وفاة ماجد الماجد تثير التساؤلات

كتائب عبد الله عزام نسخة معدلة من القاعدة

جاسم محمد

 

أعلنت السلطات اللبنانية في 2 يناير 2014 القبض على زعيم كتائب عبد الله عزام الجهادية المسؤولة عن التفجير الانتحاري الذي استهدف السفارة الإيرانية في بيروت في نوفمبر 2013. ماجد الماجد كان مطلوبا الى القوات اللبنانية منذ اشتراكه في مواجهات مخيم النهر البارد 2007 وعين الحلوة 2009. يشار الى ان الماجد من مواليد 1973 ويحمل الجنسية السعودية وكان يقيم منذ سنوات في عين الحلوة. وادرجت الولايات المتحدة والسعودية، ضمن قائمة المطلوبين 85 بتهمة القاعدة. وتثير عملية القبض على الماجد جدلا كبيرا في ظل حالة الغموض التي غطت عملية القاء القبض عليه. كان الماجد قد تبنى الهجوم على السفارة الايرانية في منطقة بئر الحسن في بيروت، اضافة الى تفجيرات كثيرة اخرى، ليصبح مطلوبا الى القضاء اللبناني والسعودي والاميركي بتهم ارهاب.

دور الماجد بجمع الاموال

أصدر الماجد في عام 2012 رسالة صوتية انتقد فيها الحكومة السعودية لتهديدها حملة لجمع الأموال أطلقها عدد من رجال الدين الوهابيين في الخليج لدعم المقاتلين في سوريا. وقال ليث الخوري من مجموعة" فلاش بارتنرز" الخاصة التي ترصد مواقع المتشددين إن الماجد كان وراء جزء كبير من تمويل الجهاديين الذين يقاتلون في سوريا. وأضاف ـ الخوري في تصريحه الى الـ بي بي سي عربي، إنه على مدى العامين الماضيين كان جامعو أموال في الكويت عادة ما يستخدمون حسابات مصرفية كويتية ينشطون في جمع المال للقوات التي تقاتل الأسد باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك ويوتيوب وسكايب. الماجد استغل ايضا علاقاته الشخصية والعائلية، كونه ينحدر من السعودية لجمع الاموال. واضاف الخوري إن الماجد كشف صلته بالكويت، كونها تتمتع بنشاط جيد في جمع المال للمقاتلين السوريين يقوده مشايخ اسلاموية معروفة وبأسمائهم معلنة.

كتائب عبد الله عزام نسخة معدلة من القاعدة

جاء اسم جماعة كتائب عبد الله عزام تيمنا من الجماعة بـ"عبدالله عزام" أحد مؤسسي تنظيم القاعدة، والذي توفى عام 1989. وأفادت تقارير بأن الولايات المتحدة اعتقلت في وقت سابق من عام 2013 الزعيم السابق للجماعة كان صالح القرعاوي، وذلك بعد إصابته بجراح بالغة في غارة جوية على منطقة وزيرستان الباكستانية على الحدود مع أفغانستان. وتقدم الجماعة نفسها على أنها حامية للمسلمين السنّة.

كما دأبت الجماعة على انتقاد ما تصفه بهيمنة الشيعة على لبنان، وتتهم جماعة حزب الله المسلحة بالوقوف وراء موجة اغتيالات سياسية هناك. وهنالك اعتقاد بأن الجماعة ضالعة في الهجوم الانتحاري الذي استهدف ناقلة نفط يابانية في الخليج في أغسطس 2010. برز اسم الماجد مع تسلمه عام 2012 قيادة تنظيم "كتائب عبد الله عزام" في بلاد الشام المصنفة كـمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة بعد تنفيذها لمهمات عدة في لبنان ومصر وسوريا.

وفقا لحقائق موسوعية، فان الكتائب تعتبر تنظيم مسلح سلفي "جهادي"، بدأ عملياته العسكرية في سنة 2004 بثلاثة تفجيرات في منتجع طابا وشاطئ نويبع المصريين، وهو فرع من أصل تنظيم القاعدة، ويتولى إصدار بيناته الإعلامية مركز الفجر للإعلام. وضعت الولايات المتحدة الاميركية كتائب عبد الله عزام على لائحة المنظمات الارهابية في 24 مايس 2012. وكان التنظيم من اوائل التنظيمات التي أعلن دخولها سوريا. المراقبون اعتبروا كتائب عزام وظهورها في سوريا من الايام الاولى "للثورة" السورية بأنها نسخة معدلة من القاعدة، وهي محاولة من تنظيم القاعدة المركزي لتجنب سوء سمعتها في مناطق النزاع خلال الحروب السابقة، لكن هذا التنظيم تراجع امام تصاعد ظهور النصرة وداعش والوية اسلامية جهادية غير قاعدية منها لواء التوحيد واحرار الشام وجيش المسلمين ضمن الجبهة الاسلامية، والتي خرجت مؤخرا من مظلة الجيش الحر.

