روسيا والعقوبات الغربية .. حرب تبادل الضرر

 

شبكة النبأ: تبنت الولايات المتحدة موقفاً متضامناً مع الاتحاد الأوربي بشأن الازمة الأوكرانية، وضم روسيا لشبة جزيرة القرم، وقد جاء الرد تدريجياً، بعد ان اتخذ اشكال متعددة، بدءً من الادانات الواسعة، وعدم الاعتراف بنتيجة الاستفتاء، الى تطبيق حزمة من العقوبات الاقتصادية الأولية، كتجميد بعض الأصول المالية لعدد من الشخصيات الروسية، ومنع منح التأشيرات.

وقد أكد الاتحاد الأوربي ان هذه العقوبات الاقتصادية التي طبقت على روسيا سوف تؤثر بشكل كبير على اقتصادها، وان حزم جديدة سوف تطبق عليها، في حال أي تصعيد غير مبرر قد تتخذه في حال تصعيد الموقف.

وقد بادرت روسيا الاتحادية، بدورها، الى الرد بالمثل وتطبيق مجموعة من العقوبات الاقتصادية والسياسية ضد شخصيات لم تفصح عن اسمها ضمن الاتحاد الأوربي.

فيما حذرت مراكز بحثية اقتصادية من الاستمرار في سياق تبادل العقوبات التي قد تضر بنمو روسيا وتنعكس سلبا على جميع دول الاتحاد الأوربي، سيما وان المانيا لوحدها لديها ما يقارب (600) شركة تعمل في استثمارات داخل روسيا.

كما ان اعتماد الاتحاد الأوربي على الغاز الروسي ما زال يعرقل أي عقوبات فعلية ضدها، مع عدم وجود بدائل حقيقية للطاقة الروسية لسد حاجة الاتحاد الأوربي، وقد أشار العديد من المختصين ان معادلة التوازن بين العقوبات الصارمة لردع روسيا عن رغبتها التوسعية في دول غرب اوربا، وبين حاجتها الى روسيا وطاقتها، امر يحتاج الى حسابات دقيقة، وعملية توازن مدروسة من دون الانجرار وراء متاهات وطرق قد تزيد من تعقيد الأمور في اطارها العام بدلا من انهائها.

عمل مشترك

فقد اتفقت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الإعداد سويا لاحتمال فرض عقوبات اقتصادية أشد على روسيا بسبب تدخلها في أوكرانيا تشمل قطاع الطاقة وجعل أوروبا أقل اعتمادا على الغاز الروسي، وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد قمة مع كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يخطئ في التقدير لو ظن أنه يمكن أن يشق صف الغرب أو توقع عدم مبالاته بضم القرم إلى روسيا.

وقرر زعماء مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى إرجاء عقوبات تستهدف اقتصاد موسكو ما لم يتخذ بوتين تحركا آخر لزعزعة استقرار أوكرانيا أو أي من الجمهوريات السوفيتية السابقة، وقال أوباما في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي ورئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروزو "إذا واصلت روسيا نهجها الحالي، رغم ذلك، فسوف تتعمق العزلة وتزيد العقوبات وسيكون هناك مزيد من التبعات للاقتصاد الروسي".

وفي الكلمة الرئيسية خلال رحلته الأوروبية قال أوباما لحضور يشمل ألفي شاب إن الغرب سينتصر إذا ظل موحدا وسيمكنه جذب الأوكرانيين العاديين ليس بالتحرك العسكري وإنما بقوة قيمه، وأضاف أن روسيا "لن تطرد من القرم أو تمنع من مزيد من التصعيد بالقوة العسكرية، لكن مع الوقت وما دمنا متحدين سيدرك الشعب الروسي أنه لا يمكنهم تحقيق الأمن والازدهار والوضع الذي يسعون إليه من خلال القوة الغاشمة".

