حرب غاز في اوربا توقد مشاعل الحرب الباردة

 

شبكة النبأ: تمارس الدول فيما بينها ضغوط سياسية لتمرير مصالح معينة، وقد غلفت هذه الضغوط بأطر مختلفة تبعاً للموقف والحاجة الى تطبيقه.

في السابق كانت تلك الضغوط تتخذ (في اغلبها) منحى الصدام العسكري المباشر، عن طريق الحرب المعلنة او احتلال للبلد، وغيرها من الأساليب الحربية، لكن في الوقت الراهن، ومع تطور العلاقات الدولية وتداخل العلاقات والمصالح الدولية فيما بينها، اتخذت أساليب الضغط صوراً أكثر تعقيداً، وربما أكثر تأثيرا، سيما وان العامل الاقتصادي أصبح من العوامل الرئيسية في هكذا ممارسات، إضافة الى العوامل الأخرى، كالطاقة والدبلوماسية وغيرها.

وقد شكلت الازمة الأوكرانية في اوربا وتداعياتها السياسية شرقاً وغرباً، الى إعادة الحسابات من جديد، بعد ان طفت على السطح ازمة الطاقة من جديد.

ومع الخطوات الأخيرة التي اتخذتها روسيا بشأن رفع معدل أسعار الغاز الذي تصدره الى أوكرانيا، والمطالبة بتسديد كامل ديونها المتراكمة، والتهديد بتصعيد الموقف مع اوربا في حال زيادة سقف العقوبات المفروضة عليها، ما زالت اوربا حائرة بين اشعال فتيل حرب الغاز مع روسيا والبحث عن بديل (والذي لا يلوح في الأفق أي بديل ناجح حتى اللحظة بحسب ما يرى المختصين)، وبين المهادنة وتجنب الحرب الباردة على الطريقة الروسية، خصوصاً وان اوربا ما زالت تكافح لتجاوز عقبة الازمة الاقتصادية التي مرت بها في وقت سابق، وهي لا تحتمل ازمة جديدة قد تطيح بمكتسباتها.

حرب الغاز

فقد اتهمت أوكرانيا روسيا بالعدوان الاقتصادي إثر رفع موسكو سعر إمدادات الغاز بنسبة 80 بالمئة، وقال رئيس الوزراء الاوكراني المؤقت أرسيني ياتسينيوك إن الروس يحاولون معاقبة الحكومة الجديدة في كييف، وقال وزير الطاقة يوري برودان إن الحكومة ستحاول التفاوض للتوصل الى اتفاق، ولكنه حذر الاوكرانيين من أنه في حال فشل المفاوضات، يجب أن يكونوا متأهبين أن تقطع روسيا امدادات الغاز.

وقالت شركة الغاز الروسية غازبروم المملوكة للدولة إن أوكرانيا لديها دين كبير وإن التخفيضات الممنوحة للحكومة السابقة لليست قائمة الآن، وحذرت الولايات المتحدة روسيا من استخدام تكلفة الطاقة كوسيلة للضغط السياسي، وقال برودان إن بلاده ستلجأ للتحكيم إذ فشلت المحادثات لخفض قيمة الغاز الروسي.

وكانت موسكو رفعت أسعار بيع الغاز لكييف مرتين وبلغ السعر نحو مثليه في غضون ثلاثة أيام فيما أرجعته كييف الى توجهات سياسية، كما أكد الوزير أن كييف لن تسحب الغاز الطبيعي من خطوط الانابيب التي تنقله لمستهلكين في أوروبا اذا اوقفت روسيا امدادات الغاز إليها.

واتهمت روسيا أوكرانيا بسرقة الغاز من خطوط الانابيب التي تعبر اراضيها خلال خلافات سابقة على التسعير وهو اتهام نفته كييف في حينه، وكانت أوكرانيا اعلنت انها تبحث بشكل عاجل سبل استيراد الغاز الطبيعي من الغرب بعد أن رفعت موسكو أسعار الغاز المخفضة الممنوحة لكييف لنحو المثلين الأسبوع الماضي، وتحصل أوكرانيا على نصف احتياجاتها من الغاز الروسي. بحسب رويترز.

وأحد الاحتمالات التي ناقشها الاتحاد الاوروبي "عكس التدفقات" وبموجب ذلك تقوم دول في الاتحاد الاوروبي ربما تكون سلوفاكيا بإعادة تصدير الغاز من خلال خطوط الأنابيب التي تستخدم عادة لتوصيل امدادات الغاز الروسية للغرب وتعبر أراضي أوكرانيا.