قصور استخباري من قبل وكالة الاستخبارات المركزية

أن حركة الماجد مابين سوريا ولبنان، تعتبر قصور وضعف في امكانية المخابرات المركزية والبنتاغون، فالتواجد الاستخباري للولايات المتحدة وحلفائها كان مكثف جدا عبر البوابة التركية وكذلك عبر لبنان. التقارير كشفت بأن اجهزة المخابرات الاوربية ارسلت ضباط عملياتها داخل الاراض السورية، لغرض ادارة شبكة معلومات وتقييم الوضع وخاصة المقاتلون الاجانب القادمين من دول اوربية، الذين يمثلون قلق وصداع للحكومات الاوربية واحتمالات عودتهم الى اوطانهم يمثل تهديدا لأمن تلك الدول.

هذه الشبكات في ذات الوقت كانت تفتح ابواب خلفية مع نظام الاسد لتبادل المعلومات حول المقاتلين الاجانب لغرض متابعة حركتهم. وكان يفترض ان تحصل استخبارات الدول الاوربية خاصة البريطانية على تفاصيل حركة الماجد. وخروجه من سوريا الى لبنان يعتبر قصورا استخباريا. الاستخبارات المركزية تعاني من نقص جمع المعلومات على الارض خلال الازمات في مناطق النزاع والحروب، اي تعاني من نقص الموارد البشرية. الوكالة تعتمد على التقنية الفنية بجمع المعلومات الخاصة بحركة التنظيمات والعمليات العسكري وطائرات "درون" باصطياد قيادات القاعدة، لكن تبقى المصادر البشرية هي الاكثر أهمية على الارض. المخابرات المركزية، والاوربية يجدر بها ان يكون لديها مصادر معلومات داخل تلك التنظيمات الجهادية يوازي حجم تواجدها وثقلها في مناطق الصراع والحرب ابرزها سوريا والعراق ولبنان واليمن. هذا يستدعي على الوكالات الاستخبارية اعادة تقييم مصادرها داخل التنظيمات الجهادية والقاعدة. ووفقا الى تقرير تناولته الميدل ايست اون لاين في 2يناير 2014، بأن تقييم وزارة الخارجية الأميركية يفيد بإن الجماعة منقسمة الى فرعين : سرية يوسف العييري التي سميت على اسم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ومقره اليمن والثاني سرايا زياد الجراح ومقره لبنان والذي سمي على اسم أحد مختطفي الطائرات في هجوم 11 سبتمبر أيلول 2001 على نيويورك وواشنطن.

سوريا أفغانستان جديدة

وفي مقابلة مع صحيفة صنداي تلغراف في اكتوبر2011 قال بشار" إن سوريا هي مركز المنطقة، إنها الفالق الذي إذا لعبتم به تتسببون بزلزال، هل تريدون رؤية أفغانستان أخرى أو العشرات من أفغانستان؟". وفي صيف 2003 نشرت مجلة ـ نيويوركر الأميركية ـ تقريراً "لسيمور هيرش" سرد فيه تفاصيل التعاون الوثيق بين أجهزة الأمن السورية والمخابرات الأميركية. وكشف "هيرش" أن الأميركيين حصلوا من السوريين على تفاصيل لدراسة وتدقيق الاف الملفات والوثائق والمستندات السرية التي تخص رجالات القاعدة في المانيا بصفة خاصة.

ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في 24 تموز2012 نقلا عن مسئولين أمريكيين أن الولايات المتحدة تعمل جاهدة من أجل التوصل الى فهم واضح لقوى المعارضة داخل البلاد حيث أدت الفجوات الاستخباراتية الى إعاقة الجهود التي ترمي الى المساعدة في الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.

وقال المسئولون إن وكالات الاستخبارات الأمريكية قامت بتوسيع نطاق جهودها لجمع معلومات إستخباراتية حول قوى المعارضة ونظام الأسد، لكن ذلك لا يزال محصورا الى حد كبير في تحليل الاتصالات التي يتم اعتراضها ومراقبة الصراع من بعيد. وأضافت الصحيفة أن المقابلات التي جرت مع مسئولي الاستخبارات الأمريكية والأجنبية كشفت عدم قدرة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) على أن تنشئ لنفسها وجودا في سوريا على عكس الدور البارز للوكالة في جمع معلومات استخباراتية من داخل مصر وليبيا.

