الانتخابات العراقية.. اللافتات والتسقيط السياسي

في ملتقى النبأ الأسبوعي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في ورقته التي قدمها الى ملتقى النبأ الأسبوعي، ينطلق حيدر الجراح من سؤال مركزي، سؤال الآن وغدا، تضمره اللافتة الانتخابية، ويكشف عنه السلوك السياسي باكثر التجليات فوضى وارباكا، وهو ما شاهدناه طيلة السنوات السابقة، وما يرشح ان نشاهده في السنوات الاربع القادمة التي ستؤول اليها مصائر حمولات اللافتة.

سؤال اللافتة العراقية هو كيف انتهى الامر الى ما نحن عليه، وما هو القادم؟، ونحن على أبواب انتخابات، يظن الكثيرون انها مصيرية في تقرير شكل ووجه العراق القادم، ومنهم من يبلغ به التشاؤم حد الغاء العراق بشكله الحاضر، وان الانتخابات قد تفرز اكثر من وجه ممسوخ نتيجة لتشظي الوجه الحالي.

يقدم الجراح مقاربته من خلال اربعة ملفات انطلق السباق الانتخابي في العراق على وقعها وهي ملفات شائكة:

الملف الأمني: ويتمثل بأزمة الانبار والفلوجة، بشكل رئيسي، وبهرز في ديالى والموصل بشكل ثانوي. وما لهذا الملف من تشابك (طائفي وعرقي).

الملف الاقتصادي: ويتمثل بعدم التصويت على الميزانية العامة والتي سيتم ترحيلها الى الدورة القادمة، لتكون محل ابتزاز وابتزاز مضاد حول المناصب..

وما يستتبع ذلك من مزايدات بين الكتل السياسية، أصبحت هاجسا انتخابيا لها في خطابها الإعلامي الذي يحشد ضد الاخرين.

الملف السياسي: وفيه بعض النقاط التي سبقت اللافتات كمضمون قبل ان تكون شعارا، مثل استبعاد عدد ممن المرشحين من كتل وأحزاب متعددة، اطلقت عليها عملية (استئصال سياسي) بعد التسمية السابقة والتي راجت كثيرا وهي الاجتثاث، اضف الى ذلك، محاولة تقديم المفوضية لاستقالتها احتجاجا على التدخل في عملها، وهو احتجاج توجه بالدرجة الأساس الى السلطة التشريعية، أي مجلس النواب.

الملف الاجتماعي: نجد فيه كل تجليات الملفات السابقة وتوتراتها الشديدة، التي تنعكس على حجم الإقبال على المشاركة والتصويت للمرشحين. وأيضا النظرة الى حضور المرأة الواسع في الانتخابات كمرشحات يتنافسن مع الرجل، في واقع اجتماعي وثقافي، لم يقتنع حتى الان بمشاركتها الفاعلة، بل هي مكملة لديكور ذكوري، يكون رئيس الحزب أو القائمة فحلا من فحول (الطائفة أو العشيرة أو القومية).

يدعم ذلك كله، جذر ثقافي راسخ، تتداخل فيه ولاءات فرعية (الطائفة – العرق – العشيرة) عابرة على الولاءات الرئيسية (المصلحة الوطنية – الهوية الوطنية الجامعة – الدولة - المؤسسات).

في قراءته للافتة الانتخابية، وما يتوارى خلفها من دلالات ومعاني يسجل حيدر الجراح عددا من الملاحظات:

1 – تحيل اللافتة الى (التذكير) وعبر الأسماء والصور او الاستنساب (الكتلي والحزبي)، الى العديد من ذكريات الخصومات الشخصية بين المرشحين، وأقول شخصية، وأؤكد على ذلك، بحكم طبيعة (الشخصنة) للقضايا الخلافية التي طرأت خلال الدورة السابقة.

2 –الشعارات كمدخل للسخرية، أو (التنكيت) السياسي الذي هو امتداد لما دأبت عليه الكتل والاحزاب وقواعدها او عموم الجماهير، طيلة السنوات السابقة من تسقيط خصومها، ليس انطلاقا من برامج عملية للتغيير، أو سياسات بنّاءة، بل وفقا لتصاعد حدة الخلافات والصراعات (الشخصية) على المكاسب والامتيازات.

