الإسلام السياسي.. من قاموس الامام الشيرازي

حيدر الجراح

 

الانسجام مع الناس فاتحة التمكن من العمل

"آية الله العظمى الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي"

شبكة النبأ: شكلت الانتفاضات في البلدان العربية، والتي سميت بالربيع العربي، وبعد وصول الإسلاميين الى السلطة، في تونس ومصر، وفشلها في مواجهة الاستحقاقات الاجتماعية لتلك البلدان، شكل ذلك مادة خصبة للجدل حول الأسباب التي أدت الى تراجع الإسلام السياسي أو سقوطه.

في استطلاع للرأي اجراه مركز بيو للأبحاث حول نظرة المسلمين للتطرف الإسلامي في إحدى عشرة دولة إسلامية، منها الأراضي الفلسطينية ومصر وتونس وباكستان ولبنان وأفغانستان والسنغال، أظهرت نتائجه أن العمليات الإنتحارية وأعمال العنف التي تشنها جماعات الإسلام السياسي المحسوبة على التيار الديني مرفوضة بشكل تام، حيث أن ثلاثة أرباع مسلمي باكستان وآندونيسيا ونيجيريا لا يقبلون بها، ويعتبرونها مرفوضة غير مبررة.

والحركات التي شملها الاستطلاع هي تنظيم القاعدة وطالبان وحماس وحزب الله، التي اكتشف الاستطلاع انها لم تعد تنظيمات تتمتع بنفس التأييد الذي كانت عليه من قبل. فقد حصل تنظيم القاعدة على سخط ما يعادل ٥٧٪ في حين أن طالبان حصلت على سخط ٥١٪ تليها حماس بنسبة ٤٥٪ ثم حزب الله بنسبة ٤٢٪، وقد تعرضت حماس لانتقادات كثيرة من المشاركين جراء ارتباطها السياسي بتنظيم الإخوان المسلمين.

ما الذي قاد الى هذا التراجع والفشل؟

أسباب عديدة، منها: الأخطاء التي ارتكبتها تلك الحركات بعد توليها السلطة، الفشل في تلبية مطالب الجماهير التي قامت بالانتفاضات، تردي الأوضاع الاقتصادية، عدم امتلاك الرؤية السياسية لكيفية إدارة أوضاع البلاد، انتهاك حقوق الإنسان، التوجه نحو سياسات متشددة، محاولة الانفراد والهيمنة على السلطة واقصاء الاخرين.

الإسلام السياسي، لم يكن غائبا عن تفكير الامام محمد الحسيني الشيرازي الراحل (قدس سره) وهو ينظّر للتغيير ويكتب عنه طيلة حياته..

وهو أيضا، وان لم يطرح تلك التسمية (الإسلام السياسي) في كتاباته، فانه طرح مقابل ذلك، تسمية (الحركة الإسلامية) أو (العاملون) لتغيير المسلمين.

كما كتب (قدس سره) عن التنظيم الجماهيري، والذي حدد الوعي السياسي كشرط رئيسي من شروطه.

التنظير للاسلام السياسي او الحركات الإسلامية، لم ينطلق من نظرة ضيقة الى المجتمع وينغلق عليها، بل انه يؤكد على ما يسميه (روح الاجتماع) وهي القوة الخفية التي تسيّر المجتمع، والتي يجب التناغم معها من قبل القائمين على الحركات الإسلامية.

كل كتابات الامام الراحل، قد سبقت لحظة الربيع العربي، بعقود من الزمن، وهو حين يتحدث عنها، يعود ببصيرته الى الحركات الأولى، وواقعها في حاضره، ثم يمد تلك البصيرة الى المستقبل.

فمثلا، حول كثرة الحركات الإسلامية، وعدم فاعليتها في بلدان العمل، يؤشر الى ضعف الارتباط بين تلك الحركات، ويعيد ذلك الى (ضعفها أو لأسباب أخرى).

وربما يمكن قراءة بعض تلك الأسباب في مواضع أخرى متفرقة من كتاباته، ومنها حدة التناقضات بين تلك الحركات، وهي تناقضات تؤدي الى غياب الرؤية السليمة لصنع التغيير المطلوب من قيام هذه الحركات.