وفي الكلمة التي ألقاها في قاعة للحفلات الموسيقية في بروكسل والتي جاءت بمثابة دحض نقطة بنقطة لكلمة بوتين في الكرملين يوم 18 مارس آذار والتي أعلن فيها ضم القرم عبر أوباما عن الاحترام لروسيا القوية لكنه قال "إن ذلك لا يعني أن روسيا يمكنها أن تستخف بجيرانها"، وقال أيضا إن حلف شمال الاطلسي سيكثف وجوده في الدول الاعضاء الجدد في شرق اوروبا على الحدود مع روسيا وأوكرانيا للتأكيد على أن مبدأ الدفاع المشترك للحلف سيحميها.

واستولت القوات الروسية في القرم على آخر سفينة للبحرية الأوكرانية بعد إطلاق طلقات تحذيرية وقنابل صوت مما أكمل سيطرة موسكو على المنشآت العسكرية في شبه الجزيرة المطلة على البحر الأسود، وأمرت كييف قواتها بالانسحاب، ويتركز قلق الغرب على حشد القوات الروسية على الحدود الشرقية لأوكرانيا وسط مزاعم الكرملين بوقوع هجمات على الناطقين بالروسية في تلك المنطقة الصناعية من اوكرانيا.

لكن رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك قال إن من المرجح فيما يبدو أن الرد الغربي الحازم حتى الآن سيمنع روسيا من الاقدام على ما وصفه بأنه "أعمال عدوان آخري وتدخل في أراضي أوكرانيا"، وأعلنت السلطات الأوكرانية الجديدة زيادة كبيرة بنسبة 50 في المئة في أسعار الغاز المحلية اعتبارا من أول مايو آيار لتفي بشرط لا يحظى بشعبية ضمن شروط الحصول على مساعدة من صندوق النقد الدولي كان الرئيس المدعوم من روسيا فيكتور يانوكوفيتش قد رفضه قبل الاطاحة به. بحسب رويترز.

وذكرت صحيفة فايننشال تايمز أن من المتوقع أن يعلن صندوق النقد الدولي برنامج مساعدة لأوكرانيا بحولي 15 مليار دولار، وتسعى كييف للحصول على مساعدة من صندوق النقد لتحقيق الاستقرار في اقتصادها المتداع، وتقول روسيا إنها ستزيد سعر الغاز الذي تبيعه لأوكرانيا اعتبارا من ابريل نيسان، وردا على مناشدات من الاتحاد الاوروبي لزيادة صادرات الغاز الأمريكية إلى أوروبا بما يقلل الاعتماد على الإمدادات الروسية قال أوباما إن اتفاقية تجارية جديدة عبر الاطلسي يجري التفاوض بشأنها حاليا ستسهل إتمام مثل تلك الصفقات.

لكنه قال إن أوروبا يجب أن تنظر أيضا في تطوير مواردها الخاصة من الطاقة وألا تعتمد فقط على أمريكا في إشارة مغلفة إلى مقاومة أنصار البيئة لاستخراج الغاز الصخري وللطاقة النووية، وتوفر روسيا حوالي ثلث احتياجات الاتحاد الاوروبي من النفط والغاز ويصدر حوالي 40 في المئة من غازها عبر اوكرانيا.

كما رفض الرئيس الاميركي باراك اوباما حجج روسيا في الازمة الاوكرانية ودعا من بروكسل الشباب الاوروبي الى التعبئة من اجل مثله العليا المهددة بسبب سلوك موسكو كما قال، وفي ختام يوم شهد مشاركة اوباما في احتفال في المقبرة العسكرية الاميركية الوحيدة في بلجيكا لضحايا الحرب العالمية الاولى التي يحتفل هذا العام بمأويتها الاولى، وتأكيده على العلاقات مع المؤسسات الاوروبية والتشديد على متانة الحلف الاطلسي، القى اوباما كلمة بدت تحذيرا من هشاشة المكتسبات الديموقراطية.

