التجسس الأمريكي وتضخم الوكالات الاستخبارية

 

شبكة النبأ: ما زالت القضية الشائكة لعمليات التجسس واسعة النطاق التي قامت بها وكالات الاستخبار الأمريكية في الداخل والخارج، والتي استهدفت الحلفاء والأصدقاء كما استهدفت الأعداء، تثير الكثير من الضجة والازعاج لدى صناع القرار الأمريكي، سيما وان تداعياتها الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية لم تنتهي بعد.

وقد أشار العديد من المتابعين الى ان الولايات المتحدة الامريكية لم تقم بترميم العلاقة المجروحة مع المجتمع الدولي، بخطوات عملية للحد من هذا التوسع الكبير في برامج التجسس التي أطلقتها، وكشف الكثير منها على يد سنودن العميل السابق لوكالة الامن القومي، وبالتالي فان المخاوف الاوربية وغيرها، ما زالت تراوح في مكانها.

ومع حزمة الوعود التي أطلقها الرئيس الأمريكي أوباما، بتعديل وإعادة صياغة عمليات التجسس وتقنينها بشكل لا يسمح للحد من الحريات، إضافة الى احترام خصوصية البيانات الشخصية، الا ان مدى جدية هذا الامر وكيفية التحقق من إمكانية هذا التغيير في سياسية الوكالات الامريكية، هو ما يثير قلق المعارضين والمتضررين من برامج التجسس.

ويبدو ان الصراع الخفي بين الإدارة الامريكية والوكالات الاستخبارية المدعومة من جماعات مؤثرة في القرار الأمريكي، شكلت عقبة رئيسية في وجه مشروع أوباما الطموح في تقليم اضافر هذه الوكالات التي تضخمت لتوسع عمليات التجسس داخل المفاصل الحساسة للدولة الأمريكية، كما يشير أغلب المختصين.

فقد قال مسؤول كبير في الادارة الأمريكية إن الرئيس باراك أوباما سيطلب من الكونجرس العمل على انهاء عمليات وكالة الأمن القومي الأمريكية الواسعة لجمع وتخزين سجلات الهواتف وفي الوقت نفسه السماح للحكومة باستخدام تلك البيانات في وقت الحاجة.

وفي حالة موافقة الكونجرس ستتوقف ادارة أوباما عن جمع المعلومات في البرنامج المعروف باسم "ميتاداتا" التي تتضمن قوائم لملايين المكالمات الهاتفية التي أجريت في الولايات المتحدة الأمر الذي فجر جدلا حول حقوق الخصوصية حين كشف المتعاقد السابق مع الوكالة ادوارد سنودن حجم برنامج المراقبة.

وقالت صحيفة نيويورك تايمز إنه بدلا من ذلك ستطلب الحكومة اذنا من المحكمة الخاصة بالمراقبة المخابراتية الاجنبية للاطلاع على توقيت ومدة المكالمات الهاتفية التي تعتقد ان لها صلة بالهجمات الإرهابية، ودافع أوباما عن استخدام هذه البيانات لحماية الأمريكيين من الهجمات، وتهدف خطته الى الاحتفاظ "بأكبر كم من قدرات البرنامج الممكنة" وفي الوقت نفسه انهاء دور الحكومة في السيطرة على هذه البيانات.

وقال المسؤول الأمريكي في بيان "يدرس الرئيس هذه الخيارات وخلال أيام وبعد أن ينهي المشاورات المستمرة مع الكونجرس التي تشمل مشاورات مع لجنتي المخابرات والقضاء سيضع توجها سليما يضمن الا تجمع الحكومة هذه البيانات او تحتفظ بها"، وأضاف المسؤول ان ادارة أوباما ستجدد التفويض الممنوح لبرنامج "ميتاداتا" لوكالة الأمن القومي الأمريكية الى ان يصدق الكونجرس على التشريع الجديد.

فيما اعلن المرشح الذي اختاره الرئيس باراك اوباما لرئاسة وكالة الامن القومي الاميركية انه يريد مزيدا من "الشفافية" في الاعمال التي تقوم بها الوكالة الاميركية ولكنه اعتبر ان مواصلة جميع البيانات الهاتفية امر "حيوي"،وفي حال ثبت مجلس الشيوخ تعيينه، فان الاميرال مايكل رودجرز سيخلف الجنرال كيث الكسندر الذي سيحال على التقاعد في وقت تتعرض فيه الوكالة لانتقادات بسبب برامجها المتعلقة بالتجسس على الحياة الخاصة للاميركيين بحسب ما كشف المستشار السابق ادوارد سنودن. بحسب فرانس برس.

