دعامة الاوطان تربي النشيء على تقديسه...!

(1)

هلال آل فخرالدين

 

اطلالة

صحيح ان يعتز العربي بعروبته وكذلك المسلم باسلامه بشرط ان لا يغالي او يتعصب بحيث يخرج عن الحق والصواب فالعرب أمة عريقة بتاريخها وآدابها وتنوع نظم دولها واسهامها في الحضارة الانسانية.

فأرض العرب موطن الأنبياء والرسل وأكرم الله العرب بإنزال القرآن الكريم بلغتهم. واصطفاء خاتم الأنبياء محمد (ص) منهم. فالملاحظ ان الصلة عضوية ومترابطة بين المسلمين والعرب. كما وان الاسلام الوسيلة والانسان الغاية.

لان الاسلام هدم مجتمعات العبودية والشرك التي كانت سائدة في عصره وقاد البشرية إلى مجتمع الحرية والعدالة والعلم. لذلك أستطاع العرب بفضل الإسلام بناء حضارة تميزت بمزج ثقافات متعددة وحافظت على التراث الانساني فأصبحت محل اعتزاز العالم.

والتراث يشكل تاريخ وهوية وثقافة الإنسان العربي. وهذا التراث بات موضع خلاف واختلاف، حيث تجد من يرفض هذا التراث، أو من يدافع عنه كما هو، أو من يطالب بتمحيصه وغربلته كي يزول منه ما لحق به من شوائب خلال عصور الانحطاط وعقود الاستعمار القديم والحديث.

والمستقبل العربي لا يبشر بأي خير طالما بقي العرب في سباتهم ! وايضا من غير المجدي أن نجتر الماضي إن لم يكن فيه ما يفيد الحاضر! يقول أرنست رينان: إن قادة سفينة التقدم هم الذين أتخذوا من احترامهم العميق للماضي نقطة انطلاقهم. يقول مارك آرثر: لكي تتحسس بالمستقبل يجب سبر أغوار الماضي. يقول الحكيم كونفوشيوس: نستخدم العدسة كي ندرس الأشكال للأشياء بصورة أفضل. لذا ينبغي دراسة الماضي إن كنا نريد فهم الحاضر.

يجدر بنا قبل الولوج في البحث ان نعرف مفهوم المواطنة حيث توجد عدة تعريفات لها ؛ ومنها: (الوطنية: عاطفة تعبر عن ولاء الإنسان لبلده، والوطنية عند غالبية الناس تقديس الوطن، بحيث يصير الحب فيه والبغض لأجله.)

طامة التطرف

ان الطامة إذا حل الانتماء الضيق الافق المعارض القومي او الديني او القبلي او المذهبي الطائفي محل المواطنة، أي إذا تحولت القومية او القبيلة او المذهب الى اطار منغلق متطرف ونابذ.. وبالخصوص التعصب الطائفي المستفحل الان في حراك الشرق لما يتعرض له من سكب الزيت من قبل جهات التطرف وحيث يبقى المستهدف الذي تهدده الأخطار الشديدة هو تآكل المواطنة واضمحلال الاوطان !!

افاق المواطنة

وعلى الجميع بتنوع قومياتهم ومذاهبهم الوعي بأفق إنساني، وقناعة، بأوطانهم ومواطنتهم. لأن المواطنة إيمان بالوطن على أساس دولة تضمن هذا الإيمان وتضمن الوطن والمواطن على أساس العدل والمساواة والحرية، ومن دون دولة حقيقية، أي برلمانية راعية وعادلة يبقى مفهوم المواطنة عرضة للاهتزاز والتصدع، لأن المواطنة كما يقول هابر ماس (هي مسألة دستورية) أي قانون أو دستور على أرض وشعب وكيان، ناظم للحقوق والواجبات المتبادلة بين مواطنين أحرار. إن إيمان اي مواطن بوطنيته أو مواطنته مشروط ً بإيمان أهل الأوطان الأخرى بأوطانهم ونظام الدولة التي تحفظ هذه الأوطان بحفظ مواطنيها.

الدستورية ضمان للوطن

وإذا ما كانت الدولة ضمانة الوطنية، أو ضمانتها الوحيدة، وكانت العدالة والحرية شرط المجتمع على الدولة، فإننا نرجو من الشعوب الغربية، التي تعتقد أنها مشبعة بالحرية والديمقراطية أن تعترض على سلوك انظمتها وإداراتها التي حمت ودعمت الاستبداد في الشرق أن تقف في وجهه، ولا تساعد على تحقيق استبداد جديد أو تسانده، مستغلة ثغرات واضحة في مشهد الحراك العربي الراهن في حين أن تدخلاتها وتواطؤاتها كانت أهم أسباب هذه الانتكاسات في تاريخنا الحديث.

