أفغانستان ترفض الأمن على المقاسات الأمريكية

 

شبكة النبأ: الأمن والديمقراطية.. لازمتان لا ينفصلان، ولا يفلح أحدهما دون الآخر في بلاد مثل أفغانستان، - كما هو حالنا في العراق- فلا ديمقراطية دون أمن واستقرار، ولا فائدة من أمن دون وجود الديمقراطية والحرية. وربما التقدير، أن تكون الولايات المتحدة ومعها حلف الناتو، هي التي تحقق هذه المعادلة على الأرض الأفغانية، وإلا كان معروفاً أن نظام حكم طالبان قد فرض الأمن والاستقرار يومها، بقوة السلاح ولغة العنف والقسوة. فقد جاؤوا بالديمقراطية لهذا البلد، وأصبح الشعب الافغاني في مصاف الشعوب التي تتوجه الى صناديق الاقتراع وانتخاب الرئيس او النائب، بكل هدوء وفي ظل اجواء ديمقراطية جميلة.

وبما ان هذه النقلة التاريخية جاءت على يد "القوة الدولية المساعدة" بواقع (64 الف) جندي من (42) بلداً في العالم، وبقيادة حلف "الناتو"، الى جانب حوالي (29 ألف) جندي امريكي، فان العواصم الدولية المعنية، تعد ان التعامل مع أحد القضيتين في افغانستان – الأمن والديمقراطية- بمعزل عن الاخرى، بمنزلة تجاوز دورها وسحب البساط من تحتها من قبل المسؤولين الافغان. بمعنى أن الديمقراطية والأمن، يجب ان يبقيا معاً في اليدين الغربيتين التي جاءت بهما الى افغانستان.

الانتخابات الرئاسية الاخيرة تمت بسلام وأمان، بل سجّلت معدلاً منخفضاً من العمليات الارهابية من جانب "طالبان"، ومع نهايتها تنتهي فترة وجود حامد كرزاي على كرسي الرئاسة، ومعها توقفت مساعي الامريكيين بالتوقيع على اتفاقية أمنية مع افغانستان، بعد شدّ وجذب بين الرئيس السابق والادارة الامريكية، وربما تعمل الادارة الامريكية على الرئيس الجديد للحصول على اتفاقية أمنية – استراتجية كالتي حصلوا عليها من العراق، قبل انسحاب قواتهم من افغانستان. ففي الوقت الذي تنظر واشنطن الى مصالحها الإستراتيجية في هذا البلد، على الصعد كافة، فان كابول، وفي عهد كرزاي، أثبتت أن لديها مصالح عليا بعيدة المدى لاسيما على الصعيد الامني، فقد كانت نقطة الخلاف بين الجانبين هي "طالبان"، حيث كان الاخير يصر على التوصل الى اتفاقية أمنية شاملة مع هذه الجماعة قبل التوقيع على اتفاقية مع الامريكيين.

وقد شهدت الأشهر الماضية غيوم سوداء في العلاقة بين كابول وواشنطن بعد تصاعد الخلاف حول هذه القضية، وبلغ التصعيد حدّاً أن يهدد الرئيس الامريكي باراك أوباما، بسحب جميع القوات الأميركية من أفغانستان بحلول نهاية العام الجاري، وهي ما يشكل استفزاز أمني واضح للافغان، على أن الامن والاستقرار في هذا البلد، مرهون بالوجود العسكري الامريكي والغربي، ولعل هذا ما يعطي المبرر لهم بأن يضعوا بنداً قاسياً وثقيلاً في مسودة الاتفاقية تنصّ على توفير الحصانة القضائية للجنود الأميركيين من أي مقاضاة في المستقبل، اذا ما أراد الافغان الاستفادة من القوات المتبقية لغرض التدريب والتأهيل والامور الاخرى.

ليس هذا فقط، إنما هددت واشنطن بقطع الامدادات العسكرية والوقود والدعم اللوجستي للجيش الافغاني، الامر الذي جعل المسؤولين الافغان يزدادون تصلباً في مواقفم الرافضة أزاء شروط الاتفاقية الامنية. وذهب التوتر مدى أبعد عندما اتهم كرزاي الجيش الاميركي بالوقوف خلف العمليات الإرهابية التي تنفذها "طالبان". ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مستشار للرئاسة الافغانية أن كرزاي وضع منذ سنوات لائحة بالعشرات من هجمات المتمردين التي اعتبر ان واشنطن هي في الواقع من يقف وراءها. ومن هذه الهجمات عملية انتحارية نفذت في (17 كانون الثاني) الماضي، على مطعم في كابول يرتاده الاجانب ادت الى مقتل (21). وحسب الصحيفة الامريكية فان كرزاي وعددا من مستشاريه الرئيسيين يشتبهون بان الهجوم نفذ لتحويل الانتباه عن غارة جوية اميركية في ولاية بروان قتل فيها مدنيون.

