الدستور الحالي فقير ثقافيا

يريدون أن تكون الأمة بلا عقل!

ناظم السعود

 

تذكّرت وأنا اقرأ التصريح الهام الذي أدلى به الأديب العربي الكبير " بهاء طاهر " لإحدى الصحف المصرية قبل اسابيع، بان هناك أكثر من مشيمة تربط الموضوع الذي تحدث فيه (والأصح انه هاجمه وحذّر من خطورته) بموضوع نظير له حصل في " التجربة العراقية " كما حصل ويحصل الى حد ما مع التجارب العربية الأخرى، وتناول الروائي بهاء طاهر بشكل تحليلي موضوع استبعاد المبدعين والمثقفين من اللجنة التأسيسية لوضع الدستور الجديد لبلده مصر ووصفه بأنه أمر في غاية الخطورة، وإن كان هذا ليس جديدا، لافتا إلى أن إقصاء المثقفين بدأ مع الرؤساء السابقين " فهم يريدون أن تكون الأمة بلا عقل " !.

إن خطورة التخريجة المشار إليها أعلاه متأتية من قوة التحليل الجدلي التي يستند إليها هذا الأديب المتنور، مثلا يرى بهاء إن أسوأ ما يحدث فى المجتمع الآن (يقصد طبعا المجتمع المصري بعد الثورة) هو الاستغناء عن المثقفين الذين أسسوا الدولة الحديثة، مؤكدا أن الإقصاء كان متعمدا، ثم أشار الى التهميش الذي حدث للمثقفين في" كافة المناصب والفعاليات " ليستنتج أن القوى الجديدة تريد إحلال بديل للمثقف ثم يصل إلى الإعلان المباشر " أن إقصاء اتحاد الكتاب والنقابات الفنية ونقابة التشكيلين هو فعل متعمد وليس صدفة " !.

والحقيقة أنني حين اطلعت على هذا التصريح الجاد والمسؤول بما فيه من مواجهة وجرأة في الطرح والتشخيص استذكرت على الفور ما حدث في بلادنا من محنة مماثلة تخص (استبعاد المبدعين والمثقفين من اللجنة التأسيسية لوضع الدستور الجديد) وكيف ان الذين تم اختيارهم لمسؤولية كتابة الدستور استبعدوا أي ناشط ثقافي سواء أكان أديبا او كاتبا او فنانا من اللجنة المخولة بكتابة الدستور وقد حصلت ردات أفعال غاضبة في الوسط الثقافي العراقي على هذا الإقصاء الشامل وغير المبرر ولا المفهوم حتى أنني كتبت يومها مقالا غاضبا عنونته هكذا (المثقف المحنط بين الأخضر الإبراهيمي وفؤاد معصوم !)، إشارة الى الاسمين المكلفين باختيار الأسماء لكتابة الدستور وذكرت فيه ان المثقف العراقي مبعد تماما منذ عقود وعهود عن أية اسهامة او ارتباط بالفعل العام بسبب تجاهل مقصود جاء أولا من العهود الحاكمة وانتقل تدريجيا الى بقية الهياكل الفاعلة والمنظمة لحركة المجتمع وبضمنها شرائح واسعة من الشعب الذين ما كان بإمكانهم ان يولوا اهتماما او توقيرا يليق بالمثقف او الأديب (انعكاسا لمقولة بيزنطينية ترى ان الناس تتبع دين ملوكها)!.

 نعم، تم في وقتها استبعاد أي مثقف إبداعي عراقي من المشاركة في كتابة الدستور مع انه (أي المثقف الإبداعي) كان يجاهد للخروج من عنق الزجاجة التي حاصرته بها الحكومات و تسلسلاتها الإدارية، وقد ضربت مثالا على ما قلته في موقف السيد الأخضر الإبراهيمي (موفد الأمين العام للأمم المتحدة الى العراق) والذي جاء لمناقشة تفاصيل المستقبل العراقي وقام بمقابلة وحوار أفراد و نقابات و شرائح واسعة من الفعاليات الوطنية والاجتماعية والحزبية ولكنه لم يجد من الضروري أن يطلب مقابلة مثقف واحد (وهنا اعني بالمثقف الصفة الإبداعية وليست الحرفية والمهنية) في الأقل ليكمل قراءة أطياف المجتمع بصورة شاملة ومعبرة عن حقيقة التنوع وغادر الإبراهيمي القطر بعد ان اشر الملاحظات وأعطى الموافقات على الفعاليات التي ستشارك في صنع الغد الراهن او القادم (ونحن نعيش هذا المشهد بكل فوضويته و دمويته حاليا) !.

وهذا أيضا ما قام بفعله العراقي الدكتور فؤاد معصوم رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني العراقي فقد قابل هو او مندوبوه الشرائح كافة من غير ان يتوقف او ينتبه للمثقف المحنط على لائحة الإهمال !.

المحنتان المصرية والعراقية متشابهتان في مسارهما او حتى الخلاصات التي ستتمخض عنهما، فقط يمكن الإشارة هنا ان الدستور العراقي الذي تم التصويت العام عليه ظهر بصورة كنا نخشاها وتخوفنا منها – ولكنها منطقية ومنسجمة مع الأهداف المسّبقة! – ففي أية مراجعة جادة لمحتويات الدستور الحالي نكتشف حجم الشحوب الثقافي بل لا يمكن الادعاء ان هناك مادة او فقرة واحدة أشارت الى الثقافة والمثقفين او حتى انتبهت لوجودهم في المجتمع بعكس بقية الكائنات والقوى الظاهرة والمستترة !.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/شباط/2014 - 18/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م