في الطريق مع فاطمة (ع): البيت السعيد

 

شبكة النبأ: كل قيمة من القيم النبيلة التي يُراد لها أن تكون قائمةً في النفس البشرية أو يُراد لها أن تكون قائمةً على أرض الواقع، تحتاج إلى مثال واقعي يمثل تلك القيمة. فالفكرة، ربما يكون لها تأثير على ذهنية الإنسان، بيد أن النموذج العملي النابع من صميم الواقع، له أثر نفسي أكبر وأعمق من الأفكار المجردة. فالصبر والقناعة والصدق وغيرها، إن تجسدت في نموذج حي، ستترك أثرها في سلوك الانسان وتوجهاته في الحياة.

وفي ذكرى استشهاد الصديقة الطاهرة، فاطمة الزهراء عليها السلام، ربما تتغلب علينا مشاعر الحزن والأسى العميق لما ألمّ بهذه الشخصية العظيمة من المحن والرزايا بفعل الزيغ والانحراف الذي ضرب أهم أركان عقيدة هذه الأمة، ألا وهي الإمامة والولاية. بيد أن المعاناة لم تكن كل حياتها عليها السلام، فقد عاشت فترة ذهبية – إن صحّ التعبير- خلال حياتها الزوجية مع الامام علي بن أبي طالب عليه السلام، فالبساطة في العيش والقناعة بالموجود، لم تكن لتمنع من أن تعيش الزهراء عليها السلام، حياة سعيدة ملؤها الدفء والحنان والعاطفة.

ومع ان الزهراء عليه السلام لم تعش مثل بعض النسوة حياة مرفهة من حيث تحقيق رغباتهن والحصول على المطلوب، كما هو الحال اليوم، لكن الزهراء عليها السلام، تفوقت على بنات جنسها في التسامي على الرغبات النفسية واللذة الآنية بالحياة، بخلق سعادة حقيقية لها طابع الديمومة التي لا تتعلق بالمال الوفير او السيارة الفارهة، او البيت الجميل، إنما تقوم على القيم الأخلاقية والإنسانية.

بما ان انسان اليوم يبحث عن السعادة اكثر من أي وقت مضى، لاسيما على صعيد الحياة الزوجية، فمن الأجدر البحث عن ذلك النموذج العملي والمتكامل.

مثال مضيء عن القناعة

وللحقيقة نقول: إن التاريخ ظلم الصديقة الزهراء، في سيرة حياتها، كما ظلم الأئمة المعصومين عليهم السلام، فهناك الكثير الكثير من المواقف والمشاهد في حياتها الشريفة تدلنا على المنظومة المتكاملة للحياة السعيدة، تفيد الرجل كما المرأة، وايضاً الطفل الصغير. وما وصلنا هو النزر اليسير لكن حتى هذا فان مثله، مثل الخيط الرفيع من شعاع الشمس التي تخترق كوة مظلمة.

ومن ابرز ما يمكن الاشارة اليه في حياة الزهراء عليه السلام، حالة "القناعة" التي تتجسد بقبول متبادل لما عليه الحال. مع مراعاة البنية الأساسية لشخصية الزوجين، مثل الإيمان والأخلاق. وهو ما يُعرف حالياً بـ "حالة التوقّع".. وهو أن يتوقع الزوج أو الزوجة من الآخر بأن يكون كما يحب، وأن يحقق له رغباته وحاجاته في أعلى المراتب.

وحسب علماء الاجتماع فان الرجل يمثل منظومة فكرية، والمرأة تمثل منظومة فكرية أخرى، لذا تختلف المنظومات الفكرية عن بعضها البعض، فعندما تبدأ الطلبات والتوقعات بعيداً عن الواقع والمنطق، يحدث الاخلاف ثم النزاع بين الطرفين، فيكتشف الزوجان، ربما بعد فترة من الزواج، أنهما لا يتمكنان من تلبية طلبات الآخر، بسبب تجاهل الإختلاف في المنظومة الفكرية والتركيبة النفسية والحالة البدنية.

