكراني مع مسؤولين من الاتحاد الأوروبي وممثلين من الصناعة كيف يمكن تقليل الاعتماد على الغاز الروسي، ولم تفرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى الآن سوى عقوبات محدودة على روسيا بسبب ضم القرم لكن بعض المستثمرين سحبوا أموالهم من روسيا، وذكر البنك المركزي الروسي أن الشركات والبنوك سحبت 50.6 مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من العام.

بدورهم حاول وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خلال محادثات وضع استراتيجية جديدة تجاه روسيا وتعهدوا بالإبقاء على موقف صارم في الأزمة الأوكرانية مع عدم استفزاز موسكو لمزيد من الصراع، ويجري الإعداد لفرض مزيد من العقوبات إذا تفاقم الصراع، ولكن سيتعين على حكومات الاتحاد الأوروبي المؤلف من 28 دولة أن توازن بين ضرورة الحفاظ على استقرار دول شرق اوروبا وبين تعزيز العلاقات مع الجمهوريات السوفيتية السابقة وهو تحرك أثار غضب موسكو.

وقال وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي إنه ليس من مصلحة أوروبا أن تؤجج المواجهة مع روسيا والتي بلغت بالفعل أعلى مستوياتها منذ الحرب الباردة.

وقال سيكورسكي بعد الاجتماع وتركز على علاقات الاتحاد الأوروبي مع روسيا وجيرانها في الشرق والجنوب "للأسف تضطرنا روسيا لأن نراجع نهجنا بسبب أفعالها"، وأضاف "كنا نتفاوض عبر الوسائل السلمية فيما مضى، لكن روسيا تخطت هذا الإطار، بعدوانها على أوكرانيا".

وقال وزير الخارجية السويدي كارل بيلت إن تفاقم التوتر مع روسيا أمر حتمي فيما يستعد الاتحاد الأوروبي لتوقيع اتفاقيات تجارية مع جورجيا ومولدوفا بحلول يونيو حزيران ووضع اللمسات النهائية لتوثيق الروابط الاقتصادية مع أوكرانيا.

وكان من المقرر أن توقع أوكرانيا اتفاقا مماثلا العام الماضي لكن روسيا أقنعت الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش بالعدول عن ذلك مما أثار احتجاجات حاشدة في كييف والإطاحة بيانوكوفيتش في فبراير شباط، وقال بيلت انه "على ثقة" بأن بوتين سيحاول إجبار جورجيا ومولدوفا على التخلي عن خطط توثيق الروابط التجارية مع أوروبا مثلما منع أرمينيا العام الماضي من توقيع معاهدة تجارية.

وقال للصحفيين "ليس لدي أدنى شك، وسيفعل ذلك مثلما فعل مع أوكرانيا، الخطة حسبما أعرف هي توقيع (المعاهدات) في يونيو، ولا أعتقد أن الكرملين سيهلل بالتصفيق، ربما سيكون هناك شيء آخر، تهديد"، وقالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون إن المساعي الدبلوماسية لتهدئة التوتر بين أوكرانيا وروسيا ستتواصل.

لغة التصعيد

الى ذلك دعا الامين العام لحلف شمال الاطلسي اندريس فوغ راسموسن روسيا الى عدم اللجوء الى ورقة التصعيد وحذر من "عواقب خطيرة" لاي تدخل يمكن ان يشكل "خطا تاريخيا"، وصرح راسموسن في مؤتمر صحافي في باريس "ادعو روسيا الى التراجع والى عدم اللجوء الى تصعيد الوضع في شرق اوكرانيا"، واضاف "اذا تدخلت روسيا بشكل اكبر في اوكرانيا فان ذلك سيشكل خطا تاريخيا"، محذرا موسكو من عزلة على الساحة الدولية.

وشدد راسموسن على "تعدي روسيا غير الشرعي على اوكرانيا هو التحدي الاكبر للأمن في اوروبا خلال جيل"، في اشارة الى قيام قوات روسية بالسيطرة على شبه جزيرة القرم الاوكرانية في اواخر شباط/فبراير، وكرر راسموسن ان الازمة في اوكرانيا حملت الحلف الاطلسي على "مراجعة خططه الدفاعية".