وقال اوباما في قصر الفنون الجميلة في بروكسل امام الفي شخص من بينهم ملك وملكة بلجيكا "جئت الى هنا للتشديد على ضرورة الا نعتبر قط ان الانجازات التي احرزت هنا في اوروبا من المكتسبات لان صراع الافكار مستمر لجيلكم"، وتابع ان الازمة الاوكرانية تشكل "لحظة اختبار لأوروبا والولايات المتحدة وللنظام الدولي الذي تطلب بناؤه منا اجيالا"، معتبرا في الوقت نفسه انه "من العبث" اتهام الولايات المتحدة بالتواطؤ مع "فاشيين" في اوكرانيا.

واكد ان "عزلة" روسيا ستصبح "أكثر عمقا" اذا واصلت السير على النهج الحالي، معتبرا ان "الثمن على اقتصاد روسيا وعلى وضعها في العالم سيزداد كلفة"، وأعرب الرئيس الاميركي عن "ثقته" في ان قيم "الكرامة الانسانية وحقوق الانسان ودولة القانون ستنتصر" في النهاية، واكد ان حلف شمال الاطلسي "لن يهتز" وان "دول الحلف الاطلسي لن تكون وحدها ابدا" في الوقت الذي تشعر فيه دول في اوروبا الشرقية مثل بولندا وليتوانيا بالقلق حيال الوضع في اوكرانيا.

وقال "اليوم تقوم طائرات الحلف بدوريات في سماء دول البلطيق كما عززنا وجودنا في بولندا. ونحن على استعداد للقيام بالمزيد"، واضاف "يجب عدم اخذ ما تحقق من تقدم على انه امر مسلم به"، مذكرا بإنشاء قوة سلام في اوروبا على انقاض الحرب العالمية الثانية.

من جانبه، اكد رئيس المجلس الاوروبي ان "ضم القرم غير الشرعي" الى روسيا "وصمة عار"، مؤكدا "لن نعترف به"، وشدد على انه في حال حدوث "تصعيد" جديد سيكون "الاوروبيون والاميركيون على استعداد لتكثيف" العقوبات، وخلال قمتها غير العادية في لاهاي، حذرت دول مجموعة السبع موسكو من عقوبات جديدة تشمل قطاعات الاقتصاد والطاقة والمالية مرورا بمبيعات السلاح والتجارة.

الا ان اوباما دعا ايضا الاوروبيين الى تحمل مسؤولياتهم معربا عن "قلقه" لانخفاض النفقات الدفاعية لبعض دول حلف شمال الاطلسي في حين ان "الوضع في اوكرانيا يذكرنا بان للحرية ثمنا"، واضاف "يجب ان تكون لدينا الرغبة في دفع ثمن الامان المشترك حتى نكون قادرين على امتلاك قوة ردع"، وخلال الفترة من 2007 الى 2013 ارتفعت حصة الولايات المتحدة في النفقات الدفاعية داخل الحلف الاطلسي من 63 الى 73% بالتزامن مع انخفاض نفقات دول اوروبية وفقا لإحصائيات الحلف.

وفي الوقت الذي يقف فيه الاوروبيون والاميركيون معا في مواجهة روسيا، شكلت القمة ايضا فرصة لتأكيد التزامهم بالمضي قدما في مفاوضاتهم بشأن اتفاق "الشراكة الاطلسية للتجارة والاستثمار" المعروف باتفاق التبادل الحر عبر الأطلسي، ورفض اوباما الانتقادات الموجهة الى هذا الاتفاق قبل حتى ابرامه، واكد انه لن يسمح بالإضرار بالبيئة او المستهلكين.

مؤشر ضعف

بدوره قدم وزير الدفاع الاوكراني استقالته لتفادي مزيد من الانتقادات حول ادارته لازمة القرم، وازداد المناخ توترا بين موسكو وكييف مع بث تسجيل على الانترنت لتصريحات ادلت بها رئيسة الوزراء الاوكرانية السابقة يوليا تيموشنكو تضمنت انتقادات شديدة لموسكو، وقد نفت تيموشنكو قسما من هذا التسجيل تدعو فيه الى قتل روس اوكرانيا الثمانية ملايين "بواسطة اسلحة نووية"، متهمة اجهزة الاستخبارات الروسية بفبركته.