لذا شهدنا في مجتمعات عديدة حصول الظلم من جانب الزوج أحياناً، بإرهاق المرأة في أعمال فوق طاقتها، وفي أحيان أخرى، يكون الظلم من جانب الزوجة، عندما تحمّل الرجل طلبات فوق طاقته، فيحصل الصدام الذي يؤدي احياناً على هدم كل بناه الزوجان والأهل، من حياة مرفهة وجميلة وبأغلى الأثمان، وتنفصل عُرى الزوجية وينهار الزواج بكل سهولة.

لكن في بيت الزهراء عليها السلام، حيث لا أثاث جميل ولا رفاهية، كما كان لبعض النسوة في زمانها. فان السعادة الحقيقية كانت تتموج وتشع للعالم والأجيال.

دخل زوجها أمير المؤمنين عليه السلام، الدار ذات يوم، وجلس ناحية ليستريح، ثم طلب من فاطمة عليها السلام، أن تأتيه بشيء من الطعام، وهي حالة لطالما نمر بها جميعاً، فجاء الجواب منها: أن لا طعام في الدار منذ ثلاثة ايام..!. فتعجب الامام، وقال مستفهماً: ولِمَ لم تخبريني بذلك..؟ قالت: إن أبي رسول الله، نهاني أن أسألك شيئاً، وقال لي: إن جاء بشيءٍ فبها، وإلا فلا تسأليه شيئاً.

هذه الدرجة من القناعة هي التي تجعل الرجل كما المرأة في حالة شديدة من التواضع والخجل أمام الآخر، بفضل التضحية بالرغبات النفسية والنزعات الانسانية. هذا التواضع المتبادل هو الذي يخلق حالة اللين ثم الانسجام الكامل بين الزوجين، وصولاً على السعادة الزوجية.

النموذج الجاهز

من الغريب حقاً، أن يبحث البعض عن نماذج للحياة الزوجية السعيدة من الشعوب والأمم الاخرى، علماً ان المفكرين والباحثين في البلاد الاخرى لم يخفوا اطلاعهم واستنارتهم من التجارب الغنية في المنظومة الاجتماعية الإسلامية، في حين لدينا إرث غني بالتجارب والأفكار ما من شأنها ان تضمن السعادة للرجل والمرأة والطفل، من خلال بيت "علي وفاطمة"، عليهما السلام.

وإذا نجد تمسك الغربيين بأدبائهم ومفكريهم، فلأنهم قدموا لهم صوراً ومشاهد عن القيم النبيلة والخصال الحسنة، وهي بمعظمها من نسج الخيال، او يحاولون تكريس هذه القيم لمواجهة الصفات الذميمة والرذيلة والحالات اللاانسانية التي كانت وما تزال تضرب باطنابها في ضمير المجتمع الغربي. ولذا نسمع، ليس اليوم، إنما منذ سنوات، عن الخيانة الزوجية، وبنسب متفاوتة واحياناً عالية في بعض الدول، مثل فرنسا التي باتت الأولى في هذا المجال، حسب الإحصائيات. كما نسمع بتعذيب الاطفال وقتلهم بأبشع الاشكال. كل هذا يحصل في ظروف اقتصادية وسياسية مستقرة، بينما نجد شيوع بعض هذه الظواهر الشاذة في مجتمعاتنا بسبب فساد الانظمة وتدميرها للبنية الاقتصادية وما يتبع ذلك من ضغوط معيشية وتداعيات اجتماعية ونفسية.

ان أيام الفاطمية التي يُحييها المؤمنون لهي جديرة حقاً، بان تكون مناسبة لإعادة النظر في المنظومة الاجتماعية الراهنة ومطابقتها مع النهج الذي كانت عليه الصديقة الطاهرة، عليها السلام، لنر التفاوت وما نحن فاعلون أزاء تلك الأمانة التي خلفتها لنا الزهراء، عليها السلام، فالالتزام بالقيم الاخلاقية لاسيما في الحياة الزوجية، يدخل السرور عليها، لأنها بالحقيقة، مع سائر المعصومين، عليهم السلام، يريدون لنا السعادة والهناء، وليس الشقاء والتعاسة والتخلف كما هو حالنا اليوم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 16/آذار/2014 - 13/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م