مركزا الفرات والمستقبل يناقشان الخارطة السياسية للعراق ما بعد 30/4

 

شبكة النبأ: اقام مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية وبالتعاون مع مركز المستقبل للدراسات والبحوث السياسية، الحلقة النقاشية التخصصية الشهرية على قاعة المؤتمرات التابعة لجمعية المودة والازدهار، في الخامس من نيسان الجاري، وتحت شعار (الخارطة السياسية للعراق لما بعد 30/نيسان لعام 2014)، بحضور نخبة من الباحثين والاساتذة وبمختلف الاختصاصات.

وتضمنت الندوة ثلاث محاور بحثية، توزعت على ثلاث باحثين.

فقد قدم الدكتور عمران كاظم الكركوشي (المختص في الاعلام الدولي والراي العام)، ورقته البحثية التي تناول فيها المشهد العام للإعلام العراقي، وطريقة تعاطيه مع الحملات الانتخابية، اضافة الى دور الاعلام الحديث والتطور التقني والتكنولوجي الذي عزز من الاله الاعلامية في التأثير على الراي العام، سيما وان العراق ما زال يعاني من تأخر كبير في صناعة الحدث والمادة الاعلامية، إذا ما قورن بوسائل الاعلام الغربية والاقليمية، وما تحتويه من امكانات مادية وكفاءات عالية المستوى.

واشار الدكتور عمران في معرض كلامه الي نقطة مهمة، لخصها في عدم وجود رؤية واضحة للإعلام في العراق، اضافة الى تشابه الطرح في مختلف قنواته الاعلامية (وبالأخص المرئية منها).

وشدد الكركوشي على اهمية الاعتماد على التخصص الدقيق، والبحث عن الافكار الجديدة والقيمة، اضافة الى استخدام الوسائل التقنية الحديثة، والتي اصبحت من الأمور المسلم بها في الاعلام، ابتداءً من صناعة الحدث وحتى تسويقه الى المتلقي.

وخلص الدكتور الباحث، ووفقاً لما تقدم ان الاعلام في العراق، أصبح عاجزاً عن مواكبة التطور الاعلامي الكبير، اضافة الى ابتعاده عن هموم الناس، فضلاً عن عدم تمكنه من التأثير بصورة حقيقية في الراي العام، والتي انسحب بصورة مباشرة على الانتخابات القادمة وطريقة تعاطيها السطحية لهذا الحدث المفصلي والمهم.

فيما كانت الورقة الثانية مقدمة من مركز المستقبل للدراسات والبحوث والتي حاولت استقراء الاسباب الموضوعية التي ادت الى تشكيل الخارطة السياسية في العراق بوضعها الحالي، والتي انطوت تحت مبدئ "انعدام الثقة" بين الفرقاء السياسيين.

وذكر الباحث في مركز المستقبل باسم حسين الزيدي، ان "الامين العام للأمم المتحدة اشار الى امكانية اهتزاز صدقية العملية الانتخابية ككل إذا ما استمر (انعدام الثقة) بين الاطراف الرئيسة في العراق".

وقد لخص الباحث أبرز اسباب انعدام الثقة بعدد من النقاط أبرزها:

1. اختلاف المصالح القومية والمذهبية بين الكتل الرئيسية.

2. في الانتخابات السابقة كانت الكتل الرئيسية تتجمع على أساس هوية خاصة بها (دينية، مذهبية، مناطقية، قومية) مما انعكس فيما بعد على أداء الحكومات لاحقاً.

3. الضغوط الخارجية التي تمارس قبل وبعد الانتخابات من قبل قوى إقليمية ودولية، على بعض الكتل التي تدعمها، من اجل تمرير اجنداتها الخاصة.

3. شعور بعض الكتل والتحالفات بالتهميش او الاقصاء، فيما تشعر ايضاً بأن اطرافاً أخرى قد استأثرت بالسلطة لوحدها.

4. الاتهامات المتبادلة حول العديد من الملفات التي تتعلق بمسائل حساسة كملف الإرهاب والفساد والطاقة.

واعتمد الزيدي في طرح بعض النتائج المتحملة لطبيعة المرحلة التي ستلي اعلان نتائج الانتخابات القادمة، من خلال قراءة في تحركات الكيانات والكتل السياسية قبل الانتخابات، وما تسرب من تصريحات لبعض قادتها، إضافة الى رغبة الناخب العراقي في احداث تغيير حقيقي، والسير في طريق الديمقراطية رغم الإحباط الذي يشعر فيه، من دون اغفال طبيعة الاحداث المحيطة بالعراق، والتي يتأثر بها سياسياً وامنياً، والتي يمكن ادراجها في:

1. ان قرار الكيانات الكبيرة خوض الانتخابات بصورة منفردة، يمكن ان يندرج تحت عنوان "التغيير" او "التكييف" مع الوضع الجديد، سيما وان المعركة الانتخابية ستجرى حول حصد أكبر عدد من المقاعد من اجل كسب المناصب الرئيسة، وبالتالي فان الدخول منفرداً والتحالف مع الكيانات الأخرى لاحقاً، سيجنبها تشتيت الأصوات، وفرصة أكبر للمناورة السياسية.

