الاتحاد في مواجهة التطرف

شارلوت كينان

 

تواجه الحكومات في مختلف أنحاء العالم على نحو متزايد سؤالاً جوهريا: كيف يمكن التعامل مع أسباب التطرف العنيف ــ الذي تحركه دوافع دينية غالبا. وهي لا تفتقر إلى المشورة ــ ومن مجموعة واسعة من المصادر.

على سبيل المثال، صرح عضو سابق في تنظيم القاعدة مؤخراً بأن إخفاق سلطات المملكة المتحدة في تقديم التفسير اللائق لعدم تدخلها في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا يهدد بدفع المزيد من المسلمين إلى التطرف. وفي الوقت نفسه، اقترح رئيس بلدية لندن بوريس جونسون إبعاد الأطفال عن الآباء المتطرفين. ورغم التباين في استقبال مثل هذه الأفكار فإنها تمثل بادرة طيبة لمناقشة عامة تشتد الحاجة إليها.

إن أغلب الناس يتقبلون الاحتياج إلى الأجهزة الأمنية للرد على الإرهاب، وخاصة في أعقاب وقوع أي هجمة. بيد أن تحقيق التغيير الدائم يتطلب معالجة الأسباب الجذرية للتطرف وليس عواقبه فحسب. ولكن الذي يمكن القيام به من عمل؟

أولا، يتعين على الحكومات أن تبدأ في التفكير في التعليم باعتباره قضية أمنية. على سبيل المثال، في حين يساورنا قلق لا ينتهي إزاء وجود مواد خطرة على شبكة الإنترنت، بوسعنا أن نفعل المزيد لتعليم شبابنا مهارات التفكير النقدي اللازمة لنبذ مثل هذا المحتوى.

وهو تحد جديد، ولن يكون سهلا. فقبل الثورة الرقمية، كان الشباب يلتقون بغيرهم من بلدان وثقافات أخرى في ظروف مقيدة نسبيا، مثل عطلة في الخارج أو برنامج للتبادل المدرسي. ولكن اليوم بات بوسعهم أن مع أي عدد من الناس من أي مكان في العالم في غضون ثوان معدودة باستخدام هواتفهم الذكية. وأغلب هذه الاتصالات تحديث في إطار منابر غير خاضعة للإشراف وتكشف للأطفال مجموعة واسعة من الخيارات والمعتقدات والثقافات ــ وليست كلها إيجابية أو آمنة.

ومن المؤسف أن مصادر النصيحة الجيدة لمساعدة الشباب في الإبحار عبر هذه الأخطار قليلة. وأغلب الآباء قادرون بالكاد على مواكبة التكنولوجيا المتطورة، ناهيك عن الإشراف على محادثات أطفالهم على الإنترنت.

وهذا يعني أن أنظمتنا التعليمية لابد أن تتدخل في وقت مبكر لمساعدة الجيل المتصل في التفاعل بأمان في عالم اليوم الرقمي. وإذا كان بوسعنا أن نعلم أطفالنا كيف يتعرفون على القواسم المشتركة بينهم وبين أولئك المنتمين إلى ثقافات أخرى، فسوف نتمكن أيضاً من مساعدتهم في مقاومة التحيزات من قبل أولئك الذين يحاولون تشويه الحقيقة وتقسيم الناس.

وقد سجل برنامج المدارس التابع لمؤسسة توني بلير للحوار بين الأديان بداية مهمة في هذا الصدد. فالبرنامج يوفر مساحة خاضعة للإشراف حيث يستطيع الشباب بين سن 12 إلى 17 عاماً في مختلف أنحاء العالم مناقشة القضايا الصعبة من أكثر من منظور مختلف وبطريقة محترمة وآمنة.

