البلاغة والسياسة

زاهر الزبيدي

 

البلاغة في اللغة، كما عرفها أساطينها، هي "تأدية المعنى الجليل واضحًا بعبارة فصيحة، لها في النفس أثرٌ خلاب، مع ملاءمة كلِّ كلام للموطن الذي يُقال فيه، والأشخاص الذين يُخَاطبون، فعناصر البلاغة إذًا لفظٌ ومعنى وتأليف للألفاظ يمنحها قوّة وتأثيرًا وحُسنا، ثم دقّة في اختيار الكلمات والأساليب على حسب مواطن الكلام ومواقعه وموضوعاته وحال السامعين والنّزعة النفسية التي تتملّكهم وتسيطرُ على نفوسهم ".

ونحن في العراق اليوم نخوض أحد أهم تجاربنا الديمقراطية متمثلة في الإنتخابات التشريعية التي يتبارى في خوض غمارها 9040 مرشحا على أمل الفوز بأحد المقاعد الـ 325 في مجلس النواب العراقي لدورته المقبلة ؛ بحاجة الى أن تتناغم بلاغة تصريحاتهم وخطبهم الإنتخابية وشعارتهم مع النزعات النفسية التي تتكالب على أبناء شعبنا وصولاً للفوز بأصواتهم، وبحاجة أكثر الى أن تدغدغ خطبنا طموحاتهم وآمالهم بمستقبل أفضل وواقع أحسن.

تعتبر اللغة هي أهم عوامل الإقناع إذا ما أحسن إستخدمها ببلاغة في إدراكٍ واف لجمال المفردات ودقة التصوير للهدف المنشود الوصول إليه من خلال الإستعارة الموفقة من قواميسها لما يجعلها مرنة جداً في الدخول الى مشاعر المواطن مستمكنة من أفكاره مستحوذة على إهتمامه وجاذبة، أخيراً، لصوته ؛ فنحن اليوم نرى الدعايات الإنتخابية وهي تغطي وجه مدننا كستائر ملونة، كلنا أمل في ما أن ترفع تلك الأستار حتى ينكشف النهار الحقيقي المنشود لوجهها الذي غيبته التصرفات التي لا تحتكم الى عقل أو منطق في تنظيمها وإعادة مجدها التي قارب الأفول.

الكثير من الإعلانات الإنتخابية، سابقاً ولازالت، اعتمدت اسلوب التضفير الخطابي (Interdiscursivity)، في وضع خطوطها العريضة، حيث يأتي التضفير ليتناغم مع توجهات أغلب طوائف وقوميات الشعب ليستعير المرشح فيه الشعارات الدينية والقومية والأحاديث النبوية أملاً في الوصول في تلك الشعارات الى مستو مقدس، في بعض الأحيان أملاً، في أن يتم تقييد رغبات الناخب ودفعها بإتجاه التصويت له، إلا إن ذلك كله لم يعد مقنعاً مع إستمرار توفر القناعة والفهم الحقيقي الكامل لأبناء شعبنا لمن هو أحق بأصواتهم ففي الإنتخابات السابقة كانت بعض إعلانات المرشحين تضع صوراً لعلماء الدين مثلاً ؛ إنحسرت تلك الصورة أو اختفت نهائياً من اللوحات الإعلانية اليوم بعدما أعلنت المرجعيات الدينية عدم دعمها لأي مرشح.. وإنما تركت الخيارات المفتوحة، غير المقيدة، للناخبين لإدلاء بأصواتهم وفق ما تمليه عليهم إحتياجاتهم من رجال يغيرون وجه واقعهم ويحسنون رسم مستقبل أبناءهم.

لم تبخل البلاغة في مفرداتها عن كل من يبغى الإستلهام منها حتى نزلت عن برجها العاجي لتصبح نمطا متحركاً كما يقول الباحث المصري د. عماد عبد اللطيف "نزلت البلاغة من برجها العاجي، وتجاوزت مجرد الاهتمام بالكلام الفصيح، وبالمحسنات الأسلوبية والمعنوية، لتضحى منهجاً مرناً ومتحركا لمقاربة الخطابات، تؤمن بدور الجمهور وتعطيه مركز السبق في العملية التحليلية، نظرا لفاعليته ودوره الإيجابي المفترض بلاغيا وتواصليا ".

عسى أن يتمكن سياسيو المرحلة من إتقان إستخدام البلاغة في لغتنا الجميلة ببيانها وبديعها ومعانيها طمعاً في إضفاء نوعاً من الصفاء في الكلمات التي رسمتها لنا البلاغة كما اللوحة التي أدركت الجمال.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/نيسان/2014 - 12/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م