الانتخابات التركية وإسقاطاتها على الواقع الانتخابي العراقي

في ملتقى النبأ الأسبوعي

 

شبكة النبأ: في منتصف العام الماضي، طلب اردوغان من انصاره تلقين المتظاهرين (درسا بالسبل الديمقراطية في صناديق الاقتراع).

بعد تلك الاحتجاجات، وتسريب عدد من ملفات الفساد التي تتهم حزبه ونجله، وبعد الهجوم عليه من عراب حزبه، غولن، وبعد حجبه لمواقع التواصل الاجتماعي في تركيا، والاحتجاجات التي استدعتها من قبل الاتحاد الأوربي وعدد اخر من الدول، وبعد سلسلة من التدخلات الإقليمية في اكثر من ملف، بعد كل هذا يفوز اردوغان وحزبه في الانتخابات الأخيرة.

هذه الانتخابات تسبق الانتخابات الرئاسية المزمع اجراؤها في الشهر الثامن من العام الحالي، والانتخابات البرلمانية في العام القادم.

شارك في هذه الانتخابات 25 حزبًا سياسيًّا، تربع على عرش هذه الأحزاب "الأربعة الكبار" المتمثِّلة بالأحزاب المشَكِّلة للبرلمان الحالي؛ بدايةً بصاحب الأغلبية النيابية الحاكم حزب العدالة والتنمية ذي التوجّه اللبرالي الإسلامي الذي يملك 320 مقعدًا في البرلمان من أصل 550 مقعدًا، يليه حزبُ الشعب الجمهوري الذي يُعَدُّ وريث الأيديولوجية الأتاتوركية القومية، ذو الـ 134 مقعدًا، ثمّ حزب الحركة القوميّة التركيّة ذو التوجُّه القومي اليميني، وهو يملك 52 مقعدًا في البرلمان الحالي، وأخيرًا حزبُ السلام والديمقراطية الذي يصنَّف حزبًا مؤيّدًا لحقوق الأكراد، ذو الـ26 مقعدًا.

العامل الجديد المؤثِّر في هذه الانتخابات هو دخول جماعة الخدمة التي يتزعمها رجل الدين المعروف "فتح الله غولن"، بوصفها تجمعًا انتخابيًّا غير رسمي في مواجهة الحزب الحاكم؛ فلئن لم تكن هذه الجماعة على القوائم الحزبية المعلنة التي ستدخل الانتخابات، فإنها تملك تأثيرًا في مجرياتها بالنظر إلى دورها الكبير اجتماعيًّا، وتربويًّا، وإعلاميًّا، حتى أنّ مدار المراهنة بين أحزاب المعارضة يكاد يكون على تأثير الصراع بين غولن وأردوغان في نتائج الانتخابات المحلية.

بالنسبة لاردوغان، كانت هذه الانتخابات استفتاء لا على حزبه وحكومته، بل عليه هو شخصياً: هكذا أرادها، وهكذا فرضتها التطورات المتسارعة، وهكذا فهمها الشعب. "إذا لم يحصل حزبي على المركز الأول فسأعتزل الحياة السياسية"، ردد أكثر من مرة. وهو سقف عال جداً لانتخابات محلية. غير أن الجزء الآخر من هذه الفرضية والذي لم يقله صراحة، قاله المراقبون والمعلومات الحزبية والتحليلات السياسية: "أما إذا حصلت على المركز الأول فسأقود تركيا لسنوات قادمة، إما كرئيس حكومة أو رئيس جمهورية، أيهما أقوى".

ماهي دلالات هذا الفوز، وماهي اسقاطاته على الانتخابات العراقية القادمة، خاصة وانها تتشابه في الكثير من الملفات والقضايا بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ورئيس الوزراء التركي اردوغان، ويتشابه المشهد السياسي العراقي مع التركي في عدد من المفاصل والنقاط، ويختلف عنه كذلك.

حول هذا الموضوع كان ملتقى النبأ الأسبوعي، والذي اقترحه موضوعا للنقاش احمد جويد مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، حيث يرى أن الناخب التركي ورغم كل الصراعات بين المتنافسين، الا أن ما كان يشغله هو القضايا الاقتصادية، التي شهدت تطورا ملموسا في عهد اردوغان وحزبه. رغم تطلعات اخرين الى حريات اكبر، عمل اردوغان على ضرب المتوفر منها، في منعه حجبه لمواقع التواصل الاجتماعي.

ويعتقد جويد، ان اردوغان قد عمل من خلال هذين العاملين، (الاقتصاد – الحرية) على زرع مجموعة من الأوهام في وعي الناخب التركي، نحو قضية معينة تدعم توجهاته للمنافسة مع الاخرين والفوز عليهم. جعلت الناخب التركي يصوت على الاقتصاد مقابل الحرية.