لكن تيموشنكو لم تنف ادلاءها بإقسام اخرى من هذا الحديث الهاتفي مع احد النواب، تبدي فيها استعدادها "لحمل بندقية رشاشة واطلاق رصاصة على راس هذا القذر"، في اشارة الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفي كييف، اضطر البرلمان الاوكراني للتصويت مرتين للموافقة على استقالة وزير الدفاع ايغور تنيوخ ثم عين مكانه الجنرال ميخايلو كوفال الذي كانت القوات الموالية للروسية اعتقلته لوقت قصير في القرم في بداية اذار/مارس.

واثار تقصير كييف في ادارة ازمة القرم انتقادات حتى داخل السلطات الانتقالية نفسها التي تولت زمام الحكم منذ الاطاحة بفيكتور يانوكوفيتش، وقال رئيس البرلمان والرئيس الانتقالي اولكسندر تورتشينوف "نحتاج الى اختصاصيين يعملون ويتخذون القرارات، اناس قادرين على اتخاذ القرارات السليمة"، وبعدما تعرض لانتقادات من بطل الملاكمة السابق فيتالي كليتشكو، عرض تورتشينوف استقالته للتصويت لكنها رفضت بغالبية نيابية ساحقة.

بدوره، استقال ممثل الرئيس الاوكراني الانتقالي في القرم سيرغي كونيتسين من مهماته احتجاجا على ما اعتبره عجز السلطات في كييف، وقال كونيستين "اشعر بالعار لهذه المسالة برمتها"، وتابع ان "قرار سحب قواتنا من القرم لم يوقع سوى اليوم، ولكن غدا لن يكون هناك احد نسحبه من هناك! يتعرض جنودنا يوميا للاعتقال، فيما نحن نكتفي بعقد الاجتماعات والحوارات".

وبعدما سيطرت بالقوة على قاعدة لمشاة البحرية الاوكرانية في فيودوسيا، احكمت القوات الروسية سيطرتها على القرم، وهاجمت القوات الروسية آخر سفينة عسكرية ترفع علم اوكرانيا في القرم، وفق ما اعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الاوكرانية فلاديسلاف سيليزنيف، على الصعيد الاقتصادي، لم تبد الحكومة الاوكرانية تفاؤلا بالنسبة الى العام 2014 متوقعة تراجع اجمالي الناتج الداخلي بنسبة ثلاثة في المئة بعد نمو معدوم العام الفائت، بحسب ما اعلن وزير المال.

مجموعة الثمانية

فيما الغى الرئيس الاميركي باراك اوباما وحلفاؤه قمة مجموعة الثماني التي كانت مقررة في حزيران/يونيو في مدينة سوتشي، وذلك ردا على تدخل روسيا في القرم التي بدأت كييف بسحب اخر قواتها منها، وسيتم الاستعاضة عن قمة مجموعة الثماني بقمة اخرى لمجموعة السبع في بروكسل لا تحضرها روسيا، في حين لم تتم المصادقة على قرار اخراج موسكو نهائيا من مجموعة الثماني.

واظهر اوباما وزملاؤه ممثلو كندا والمانيا وايطاليا وفرنسا وبريطانيا واليابان وحدتهم عبر اجتماعهم لساعة ونصف ساعة في لاهاي على هامش قمة حول الامن النووي، وعلق وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ان الغاء قمة مجموعة الثماني "قد يكون اكثر الخطوات دلالة لأنه يثبت ان كل هذه الدول لا توافق على ضم القرم الذي بات امرا واقعا".