وفي شهادته امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، قال رودجرز انه يريد التشديد على "الشفافية" في نشاطات الوكالة، ولكنه طالب ايضا بالاستمرار في امكان حصول اجهزة الاستخبارات على بيانات هاتفية (الرقم المطلوب ومدة المكالمة).

وقال "من الحيوي ان نكون قادرين على ان نعاين بشكل سريع الاتصالات الهاتفية المتعلقة بالإرهابيين من اجل تحديد ما اذا كانت هناك شبكة قائمة" في هذا المجال، واضاف "يجب ان نطلق حوارا حول ما نقوم به وحول الاسباب التي تجعلنا نتحرك بهذا الشكل"، وفي حال تثبيته في منصبه سيتولى رودجرز ايضا القيادة المكلفة امن المعلوماتية في الجيش.

واوضح انه يريد ان تتم "محاسبة" وكالة الامن القومي الاميركية "في شكل كامل" مضيفا "يجب ان نعمل ضمن احترام تام للإجراءات، وعندما نرتكب خطأ وفي حال لم نحترم هذه الاجراءات فيجب ان نحاسب علنا"، ويترأس مايكل رودجرز حاليا نشاطات البحرية الاميركية على الانترنت وكان تولى ايضا قيادة دائرة الاستخبارات في قيادة الجيوش الاميركية.

بدوره اعلن الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر انه يفضل كتابة رسائله وارسالها بالبريد العادي بدلا من استخدام البريد الالكتروني خوفا من التجسس عليه من قبل وكالات الاستخبارات الأميركية، وقال كارتر لشبكة "ان بي سي نيوز" الاميركية "خالجني شعور بان اتصالاتي مراقبة على الارجح"، مضيفا "وعندما اريد الاتصال بمسؤول اجنبي بشكل خاص اكتب بنفسي رسالتي واودعها في مكتب البريد وارسلها".

واوضح انه يفعل ذلك "لأنني اعتقد بأنني في حال وجهت رسالة الكترونية فستراقب"، وردا على سؤال حول موقفه من سياسة الرئيس الحالي باراك اوباما من ممارسات وكالة الامن القومي خصوصا في مجال التجسس على الاتصالات، انتقد كارتر السياسة "الخارجة عن اية قواعد التي تنتهجها وكالات الاستخبارات الاميركية".

خفض ميزانية وخلافات

الى ذلك اعلنت الادارة الوطنية للاستخبارات ان مشروع الميزانية الاميركية للعام 2015 يتضمن 45,6 مليار دولار لوكالات الاستخبارات في خفض تبلغ نسبته 5 بالمئة بالمقارنة مع السنة السابقة التي شهدت كشف معلومات عن نشاطات تجسس تقوم بها وكالة الامن القومي.

وطلب الرئيس باراك اوباما هذا المبلغ لتمويل 16 وكالة استخبارات اميركية بينها وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) ووكالة الامن القومي من الاول من تشرين الاول/اكتوبر 2014 الى 30 ايلول/سبتمبر 2015.

اما ميزانية الاستخبارات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) فتبلغ 13,3 مليار دولار، مما يرفع مجموع الاموال المخصصة لنشاطات الاستخبارات الاميركية الى 58,9 مليار دولار، وطلبت الادارة الوطنية للاستخبارات ل2014، ميزانية تبلغ 48,2 مليار دولار، اما البنتاغون فقد طلب 14 مليارا لخدمات وعمليات الاستخبارات، اي ما مجموعه 62,2 مليار دولار.

واكدت ادارة الاستخبارات في بيان انه بمعزل عن هذه الارقام التي نشرت "لم تصدر اي معلومات سرية عن الميزانية لانها قد تضر بالامن القومي"، ولا يمكن ان يعرف ما اذا كانت المعلومات التي كشفها المستشار السابق للاستخبارات ادوارد سنودن حول وكالة الامن القومي المكلفة مراقبة الاتصالات قد اثرت على الميزانية.

وكشفت هذه الوثائق التي نشرتها صحيفة واشنطن بوست ان الوكالة التي تحصل على الميزانية الكبرى هي وكالة الاستخبارات المركزية (14,7 مليار دولار) تليها وكالة الامن القومي (10,8 مليار) والمكتب الوطني للاستطلاع (10,3 مليار) الذي يدير الاقمار الاصطناعية الاميركية للتجسس.