في حديثه عن التجربة العراقية، سابقا أو ما ستأتي به لاحقا بعد الثلاثين من نيسان، يرى جويد، ان الناخب العراقي يعيش في حيرة (انتخابية) حتى اللحظة، بسبب عدم الوضوح والضبابية في خطابات الكثيرين من المرشحين، يقترن ذلك بسلوك تتحكم فيه عقدة (الاستغفال) التي عاشها في تجربة سابقة، ويعتقد انه قد يعيشها مرة أخرى، حين اعطى صوته لآخرين لم يحققوا له ما اعتقدهم قادرين على تحقيقه.

ويعتقد جويد، أن تلك الحيرة الانتخابية، لا يستشعر بها الناخب العراقي تجاه المالكي، لانه وبعيدا عن كل الشعارات التي يرفعها بقية المرشحين، فان هذا الناخب لا يرى بديلا عن المالكي في قيادة المرحلة القادمة.

في مداخلته مرتضى معاش، رئيس شبكة النبأ للثقافة والاعلام، يرى: على الرغم من الهجوم القوي الذي تعرض له اردوغان وحزبه طيلة الشهور الماضية، الا انه استطاع ان يحوله الى فوز مريح على خصومه، مثلما استطاع المالكي حتى الان تحويل الهجوم ضده الى قوة له واستقطاب لشخصه وموقعه، امام خصومه الاخرين.

وليس هذا وجه الشبه الوحيد بين الاثنين، يضيف معاش، بل هو أيضا يمتد الى ما يسميه بصراع الطبقات الموجود في البلدين وفي بلدان أخرى، مثل ايران ومصر، والتي بدورها تشهد عددا من المتغيرات والتحولات، يضاف الى ذلك، الصراعات السياسية الإقليمية والدولية، وما يراد تشكيله من واقع جديد في هذه المنطقة.

في المشهد السياسي التركي، يعتقد معاش، ان الصراع السياسي كان بين توجهين في الوسط الشعبي التركي، هما اليمين والذي يمثله الإسلاميون، وتحديدا حزب العدالة والتنمية، واليسار والذي تمثله بقية الأحزاب، التي يرى معاش، وبما تحمله من شعارات او الوان للافتاتها انها قد تكون مدعومة من روسيا، هذا الصراع السياسي، جعل الناخب التركي، وبحكم توجهات الحزب الإسلامية في الأعوام السابقة يشعر بالخوف على هويته أو انتمائه من العلمانيين واليساريين، والذي استطاع اردوغان ان يعيد التصور التاريخي للعثمانية، كهوية جامعة في المخيال التركي.

ويعقد معاش مقارنة بين التجربتين التركية والعراقية من خلال صعود اردوغان في الانتخابات التي اوصلته الى السلطة قبل اكثر من عقد وصعود المالكي وحزبه، خلال فترة ثماني سنوات، ويعزو ذلك الى سلوك الناخب، الذي يراه مهما جدا، وتلك الأهمية جعلت أوباما نفسه، حتى مع عدم ترشحه لولاية ثالثة، كما ينص الدستور الأمريكي يخاطب عقل هذا الناخب كمواطن، حين وجه كلمة تعزية الى ضحايا الانزلاق الطيني في أمريكا، رغم وجوده في مؤتمر الدول النووية على بعد الاف الاميال.

لقد كان تصرف وسلوك أوباما هو تصرف وسلوك القائد الذي يعرف عقلية الناخب قبل تبلوره قرارا وصوتا لاحد المرشحين.

يتساءل معاش، ما الذي يحرك الناخب ويجعله يتوجه الى صناديق الاقتراع ليدلي بصوته؟، انه الخوف الذي يحركه، وقد استثمره اردوغان في الممارسة الانتخابية الأخيرة، واستفاد من تلك الاحتجاجات في العام الماضي، والتي اتسمت بالعنف، إضافة الى ما استشعره الناخب التركي من خوف يتهدده تجاه المنجزات التي حدثت في تركيا من ان تقوم بإسقاطها تجربة عنف أخرى. يضيف معاش، في معرض تحليله للفوز الاردوغاني المتحقق، والفوز المالكي المتوقع، أن سلوك الناخب في كل دولة يتشابه مع سلوك القطيع، الذي تقوم بتوجيهه عدة اعتبارات منها الخوف من المجهول، والمصلحة الشخصية تجاه من يصوت لهم، وانهم الاقدر على تطمين ذلك الخوف، وتحقيق تلك المصلحة.