3 – المرأة وتمظهرها عبر صورتين، احيانا تنتقل من دلالة الى اخرى (بغداد تحديدا) بين السفور والحجاب تبعا لتوزيع الصور على المناطق الجغرافية، اضافة الى بروز ما يسمى (المرشحة الشبح) التي تختفي صورتها تماما عن اللافتة، وتحل بدلا منها صورة الزوج أو الاب أو شيخ العشيرة، وكأن صورتها (المرشحة) عيبا (اجتماعيا) أو محذورا (دينيا).

4 – غياب اللمسات الجمالية والفنية عن اللافتات للمرشحين، والتي تؤشر لغياب (وعي جمالي) لا يمتلكه المرشحون، وهو جزء من غياب هذا الوعي على صعيد المجتمع.

5 - الظهور الطاغي للالقاب العلمية والمواقع التي تصاحب الاسماء في اللافتة (الدكتور –المهندس – المدير – المشرف التربوي – المهندس – القاضي) وغير ذلك، واذا كانت الممارسة الديمقراطية تسمح للجميع بالترشح للانتخابات، فانها بالمقابل تؤشر لخلل فادح في (وعي المسؤولية) وخاصة ما يتعلق بالكفاءات الاكاديمية، التي تهرب من قاعات الدرس وبناء الصرح العلمي الى بازار السياسة والمناكفات والصراعات.

تلك بعض الملاحظات الاولية، حول اللافتة الانتخابية، من ناحية الدلالات السياسية والثقافية والاجتماعية، والتي هي تعبير عن (المفكر – اللامفكر) فيه في الوعي السياسي للمرشحين، او الوعي العام للناخبين. يصل حيدر الجراح في ورقته الى خلاصة هي: المجتمع العراقي في اللافتة.

في مداخلته على الافكار السابقة، يبدأ مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام بالاشارة الى ظاهرة جديدة بدأت تسوّق لنفسها وتظهر على المشهد السياسي العراقي، وهي ظاهرة ترشح اعضاء مجالس المحافظات الى الانتخابات البرلمانية، والذين تبقى لديهم سنتان لانتهاء شرعيتهم المحلية، وهي ظاهرة تكشف عن خلل فادح في الرؤية والتفكير تجاه مسؤولية السياسي في خدمة ناخبيه.

يرى معاش، ان العشائرية بحد ذاتها تنظيم اجتماعي محمود، طالما مارس دوره كمدافع عن حقوق الافراد، وهي مرفوضة اذا تحولت الى حالة عنصرية في المجتمع، تتعامل بعقلية الاقصاء والاستبعاد للاخرين كمختلفين، مثلما يحدث في بعض المناطق والتي تكشف عنها تسميات من قبيل (لفوّة - برّاوي - عجمي – محافظات -  معيدي).

ويعتقد معاش، أن المجتمع المدني يمكن له أن يتجاوز الكثير من الاعتبارات الطائفية والعنصرية والعرقية، ويذكر بالتجربة الاسلامية الاولى للمجتمع المدني، وهي التجربة النبوية عند هجرة النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) من مكة الى يثرب التي تحول اسمها الى (المدينة) وكيف انه اصلح بين قبيلتين متقاتلتين هما (الاوس والخزرج) وكيف آخى بين (المهاجرين والانصار)، الحالة الاولى مثلت تجاوزا عابرا على العنصرية، والحالة الثانية مثلت تجاوزا عابرا على الطبقية.

 يستمر معاش في قراءته للافتة الانتخابية، ويطرح هذه المرة تساؤلا هو: كم تمتلك تلك اللافتة من تاثير على كسب صوت الناخب؟

في اجابته عن هذا التساؤل، يرى معاش، ان كل تلك النقائص التي تشي بها اللافتة الانتخابية وان بصورة مضمرة يستفيد منها المرشح، لكن اللافتة كصورة مجردة عن مضامينها ودلالاتها المضمرة، لا تتحقق منها نفس الفائدة، لانها تعتمد في طرحها المباشر على التحشيد العنصري والطائفي، وهي ايضا تكشف عن شعور بالنقص، الذي يستشعره المرشح باضافة الالقاب والصفات الى اسمه، دون طرحه ضمن مشروع سياسي كبير، لا تمتلكه أي كتلة، فلم نشاهد حتى الان، لافتة انتخابية تحمل مشروعا اقتصاديا، أو تروج للاعنف، أو تطرح مشروعا لبناء مدارس نموذجية، او تكون مهتمة بالتربية والتعليم، وغير ذلك من برامج يمكن ان تكون كاشفة عن وعي متطور للمرشح.