فيما اندلع خلاف علني نادر بين وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي اي ايه) واعضاء في مجلس الشيوخ الاميركي مكلفين الاشراف على عمل الوكالة بعد ان زعموا ان الوكالة تجسست على موظفي المجلس وهو ما نفاه مدير الوكالة بشدة، فقد اتهمت السيناتورة دايان فاينستاين التي ترأس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، السي اي ايه بتفتيش اجهزة كمبيوتر استخدمها موظفون في مجلس الشيوخ للتحقيق في اساليب الاستجواب التي تتبعها الوكالة.

وصرحت فاينستاين في كلمة اثارت ضجة كبرى استغرقت اكثر من نصف ساعة في المجلس "انا قلقة جدا من ان يكون تفتيش السي اي ايه قد انتهك مبدأ فصل السلطات المترسخ في الدستور الاميركي، بما في ذلك حرية التعبير والنقاش"، وقالت ان السي اي ايه ربما انتهكت القانون الفدرالي والامر التنفيذي الذي يحظر عليها القيام بالتجسس الداخلي، وهو ما سارع مدير الوكالة جون برينان الى نفيه بشدة.

وقال خلال لقاء نظمه مجلس العلاقات العامة "هذا امر ابعد ما يكون عن الحقيقة"، وصرح "يجري التعامل مع هذا الامر بالطريقة الملائمة، وتقوم السلطات المناسبة بالنظر فيه، وستظهر الحقائق"، واتهمت فاينستاين الوكالة بالدخول بطريقة غير شرعية الى جهاز كومبيوتر كان يستخدمه محققون في لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ لأعداد تقرير مهم عن برنامج التحقيق المثير للجدل الذي كانت تتبعه الوكالة.

وقالت السناتورة الديموقراطية "لقد طلبت اعتذارا واعترافا بان قيام السي اي ايه بتفتيش اجهزة الكمبيوتر، غير لائق، ولم اتلق شيئا"، وفي البيت الابيض واجه المتحدث باسم الرئيس باراك اوباما سيلا من الاسئلة حول المزاعم، الا انه تجنب الاجابة عنها.

وقال ان هذه المزاعم خضعت للتحقيق من قبل مفتش عام مستقل في السي اي ايه، واحيلت الى وزارة العدل، واضاف "لا أستطيع التعليق على هذه المزاعم التي تخضع حاليا للمراجعة" مضيفا ان البيت الابيض يأخذ مخاوف فاينستاين على محمل الجد، ولكنه قال ان اوباما يثق تماما بمدير الوكالة برينان.

وقالت فاينستاين انها علمت بعملية التفتيش في 15 كانون الثاني/يناير في "اجتماع طارئ" طلبه برينان، واضافت "في 15 كانون الثاني/يناير 2014 طلب مدير السي اي ايه (جون) برينان اجتماعا طارئا لاطلاعي على اقدام موظفين في السي اي ايه، من دون اخطار مسبق ولا موافقة، على عملية تفتيش، بحسب كلمات برينان، لكمبيوترات اللجنة في المبنى الخارجي"، موضحة ان التفتيش شمل اجهزة كمبيوتر تحوي الاعمال الداخلية للجنة واتصالاتها الداخلية.

وتعتبر كلمة فاينستاين الاستثنائية خروجا عن علاقاتها التي تتسم عادة بالود مع اجهزة الاستخبارات، التي دابت على الدفاع عنها في وجه اي اتهامات بالتنصت على السلطات، وتأتي تصريحاتها بعد ان قال مسؤولون في الادارة الاميركية لم يكشفوا هوياتهم لوسائل الاعلام ان موظفي مجلس الشيوخ اخذوا وثائق حساسة بدون اذن، ما ادى الى اطلاق تحقيق، الا ان فاينستاين رفضت تلك المزاعم.

وقالت ان السي اي ايه واللجنة اتفقا قبل اعوام على انشاء موقع امن في فيرجينيا لموظفي مجلس الشيوخ لمراجعة الوثائق، وتخصيص جهاز كمبيوتر منفصل عن شبكة الوكالة، وقام الموظفون بمراجعة 6,2 ملايين وثيقة ولم يحاولوا الاطلاع على الملفات المصنفة بانها سرية او غير مسموح الاطلاع عليها بموجب القانون، بحسب السناتورة.

الا انه وفي مرتين في العام 2010 قامت السي اي ايه بإزالة وثائق كانت متاحة للموظفين، وقالت فاينستاين انه بعد ان اشتكت الى البيت الابيض تمت اعادة الوثائق، واكتمل التقرير بشان الاعتقالات والاستجوابات في كانون الاول/ديسمبر 2010 عندما وافقت اللجنة على دراسة من 6300 صفحة لم تنشر علنا بعد.