في معرض علاجه، يطالب الامام الراحل بـ (الصبر على التناقضات بينها، اسهل من الصبر على تناقض الأعداء معها، فان الجهات العاملة انما يناقض بعضها بعضا في الفروع والجزئيات، اما التناقض مع الأعداء، ففي الأصول والجذور).

ومن الأسباب الأخرى التي يشخصها الامام الراحل، هي ممارسة العنف في تطبيق القوانين، وهو يراه مدعاة لعدم التفاف (الناس حوله حتى اذا وجدوا قانونه جميلا، ولذا فان الحركات الإسلامية لم تحظ حتى بشيء من الحكم).

ثم يحدد ما يمكن تسميته بثلاثية السقوط لتلك الحركات وهي: الغرور والعنف والابتعاد عن منطق اليوم).

ولا يقتصر الامر على تشخيص الخلل الجمعي في سلوك تلك الحركات، انه ينطلق أيضا الى تشخيصه، من خلال السلوك الفردي، للعاملين والمنضوين تحت لواء تلك الحركات، وهي أيضا ثلاثية نفسية - شخصية، يشير اليها الامام الراحل بالتلبس بـ (الكبرياء والغرور والاعتزاز النفسي) وهو مما يرفضه الناس في شخصيات قادتهم.

في شأن التعاطي في علاقة الحركات الإسلامية مع الاخرين ضمن الرقعة الجغرافية، للبلد الواحد، أو الامة الواحدة، يشخص الامام الراحل معوقا رئيسيا لتلك الحركات، وخاصة فيما يتعلق بالحروب والصراعات الكلامية، وممارسة التسقيط السياسي او غيره فيما بين تلك الحركات، والانشغال بتوافه الأمور، (لان الاشتغال بنقد الناقدين، ممن لا وزن لهم ولا قيمة، والتفكر في مأكل أو مشرب، أو جلب فرد، او إيقافه عند حده، أو ما اشبه ذلك من اكبر المعوقات، لذا يلزم على العاملين الا يصرفوا طاقاتهم في أمثال هذه الأمور).

وفي علاقة الحركات الإسلامية، مع اخرين ابعد في الموقع الجغرافي، وهو الغرب هنا في حديث الامام الشيرازي، فانه أيضا يتطرق الى طريقة العمل والتعامل معهم من خلال(عدم محاربة الكنائس، وان حاربت الحركة، وذلك لعدم الانشغال بالجزئيات. فان المهم الوصول الى النتائج المرضية، لا ما هو حقي وما هو حقك في الأمور العادية كما في مقام التخاصم).

ما هي الخطوات التي يجب ان تتبعها الحركات الإسلامية في عملها لتحقيق النتائج المرجوة؟

انها وحسب ما كتبه الامام الراحل:

1 - تقديم الخدمات الإنسانية بان يهتم المسلمون بخدمة الانسان بما هو انسان، سواءا مؤمنا كان ام غير مؤمن، مسالما ام غير مسالم.

2 - الانسجام مع الناس لانه فاتحة التمكن من العمل.

3 - الانفتاح على مختلف القوى والتيارات الجارية في المجتمع، اذ لكل جماعة حسنات وطاقات، يتمكن المصلح من استخدامها في سبيل البناء.

4 - إيجاد الدفء، والقوة، والاستقطاب للقوى دائما، فانه بدون الدفء والتقوية وبدون الاستقطاب المستمر، تبرد الحركة حتى تموت.

5 - الارتقاء الى مستوى العالم .

6 - الظهور التدريجي الى السطح، لئلا يفاجأ الناس بها، فيبتعدون عنها، ثم يجب ان يوقّت الظهور الكامل بوقت ملائم، وذلك لئلا يصطم الناس، بما يعود على الحركة بالانطباع السيء.

أخيرا يؤكد الامام الشيرازي، على مسألة (النقد الذاتي) الذي يجب ان تقوم به كل حركة إسلامية، لمساءلة عملها وتقويمه وتقييمه، وهو الذي لا تقوم به الكثير من الحركات الإسلامية، بدافع من الغرور المتأصل فيها، ويؤكد الامام الراحل، على مسألة جوهرية في طبيعة هذا النقد والمساءلة، وهي الجدية وعدم المجاملة في النقد الذاتي، وعلى حد تعبيره (ليكن السؤال من قبيل سؤال الخصم لخصمه في محضر المحاكمة، لا سؤال الصديق للصديق في ساعة الانس).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 9/نيسان/2014 - 7/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م