يعتقد معاش، رغم التشابه بين التجربتين والشخصين، ان اردوغان يقف على أرضية قوية امام خصومه، على العكس من المالكي الذي يقف على أرضية هشة، ورمال متحركة، رغم ما يرشح من توافق إقليمي ودولي على بقاء المالكي في دورة ثالثة. يخشى الناخب العراقي من فقدان الامتيازات التي يعتقد ان المالكي هو من منحها له، إضافة الى اعتقاده ان المالكي هو الاقدر على تطمين هواجس خوفه من أي شخص اخر يمكن ان يصل الى سدة رئاسة الوزراء، يقارن مرتضى معاش، بين الوعي السياسي للناخب العراقي والتركي، ويصل الى نتيجة هي ان وعي الناخب العراقي، رغم كل ما جرى، هو الأفضل مستوى، ليس مقارنة مع تركيا فقط، بل أيضا مع باقي البلدان العربية.

يخلص معاش في طرحه، الى ان اللعبة (المحلية - الإقليمية - الدولية ) واستحقاقاتها، في (سوريا – لبنان - فلسطين – الخليج)، عبر المشروع الأمريكي، إضافة الى تسيد ايران وروسيا على المشهد السياسي العالمي، ستكون هي المرجحات الأكبر لبقاء المالكي على رأس منصبه لولاية ثالثة، لانه أي المالكي، حتى الان هو اللاعب القوي في الاستراتيجية الامريكية المرسومة للمنطقة.

ينضم مدير إدارة مؤسسة النبأ علي الطالقاني الى النقاش، شارحا طبيعة الانتخابات في كل بلد، ومؤشرا على الفروقات بينها، من خلال الحديث عن عقلية الناخب ووعيه الثقافي والسياسي، الذي يحدد خياراته في التصويت.

في مداخلته، يعقد الطالقاني، مقارنة بين أسلوب اردوغان في التعامل مع خصومه السياسيين، وأسلوب المالكي، ويراه متشابها في الكثير من المفاصل، ان على مستوى الفعل او الخطاب، الذي ينزاح كثيرا الى وهم يصور صاحب أي من الخطابين انه المنقذ. ويرى ان التجربة التركية، وعيا وممارسة هي الأقرب الى العراقيين من أي تجربة أخرى، وفيها الكثير من ملامح التشابه والتعالق.

يستعرض الطالقاني، الكتل والأحزاب والتيارات السياسية الكبيرة المشتركة في السباق الانتخابي وهي (دولة القانون - التيار الصدري - المجلس الأعلى) في الشق الشيعي من الانتخابات، ويرى ان المجلس الأعلى بزعامة عمار الحكيم، سياتي ثانيا في سلم ترتيب الفائزين بالصوت الشيعي، بعد دولة القانون، والتيار الصدري سيحل ثالثا.

كل كتلة من تلك الكتل، يضيف الطالقاني، تراهن على كسب اعلى الأصوات التي ستتيح لها التفاوض على المرشح لرئاسة الوزراء، وان الائتلافات التي ستقوم بعد اعلان نتائج الانتخابات هي التي ستحدد صاحب المنصب القادم، مع الاخذ بنظر الاعتبار، مواقف تلك الكتل في تجربتها السابقة مع المالكي، واتهاماتها له بالكثير من القضايا الخلافية، وعلى رأسها الاستيلاء على جميع المؤسسات المستقلة مثل القضاء ومنظمات المجتمع المدني، والوزارات الامنية.

يخلص الطالقاني الى القول، ان الناخب العراقي سيكون متأثرا بدرجة كبيرة، بتجربته السابقة، وبطريقة تفكيره ووعيه، التي تميل عادة الى الاصطفاف مع صاحب القوة والسلطة.

في مداخلته يعتقد حيدر جابر الباحث والاكاديمي، ان هناك اختلافا بين التجربتين التركية والعراقية. فهو يرى ان رئيس الوزراء التركي، قد لعب على اكثر من وتر في العلاقات الخارجية والداخلية لتركيا، وانه قد امتلك في فترة ما، ما يمكن تسميته (إستراتيجية الوصول الى الاتحاد الأوربي) التي فشل في تحقيقها. ومن أوجه الاختلاف بين التجربتين كما يرى المسعودي، عقلية الناخب واختلافها بين الاتراك والعراقيين، بسبب ما يعتقد من وجود الأرض الخصبة للديمقراطية الموجودة في تركيا، على النقيض من عدم وجود تلك الأرضية في العراق.

 وهو يعتقد أيضا، ان العراقيين في خياراتهم الانتخابية تطغى عليهم الجوانب العشائرية والطائفية.