يضيف معاش، ان اللافتة الانتخابية بشكلها الحالي، تحاول الاستفادة القصوى من سلوك الناخبين الذين تستهدفهم، عبر التحشيد المعاكس للافتات الاخرى، والتي تكشف عن انعكاسات الواقع الاجتماعي على السياسي، والذي هو مرآة يتبادل الناخب والمرشح النظر الى الصورة المنعكسة منها، فالسياسي العراقي هو انعكاس لواقعه الاجتماعي، والواقع انعكاس متبادل له، مما ينطبق عليه الحديث الشريف (كيفما تكونوا يولى عليكم).

يوسّع مرتضى معاش من مساحة مداخلته وينتقل بها الى ظاهرة اخرى، تسود الوسط السياسي في العراق، وهي ايضا تسود في اوساطنا الاجتماعية والثقافية، ويقصد بها ظاهرة (التسقيط السياسي) والتي تستثمر الحالة السلبية الموجودة لدى المنافسين وتعمل على ترويجها وتضخيمها، حتى لو كانت حالة في زمن ماض لا علاقة له بالزمن السياسي. وهذه الحالة هي جزء من ثقافة مجتمعية، تميل الى تقبّل السلبيات ضد الاخرين من خلال صور مجتزأة عنهم، لا تخضع الوانها الى الفحص والتمحيص.

يرى معاش، ان هذا التسقيط هو شكل اخر من اشكال العنف الرمزي ضد الاخر، وهو عنف راسخ في بنية النظام المعرفي والثقافي في المجتمع العربي عموما والعراقي خصوصا، وهي قد تكون بنية ظاهرة للعيان وفجة، أو تكون مضمرة تكشف عن نفسها عبر الرموز والدلالات في الاوصاف الدارجة  وفي الامثال الشعبية.

التسقيط كثقافة وسلوك تنتشر في المجتمع العراقي، وتعمل على تدمير البنية الاخلاقية من خلال تلك الانشقاقات التي تقوم بايجادها وترسيخها.

في مشاركته في الحديث الدائر حول اللافتة الانتخابية، يعتقد احمد جويد مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، أن من حق الناخب وضع ما يريده في اللافتة، (لقب جامعي – عشائري – ديني) ومن حق الجميع الترشح لانتخابات البرلمان، والذي تنحصر وظيفته في التشريع للقوانين والمراقبة لتطبيقها ولعمل الحكومة.

ويعتقد جويد، ان اللافتة الانتخابية تقوم فلسفتها ووظيفتها على استهداف الجمهور، انطلاقا من قراءة المرشح للساحة السياسية، وتوقعاته لمن سيصوت الناخب.

حول البرامج الانتخابية التي يطرحها المرشحون، عبر برامجهم يرى جويد، ان المرشحين لا يمتلكون أي برامج يمكن ان يتنافسوا من خلالها، ماعدا الشحن الطائفي والقومي، ويذكر بتجارب انتخابية اخرى يتنافس فيها المرشحون، كالتجربة الامريكية، والتي تكون برامجها ذات توجهات سياسية على مستوى الداخل والخارج، كالضرائب والتامين الصحي والاجتماعي، والعلاقات مع بقية الدول، وما يتعلق بمصادر الطاقة والتهديد والمخاطر.

في موضوعة التسقيط السياسي، يتفق احمد جويد مع مرتضى معاش في تشخيصه لصورة السياسي، والتي هي انعكاس للواقع الاجتماعي العراقي. وكأنه تبادل للادوار يقوم به الناخب والمرشح كل من موقعه. ولعل الفوضى السائدة في الشارع العراقي، تكشف عن الفوضى في مشهده السياسي. ويرى جويد، ان التسقيط السياسي يقوم بدور التشتيت لأصوات الناخبين، ويؤدي الى انشطارات في المجتمع، وكذلك هو مستنقع للرذائل الاخلاقية.

في مداخلته يرى احمد المسعودي الباحث في الفكر الاسلامي وهو يقرأ اللافتة الانتخابية  من خلال دلالة اللقب العشائرية، ان تلك الالقاب كثيرا ماتعمل على انشطار العشيرة الواحدة، عموديا وافقيا.