وثانياً ينبغي للحكومات أن تدعم هذه المجموعات التي تعمل بالفعل على الأرض وعلى الإنترنت لمكافحة التطرف. ويتلخص أحد الأساليب في تشجيع "السرد المضاد". وفي البلدان المبتلاة بالصراعات الدينية، مثل نيجيريا، فإن هذا يعني مساعدة الزعماء الدينيين في تنمية علاقات متينة بين المجتمعات. ونحن نعلم أن الناس من الديانات المختلفة يصبح بوسعهم أن يفهموا بعضهم البعض بطريقة تساعدهم على مقاومة دعوة المتطرفين لهم عندما يعملون معاً من أجل صالح المجتمع الأرحب.

وتتضح أهمية هذا النوع من العمل المتواصل الممتد عندما يحدث الأسوأ. على سبيل المثال، في الرد على هجمات العام الماضي على كنيسة في بيشاور في باكستان، شَكَّل المسلمون المحليون سلاسل بشرية حول الكنائس، للسماح للمسيحيين بأداء شعائرهم. والواقع أن مظاهر التحدي الواضحة هذه في مواجهة العنف تعزز الروابط والعلاقات بين الطوائف المختلفة ومن الممكن أن تمنع الانقسام الذي يحاول المتطرفون توليده.

وتتجلى الفوائد المترتبة على مثل هذا النوع من الروح بين المجتمعات في واحدة من أكثر مدن العالم تنوعا، مدينة لندن. ففي شهر يونيو/حزيران الماضي، كان الإحراق المتعمد لمركز جمعية رعاية أهل منطقة البراوة الصومالي في مدينة ميوسويل هِل (الذي أعقب مقتل مجند الجيش البريطاني لي ريجبي على أيدي متطرفين دينيين) سبباً في توحيد طوائفها المختلفة. وقد نظمت شبكة "مواطنو لندن"، التي تضم مؤسسات مدنية محلية، برنامج مساعدات يهودي للمسلمين الصوماليين، بما في ذلك أحداث ما بعد المدرسة في هيندون سكوول وإيدن سكوول. وفي الوقت نفسه استضاف كنيس فينشلي للإصلاح احتفالاً رمضانيا، واستضاف كنيس فينشلي الموحد احتفالاً بعيد المسلمين. وقد أرسلت هذه الأنشطة إشارة قوية إلى المتطرفين مفادها أن محاولاتهم لتأليب الطوائف الدينية ضد بعضها البعض انتهت إلى التأثير المعاكس تماما.

ثالثا، لابد من إزالة المحتوى المتطرف على الإنترنت على وجه السرعة. والواقع أن شركة يوتيوب تستخدم إجراءات فنية متطورة لضمان منع مقاطع الفيديو الأكثر بُعداً عن اللياقة من الظهور بسرعة. ولكن هذا ليس سوى نصف القصة: إذ يتعين علينا أيضاً أن ندعم ونشجع البديل ، أو الأصوات ذات المصداقية على شبكة الإنترنت لمواجهة السرد المتطرف. ولا يعني هذا بالطبع تنزيل مقاطع فيديو لساسة متأنقين ينصحون الشباب بعدم الانضمام إلى الجهاد في سوريا. بل يعني بدلاً من هذا دعم تلك المجموعات التي يتردد صدى رسالاتها في مكافحة التطرف بين أفراد الجمهور المستهدف.

وأخيرا، في هذه الأوقات الاقتصادية العصيبة، يتعين علينا أن نفكر في سبل مجدية من حيث التكاليف لتعزيز هذا العمل والترويج له على مستوى العالم. وقد يكون أحد مصادر المستقبل لدعم المجموعات الفعّالة ولكنها تفتقر إلى الموارد هو الصندوق العالمي للمشاركة المجتمعية والصمود الذي تأسس مؤخرا، وهو أول صندوق عالمي مشترك بين القطاعين العام والخاص على الإطلاق لدعم الجهود المبذولة على مستوى القاعدة الشعبية المحلية لمكافحة التطرف.

مع تسارع وتيرة العولمة والتغيرات التكنولوجية، يجد المتطرفون وسائل متزايدة الإبداع لنشر رسالتهم. ولابد أن يكون رد الحكومات من نفس الشاكلة.

* الرئيسة التنفيذية لمؤسسة توني بلير للعقيدة

http://www.project-syndicate.org/

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 9/نيسان/2014 - 7/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م