ثقافة (التسخيت)

علي فاهم

 

أدخل صاحبه يدفعه الى غرفة الطوارئ في المستشفى وهو يبحث له عن مخبأ، لم يكونوا من المرضى أو من الاطباء فكلاهما يرتدي ملابس تشبه تلك التي يرتديها من يعمل في المستشفى، حيث كنت مرافقاً لصديقٍ تعرض لوعكة صحية أجلس صاحبه بجانبي وقال له (أكعد هنا.. ترة من يشوفوك ايشغلوك) جلس هذا الفتى لساعة قلقاً متفادياً الجميع مختبئاً حتى لا يعمل المهام الموكلة اليه التي لا تتعدى تنظيف بعض الممرات او نقل انبوبة اوكسجين من هنا الى هناك او نقل أحد المرضى على الكرسي المتحرك، تذكرت في هذا الموقف عمال التنظيف الذين يلوذون في إحدى زوايا شارع ما مع مراقبهم لحين انتهاء فترة الدوام جالسين يتحدثون بقصصهم واخبار فرقهم الرياضية او مغامراتهم في لعبة القط والفأر مع المراقبين من البلدية على أن لا يقوموا بمهمتهم في تنظيف الشوارع ومن ثم يذهبون ليستلموا أجرهم عما قاموا به من (سوالف).

توجهت للشاب وسألته هل أنت مريض؟ قال: لا أنا بصحة جيدة،، اذن لماذا تختبئ وتتهرب من العمل؟ اريد (أسخّت).. !! حتى ما يشغلوني.. أنت تأخذ أجراً مقابل عملك فلماذا لا تحلل (خبزتك).. الا يكون أجرك حراماً ان لم تؤدي عملك؟

لم يحر صاحبي جواباً ثم هز يده وخرج من الردهة دون ان يلتفت وراءه...

لقد أصبحت ثقافة (التسخيت) هي القاعدة في كل تعاملاتنا الوظيفية او المهنية فنادراً ما نجد موظفاً ملتزماً بدوامه بالكامل بل تجد أغلب الموظفين يبحثون عن الأعذار والحجج ليشغلوا أنفسهم بأمور معينة على أن يؤدوا مهامهم الوظيفية ولا نجد صوتأ لضمير يحاسب هولاء المقصرين فمن أراد الا يؤدي عمله سيجد الاف الحيل والإبتكارات من أجل (التسخيت) ولن يكون هناك من رقيب الا ضميره وشعوره بالمسؤولية التي تخلق الاخلاص في العمل والاخلاص لا يؤتي ثمره الا إن توفر الحب للعمل أو الوظيفة والشعور بأنه جزء من منظومة متكاملة من الافراد اذا قصر هو في أداء واجبه خلق ذلك خللاً في كل المنظومة فعندما يقصر المعلم أو الطبيب أو الموظف أو عامل النظافة في أداء جزء من وظيفته سينعكس الخلل على الجميع ويصيب المجتمع عدوى أمراض مجتمعية خطيرة قد يكون علاجها أو التخلص منها يحتاج الى جيلين أو أكثر من النقاهة.

 ومن أخطر هذه الامراض هو هذا المرض الخطير الذي انتشرت عدواه كالنار في الهشيم وبات غاية بحد ذاته وأصبح الموظف المخلص في اداء واجبه عنصر غريب ونادر وربما يكون منبوذاً من باقي الموظفين لأنه الاستثناء من القاعدة، أننا أمام نموذج رائع للإخلاص الوظيفي نرى نتائجه ملموسة وهو اليابان ذلك البلد الذي وصل الى أرقى مصافي التطور والتقدم رغم خروجه منهزماً ومنكسراً من حرب كونية الا أنه نهض مارداً و غزى أعدائه في عقر دارهم ببضاعته لأنها كانت الافضل وكل ذلك بفضل الإخلاص و التنظيم واحترام الوقت والشعور بالمسؤولية، قد يبرر البعض عدم التزامه بوظيفته بالأوضاع التي يمر بها البلد وما مر به من قبل في زمن الدكتاتورية و لكن لا يمكن أن يكون هذا مبرراً للخطأ، لأن التصحيح يبدأ من القاعدة ثم يفرز ويفرض بدوره التصحيح على أعلى المستويات فكل منا يمسك لبنة بيده فأما أن يضعها في مكانها بإتقان ليكون البناء جميل و سليم ومعافى وأما يضعها مشوهة فيكون البناء كله مشوه وضعيف و متخلخل والأمر لكم ودمتم سالمين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 4/شباط/2014 - 3/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م