عموديا من خلال الرؤوس الاخرى التي تعتقد باحقيتها بتمثيل العشيرة، وافقيا من خلال القواعد الجماهيرية التي تتبع تلك الاسماء، مع غياب مرشح واحد لتلك العشيرة يمكن ان يلتف حوله ابناؤها.

يعقد المسعودي مقارنة بين اللافتات الكبيرة والاخرى الصغيرة، فالكبيرة تكشف عن (مال سياسي) وافر لمرشح لم يتم مساءلته عن مصدر ذلك المال، واللافتة الصغيرة ومرشحها البسيط، والتي استطاعت ان تقلب المعادلات في التجربة الانتخابية السابقة، حين فاز عدد من اصحابها، على حساب اسماء اخرى كبيرة.

ويخلص المسعودي الى ان اللافتة الانتخابية ومن خلال الكثير من اصحابها المرشحين تتاجر بدم المواطن المسفوح يوميا.

في مداخلته يستعين الدكتور علي محمد ياسين التدريسي في جامعة كربلاء بعلم السيميولوجيا، الذي يبحث في أنظمة العلامات سواء أكانت لغوية أم أيقونية أم حركية، وبالتالي، يبحث في العلامات غير اللغوية التي تنشأ في حضن المجتمع، ويتحدث عن العلامة وتاثيرها في المتلقي، ويضرب مثلا حول العمامة الخضراء، وما تكتنزه من دلالة الاحترام والتبجيل، في مجتمعات معينة، تواضعت على منحها تلك الدلالة من خلال تأثيرها وماتمثله في الوعي الجمعي، في حين انها لا تمتلك نفس دلالتها في مجتمعات اخرى.

وهو في قراءته للافتة الانتخابية، يحاول تطبيق المنهج السيميولوجي على مكونات تلك اللافتة، ويشير الى عدة ملاحظات حولها:

اختزال الايقونة في اللافتة، فالرقم الانتخابي على سبيل المثال يأخذ حجما اكبر منها في المساحة. ويؤشر ذلك الى عدم اهتمام المرشحين وكتلهم لإيقوناتهم الانتخابية، لانها تعرف ان كثيرا من توجهات الناخب محسومة لها أو لغيرها.

ويرى ياسين، ان الانتخابات لا تعتمد على البرامج المجتمعية، بقدر اعتمادها على التقسيمات الداخلية لتوجهات الناخبين، ويعتقد من خلال التجارب السابقة، ان اللافتات الكبيرة مردودها سيء على المرشح، وان اللافتة الانتخابية بصورة اعم ليس لها تأثير على الناخب، الا في جزئية صغيرة وهي اثبات الحضور للمرشحين.

في معرض حديثه عن التسقيط السياسي، يعتقد علي ياسين ان هذه الظاهرة هي جزء من التكوين الاجتماعي للفرد العراقي، وجزء من بنيته النفسية كذلك.

وتسقيط المقابل، أو محاولة تسقيطه ممارسة عادية، في المجتمع العراقي، وهي بنية ذهنية ونفسية مهيمنة، تمتد جذورها الى العصر الجاهلي قبل الاسلام، من خلال شعر الهجاء الذي يزخر به ادبنا العربي، وهي ازدادت كثيرا وترسخت بعد العام 2003 .

 يصل ياسين الى نتيجة مفادها ان اللافتة الانتخابية هي انعكاس للفوضى والعشوائية الموجودة في المجتمع،  بعيدا عما تشكله اللافتة في مجتمعات اخرى متقدمة من وعي حضاري ووعي بالممارسة الديمقراطية.

يعتقد باسم الزيدي الباحث في مركز المستقبل للدراسات والبحوث، ان العراق يعيش الان على وقع ما يسميه (حمى الانتخابات)، وان هذه الحمى التي تتبدى اكثر ما تتبدى للعيان من خلال اللافتة، تكشف عن توجهات الناخب العراقي، والذي يميل كثيرا الى القوة والسلطة التي يعتقد ان هناك مرشحين يمثلونها دون غيرهم.

ويضيف الزيدي ملمحا اخر تكشفه اللافتة الانتخابية وهو شدة الاعتزاز بالنفس التي تصل حد الغرور، وهو شعور اجتماعي وثقافي عام يمتاز به الفرد العراقي، وهو يقترح ايضا دراسة اللافتة الانتخابية من خلال (اللون – الزي – الحركة).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/نيسان/2014 - 12/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م