وتصاعدت حدة التوتر فجأة عندما استولى مؤيدون للانضمام الى روسيا مبان رسمية في خاركيف ودونيتسك كبرى مدن شرق البلاد، وانزلوا الاعلام الاوكرانية ورفعوا اعلام روسيا بدلا منها، وفي كييف، صرح الرئيس الاوكراني الانتقالي اولكسندر تورتشينوف ان "الانفصاليين" الذين "يرفعون الاسلحة ويجتاحون المباني" ستتم معاملتهم "بموجب القانون والدستور كإرهابيين ومجرمين".

وقال تورتشينوف في البرلمان ان "قوات الامن لن ترفع ابدا السلاح على متظاهرين سلميين"، وتأتي هذه التصريحات بينما استولى ناشطون موالون لروسيا على مبان عامة في شرق البلاد وحذرت روسيا من خطر "حرب اهلية" في البلاد، واكد تورتشينوف ان "اسلحة نارية وقنابل يدوية" استخدمت ضد قوات الامن التي انتشرت لاستعادة السيطرة على مباني الادارة المحلية في مدينة خاركيف، واضاف ان "العديد من عناصر قوات الامن اصيبوا بجروح".

واكدت وزارة الخارجية الروسية ان عناصر من شركة اميركية خاصة يشاركون في العملية، واعلنت وزارة الخارجية الروسية في بيان "ندعو الى وقف الى الاستعدادات العسكرية فورا التي من شانها ان تؤدي الى اندلاع حرب اهلية"، وصرحت الوزارة "بحسب المعلومات المتوفرة لدينا فان وحدات من قوات الداخلية ومن الحرس الجمهوري الاوكراني تتدفق الى مناطق جنوب شرق اوكرانيا خصوصا في دونتسك بالإضافة الى مقاتلين من مجموعة برافي سيكتور المسلحة غير الشرعية"، وهي حركة اوكرانية قومية.

واضاف بيان الوزارة "لقد اوكلت الى هؤلاء مهمة سحق احتجاجات سكان جنوب شرق البلاد على سياسة السلطات في كييف"، وتابع البيان ان "المثير للقلق هو ان قرابة 150 عنصرا محترفا اميركيا من مجموعة غريستون العسكرية الخاصة ارتدوا زي الوحدة الاوكرانية سوكول".

وقال الأمين العام للحلف إن الحلف لا يرى أي مؤشر على سحب روسيا لقوات من الحدود الأوكرانية وإنه سيبحث كل الخيارات لتعزيز دفاعاته، وقال راسموسن للصحفيين قبل بدء اجتماع وزراء خارجية دول الحلف في بروكسل "للأسف ليس بوسعي أن أؤكد أن روسيا تسحب قواتها، هذا ليس ما نراه".

وقال دبلوماسيون إن الوزراء سيبحثون خيارات منها زيادة التدريبات العسكرية وإرسال مزيد من القوات للدول الأعضاء من شرق أوروبا وإمكانية وجود دائم لقوات الحلف هناك في تحرك قد تعتبره موسكو استفزازيا، وعندما سئل راسموسن عما إذا كان الحلف قد يحتفظ بقوات بشكل دائم في جمهوريات البلطيق الصغيرة قال "ندرس الآن كل الخيارات لتعزيز دفاعنا المشترك بما في ذلك، تطوير خططنا الدفاعية وتعزيز التدريبات ونشر قوات بشكل ملائم".

وقال وزير خارجية بولندا رادوسلاف سيكورسكي للصحفيين لدى وصوله إنه سيرحب "بوجود أوضح بعض الشيء للحلف في بولندا"، ويتوخى بعض أعضاء الحلف الحذر بشأن اتخاذ خطوات من شأنها أن تفاقم الأزمة ولا سيما بعد أن قالت موسكو إنها سحبت بعض جنودها من قرب الحدود الأوكرانية.

