الشعب المشنوق وحكومة المشنوقيْن

عريب الرنتاوي

 

بعد عشرة أشهر وعشرة أيام، أبصرت حكومة السيد تمام سلام النور، لينخرط اللبنانيون صبيحة اليوم التالي في جدل محتدم وعقيم، حول من الرابح ومن الخاسر في "التشكيلة الوزارية الجديدة"، لكأن العقلية اللبنانية بعد سنوات عجاف طوال من الانقسام، قد أعيد فكّها وتركيبها وفقاً لمقتضيات المعادلة الصفرية: ما يربحه فريق، يخسره بالضرورة الفريق الآخر، مع أن والد رئيس الحكومة الحالي، رئيس الحكومة (أيضاَ) الأسبق، هو صاحب المقولة الأشهر في لبنان: لا غالب ولا مغلوب.

بلغة الأرقام والأعداد والنسب المئوية، بدا حزب الله وفريق الثامن من آذار، وقد قدموا تنازلات ملموسة، فما عادوا مهيمنين على الحكومة، ولا ورقة "الثلث المعطل" التي منحهم إياها اتفاق الدوحة، ظلت في جعبتهم... والأرجح أنهم سيواجهون مزيداً من "الخسارات" عند صياغة البيان الوزاري للحكومة، والذي تشير كافة الترجيحات إلى خلوه من أي "تمييز إيجابي" للمقاومة، ولثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة".

لكن حزب الله وحلفائه، حققوا في المقابل، مكاسب لا يمكن نكرانها... وأهم هذه المكاسب على الإطلاق، نجاح الحزب في البقاء في "السراي الحكومي" وفي "القصير السورية، في الوقت ذاته... وبالنسبة للحزب، الذي يعتبر معركته الرئيسية الآن في ريف دمشق وحمص، من ضمن رؤية إقليمية أوسع للصراع في لبنان، فإن بقية المسائل، من نوع "الحقائب" و"المداورة"، ليست سوى تفاصيل صغيرة، تكاد لا ترى بالعين المجردة، حين النظر إلى المشهد الممتد من طهران إلى الناقورة، مروراً بدمشق وبغداد.

في المقابل، لا يبدو أن الطرف الثاني في المعادلة، تيار المستقبل على رأس تحالف 14 آذار، قد حقق "اختراقاً" أو سجل "نصراً مؤزراً" على أخصامه المحليين... فهذا التيار الذي سبق لأقطابه أن قطعوا أغلظ الأيمان، بألا يجلسوا حول مائدة واحدة مع "حزب السلاح"، قبل أن يُتم انسحابه من لبنان، وتعهد زعيمه بألا يعود إلى بيروت إلا عبر مطار دمشق، يجد نفسه اليوم مضطراً للحنث بهذه الأيمان، والضرب عرض الحائط بكل الوعود والتعهدات، ولا بأس أن يحظى نظير ذلك، بوزارتين سياديتين أو حتى ثلاث وزارات.

الرأي العام اللبناني من جهته، كان أصدق تعبيراً في نظرته للصفقة الحكومية الجديدة، فجمهور كلا الفريقين، يشعر بالخسارة والخذلان، وحتى الهزيمة، ما يعني أن الجميع تساوى في الخسارة من وجهة نظر جمهوره، أو الجميع خرج بمعادلة "رابح – رابح"، بتعبير دبلوماسي ملطف... وطالما أن لبنان هو الرابح الأكبر في هذه الصفقة، بلا بأس أن تتوزع الخسارة على الجميع، حتى وإن بنسب غير متساوية.

وبعيداً عن حسابات الربح والخسارة الضيقة والمحلية الطابع، فإن صفقة الحكومة الجديدة، ما كان لها أن تتم لولا توفر الحد الأدنى من الإرادة الإقليمية والدولية لـ "تحييد" لبنان عن تداعيات الأزمة السورية، ومنع انزلاقه في أتونها الحارق... وأحسب أنه من دون "تفاهم" جنتلمان"، مباشر أو غير مباشر، بين الرياض وطهران، ما كان لهذه الصفقة أن ترى النور... لولا الضوء الأخضر الدولي، الأمريكي بخاصة، ما كان لها أن ترى النور كذلك.

وأحسب أن القلق والخشية من نمو ظاهرة الإرهاب في سوريا، وامتدادها العنيف والدامي إلى لبنان في الأشهر الأخيرة، هو ما دفع الأطراف جميعها للتلاقي حول صيغة الحكومة، ولاحقاً البيان الختامي، الذي ستكون محاربة الإرهاب، واحدة من أبرز عناصره التوافقية... التطرف الإسلاموي السني في لبنان، ما عاد هاجساً لحزب الله وبيئته الحاضنة، ولا كابوساً يقض مضاجع مسيحييه وأقلياته وحدهم، بل بات يشكل تهديداً لكل القوى المدنية والعلمانية السنية كذلك، وعلى هذه الأرضية المشتركة، نمت التفاهمات وترعرعت الاستعداد للخروج من حالة الاستعصاء والانسداد، وفي ظني أن "التفاهم على محاربة الإرهاب" قد يشكل أرضية مشتركة، بديلة لثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" التي يتمسك بها حزب الله، كشرط لإجازة أي بيان وزاري أو منح الثقة لأي حكومة، وهذا شرط يتناغم مع اعتبار حلفائه الإقليميين والدوليين، أن أولوية التسوية والحل السياسي في سوريا، يجب أن تبدأ من هذه النقطة بالذات، ليعود لبنان وسوريا ثانيةً، إلى نغمة "تلازم المسارات" حتى في الحرب على الإرهاب ومكافحته.

وبخلاف الاعتقاد السائد، فإن تولي تيار المستقبل وحلفائه، الوزارات المولجة بالحرب على الإرهاب: الداخلية، العدل الاتصالات، والذي اعتبر تنازلاً ما بعده تنازل من قبل الحزب لخصومه، هو أقرب إلى "تلزيم" هذا التيار وتوريطه في الحرب على الإرهاب، بما قد يفضي إلى صدام مرجح بين المستقبل وبيئته الحاضنة، والتي هي في الوقت ذاته، البيئة الحاضنة لأمراء المحاور والجماعات الجهادية وشيوخ التطرف والغلو في طرابلس وعكار وبيروت وصيدا... وقد نجد في قادمات الأيام، من سيفتي باستباحة دماء وزراء المستقبل في الحكومة، أليست هذه هي "سيرة" القاعدة في تحالفاتها مع مجاميع وجماعات سنيّة، سرعان ما انقبلت عليها، بل ووجهت بنادقها إلى ظهرها؟!

أشهر عجاف عاشها شعب لبنان "المشنوق" بمشكلاته الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، يأمل ونأمل بأن تنتهي مع تشكيل "حكومة المشنوقيْن"، نهاد ومحمد، مع أننا لا نتوقع حلولاً سحرية لأزمات هذا البلد وصراعاته، وصراعات الأخرين فيه وعليه، خصوصاً حين يتعلق الأمر بملف "مكافحة الإرهاب".

* مركز القدس للدراسات السياسية

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/شباط/2014 - 21/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م