وقال الكسي ميلر الرئيس التنفيذي لشركة جازبروم الروسية لتلفزيون روسيا 24 إن محادثات أوكرانيا مع الاتحاد الاوروبي بشان امكانية استيراد الغاز من الغرب لتعويض امدادات روسية تثير تساؤلات عن مدى قانونية هذه الخطوة.

ورفعت روسيا سعر صادرات الغاز إلى أوكرانيا ليبلغ 485 دولارا لكل ألف متر مكعب وهو نفس السعر الذي يسدده عملاء اخرون في وسط أوروبا، ويعاني اقتصاد أوكرانيا المثقل بالديون من حالة من الفوضى فيما ستحصل أوكرانيا قريبا على قرض من صندوق النقد الدولي، وقالت روسيا ان كييف تدين بمبلغ 2.2 مليار دولار مقابل امدادات غاز

عكس التدفقات

من جانب اخر قال الكسي ميلر الرئيس التنفيذي لشركة جازبروم الروسية لتلفزيون روسيا 24 إن محادثات أوكرانيا مع الاتحاد الاوروبي بشان امكانية استيراد الغاز من الغرب لتعويض امدادات روسية تثير تساؤلات عن مدى قانونية هذه الخطوة، وكانت أوكرانيا اعلنت انها تبحث بشكل عاجل سبل استيراد الغاز الطبيعي من الغرب بعد أن رفعت موسكو أسعار الغاز المخفضة الممنوحة لكييف لنحو المثلين.

وأحد الاحتمالات التي ناقشها الاتحاد الاوروبي "عكس التدفقات" وبموجب ذلك تقوم دول في الاتحاد الاوروبي ربما تكون سلوفاكيا بإعادة تصدير الغاز من خلال خطوط الأنابيب التي تستخدم عادة لتوصيل امدادات الغاز الروسية للغرب وتعبر أراضي أوكرانيا، وقال ميلر في مقابلة اذاعها تلفزيون روسيا 24 "حين يتعلق الأمر بعكس الامدادات تثور عدة اسئلة".

وتابع أن عكس امدادات من سلوفاكيا ربما لا يكون ممكنا فعليا وهو ما يجعله اجراء يتخذ على الورق فحسب، وقال "هذه القضية تتطلب دراسة تجري بعناية فائقة"، وتابع ميلر "اعتقد انه ينبغي بشكل خاص على الشركات الاوروبية التي تبدي استعدادا لعكس الامدادات ان تدرس بعناية فائقة مدى قانونية مثل هذه العملية".

ويعاني اقتصاد أوكرانيا المثقل بالديون من حالة من الفوضى فيما ستحصل أوكرانيا قريبا على قرض من صندوق النقد الدولي، وأدت الخلافات حول الأسعار في الماضي إلى قطع الإمدادات الروسية عن أوكرانيا وخفض الكميات الموجهة إلى أوروبا لكن حزمة القروض الجديدة التي سيقدمها صندوق النقد الدولي ستخفف من تأثير الضربة المالية الموجهة إلى كييف هذه المرة.

وألغى هذا القرار الخصم الذي اتفق عليه في ديسمبر كانون الأول قبل نشوب الأزمة التي أطاحت فيها أوكرانيا بالرئيس المدعوم من موسكو وضمت روسيا منطقة القرم الأوكرانية، وأضاف ميلر "لم يعد من الممكن تطبيق خصم ديسمبر على الغاز" مضيفا أن رسوم نقل غاز جازبروم إلى أوروبا عبر أوكرانيا تزيد بنسبة 10 بالمئة بحسب اتفاقات سابقة.

وكانت جازبروم لمحت إلى احتمال نشوب خلاف جديد حول مدفوعات وإمدادات الغاز على غرار خلافي 2006 و2009 اللذين تسببا في وقف الإمدادات إلى أوكرانيا وأوروبا رغم أنها قالت إنها لاترغب في تجدد هذه الخلافات.

جدل في ألمانيا

الى ذلك يثير الجدل بشأن ما إذا كانت ألمانيا بحاجة لإعادة النظر في استراتيجية الطاقة وخفض اعتمادها على واردات الغاز الروسية بسبب أزمة أوكرانيا توترات داخل الائتلاف الحاكم في ألمانيا، وثمة تساؤلات بين بعض كبار المسؤولين في الحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي يمثل يسار الوسط إزاء تصريحات المستشارة المحافظة أنجيلا ميركل التي قالت إن أكبر اقتصاد في أوروبا والذي يستورد 35 بالمئة من احتياجاته من الغاز من روسيا سيعيد النظر في سياسة الطاقة بسبب الأزمة.