لكن مسؤولا عسكريا في الحلف قال مشترطا عدم ذكر اسمه إن ما بين 35 ألفا و40 ألف جندي روسي لا يزالون متمركزين قرب الحدود وإنه لا توجد أي علامة على أي خفض كبير في أعدادهم، وأضاف أن القوات الروسية تضم كتائب مشاة مزودة بمركبات ووحدات مدرعة وقوات خاصة ووحدات تموين وإمداد و"عددا كبيرا نسبيا" من الطائرات وطائرات الهليكوبتر.

وقال المسؤول إنه لا يوجد أيضا دليل يذكر على أن هذه القوات موجودة هناك بهدف التدريب، وقال إنه كانت هناك بعض التدريبات لكن بعض الوحدات تنتقل إلى أماكن وتتمركز فيها، وقال "هذا مؤشر على أن الجنود يتلقون أوامر بالانتشار في مكان ما ثم انتظار أوامر أخرى"، وأضاف المسؤول أن القوات الروسية لا تشكل خطرا على دول حلف شمال الأطلسي لكنها قد تشكل خطرا على أوكرانيا. بحسب رويترز.

وأوضحت الولايات المتحدة وحلفاؤها أنهم لا يعتزمون التدخل عسكريا في أوكرانيا التي لا تنتمي للحلف، ومنذ بدأت أزمة القرم زادت الولايات المتحدة عدد الطائرات الأمريكية التي تشارك في دوريات الحلف الجوية الاعتيادية فوق دول البلطيق وعززت تدريبات عسكرية تم التخطيط لها مسبقا مع القوات الجوية البولندية.

كما قال مسؤول عسكري أمريكي إن أرفع جنرال أمريكي في أوروبا يدرس خيارات من بينها إرسال سفينة حربية أمريكية إلى البحر الأسود وتعزيز المناورات المقررة لحلف شمال الأطلسي ردا على ضم روسيا منطقة القرم إلى أراضيها، وقد يتوجه أيضا فريق صغير من نحو 10 جنود من لواء بالجيش إلى أوروبا "قريبا جدا" لتحسين الاستعداد لنشر قوة أكبر في فصل الصيف في إطار قوة للرد تابعة لحلف الأطلسي.

وقال المسؤول الذي طلب ألا ينشر اسمه "هذا الفريق القتالي من المقرر فعلا أن يكون جزءا من قوة حلف الأطلسي للرد التي ستذهب في فصل الصيف"، وقال المسؤول الأمريكي إن الجنرال فيليب بريدلاف القائد الأعلى للقوات المتحالفة التابعة لحلف الأطلسي في أوروبا ورئيس القيادة الأوروبية للجيش الأمريكي سيقوم أيضا بدراسة النطاق الكامل لمناورات الحلف القادمة "ليرى هل من سبيل لتعزيزها".

عشرة سيناريوهات

من جانبهم يجازف تمسك كل من موسكو والغرب بمواقفه في المواجهة المستمرة بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم بامتداد الأزمة إلى الجمهوريات السوفيتية السابقة بل وتجاوزها، وفيما يلي عشرة تصورات مختلفة لما قد تحدثه الأزمة الأوكرانية من تغيرات في المواقف والسياسات في مختلف أنحاء العالم:

1. تقلص دور روسيا: تراجع دور روسيا في الشؤون الدولية بصفة مؤقتة على أقل تقدير، فقد تم استبعاد موسكو فعليا من مجموعة الثماني للدول الصناعية، وتجمدت مساعيها للانضمام إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ووكالة الطاقة الدولية، وألغيت لقاءات القمة الغربية مع موسكو حتى إشعار آخر، وتعثرت محاولة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاستخدام مجموعة البريكس للقوى الناشئة للتخفيف من حدة العزلة التي فرضها الغرب بسبب قلق الصين والهند إزاء مشكلة ضم القرم كسابقة لحل نزاعات مثل نزاعي التبت وكشمير، وندد بيان مشترك من مجموعة البريكس بالعقوبات لكنه لم يشر إلى القرم أو أوكرانيا.