وقالت فاينستاين ان مراجعة داخلية قامت بها وكالة السي اي اية لبرنامج الاعتقال كانت من بين الوثائق التي تم توفيرها لموظفيها، الا ان مسؤولي السي اي ايه طالبوا بمعرفة كيفية حصول الموظفين على تلك الوثائق، واحالت السي اي اي المسالة الى وزارة العدل، في خطوة وصفتها فاينستاين بانها "محاولة محتملة لمضايقة الموظفين".

ويقول محللون ان الخلاف بين الكونغرس والسي اي ايه هو الاسوأ منذ سبعينات القرن الماضي عندما كشف اعضاء الكونغرس انتهاكات غير قانونية وطرحوا اصلاحات قانونية للحد من سلطات اجهزة الاستخبارات، واعرب العديد من اعضاء الكونغرس عن قلقهم بشان ما جاء في مزاعم فاينستاين، وقال السناتور الجمهوري راند بول ان اوباما "يجب ان يتحرك بشكل اكبر لوقف مثل هذه الانتهاكات".

تضليل الراي العام

من جانبه أشار تقرير في صحيفة واشنطن بوست الى ان وكالة المخابرات المركزية الامريكية (سي.آي.إيه) ضللت الحكومة الامريكية والرأي العام على مدى سنوات عديدة بشأن برنامج استجواب وحشي تنفذه الوكالة وأخفت تفاصيل عن المعاملة القاسية للمعتقلين وقضايا أخرى.

وقالت صحيفة واشنطن بوست ان المسؤولين الأمريكيين الذين اطلعوا على تقرير لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ بشأن برنامج الاستجواب الذي تنفذه وكالة المخابرات المركزية الامريكية (سي.آي.إيه) قدموا معلومات جديدة مروعة عن شبكة من منشآت الاعتقال السرية والتي يطلق عليها أيضا "المواقع السوداء".

ولجنة المخابرات مسؤولة عن الاشراف على وكالة المخابرات المركزية الامريكية، واستكملت مسودة التقرير التي تقع في 3600 صفحة بشأن برنامج الاستجواب منذ اكثر من عام لكنها مازالت سرية حتى الان.

وقال التقرير الذي ذكرت صحيفة واشنطن بوست انه يستند الى مقابلات مع مسؤولين امريكيين حاليين وسابقين انه في "المواقع السوداء" يتعرض السجناء في بعض الاحيان لأساليب استجواب قاسية حتى عندما يكون المحللون واثقين من انه لم يعد لديهم المزيد من المعلومات لتقديمها.

وتصف الملفات التي راجعها محققو لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ قضايا اساءة معاملة لم يكشف عنها النقاب من قبل وتشمل أساليب اغراق مزعومة متكررة لإرهابيين مشتبه بهم في خزانات مياه مثلجة في موقع اعتقال في أفغانستان، ويحمل هذا الاسلوب أوجه شبه بالإغراق بالمحاكاة ولم يظهر أبدا في أي قائمة بالأساليب التي أقرتها وزارة العدل الامريكية.

وصرح مسؤولون بأن ملايين السجلات تبين ان قدرة وكالة المخابرات المركزية الامريكية على الحصول على أكثر معلومات المخابرات قيمة ومن بينها المعلومات التي قادت الى تحديد موقع اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الراحل وقتله عام 2011 لم يكن لها أي علاقة "بأساليب الاستجواب المطورة". بحسب رويترز.

وقال متحدث باسم وكالة المخابرات المركزية ان الوكالة لم تطلع حتى الان على النسخة النهائية من التقرير ولم يتسن له الادلاء بتعليق، ووصف بعض المسؤولين الحاليين والسابقين الدراسة في تصريحات غير رسمية بأنها تنطوي على أخطاء في الحقائق واحتوت على نتائج مضللة.

برنامج تجسس مضاد

بدوره وبهدوء، يتسلل برنامج تجسس متطور إلى مئات من أجهزة الكمبيوتر الحكومية عبر أوروبا والولايات المتحدة في واحدة من أعقد عمليات التجسس الإلكتروني المكتشفة حتى الآن، ويعتقد باحثون أمنيون وضباط مخابرات غربيون أن البرنامج المعروف على نطاق واسع باسم (تورلا) من صنع الحكومة الروسية وأنه مرتبط بنفس البرنامج الذي استخدم في عملية اختراق أجهزة الجيش الأمريكي التي اكتشفت عام 2008.