كذلك، توعد الغربيون موسكو بعقوبات اكثر تشددا وخصوصا اقتصادية في حال اظهر الرئيس فلاديمير بوتين مزيدا من التهديد لسيادة الاراضي الأوكرانية، ولكن قبيل اجتماع مجموعة السبع، خفف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من وطأة تهديدات الدول الغربية معتبرا ان اخراج موسكو من مجموعة الثماني لن يكون "مأساة كبيرة" بالنسبة الى بلاده. بحسب فرانس برس.

واظهر لافروف شيئا من الانفتاح عبر عقده اجتماعا ثنائيا مع نظيره الاوكراني هو الارفع مستوى بين موسكو وكييف منذ اندلاع الازمة الاوكرانية. وقد رحب وزير الخارجية الاميركي جون كيري بهذه الخطوة، واكد الوزير الروسي ايضا ان ضم القرم الى روسيا لا ينطوي على "اي سوء نية" لكنه يعكس الرغبة "في حماية الروس الذين يعيشون هناك منذ مئات الاعوام".

واعرب كيري تكرارا امام لافروف عن القلق الاميركي حيال وجود القوات الروسية على الحدود الاوكرانية واحتمال فقدان بعض الجنود الاوكرانيين، وذكره بان اوباما كان وقع امرا من شانه تسهيل "معاقبة قطاعات صناعية محددة اذا واصلت روسيا هذا التصعيد"، وكان اوباما صرح في وقت سابق ان "اوروبا والولايات المتحدة متحدتان في دعم الحكومة والشعب الاوكرانيين، ونحن متحدون لجعل روسيا تدفع ثمنا بسبب الاعمال التي قامت بها حتى الان".

من جانبه، كرر وزير الخارجية الاوكراني ان بلاده تأمل بتسوية الازمة الراهنة بالطرق الدبلوماسية وقال ان "موقف الحكومة يقضي باستخدام كل السبل السلمية لتسوية هذا النزاع سلميا، لكننا نجهل خطط روسيا وخطط الرئيس بوتين"، واضاف الوزير قبل اجتماعه بلافروف "لهذا السبب نطلب لقاء الروس، نريد ان نعلم بما يفكرون في شان اوكرانيا".

وصرح لافروف للصحافيين عقب اجرائه محادثات منفصلة مع نظيره الاميركي جون كيري ووزير الخارجية الاوكراني اندري ديشتشيستا "اذا اعتقد شركاؤنا الغربيون ان هذه الصيغة (مجموعة الثماني) لم تعد مناسبة، فليكن، فنحن لا نحاول التمسك بهذه الصيغة ولا نرى مأساة كبيرة اذا لم تجتمع مجموعة الثماني"، واثناء ادلاء لافروف بتصريحاته، كان قادة مجموعة السبع - الولايات المتحدة، اليابان، المانيا، ايطاليا، فرنسا، كندا وبريطانيا - يلتقون في مكان قريب لاتخاذ قرار حول امكان فرض عقوبات على موسكو بسبب سلوكها في القرم.

وفي وقت سابق اعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ان قمة مجموعة الثماني لن تعقد في روسيا هذا العام، وصرح كاميرون للتلفزيون البريطاني "يجب ان نوضح انه لن تعقد قمة مجموعة الثماني هذا العام في روسيا، هذا واضح للغاية"، الا ان لافروف اكد ان للقرم "الحق في تقرير مصيرها"، واضاف "لقد وثقنا بشركائنا الغربيين لفترة طويلة، ولدينا فكرة عن قيمة وعود شركائنا الغربيين".

صعوبات اقتصادية

من جانبه حذر البنك الدولي من ان نمو الاقتصاد الروسي الذي يواجه اصلا صعوبات، معرض للتراجع بواقع 1,8 بالمئة اعتبارا من هذه السنة اذا ما تفاقمت الازمة حول أوكرانيا، وفي تقريره الفصلي، اخذ البنك الدولي ومقره في واشنطن، في الحسبان عواقب الاحداث التي وقعت في الاسابيع الاخيرة في شبه جزيرة القرم جنوب اوكرانيا التي ضمتها روسيا، والتي تسببت بأسوأ ازمة بين موسكو والغرب منذ الحرب الباردة.