2. تنشيط حلف شمال الأطلسي: في الوقت الذي بدا فيه أن التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة بدأ يفقد أهميته مع اقتراب مهمته في أفغانستان من نهايتها وجد نفسه أمام مهمة جديدة، ومن المقرر زيادة الدوريات الجوية للتحالف ومناوراته العسكرية في بولندا ودول البلطيق، كما أن وارسو تريد الاسراع بنشر نظم للدفاع الصاروخي في وسط أوروبا، وفي ظل الضغط الأمريكي ربما تعيد بعض الدول الاوروبية النظر في تخفيضاتها في الانفاق الدفاعي، وربما تتجه السويد وفنلندا المحايدتان لزيادة جهودهما الأمنية وتعززان تعاونهما مع حلف شمال الاطلسي إدراكا منهما أن روسيا قد تمثل خطرا محتملا عليهما.

3. تنويع مصادر الطاقة: يعاد رسم خريطة الطاقة في أوروبا مع التعجيل بالتحرك لخفض الاعتماد على النفط والغاز الروسيين، ومن المقرر أن تبني دول الاتحاد الاوروبي المزيد من محطات استقبال الغاز الطبيعي المسال وتطور شبكات الانابيب وتزيد امدادات الغاز من الجنوب عن طريق جورجيا وتركيا إلى جنوب أوروبا ووسطها، ويحصل الاتحاد الاوروبي على ثلث احتياجاته من النفط والغاز من روسيا ويمر 40 في المئة من الغاز الروسي عبر أوكرانيا، وربما تتطلع أوروبا الان للاستفادة من احتياطيات الغاز الصخري والتوسع في توليد الكهرباء من الطاقة النووية رغم المخاوف البيئية، وقال جيرهارج رويس الرئيس التنفيذي لشركة أو.إم.في وهي مستورد رئيسي للغاز الروسي إلى وسط أوروبا "أرى الخطر في زيادة الاتجاه للطاقة النووية الخالية من ثاني أكسيد الكربون وهي جزء من الأمور التي يجري بحثها لكنها المسار الخاطيء".

4. العامل الصيني: ربما يتغير التحالف الدبلوماسي بين روسيا والصين اللتين تصوتان معا في أغلب الأحيان في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإما حدوث تقارب عن طريق شراكة أقوى في مجال الطاقة مع مد خطوط أنابيب جديدة لضخ النفط والغاز من روسيا إلى بكين إذا رفضت أوروبا قبول الامدادات الروسية أو فتور إذا نأت الصين بنفسها بدرجة أكبر عن تصرفات بوتين ورأت فوائد أقل في توثيق العلاقات مع موسكو إذا ضعفت اقتصاديا وأصبحت معزولة نسبيا، وفي الوقت الحالي يرفض الرئيس شي جين بينغ الانحياز لطرف علانية.

5. الزعامة الأمريكية: استعادت واشنطن جانبا من دورها القيادي على المستوى العالمي بعد أن ضعف نتيجة لظهور قوى ناشئة وبفعل سياسة الانكفاء على الداخل التي انتهجها الرئيس باراك أوباما، ورغم اتجاه أوباما للانسحاب من الحرب في العراق وأفغانستان والتحول الاستراتيجي تجاه آسيا فقد دفعته الأحداث إلى الدور التقليدي للولايات المتحدة "كزعيمة للعالم الحر"، وقد طغت الأزمة على الغضب الاوروبي بسبب التجسس الامريكي على الاتصالات العالمية وفرضت ضرورة التعاون، وفي بروكسل ناشد الاوروبيون أوباما بيع الغاز الصخري لأوروبا واتفق الجانبان على الاسراع بمحادثات ترمي إلى إبرام اتفاق للاستثمار والتجارة الحرة بين طرفي المحيط الأطلسي، ومع ذلك يقول خبراء أمريكيون في الاستراتيجية إن المصالح الاقتصادية الامريكية والتحديات الامنية للتعامل مع صعود نجم الصين كل هذا يعني أن الأولوية ستبقى لآسيا وأن على أوروبا أن تبذل مزيدا من الجهد لتحقيق أهدافها.

