الفكر القانوني عند المشرع العراقي

القاضي سالم روضان الموسوي

 

أصبحت الصياغة التشريعية علم قائم يدرس في الجامعات والمعاهد العالمية لأنه يتعامل مع موضوع له آثار وأبعاد اجتماعية وسياسية واقتصادية مهمة، وصناعة التشريع، كما يطلق عليها أحيانا، لها نظام واليات متعددة تبدأ من المشكلة ثم جمع مكوناتها وتحليلها ودراستها وأسلوب كتابة حلولها أو أسلوب الصياغة اللغوية التي تكتب بها والفكر والسائد تجاه معالجتها، فأصبح من الضروري لمن يعمل في هذا المجال أن يكون على دراية بأبجديات عمله.

 وفي العراق أصبح مجلس النواب هو الجهة الحصرية لتشريع القوانين بوصفه السلطة التشريعية على وفق حكم المادة (61) من دستور عام 2005 ، وبعد ان اجرى العراق دورتين انتخابيتين لابد أن نقف عند نتائج هذه السلطة خلال تلك الدورتين الأولى التي انقضت والثانية التي تشارف على الانتهاء، وهذا الناتج من التشريع سوف لا أقف عنده عددياً ( كمياً) وانما نوعيا لمعرفة مدى تحقق وجود الفكر القانوني لدى صناع هذا الناتج الكمي من القوانين التي أصدرها.

 وفي مقال سابق أوضحت ان المجتمع يرى المشرع العراقي من خلال القوانين التي يصدرها لأنها المرآة التي تعكس ما يجول في خاطر المشرعين فكانت تلك القوانين مرآة لسياستهم تجاه المشاكل التي تعرضوا لها في التشريع، والآن وبعد أن وصلت تلك الدورة البرلمانية الى نهايتها وبدا الأعضاء في خوض غمار الترشح من جديد لدورة مقبلة وإتباعهم شتى الوسائل المشروعة والغير مشروعة في الترويج لأنفسهم في الحملات الدعائية ونحن كأفراد في المجتمع لابد أن نقف عند نتاج هؤلاء ونعرض لها نقدا وتقويم ليرى الآخر من المرشحين الى ما كان عليه سلفه وما يجب ان يكون عليه هو عند تسنمه موقعه في البرلمان.

 وجزئيات النقد لها وجوه عده ومتعددة إلا أني سأقف عند الفكر القانوني للمشرعين العراقيين ومدى توفرهم عليه عند إنتاج التشريع ومن خلال سلوك هؤلاء نجد المهتم لم ينقدوا سلوكاً أتوا عليه بل دائما يمجدون أنفسهم ويوهمون أنفسهم بأنهم قدموا الأفضل دون أن يعتدوا برأي الآخرين من غير سنخهم، فهم كما يرى بعض الفلاسفة مصابين بعقد نرسيس، وهو الذي عوقب بحب نفسه، أي انه لا يحب سواها، والجدير بالذكر بان (النرسيسية) هي (النرجسية) لأنها اقترنت بزهرة النرجس التي تقول الأسطورة عنها إنها بقايا عيون نرسيس، فهؤلاء الذين لا يحبون إلا أنفسهم.

 قد استدلينا على وصفهم أعلاه من خلال تشريعهم لامتيازاتهم بأسرع وقت وبإجماع تام، فكانت لذاتهم ومصالحهم حضور غالب على حاجات الآخرين، فضلا عن عدم سماع صوت النقد تجاه أعمالهم إلا إذا وجدوا إنها تحاكي غاياتهم النفعية أو إنها ردود افعال تجاه الغضب الشعبي ضدهم.