2. ان عملية "تصفير الخلافات" من اجل تشكيل التحالفات سوف تستنزف المزيد من الوقت السياسي، في سيناريو يعيد الى الاذهان انتخابات عام 2010، والمخاض العسير الذي أنتج الحكومة الحالية، وربما تكون هذه العملية معقدة أكثر من السابق، مع تقاطع الفرقاء حول منصب رئيس الوزراء تحديداً.

3. ان التيار الليبرالي والمدني في وضع انتخابي أفضل من السابق، بعد ان فشلت كيانات ذات طابع متطرف او متعصب في تحقيق وعودها او مطالب ناخبيها.

4. تشظي الكيانات الكبيرة، وولادة كيانات أخرى، ربما يعكس طبيعة التحالفات القادمة، وعدم تركز القرار السياسي بيد كيان معين، يقوي إرادة الكيانات الأصغر، ويجعلها فاعلاً قوياً في داخل العملية السياسية، وربما بلورة شراكات جديدة قادرة على حسم الخلاف التوقع حول منصب رئاسة الوزراء.

5. ربما يدور الكلام، ايضاً، حول شركات وتحالفات من نوع اخر، سوف تقوم بين كتل وائتلافات من طوائف دينية او اتجاهات فكرية مختلفة، من اجل إقامة حكومة وطنية، او منع وصول كيان معين للسلطة.

6. تنامي دور المعارضة السياسية داخل قبة البرلمان، والتي تشكل ورقة ضغط مهمة تجاه الحكومة.

بدوره انتقل الحديث الى الدكتور خالد عليوي العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية والأستاذ في الفكر السياسي، حيث أشار في ورقته البحثية بأن "صناعة المستقبل يجب ألا تترك للصدفة او لأصحاب النوايا المغرضة من السياسيين الذين يقدمون مصالحهم الخاصة على حساب المصلحة العامة".

وأضاف "كما يجب ألا تدفع تحديات الحاضر وعثراته إلى اتخاذ مواقف سلبية تقود إلى الإحباط وتمنع من الفعل المؤثر الدافع إلى التغيير، فالمستقبل يمثل رؤية وحركة تحتاج إلى إدراك وفهم واستعداد للقيام بالتغيير نحو غد أفضل، يحقق السعادة للجميع".

واكد ان البحث في ملامح الحكومة العراقية بعد انتخابات الثلاثين من نيسان الجاري، يتطلب أن يوضع في الحسبان ما يلي:

1- إن الحكومة القادمة ستولد ولادة صعبة وعسيرة، بسبب طبيعة الصراعات الصفرية التي تجري بين القوى السياسية، وانعدام البوصلة الهادية لصناع القرار العراقي للعمل بما يحقق الصالح العام للشعب.

2-إن الحكومة القادمة لن ترى النور بسرعة وقد تستغرق وقتا في حال تشكيلها لا يقل عن ثمانية أشهر إلى سنة بعد الانتخابات.

3-إن الحكومة القادمة سوف تتشكل في بيئة إقليمية ودولية ملتهبة تؤثر في سياساتها العامة والتفصيلية، وفي موازين القوة بين شخصياتها القيادية ومكوناتها السياسية، وستمارس عليها ضغوط غير نمطية من قبل الاستقطابات الإقليمية والدولية.

4-إن الحكومة القادمة سوف تواجه تركة ثقيلة من التحديات والمشاكل الموروثة من حكومات ما بعد الاحتلال على مستوى الاستقرار الأمني – السياسي، ومستوى الخدمات والبنية التحتية، ومستوى السياسة الاقتصادية – المالية للبلد، ومستوى السلوك والقيم السياسية السائدة، ومستوى البنية الاجتماعية والعلاقة مع الآخر، ومستوى العلاقات الدولية والإقليمية، فيجب أن تكون حكومة ذات معايير قيادية استثنائية لتنجح في معالجة وتخطي هذه التحديات.

5- إن الحكومة القادمة ستكون الفيصل في الحكم على إمكانية بقاء العراق كدولة تتمتع بوحدتها السيادية الحالية أو تفتح الباب لمشروع تقسيم العراق ليأخذ طريقه إلى التطبيق العملي ضمن مدى زمني متوسط قد يستغرق الـ 10 إلى 15 سنة القادمة.