وفي حين ادى غياب الاصلاحات الهيكلية العميقة الى "تآكل ثقة المستثمرين" والى تباطؤ تدريجي للنمو الذي بلغ 1,3 بالمئة في 2013، فان "الاحداث الاخيرة حول القرم حولت هذه المشكلة المستمرة الى ازمة ثقة حقيقية"، بحسب ما اشار البنك الدولي في تقريره، واضاف البنك الدولي ان ذلك "اظهر بكثير من الوضوح ضعف نموذج النمو الاقتصادي" في روسيا، ذلك انه اذا ما تفاقم النزاع حول اوكرانيا، فانه "قد يؤدي الى المزيد من تدهور ثقة رجال الاعمال والمستهلكين والى زيادة التقلبات في السوق ما يضعف توقعات نمو الاستهلاك المنزلي والنمو"، كما اوضح البنك.

وفي هذا الاطار، فقد وضع البنك الدولي سيناريوين اثنين لمتابعة الاحداث، وفي السيناريو الاول الذي يفترض ان ازمة القرم سيكون لها "انعكاس محدود" وستجد حلا بطريقة سلمية، سيشهد الاقتصاد الروسي تباطؤا في النمو فيتراجع من 1,3 بالمئة في 2013 الى 1,1 بالمئة في 2014 مقابل 2,2 بالمئة متوقعة اصلا.

الا ان ارقام البنك الدولي لا تزال اعلى من الرقم الذي توقعه الاقتصاديون في ابرز البنوك ووكالات التصنيف الائتماني الذين باتوا يتوقعون نموا ادنى من 1 بالمئة هذه السنة، وفي 2015، ووفقا لهذا السيناريو، سيستأنف النمو بشكل طفيف ليبلغ 1,3 بالمئة، اما السيناريو الثاني فوضع على اساس حصول "تصعيد في التوتر السياسي" سيثير قلق المستهلكين والمستثمرين وسيؤدي الى "صدمة اكثر قوة" للاقتصاد والاستثمارات.

وهذا التقلص سيتفاقم اكثر في 2015 مع تراجع من 2,1 بالمئة في اجمالي الناتج الداخلي، وفي هذا السيناريو الكارثي، ستواجه الشركات الروسية المزيد من الصعوبات لإيجاد تمويلات في الخارج والتي ستكون اساسية بالنسبة اليها، وكذلك البنوك، الامر الذي سيخفض قدراتها على منح تسليفات.

من جهة اخرى، قد يسحب المستثمرون الاجانب اموالهم من روسيا، وهروب الرساميل، وهو مشكلة مزمنة في روسيا، قد يبلغ عندئذ 150 مليار دولار في 2014 (مقابل 62,7 مليار دولار في 2013) و80 مليار دولار في 2015، كما اعلن بيرجيت هانسل الخبير الاقتصادي في البنك الدولي من جهته وكاتب هذا التقرير، بحسب ما نقلت وكالة ريا نوفوستي، ومع ذلك، فان هذا السيناريو لا ياخذ في الاعتبار عقوبات تجارية محتملة من جانب المجتمع الدولي، كما اوضح البنك الدولي في تقريره، ملمحا الى ان الارقام قد تكون اكثر كارثية.

بدأت الازمة الاوكرانية تلقي بثقلها على الاقتصاد الروسي المتباطئ اصلا، مع هجرة رؤوس الاموال بوتيرة اكبر، بالرغم من التأثير المحدود حتى الان للعقوبات، بحسب محللين، ففي الفصل الاول تكثف خروج رؤوس الاموال الذي يشكل مؤشرا يتابعه المستثمرون عن كثب لأنه يعكس مناخ الاعمال في البلاد، بحسب تقديرات نائب وزير الاقتصاد الروسي اندري كليباتش.