وحسب مراقبين ومتابعين للشأن الافغاني فان سقوط اعداد كبيرة من المدنيين جراء عمليات القصف الجوي الامريكي خلال السنوات الماضية، بحجة استهداف عناصر "طالبان"، لم تستهدف المكانة السياسية لشخص كرزاي، إنما تهدد العملية السياسية برمتها في افغانستان، حيث يجد الناس العاديون أن ليس هنالك من يدافع عنهم في بلدهم، فالارهاب من جهة، والوجود الاجنبي من جهة اخرى، الامر يضع المسؤولين والنخبة السياسية الحاكمة أمام استحقاق كبير وخطير في آن، والعمل على تحقيق مصالح الشعب اذا ما ارادوا تحقيق النجاح في مسيرتهم السياسية وإنجاح التجربة الديمقراطية. ولعل المشاركة الكبيرة في الانتخابات الرئاسية الاخيرة التي بلغت (58) بالمئة بواقع سبعة ملايين ناخب، قياساً باربعة ملايين في الدورة الانتخابية الماضية، تكون مؤشر واضح على الثقة الكبيرة التي بدأت تمتد بين الشعب الافغاني ونخبته السياسية الحاكمة.

وهناك حقيقة لابد من الاشارة اليها في الوضع الافغاني، وهي الفشل الذريع للامريكيين في اختراق المجتمع الافغاني، كما حصل في العراق، حيث استبقوا المسؤولين العراقيين في بغداد، بعقد اتفاقيات مع زعماء الجماعات المسلحة في المناطق الساخنة ومهدوا الارضية بانفسهم لتشكيل ما يسمى بـ "الصحوات"، وهو ما اعترف به شخص رئيس الوزراء نوري المالكي، عندما قال بصراحة في حديث متلفز بان الامريكيين كانوا يخفون عليه هوية من يتفقون معه من الجماعات المسلحة..! أما دوره ودور الحكومة فكان تقديم الرواتب والامتيازات السخية أملاً في تخلّيهم عن اللثام ومشاركة الجماعات المسلحة في القيام بعمليات إرهابية.

أما في أفغانستان فان الوضع مختلف تماماً، فالمنحدرين من اصول بشتونية ويشكلون الغالبية العظمى من عناصر "طالبان"، هم بالحقيقة جزءٌ كبير من المجتمع الافغاني، ومنهم من يتواجد في دوائر الدولة وفي النخبة السياسية الحاكمة، كما هناك شريحة مثقفة واخرى من اصحاب رؤوس الاموال ينحدرون من هذه القومية، مما يجعلهم وحدة واحدة أمام الاجنبي. وهذا ما يجعل المراقبين يقرأون في عمليات "طالبان" بانها محاولة لطرد الاحتلال اكثر مما هي توجيه ضربة لمصالح الدولة والبلد والشعب، كما يحصل في العراق الى حدٍ ما.

من هنا؛ يرى المراقبون ان الأمل الوحيد للامريكيين يكمن في باكستان، وتحديداً في الاستخبارات العسكرية التي تلعب بالاساس بالأوراق الافغانية طمعاً بالعمولات الامريكية، وقد اشارت اصابع الاتهام الافغانية مراراً الى اسلام آباد بالوقوف وراء زعزعة الامن في افغانستان، بل حتى أن كرزاي ذهب الى اتهامها بمحاولة الإخلال بالانتخابات الرئاسية وعرقلة عملية السلام في البلاد.

إن الامن الذي تنشده افغانستان، يعمّ جميع ابناء الشعب بمختلف مكوناته العرقية والقومية والطائفية. بينما القضية من المنظار الامريكي هو الامن للمصالح الامريكية، متمثلة بالجنود والخبراء والشركات العاملة في القطاعات المختلفة، الى جانب أجندة عديدة للامريكيين في هذا البلد، فاذا حصل ما يريده الافغان، لن يكونوا بعد اليوم بحاجة الى امريكا، لاسيما اذا اخذنا بنظر الاعتبار التنافس الدولي المحموم على النفوذ في العالم، حيث تقف الصين وروسيا واوربا، كبدائل سريعة للامريكيين يمكن للافغان التعامل معهم وفتح باب المعاهدات والاتفاقيات المشتركة معهم. وهذا تحديداً ما يجعل واشنطن بحاجة دائماً الى حالة عدم استقرار ونشاط دؤوب للجماعات الارهابية في افغانستان متمثلة بـ "طالبان".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/نيسان/2014 - 6/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م