وتنسجم تصريحات ميركل مع إجماع بين قادة الاتحاد الأوروبي الذين أوضحوا أن ضم القرم يزيد من عزمهم على خفض الاعتماد على النفط والغاز الروسي، وتسلط الأضواء على القضية في الاجتماع بين ميركل ورؤساء وزراء 16 ولاية ألمانية بشأن الإصلاحات التي طال انتظارها لقانون دعم الطاقة النظيفة.

وتسبب ضم روسيا لمنطقة القرم من أوكرانيا في أعنف أزمة بين الشرق والغرب منذ الحرب الباردة وأثار مخاوف بشأن اعتماد ألمانيا على واردات الغاز الطبيعي من روسيا، لكن وزير الاقتصاد والطاقة زيجمار جابرييل من الحزب الديمقراطي الاجتماعي صرح بأنه ان لا يوجد بديل منطقي للغاز الروسي واستبعد أن توقف روسيا الإمدادات.

وأيد خبراء وجهة نظره وقالوا إنه حتى إذا فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على روسيا بسبب أوكرانيا فإن موسكو ستخسر كثيرا إذا خفضت إمدادات الغاز لألمانيا، ويعارض عدد من الشركات أي تحول عن الطاقة الروسية وفي مؤشر جديد على أن برلين تريد أن تبقي على العلاقات مع روسيا في مجال الطاقة نشرت مجلة دير شبيجل أن حكومة ميركل لن ترفض صفقتين بين ألمانيا وروسيا كانتا مثار انتقادات في وسائل الإعلام.

غير أن عددا كبيرا من المحافظين يدعمون تنويعا أكبر لمصادر الطاقة ويخشى البعض من توقف طرق الإمداد عبر أوكرانيا إذا تدهورت العلاقات بين روسيا وأوكرانيا، وقال وزير الطاقة في بافاريا وهو من المحافظين "ينبغي أن نحذر من الاعتماد على طرف واحد، نحتاج لخيارات أكثر للحصول على الغاز"، ويقول عدد من الخبراء إن ألمانيا قد تستورد مزيدا من الطاقة من الشرق الأوسط وشمال افريقيا، والموردون المحتملون هم الجزائر وليبيا والنرويج.

كما اعلن رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك ان اعتماد المانيا على الغاز الروسي يشكل تهديدا لسيادة أوروبا، وقال تاسك متحدثا الى الصحافيين ان "اعتماد المانيا على الغاز الروسي يمكن ان يحد فعليا من سيادة اوروبا، انا واثق من ذلك"، واضاف رئيس الوزراء البولندي لدى زيارته قاعدة عسكرية في شمال بولندا، "بالنسبة لي فان قضية اوكرانيا هي قضية مستقبل الاتحاد الاوروبي وامنه".

ودعا الى "مراجعة معينة لسياسة الطاقة" التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي، واضاف "ساتناقش في الامر بصراحة كبيرة مع ميركل"، مشددا على ان "المفاهيم الحالية في ما يتعلق بالسياسة المناخية والغازية قد تشكل تهديدا لامن وسيادة اوروبا برمتها".

وقال تاسك "ساعبر بوضوح عن آرائنا بشأن التهديدات السياسية المرتبطة بالاعتماد على الغاز والمال من روسيا. هذا بالطبع لا يعني المانيا لكن المانيا تشكل مثالا قويا لهذه الظاهرة في السنوات الاخيرة"، واعلن انه سيبحث مع ميركل في مسألة معرفة "كيف يمكن للالمان ان يصححوا بعض القرارات الاقتصادية لتفادي شلل اوروبا في وقت عليها التحرك بسرعة واتخاذ موقف واضح".

من جهته اعلن وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ انه سيتم التطرق الى مسألة اعتماد اوروبا على روسيا في موارد الطاقة، وقال بعد مباحثات في لندن مع نظيره البولندي رادوسلاف سيكورسكي، انه على الاجل الطويل "على الاتحاد الاوروبي ان يبحث في طريقة مراجعة مقاربتنا بما في ذلك سياسة الطاقة لإعادة التوازن بين روسيا والاتحاد الاوروبي"، ويبقى اعتماد دول اوروبية على الغاز الروسي متباينا. وبحسب مذكرة لمورغن ستانلي فان اعتماد دول غرب اوروبا (بلجيكا وهولندا واسبانيا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا) على الغاز الروسي يراوح بين الصفر والربع في استهلاكها.