ويفترض ان يبلغ حجم عمليات خروج رؤوس الاموال بين 65 و70 مليار دولار للأشهر الثلاثة الاولى من العام على ما قدر هذا المسؤول في اقوال نقلتها برايم تاس، فيما بلغ حجم هذه الاموال 62,7 مليارا لمجمل العام 2013، واعتبر كبير اقتصاديين مصرف سيتي في موسكو ايفان تشاكاروف ان "هذا يمثل للفصل الاول وحده مبلغا اكبر من مجمل العام 2012، وهو لا يمكن ان يكون مؤشرا ايجابيا"، معتبرا ان هذه الظاهرة "مرتبطة بالاضطراب السائد للأوضاع" بسبب الازمة السياسية في اوكرانيا وتوتر العلاقات مع الغرب.

المستوى المرتفع لخروج صافي رؤوس الاموال، وهي مشكلة مزمنة في روسيا، التي تشهد اتساعا في روسيا، ينعكس في عمليات تحويل مكثفة من شركات روسية او افراد لمبالغ ضخمة مودعة بالروبل، الى عملات صعبة للحفاظ عليها، او في اموال تستعيدها شركات اجنبية ناشطة في روسيا.

ولفتت نتاليا اورلوفا كبيرة اقتصاديين بنك الفا الى ان "الضغط على سعر الصرف الذي شهدناه في مطلع العام تضاعف في اذار/مارس مع انعدام الاستقرار السياسي"، اما كليباتش الذي تحدث عبر برايم تاس فأشار الى ان "فتور العلاقات (مع الغرب) يشكل عاملا سلبيا كبيرا للنمو الاقتصادي ويشجع على هجرة رؤوس المال"، من جهة اخرى اعتبر المسؤول ان روسيا لديها "مشكلة كساد" اقتصادي فيما يتوقع ان يبلغ نمو اجمالي الناتج الداخلي في الفصل الاول "صفرا ونيف" بعد ان سجل 1,3% في 2013 كلها.

وفيما لاتزال الحكومة تتوقع رسميا نموا بنسبة 2% على الاقل عام 2014 يقدر اقتصاديو المصارف الرئيسية ان يشهد هذا العام تباطؤا الى 1% او اقل، من جهة اخرى حذر مدير مصرف سبيربانك الرسمي غويرمان غريف من انه "اذا وصلت هجرة راس المال الى 100 مليار دولار فمن الممكن جدا ان نصل الى نمو منعدم"، واضاف وزير الاقتصاد السابق ان "خطر الانكماش مستمر" فيما زاد البنك المركزي نسبة فائدته الموجهة الى 7%.

بعد خسارة حوالى 10% منذ مطلع العام سجلت اسواق البورصة الروسية وسعر صرف الروبل استقرارا فيما بقي اثر العقوبات الغربية ضيق النطاق، وصرحت اورلوفا ان العقوبات التي تطال حاليا 20 شخصية ومصرفا "تعتبر فردية جدا وليست لها تبعات عامة"، لكن دول مجموعة السبع حذرت موسكو من انها مستعدة لتطبيق "عقوبات قطاعية منسقة ستكون لها تبعات اكبر على الاقتصاد الروسي ان واصلت روسيا هذا التصعيد".

وقد تطال العقوبات الطاقة والمصارف والمالية او التسلح على ما اعلن مسؤول اميركي رفيع رفض الكشف عن اسمه في اعقاب قمة لاهاي، وقامت وكالتا التصنيف الائتماني فيتش وستاندارد اند بورز في اذار/مارس بخفض توصيف تقييم دين روسيا السيادي من "مستقر" الى "سلبي" ما يعني احتمال تخفيض هذا المؤشر، واعتبرت فيتش ان "الاثر المباشر للعقوبات المعلنة طفيف حتى الان لكن ضم القرم الى روسيا الاتحادية يرجح ان يدفع الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الى توسيع العقوبات"، وتابعت "في اسوا الاحوال قد تمنع الولايات المتحدة المؤسسات المالية الاجنبية من التعامل مع المصارف والشركات الروسية".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 31/آذار/2014 - 28/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م