 ومثال ذلك حينما تبارى الجميع إلى الظهور والتصريح في العلن بتحقيق الانجاز الأكبر في تشريع قانون التقاعد الموحد والكل ينسب إليه هذا المنجز وعندما اطلع الجمهور على القانون وعلم انه كان قانون المراد به تمرير امتيازهم الشخصي ثار بوجههم واعترض عليه فانكفئ هؤلاء عن الظهور وتبدلت لغة خطابهم من الانجاز إلى الدفاع عن أنفسهم بأنهم لم يصوتوا ولم يكن حاضرين، وهذا الأمر اشر حالتين الأولى إنهم لا يملكون قدرة فاعلة على الانجاز والثانية انهم ذوي مصالح تتعامل مع ردود الأفعال فضلا عن كونهم دفعوا بغيابهم عن الجلسات التي يتقاضون عنها أجرا عاليا من أموال الشعب لتدارك غضب الشعب فقبلوا بالضرر الأخف دفعا عن ضرر اكبر سيؤثر سلبا على مستقبلهم في العمل النيابي.

 وهذا يقودنا إلى أنهم يفتقدون إلى النقد الذاتي الذي اطلق عليه المفكر التونسي د.فتحي المسكيني (استقباح النفس) حينما قال (من لا يستقبح نفسه لا يراها) لان القبح ( النقد ) هو لقاء جذري مع أنفسنا وهو جزء لا يتجزأ من هويتنا ويشير ايضا إلى أن كل إنسان فيه كمية من السوء لابد وان تتكلم وتعبر عن ذلك بأقوالها وأفعالها، ومن ذلك فان نقد العمل التشريعي يكون له وفرة في مدى امتلاك المشرع على الفكر القانوني ويقصد به التدبر في شؤون التشريع من لحظة التفكير حتى كينونته تشريعيا نافذاً مرورا بكل مراحله من فكرة وعقدة وتحليل ومعالجة وصياغة وسواها، ويعد التشريع نظاماً منطقياً مغلقاً وعلى وفق ما يراه بعض المهتمين بفلسفة القانون بأنه النظام الذي يعطي الحلول القانونية المستقاة من القواعد القانونية الوضعية والفكر القانوني الذي اعنيه هو أن يملك المشرع قدرة على وضع النص القانوني محلا للفكر التأملي بمعنى أن يحدد المشكلة والحاجة وان يرى ما بعد صدور التشريع والآثار الجانبية وانعكاسه على تدارك المشكلة التي كانت غاية التشريع ومدى ملائمتها للواقع السائد.

 وهذا يوجب على المشرع ان يقف عند المعالجات السابقة وان يبحث في أثارها وكيفية تداركها وان يطلع على الأحكام القضائية التي صدرت تجاه المشكلة محل وغاية التشريع، حتى يرى اين أصل العقدة ومن ثم البحث في تحليلها وايجاد الحلول لها، وعندما وضع للمرشح حد معين من التحصيل الدراسي (الإعدادية) كانت غايته ان يتمكن من الحصول على المعرفة وفكرة البحث والتنقيب عبر القراءة لتجارب الآخرين وللوقائع السابقة وليس الغاية منه أن يحصل على معرفة بقراءة امتيازاته وكتابة اسمه عند استلامه لأجوره الخرافية او لغرض الاستيلاء على المنافع الأخرى عبر التوسط والتوصية والرجاء.

 لذلك فان المشرع العراقي ومن خلال ما قدمه من نتائج خلال الدورة السابقة والحالية التي انتهت ثم امتدت لغاية إقرار قانون الموازنة الاتحادية كان يفتقر إلى الفكر القانوني التأملي للمشكلة محل وغاية التشريع وهذا الأمر له أسباب عدة منها ذاتية تتعلق بشخص المشرع ومنها اجتماعية ذات صلة بالبيئة التي انتجته فضلا عن الأسباب المؤسساتية التي تتعلق بصلاحيات السلطات والأنظمة التشريعية التي تنظم عملية اختيار المرشح وآلية عمله فضلا عن النقص المعرفي والجهل المتعمد نحو ثقافة الديمقراطية الايجابية البناءة والفعالة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 31/آذار/2014 - 28/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م