إن المواطنة المحمية بالقانون والدستور هي غاية تنشدها بلدان الشرق لان فيها مدنيتها وسلامتها ونهضتها للحوق بالركب الحضاري، ومن المدهش في شرقنا ان القانون والدستور والبرلمان، إن وجدا، فإنه يجري الالتفاف عليهما بل وانتهاكهما، من قبل السلطات واذنابها، فإن الخوف الآن أن لا تبقى لنا أوطان، وليــس دولاً فقط، إذا ما استمرت الطوائف والطائفية غالبة على المواطنة معطلة للقانون ومصادرة أو مفككة للدولة.

وهذا ينعكس سلباً كما نرى ونشاهد يومياً، على الدين، مهدداً إياه بالانحسار بعد هذا التمدد العصبي والمتوتر.. وقد يصبح الدين أدياناً ويصبح المذهب مذاهب، ويسود الإلغاء المتبادل بالتهميش أو القتل المتبادل، ويصبح الاستبداد الواحد، استبداد الحاكم الواحد أو الحزب الواحد، أو الطائفة الواحدة، استبدادات متعددة متقاتلة بأجساد شعوبها من دون مانع من أن تتفق فيما بينها على حساب شعوبها.

ابعاد تربية النشء على تقديس الوطن

هنا اود ان اشير الى نقطة خطيرة كثيرا ما تحز في النفس هو ما نلاحظ من ارهاصات مشهدنا الشرقي المتهافت على مواضيع اكل الدهر عليها وشرب او لا تسمن ولا تغني من جوع او من لهو الحديث بل والتركيز على بث روح الانعزال والتحجر و اغلاق منافذ الحوار والتسامح والتأكيد على مفاهيم التنابز والفرقة والتحزب والاطر الضيقة والافاق المكفهرة وبث روح الكراهية والتأكيد على العداء وحتمية الصراع وحتى قرع طبول الحرب التي تزيد في التباعد وتبعث على التقاطع وتشجع التناحر ولا ادري لماذا كل هذا الانجرار وراء هذه الاصوات الناشزة والاندكاك في الاساليب المدمرة والطامات الممزقة...؟؟!!

 ولماذا عدم التعرض او الاشارة ولو لنتف من مفاهيم التسامح واواصر الاخوة والتعلق بالوطن والشحن الوطني وصحيح المواطنة في نفوس الغرس الجديد والبراعم والشباب ؟ وفي هذا السياق فعلى الوطنية ان لاتعمي أعيننا عن رؤية الحقيقة فالخطأ خطأ بغض النظر عن من شرعه او فعله.. والبعض يقول: نحن لانريد دولة ! نريد وطن.. فالنظرة الموضوعية ترى وجوبهما ولكل واحد منهما مجالاته وضروياته فلا يستغنى عن احدهما ولكل واحد متمم للآخر وفق ضوابط.!

فاذا اردنا عقولا واعية ونفوسا صافية وانوفا عالية واسس سليمة رصينة محكمة وبناءا مستقرا شامخا وعطاء دائما.فعلينا ان نربي في ابنائنا وبناتنا روح المواطنة ونشربهم بها حتى تصبح لهم شرابا سائغا لذة للشاربين وجعلها سقفا عاليا يتنافس عليه المتنافسون لبلوغها ولو بشق الانفس وان نبني فيهم فكرا ووعيا وطنيا عميقا وليس طقسيا او قولي من غير روح وفهم لان الوطن حياة ورمز وعزة فمن لايؤمن به لايؤمن بما سواه من المقدسات لان من لا يؤمن بالحياة ومعطياتها لا يؤمن بالغيبيات وفلسفاتها.

 وهنا اؤكد بلزوم انبثاق وزارة او مؤسسة مفصلية تكون مهمتها دراسة افضل سبل غرس روح ومبادئ المواطنة في نفوس الناشئة خاصة والمجتمع عامة والاستفادة من تجارب الدول الاخرى المتمدنة التي تعج بتنوع اثني وديني وثقافي تمكنت من صهر الجميع ببودقة المواطنة وخرجت من ربقة التعصب والتطرف.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 5/شباط/2014 - 4/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م