القرضاوي والأفيون

علي حسين كبايسي

 

لكثير ما طرح البابا القطري في ما مضى من القرن الفائت: أين الخلل؟؟، وما أدرك أن أفيونه هو الخلل، وللاستيضاح استقرائيا نأخذ عينة من فتاويه المنشورة على موقعه الظلامي (1) حول عدد الرضعات الموجبة للحرمة حيث قال: " فإن ما أفتي به السادة العلماء في (بنجلاديش) مبني على مذهبهم الذي التزموه، ولم يدرسوا غيره، وهو المذهب الحنفي، الذي يحرم بما قل من الرضاع وكثر، ولو برضعة واحدة، ولو بمصة واحدة، وهذا ما نصت عليه كتب السادة الحنفية، وأجمعت عليه، ومن هنا كانت الفتوى الصادرة من هؤلاء العلماء صحيحة بالنسبة للمذهب الذي يقلدونه.

ولكن القرآن والسنة لم يوجبا علينا اتباع مذهب معين لا نحيد عنه في صغيرة ولا كبيرة، ولم يوجب ذلك أحد من الأئمة المتبوعين أنفسهم، ولم يوجبه الإمام أبو حنيفة ولا أحد من أصحابه على أحد بعده. لهذا لا يوجد مانع شرعي من الخروج من الضيق إلى السعة إذا كانت هذه السعة مع مذهب آخر، من المذاهب التي قبلتها الأمة، ورضيتها في مجموعها. فكيف إذا كان الدليل مع المذهب المخالف، كما هو الحال في قضيتنا، في الرضاع وحكمه؟ فالذي أُفِتي به هنا: ما عليه مذهب الشافعية والحنابلة، وهو أن التحريم إنما يكون بخمس رضعات مشبعات معلومات، وقد أيد ذلك الحديث الصحيح.

وأخرج مالك في الموطأ، وأحمد في المسند من حديث عائشة: أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال لسهلة امرأة أبي حذيفة في قصة سالم مولاه: " أرضعيه خمس رضعات " أي لكي يحرم عليها، فهذا يدل على أن ما دون خمس رضعات لا يحرم. وأخرج مسلم وغيره عن عائشة أيضًا: كان فيما نزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، وتوفي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وهي فيما يقرأ من القرآن، وقد روي بألفاظ مختلفة. وفي الحديث مناقشة، ولكن الذي يهمنا منه هو ثبوت حكم التحريم في الرضاع بخمس رضعات معلومات، لا فيما هو أدنى من ذلك، وقد كان الحكم السابق عشر رضعات، وهذا هو الذي يتفق مع حكمة التحريم بالرضاع، وهو أنه يثبت نوعًا من الأمومة بين المرضعة والرضيع، وعليها تتفرع الأخوة أيضًا، وهذا لا يثبت برضعة أو رضعتين، فكلما زاد عدد الرضعات كان أقرب إلى تحقيق تلك الأمومة."

قراءة هذه الفتوى من طرف أي عاقل تلزمه طرح التساؤلات التالية:

1. إعتمد أهل الحنفية والسادة المالكية على التحريم بما قل من الرضاع وكثر، ولو برضعة واحدة، ولو بمصة واحدة، وهذا المبنى قياسي، والبابا يدعي أنه حنفي، فهل أسقط أهم أصول الفقه لديه وهو القياس، أم هو اعتراف صريح بأن القياس يولد نتائج خاطئة !، ويصبح المفتي في حكم المضل.

2. ينصح المستفتي بـ: " لا يوجد مانع شرعي من الخروج من الضيق إلي السعة إذا كانت هذه السعة مع مذهب آخر، من المذاهب التي قبلتها الأمة، ورضيتها في مجموعها. "، أي القفز من غصن إلى غصن حيث وجد ضالته، شريطة أن يكون الغصن من شجرة أهل السنة والجماعة، ألا يفتح هذا باب الفوضى والميوعة، النبيذ يحله الأحناف ويحرمه الثلاثة الآخرين، الغناء تحرمه المذاهب الأربعة ويحله ابن حزم الظاهري، فلنشرب النبيذ ونغني على رأي صاحب الحلال والحلال.

3. يستشهد بالحديث الصحيح باعترافه " أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال لسهلة امرأة أبي حذيفة في قصة سالم مولاه..." وهو رضاعة الكبير، هل البابا القطري يفتي برضاعة الكبير !!، تخيل مشهد إمرأة ترضع رجلا في الثلاثين على مرأى من زوجها وأهلها !!!!، ألا يمثل هذا مظهر من مظاهر الإباحية، فلا نستغرب فتوى جهاد المناكحة وسبي النساء، والتعطش إلى الدماء.

4. يستشهد بالحديث الصحيح باعترافه:" عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، وتوفي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وهي فيما يقرأ من القرآن، وقد روي بألفاظ مختلفة."

لطالما إتهم الشيعة بتحريف القرآن، أليس هذا اعترافا صريحا منه بتحريف القرآن ويؤكد على التحريف بجملة " بألفاظ مختلفة "، " عشر رضعات معلومات يحرمن" من القرآن الضائع !!!، إذا كان بيتك من زجاج فلماذا ترمي الناس بالحجر؟!!، ولماذا النسخ بخمس معلومات؟؟، هل أخطأ المشرع في التحديد البيولوجي الذي يثبت البنوة، أم الفيزيولوجية البشرية تغيرت، أم هي مجرد أرقام عشوائية تثبت ما ذهب إليه المالكية والأحناف بالقياس !!.

5. يقول: " فكلما زاد عدد الرضعات كان أقرب إلى تحقيق تلك الأمومة "، لنفرض أن عدد الرضعات هو (ن) حيث (ن) عدد طبيعي من الأقرب إلى تحقيق تلك الأمومة؟ هل (ن) يساوي 10 أم 100 في حساب النهايات، لاحظ الزلة المنطقية.

من رضاعة الكبير إلى تحريف القرآن إلى النسخ بخمس معلومات لتنبثق الفتوى القرضاوية، فتوى الحبر الأعظم القطري والأفقه زمانه، تناقضات يحتار فيها المبدأ الثالث المرفوع لليبنز، هذيان أم هراء أم الأفيون من يولد الشريعة، فتأتي حلية استقدام الناتو، وضرب بلاد الإسلام، وقتل الأبرياء واستباحة أعراضهم وممتلكاتهم مع دمعتين من عيون التمساح على القدس.

....................................

(1) http://www.qaradawi.net/component/content/article/6358.html

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/آذار/2014 - 28/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م