6. الزعامة الألمانية: عززت المشكلة الاوكرانية الدور القيادي لبرلين في أوروبا حيث أن ألمانيا هي القوة الاقتصادية المهيمنة ولها القول الفصل في أزمة منطقة اليورو، وقد أصبحت المستشارة أنجيلا ميركل المحاور الاوروبي الرئيسي مع الرئيس بوتين، وشكل اكتشاف ميركل خطأ أفكارها السابقة عن بوتين الرد الحازم على الأزمة بعد ما شاب الرد الالماني من تردد في البداية، وسيكون مدى استعداد ألمانيا لتقليص اعتمادها في موارد الطاقة على روسيا المعيار الرئيسي لمدى استعداد بقية أوروبا للوقوف في وجه موسكو، كذلك فإن ميركل هي مديرة العلاقات مع يوليا تيموشينكو التي قد يؤجج سعيها للفوز بالرئاسة التوترات في أوكرانيا.

7. توحد أوروبا: أدت عودة الخطر الخارجي المشترك إلى تعزيز الوحدة بين أعضاء الاتحاد الاوروبي على الأقل في الوقت الراهن، وربما ساعد ذلك قادة الاتحاد الاوروبي على التغلب على بعض النزاعات القديمة، وقالت ريبيكا هارمز عضو البرلمان الأوروبي عن جماعة الخضر مازحة إن من السابق لأوانه ترشيح بوتين لجائزة شارلمان السنوية لخدمة الوحدة الاوروبية "لكن في مواجهة خطر حرب جديدة في أوروبا اتفقت دول الاتحاد الاوروبي فعلا على استراتيجية مشتركة تجاه روسيا"، ويقول بعض الدبلوماسيين الاوروبيين إن بولندا قد تعجل بخطواتها البطيئة للانضمام إلى اليورو الاوروبي سعيا للاحتماء بالنواة الداخلية لأوروبا مثلما فعلت دول البلطيق، وسيعجل دخول بولندا نادي اليورو بانتشار العملة الموحدة لكل دول الاتحاد الاوروبي تقريبا بما في ذلك الدنمرك رغم أن السويد وبريطانيا ستحتفظان على الأرجح بعملتيهما.

8. التنافس على آسيا الوسطى: يسعى كل من بوتين والغرب لكسب ود نظم الحكم الدكتاتوري في اسيا الوسطى في أذربيجان وقازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان والتغاضي في سبيل ذلك عن سجلها في حقوق الانسان، وإذا ضعفت روسيا اقتصاديا فسترغب هذه الدول أن يكون لها قدم على الاقل في المعسكر الغربي.

9. التعاون الامريكي الروسي: سيستمر بعض التعاون في القضايا الأمنية العالمية لان موسكو لها مصلحة في مواصلته لتجنب عزلة أكبر، لكن التوترات محتملة بسبب سوريا وايران وافغانستان وكوريا الشمالية ولروسيا وسائل ضغط يمكن أن تستخدمها مثل التعاقد لتزويد دمشق أو طهران بنظام الدفاع الجوي الصاروخي إس 300.

10. مستقبل بوتين: أصبح الزعيم الروسي قريبا من ذروة التأييد الشعبي له بفضل موجة المشاعر الوطنية التي أطلقتها أزمة شبه جزيرة القرم، ومع ذلك فاختلال الاستقرار قد يتزايد إذا تعرض بوتين لضغوط من كبار رجال الأعمال الغاضبين من فقد قيمة أنشطتهم وفقدان استثمارات أجنبية في روسيا ومواجهة قيود على السفر وتجميد أصولهم في الغرب، وأغلبهم موالون بنسبة 150 في المئة في الوقت الراهن لكن الأمور قد تتغير خلال ستة أشهر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/نيسان/2014 - 12/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م