وخلص العرداوي في بحثه الى ترجيح تشكيل الحكومة القادمة من خلال أربعة سيناريوهات محتملة:

فالسيناريو الأول والذي اسماه "حكومة الأغلبية السياسية"، وهو سيناريو تفاؤلي ممكن ان يجلب حكومة قوية ومعارضة قوية، تنسجم مع النصوص الدستورية، لكنه سيناريو مستبعد في ظل الظروف العراقية الراهنة.

اما السيناريو الثاني فيتضمن "حكومة الشراكة الوطنية"، وهو سيناريو سيعيد انتاج الحكومة الحالية، وسيجلب حكومة ضعيفة وبرلمان هزيل غير قادر على الحسم، وقد يدفع ضعف الحكومة المركزية الى فسح المجال الى تشكيل أقاليم جديدة أو منح مزيد من اللامركزية للمحافظات غير المنتظمة بأقاليم للتخلص من النقمة والسخط الشعبي، وهو السيناريو الاكثر ترجيحا، لكنه لن يحسم التحديات ولن يعالج الملفات العالقة في الساحة العراقية.

فيما ضم السيناريو الثالث "حكومة انقاذ وطني"، وهو سيناريو قد تلجأ اليه القوى السياسية في حالة فشلها في تشكيل الحكومة وعدم رغبتها في استمرار الحكومة الحالية كحكومة تصريف اعمال، لكن نتائجه قد تطيح بالعملية السياسية، وقد تفتح الباب امام مشاكل وأزمــات جديدة.

وجاء السيناريو الرابع، الأكثر سوءً، وأطلق عليه تسمية "السيناريو الكارثي"، وفيه قد تفشل القوى السياسية في تشكيل الحكومة، وتدخل في نزاعات تقود الى حرب أهلية عنيفة تقود نحو تقسيم العراق على أسس أثنية وطائفية خلال الـ 10 الى الـ 15 سنة القادمة.

ثم انتقل الباحث الى تقديم جملة من التوصيات المهمة والضرورية للناخب والحكومة المقبلة في حال أرادوا ان يكتب لها النجاح في عملها، وشملت التوصيات على:

- ضرورة حث الناخبين على المشاركة الفاعلة في الانتخابات البرلمانية القادمة لاختيار حكومة أغلبية وطنية تعمل من أجل الصالح العام.

- تجاهل المعيار الطائفي والاثني في اختيار المرشحين والكتل، والانطلاق من المعيار الوطني في تحديد خيارات الناخب لاختيار الأكفأ والأصلح.

- تحتاج الحكومة القادمة إلى امتلاك مشروع وطني شفاف وقابل للتحقق يستهدف تحقيق العدل في الحكم، والعدالة في التوزيع، والاستثمار الأمثل للثروات البشرية والاقتصادية، ويستند إلى منظومة أخلاقية وطنية رائدها التعايش والسلم الأهلي وتجفيف منابع التوتر والأزمات، يشرف على انجازه أناس قادرين على فهم بيئتهم الداخلية والخارجية ويحسنون التعامل معها.

- يحتاج العراق إلى تجديد حقيقي للقيادة على مستوى العلاقات الخارجية والداخــلية، فالتحـــديات الاستثنائية تتطلب قيادة استثنائية قــادرة على مواجهتهــا.

- أن يكون المواطن شريكا للحكومة في رؤيتها ورسالتها وأهدافها، وشريكا لها في معالجة الأزمات والتحديات التي تعترضها، وشريكا لها في الفوائد والمغانم التي تكتسبها، ولا يكون كما مهملا لديها لا تذكره إلا عند مواسم الانتخابات، فتخسر الحكومة بهذه العقلية والسلوك الناجم عنها أهم شركائها ومصدر سلطتها ووجودها.

وقد اغنى الحضور الجلسة البحثية، من خلال مداخلاتهم النقاشية، وابداء الملاحظات والاضافات المثمرة التي تعلقت بطبيعة الأوراق المطروحة في الجلسة.

يذكر ان العديد من المراكز البحثية المتخصصة (في مجال الحريات والحقوق والدراسات السياسية والفكرية والتنموية) تقيم بصورة أسبوعية حلقات نقاشية تخصصيةـ تناقش من خلالها العديد من القضايا الاستراتيجية، ذات الطبيعة الحيوية والمهمة، من خلال باحثين وأساتذة مختصين وبمختلف الاختصاصات، كمساهمة منها في رفد المجتمع العراقي بالمزيد من الدراسات والأبحاث المعمقة، والتي من الممكن ان يستفيد منها المهتمين والباحثين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 9/نيسان/2014 - 7/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م