في مشاركته يختلف الدكتور علي محمد ياسين التدريسي في جامعة كربلاء، مع الاخرين، ولا يرى اوجها للتشابه بين التجربتين التركية والعراقية، وبالتالي لا يمكن اسقاط نتائج التجربة الأولى على النتائج المتوقعة للتجربة الثانية، وهو ينطلق في اعتراضه من خلال عدد من المقارنات:

1 – اختلاف التوجهات بالنسبة للناخب التركي عن نظيره الناخب العراقي، لاختلاف مستوى الوعي السياسي بينهما.

2 – الاختلافات بين المعارضة التركية، وهي معارضة حقيقية، انطلاقا من برامج وليس مشاكسات، كما هو حال المعارضات العراقية، والتي هي مجازا يمكن اطلاق تلك التسمية عليها.

3 – الممارسة الديمقراطية في التجربة التركية، هي أطول عمرا واكثر رسوخا منها في الجانب العراقي.

4 – احتمال بقاء اردوغان في السلطة بمنصبه الحالي، أو بترشحه وفوزه بمنصب الرئاسة في الانتخابات القادمة في العام 2015، يمكن ان تكون بنسبة ستين في المائة، على العكس من المالكي الذي يرى ياسين انه نفسه لا يعلم بمدى حظوظه في الفوز والحصول على ولاية ثالثة.

يخلص ياسين، الى ان ترسيخ مباديء التسليم السلمي للسلطة بعد ظهور النتائج الانتخابية القادمة، هي الرافع الحقيقي للتغيير المنشود في العراق والذي يدفع بأكثر الناس للذهاب الى التصويت.

في معرض حديثه وهو يشترك في هذا النقاش، يبدأ عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات والبحوث بشرح موجز حول دوافع الناخب للتصويت وسلوكه الانتخابي الذي يحركه، ويرى انه ينحصر في اثنين لا اكثر، هما الخوف والطمع. الخوف من مستقبل بحكم المجهول، والطمع في وعود يراد تحققها.

يقسم الصالحي توجهات الناخب العراقي الى ثلاثة:

1 - الناخب الأيديولوجي: وهو المنحاز الى كتلته أو حزبه، والذي لا يغير مسار تصويته تحت أي ظرف.

2 - الناخب الخائف: وهو الواقع تحت تأثير خطاب الخوف من الاخر. وهو الذي يتوجه بصوته الى من يعتقد انه يحقق له الامن من هذا الخوف وتطمينه.

3 - الناخب المتذبذب: وهو الذي لم يحسم خياراته حتى اللحظة، وهو عادة ما تتوجه اليه الشخصيات المرشحة، للفوز بصوته، وهو يشكل نسبة لا يستهان بها من تلك الأصوات.

حول الأداء الانتخابي للمرشحين، يرى الصالحي، انها لازالت تتعاطى مع الانتخابات بصورة عشوائية، فهي لاتمتلك برامج أو مشاريع حقيقية تجذب الناخب اليها.

ويرى الصالحي، ان المالكي في طريقه الى الفوز بالانتخابات، لانه الوحيد بين الاخرين، قد حافظ على سلوك كتلته امام الكتل الأخرى التي تشظت وانقسمت، وبالتالي فانه الوحيد الذي سينافس نفسه على رئاسة الوزراء القادمة.

 يضاف الى ذلك، ازمة الانبار ومحاولة ادامتها والايحاء بانه الوحيد الذي يمتلك مفاتيح الحل لها، وهو اعتقاد يحاول تسويقه أيضا الى الفاعلين الإقليميين والدوليين على الساحة العراقية.

في مداخلة أخيرة، يرى جواد العطار عضو المجلس السياسي للعمل العراقي، ان هناك عدد من العوامل التي تؤثر على المشهد الانتخابي في العراق:

1- تأثير عامة الناس وغير المثقفين والاميين لا زال هو العامل الحاسم في تقرير النتائج.

2- الأطراف الإقليمية أو الدولية هي المؤثرة في المشهد الانتخابي.

3- التأثير (المذهبي – العرقي – العشائري) هو الذي يوجه الناخبين الى منح أصواتهم للمرشحين.

4- الخوف والمصلحة الشخصية عامل اخر مؤثر على توجهات الناخبين.

ويخلص العطار الى عدد من التوقعات:

1- يأس المالكي من القوى المشاركة جعلته يتوجه مباشرة الى الجمهور الشيعي، والذي تتوزع ولاءاته الى اكثر من جهة.

2- هذه الانتخابات ستكون مفصلية، فاما ان تقود العراق الى الامام او انها ستعود به الى الخلف.

3- نتائج الانتخابات اذا ما أصر المالكي على ولاية ثالثة، قد تقود الى انقسامات، او الى حرب أهلية، بين العراقيين.

4- سيكون الموقف الإيراني خاضعا للواقعية، في دعم أي مرشح تبعا للأرقام التي يحصل عليها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7/نيسان/2014 - 5/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م