الاستحقاق الانتخابي

بين الضمانات الدستورية ومخرجات التوافقات السياسية

د. أحمد عبدالأمير الأنباري/مركز المستقبل للدراسات والبحوث

 

تمثل الانتخابات أحد أهم أركان النظام الديمقراطي، وأهم وسيلة للكشف عن توجهات المواطنين من جهة تفويضهم لمن يمثلهم، ويكون محل ثقتهم في تولي أمورهم من خلال تولي الحكم. وبهذا فان الانتخابات تمثل الحلول السلمية للمسائل المهمة المتعلقة بمن له الحق بتولي الحكم، إذ انها تحدد سلمياً من هم الذين سيحكمون، وهذا ما يمنح قراراتهم المشروعية، طالما انها تبقى تعبيراً عن رغبات المواطنين، ومعالجة لهمومهم، وملبية لطموحاتهم.

 أما اذا تجاوزت هذه الرغبات واهملتها، وعجزت معالجة همومهم وتلبية طموحاتهم، فان الشعب، بعده مصدر السلطات ومانح المشروعية، له الحق بسحب هذه المشروعية عنهم وبالوسائل التي اشار اليها الدستور، وأحد أهم الوسائل هي الانتخابات.

ومن العوامل التي تعزز الثقة بالانتخابات لدى المواطن هي اعتقاده بنزاهتها، وتمكين من حصلوا على ثقة الأغلبية من نيل استحقاقهم الانتخابي، دون أن يعني هذا تهميش الأخرين أو حرمانهم من استحقاقهم الانتخابي وبما يتناسب مع حجومهم الانتخابية.

 وتعد انتخابات مجلس النواب العراقي وانتخابات مجالس المحافظات التي جرت بعد العام 2003 حتى الآن وتلك التي ستجري مستقبلاً محطات مهمة وتأسيس لمرحلة جديدة سبيلاً لتحقيق التحول الديمقراطي المرغوب ونجاح العملية السياسية في العراق.

 وعند محاولة تقييم هذه التجارب الانتخابية نجد انها تجارب ناجحة وممارسات مميزة بكل المقاييس، لاسيما ان هذا النجاح قد تحقق في ظل الظروف التي صاحبت الانتخابات، والتي تعد معوقات أساسية للعملية انتخابية في أية دولة أخرى غير العراق، وربما يتعذر إجرائها في هكذا ظروف. وهو ما يعطي التجارب الانتخابية في العراق بعد العام 2003 وحتى الآن صفة النجاح المميز.

وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي جرت بها الانتخابات السابقة الا ان نسبة المشاركة حققت نسباً مقبولة وفقاً للمعايير الدولية المعتمدة. ولنا ان نتصور ما يمكن ان تحققه تلك التجارب الانتخابية لو أن ظروفها كانت طبيعية. وهو ما يؤشر قناعة العراقيين بدعم التغيير الذي حصل بالعراق بعد العام 2003، واصرارهم على المضي قدماً والتغلب على جميع المعوقات وتجاوزها.

ولإدامة هذا الزخم الانتخابي يجب العمل على تجنب كل ما من شأنه أن يزعزع ثقة الناخب العراقي بأهمية الانتخابات، وإحدى أهم القضايا التي يجب الحرص عليها هي الاعتراف بنتائج الانتخابات، والقبول بها، والعمل بموجبها. وهي مسئولية حصرية للأحزاب السياسية. فمثل هذا الاعتراف سيجعل المواطن في غاية الرضا لشعوره بأن ارادته قد احترمت.

ولهذا فان تشكيل التحالفات السياسية التي تعقب اعلان نتاج الانتخابات يجب ان لا تخرج عن مضمون المصلحة الوطنية، أي ان هذه التحالفات يجب أن تراعي المصلحة العامة. أما اذا كانت مراعية للمصلحة الشخصية والحزبية الضيقة، وهو ما حصل للأسف في بعض الحالات، فإنها مرفوضة من الناخب العراقي قبل أن تكون مرفوضة من الأحزاب السياسية. اذ أن الناخب في مثل هذه التحالفات يرى بأن ارادته قد صودرت من قبل الأخرين الذين ائتمنهم على صوته. كما انها تعطل عمل المحافظة بسبب التوترات بين الكتل السياسية، فالكتلة التي حصلت على النسبة الأكبر من المقاعد والتي تعتقد بانها أولى بمنصب المحافظ فضلاً الاستحقاقات الأخرى، ترى في تحالفات الكتل الأخرى بأنها موجه ضدها لحرمانها من استحقاقها الانتخابي، مما قد يدفع بها لعدم الفاعلية داخل مجلس المحافظة.

ولعل ما حصل من تحالفات اعقبت اعلان نتائج انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة مثال لهذه الحالة. فالتحالفات في بعض المحافظات كان لها اثراً سلبياً على المحافظة وابنائها. وما حصل في محافظة ديالى إحدى الأثار السلبية لهذه الحالة. غير أن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال انه ليس من حق الكتل السياسية السعي لتشكيل التحالفات وتحقيق الأغلبية، إنما المراد هنا أن لا يكون أمراً يراد به الحرمان، أي حرمان كتلة من استحقاقاتها الانتخابية التي حصلت عليها بكسبها ثقة الناخبين. بخلاف ذلك يحق لأية كتلة التفاوض مع الكتل الأخرى والتحالف معها.

كما ان إحدى أهم النتائج المترتبة على مثل هذا السلوك في العمل السياسي هو العزوف عن الانتخابات، ذلك أن الناخب يرى بأن ارادته قد حرفت باتجاه أخر لا يرتضيه، فيفضل الاحتفاظ بصوته.

وهذا الأمر في غاية الخطورة، اذ ان الحل ليس بالعزوف عن الانتخابات فهو يفاقم من المشكلة، إنما الحل بالذهاب للانتخابات والمشاركة الفاعلة عن طريق حسن الاختيار، الذي يمكن الوصول اليه بالتدقيق في مرشحي الانتخابات واختيار الأفضل، وهم كثر. فالأمر يحتاج منا الى وضع المعايير المناسبة والصفات الجيدة التي نتوخاها فيمن نضع ثقتنا به، ونأتمنه في إدارة الشأن العام.

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث/المنتدى السياسي

http://mcsr.net

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 6/نيسان/2014 - 4/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م