وهو مرتبط أيضا بعملية تجسس إلكتروني عالمية أطلق عليها اسم (أكتوبر الأحمر) استهدفت شبكات دبلوماسية وعسكرية وأخرى متصلة بالأبحاث النووية، واستندت تلك التقييمات إلى تحليل أساليب اتبعها مخترقو شبكات الإنترنت وإلى مؤشرات فنية إضافة إلى الضحايا الذين استهدفوهم، وقال جيم لويس ضابط المخابرات السابق والزميل الحالي بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن "إنه برنامج خبيث متطور مرتبط بروسيا يستغل حكومات غربية ويفك شفراتها ويستهدفها، آثار البراثن الروسية طاغية".

غير أن خبراء أمنيين يقولون إنه رغم قوة المظاهر التي تربط بين برنامج تورلا وروسيا فإن من المستحيل تأكيد هذه الشكوك ما لم تعلن موسكو مسؤوليتها، فمطورو مثل هذه البرامج يستخدمون غالبا تقنيات بارعة لإخفاء هويتهم، وتكشف الأمر منذ أيام حين نشرت شركة ألمانية مغمورة لمكافحة الفيروس هي شركة جي داتا تقريرا عن الفيروس الذي أسمته يوروبوروس وهو اسم ربما يشير إلى رمز يوناني لثعبان يلتهم ذيله.

ويقول خبراء في مجال الهجمات الإلكترونية التي تجري تحت إشراف دول إن من المعروف أن المخترقين المدعومين من الحكومة الروسية يتسمون بالتنظيم العالي والقدرة الشديدة على إخفاء آثارهم والكفاءة البالغة في إحكام السيطرة على الشبكات المخترقة وأنهم أكثر انتقاء للأهداف من نظرائهم الصينيين.

وعلق مسؤول مخابرات غربي سابق بقوله "يمكنهم اجتذاب مبرمجين ومهندسين على درجة عالية من المهارة ومنهم من يعملون لحساب جماعات الجريمة المنظمة"، وامتنع مكتب الأمن الاتحادي الروسي عن التعليق وكذلك مسؤولون من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ووزارة الأمن الداخلي بالولايات المتحدة، ونشرت شركة بي.إيه.إي سيستمز أبلايد إنتليجنس -الذراع الإلكترونية لشركة بي.إيه.إي سيستمز البريطانية لأنظمة الدفاع بحثا أجرته عن برنامج التجسس الذي أسمته (الثعبان).

وقالت إن درجة التطور العالية التي يتسم بها البرنامج تجاوزت بكثير البرامج المكتشفة من قبل لكنها لم تنسب المسؤولية لأحد، وقال مارتن سذرلاند العضو المنتدب في شركة بي.إيه.إي سيستمز أبلايد إنتليجنس إن هذا البرنامج "يزيد الأمر صعوبة فيما يتعلق بمعرفة الأهداف المحتملة وما يتعين على الأجهزة الأمنية بشكل عام فعله للتفوق على الهجمات الإلكترونية".

وتقول شركة سيمانتك كورب إن تورلا أصاب ما يصل إلى ألف شبكة هو وفيروس مرتبط به أطلق عليه إيجنت.بي تي زد، ولم تحدد الضحايا مكتفية بالقول إن الغالبية تتمثل في أجهزة كمبيوتر حكومية، وقالت شركة بي.إيه.إي إنها جمعت أكثر من 100 نموذج فريد من تورلا منذ عام 2010 منها 32 من أوكرانيا و11 من ليتوانيا و4 من بريطانيا، وتوصلت لأعداد أقل من دول أخرى.

ويستخدم المتسللون تورلا لاكتساب موطيء قدم خفي في الشبكات المخترقة يتيح لهم البحث في أجهزة كمبيوتر أخرى وتخزين المعلومات المسروقة ثم تحويل البيانات إلى خوادمهم، وقال ميكو هيبونين كبير مسؤولي الأبحاث بشركة إف-سكيور التي يقع مقرها في هلسنكي والتي واجهت تورلا العام الماضي "رغم أنه يبدو من روسيا، ما من سبيل للمعرفة القاطعة".

وقالت الشركات الأمنية التي تتابع البرنامج إن مستوى العملية العالي يرجح أنها مدعومة من دولة ما وإن المؤشرات الفنية تجعلها تعتقد أنها من عمل مبرمجين روس، وكانت الحكومات الأوروبية ترحب منذ فترة طويلة بالمساعدة الأمريكية في التصدي لتجسس الكرملين لكنها استاءت بشدة العام الماضي حين اكتشفت نطاق عملية المراقبة التي تقوم بها وكالة الأمن القومي الأمريكية والتي امتدت إلى أراضيها هي نفسها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 13/نيسان/2014 - 11/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م