وهناك دول تعتمد بشكل أكبر على الغاز الروسي (المانيا والنمسا وبولندا) واخرى تعتمد كثيرا او كليا عليه (فنلندا ودول البلطيق)، وتستورد المانيا حوالى ربع النفط والغاز من روسيا وهي اول شريك تجاري اوروبي لموسكو.

بدورها ذكرت وزارة الخارجية التشيكية أن أربعا من دول وسط أوروبا طلبت من الكونجرس الأمريكي تيسير استيراد الغاز الطبيعي من الولايات المتحدة لتقليص الاعتماد على الإمدادات الروسية، وتسعى الدول الأربع وهي بولندا وجمهورية التشيك والمجر وسلوفاكيا لتنويع مصادر الامدادات لتفادي استغلال روسيا سيطرتها على امدادات الغاز والنفط لممارسة ضغوط سياسية على الجمهوريات السوفيتية السابقة.

وذكرت وزارة الخارجية التشيكية أن سفراء الدول الاربع في واشنطن طلبوا في خطاب لرئيس مجلس النواب جون بينر ازالة العراقيل البيروقراطية واتاحة تصدير الغاز الصخري الامريكي للمنطقة، وأبدى بينر دعمه في بيان وطلب من الرئيس الامريكي باراك اوباما توجيه وزارة الطاقة للموافقة على طلبات تصدير الغاز الطبيعي وبذل كل جهد ممكن لتقليص اعتماد الدول الصديقة في اوروبا وحول العالم على الغاز الروسي، ولا يحتاج اوباما لموافقة الكونجرس ليقر طلبات تصدير الغاز الطبيعي.

انعكاسات الازمة

فيما اعلنت المجموعة البريطانية الهولندية الناشطة في مجال المحروقات "شل" انها اوقفت المفاوضات مع السلطات الاوكرانية والمجموعة الاميركية اكسون موبيل الرامية الى انتاج الغاز الطبيعي في حقل شمال غرب البحر الاسود.

وفي ايلول/سبتمبر الماضي، اعلنت الرئاسة الاوكرانية اتفاقا اوليا لتقاسم انتاج الغاز مع هاتين الشركتين الغربيتين الكبريين، اضافة الى اتفاق مع الشركة الاوكرانية المشغلة "نادرا اوكرايني" والمجموعة الرومانية "بتروم" حول قطاع سكيفسكي في البحر الاسود بهدف انتاج ما بين ثمانية الى عشرة مليارات متر مكعب من الغاز سنويا.

وقالت الشركة "في كانون الثاني/يناير 2014، وضعت شل حدا للمفاوضات المتعلقة بقطاع سكيفسكي في اعماق المياه في البحر الاسود"، واضافت ان "شل كانت تامل في التوصل الى التوقيع على الاتفاق في 2012 او 2013، لكن ذلك لم يكن ممكنا، فقررت المجموعة بالتالي تخصيص جهودها وراسمالها لمشاريع اخرى في العالم".

وحتى عزل الرئيس فيكتور يانوكوفيتش في تشرين الثاني/نوفمبر وقراره الاقتراب من موسكو على حساب الاتحاد الاوروبي، كانت كييف تسعى الى تقليص اعتمادها على الغاز الروسي مع مشاريع عدة للانتاج وخصوصا في الغاز الصخري (الشيست) وعلى غاز شل واكسون موبيل في البحر الاسود. بحسب فرانس برس.

وتنتج اوكرانيا الغاز حاليا قبالة سواحل القرم، لكن احد اول قرارات السلطات الجديدة الموالية للروس في شبه جزيرة القرم بعد الاستفتاء، كان "تاميم" الشركة الاوكرانية العامة "تشورنومورنفتوغاز" التي تستثمر هذه الحقول وقد تشتريها المجموعة الروسية العملاقة غازبروم، بحسب وسائل اعلام عدة، وقالت شل ان قرارها لا يطرح مسالة مشاركتها في المشاريع الاخرى في اوكرانيا وخصوصا عمليات الاستكشاف في شرق البلاد بهدف انتاج الغاز الصخري.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 10/نيسان/2014 - 8/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م