الدورا لسعودي في سوريا

حقيقة الدور السعودي في "الثورة" السورية ينطلق مما قاله ـ جون برادلي ـ مؤلف كتاب بعد "الربيع العربي" في مقابلة مع قناة روسيا اليوم في 31 يناير 2012 بأن كراهية السعودية للنظام السوري تعود الى أنه النظام العلماني الوحيد المتبقي في الشرق الأوسط (في الواقع أن سبب الكراهية هو غير ذلك..! ).

ورد في السياق نفسه البيانات الصادرة عن صالح القرعاوي وهو سعودي كان يتزعم كتائب عبد الله عزام قبل الماجد، في مقابلة قبل مقتله، أجراها مركز الفجر للإعلام التابع لـ كتائب عبد الله عزام مع القرعاوي في شهر إبريل 2010 حول رؤيته للصراع في بلاد الشام، جرى الحديث عن ساحتين: [الجزيرة العربية جزيرة محمد (ص) بحسب نص المقابلة وبلاد الشام، معقل الطائفة المنصورة أرض الشام] بحسب نص المقابلة.

المواجهة تتحول الى طائفية

البيانات التي كتبها القرعاوي بعنوان "ولتستبين سبيل المجرمين"، والتي قدمها الباحث توفيق العباد بعنوان الحجاز، تضمنت الرؤية الوهابية حيال بلاد الشام والتي يجري ترجمتها في الاحتجاجات السورية. ما يلفت في البيان الأول لكتائب عبد الله عزّام والصادر في 13 أكتوبر 2010 أن ثمة نبوءة ذات طبيعة إيحائية بأن مواجهة حتمية بين السنة والشيعة: "وإننا في كتائب عبد الله عزام نتوقع أن المعركة قادمة لا محالة (..)." حيث يرسم البيان صورة طائفية للمعركة تكون فيها إيران وسورية وحزب الله طرفاً في مقابل أهل السنة فيما يخرج العاملان الأميركي والاسرائيلي من المعادلة في إيحاء واضح بأن المعركة يراد لها أن تكون طائفية. لذا يمكن فهم موقف الحكومة العراقية تجاه مايحدث في سوريا وتخوفها مما سيحدث بعد سقوط نظام الأسد فيمكن للوضع هناك أن ينعكس سلبا ً على الوضع في العراق بعد أن عانى العراق من الإرهاب الذي كان مصدره سوريا، إذا آلت الأمور أن يمسك زمام المتشددين الإسلاميين في سوريا بعد رحيل نظام الأسد.

بعض التقارير التي وردتها صحيفة "الديلي تلغراف" الانكليزية بنسختها الاصلية الانكليزية يوم 4 يناير 2013، بقلم Josie Ensor، ربطت مابين المنحة السعودية ثلاثة بليون دولار الى الجيش اللبناني المشروط بالتسلح الفرنسي، مقابل تسليم الماجد!. المنحة جاءت بالتزامن مع اعتقال الماجد، ما يجعل هذا الاحتمال قريبا، كون الماجد مطلوب للسعودية. إن متابعة الماجد من قبل المملكة السعودية ووضعها على القائمة المطلوبة وجعله المطلوب رقم واحد على قائمة الارهاب بين ال 85، يثير الكثير من التساؤلات والتكهنات بمقتل او وفاة الماجد، كون الاخير يحمل الكثير من الاسرار في النشاط الجهادي في لبنان. وهذا يتطلب الكشف عن تقارير الطب العدلي للكشف عن الاسباب الحقيقية للوفاة، بدونها يفتح الباب الى العديد من الشكوك. إن اعتقال ووفاة الماجد في لبنان المتورط في عمليات ارهابية منها التفجير عند مدخل السفارة الايرانية في بيروت، يمثل انتكاسة الى التنظيم، رغم ان هذا التنظيم، سبق ان شهد مقتل زعيمه السابق القرعاوي في 2012. وربما سيعاني التنظيم من نقص مصادر التمويل، التي ممكن ان يخسرها التنظيم مابعد الماجد الذي كان يتمتع بعلاقات عائلية وشخصية واسعة في السعودية والكويت وبعض الدول الخليجية، وكأنه كتائب عبدالله عزام تعيد مشهد القاعدة بعد مقتل بن لادن.

* باحث في مكافحة الارهاب والاستخبارات

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/كانون الثاني/2014 - 5/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م