الإخلاص منظومة متكاملة لبناء الذات

رؤى من افكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: الاخلاص يأتي على صور وأشكال متعددة، أهمها إخلاص الانسان لنفسه، وللمحيط الانساني الذي ينشط فيه، ضمن الضوابط الدينية والاخلاقية والعرفية التي تحفظ حقوق الناس، فالاخلاص في هذه الحالة يكون غاية الانسان، يسعى إليها بكل ما يستطيع ويملك، لكي يحقق ما يربو إليه، يقول الامام علي بن ابي طالب عليه السلام (الاخلاص غاية)، هذا يعني أن الانسان الفرد او الجماعة عندما يسعون الى درجة متكاملة من الاخلاص، إنما يشكل هذا الهدف غاية عظيمة، لأن الاخلاص في الاعمال والنيَات، يؤدي الى نتائج باهرة.

هذا ما أثبتته الوقائع الحاضرة، والاحداث التاريخية التي اكدت على أن الاخلاص، هو البداية التي انطلق منها المتفوقون، والتزم بها الناجحون، واعتمدها المتميزون كي يصلوا الى الاهداف العظيمة في حياتهم، فالفرد المخلص بطبعه، لابد أن يحقق نجاحا كبيرا في حياته، ويغدو متميزا على أقرانه، كونه يتميز في عمله وفكره من ناحية الاخلاص، هذه الملكة التي ترفع من شأن صاحبها الى أعلى المراتب، وهي أيضا صفة وسمة يمكن ان يتحلى بها الانسان في اعماله وافكاره ونيّاته، كي يحقق ما يبتغي من أهداف، تصب في تحسين الوضع الشخصي له وتسهم في رفع الوعي والاخلاص الجمعي في وقت واحد، لهذا يقول أمير المؤمنين عليه السلام: (الإخلاص أعلى فوز). فمن يتمكن من الوصول الى الاخلاص في عمله وفكره، فإنه لا ريب سوف يحقق ما يربو اليه من نتائج باهرة على الصعيدين الفردي والعام، وهو في جميع الاحوال يبقى انسانا متميزا بالاخلاص عمّن يفتقر له.

الاخلاص سر تقدم البشرية

تشكل قضية الاخلاص منهجا اساسيا في حياة الدول والمجتمعات المتطورة، فقد جربها عدد من الشعوب التي كانت تقبع في حضيض الفقر والجهل والمرض، ولاحظوا مدى التأثير الذي يبعثه الاخلاص في حياتهم وافكارهم واعمالهم، واندهشوا للتغيير الايجابي الذي طرأ على حياتهم، بعد أن تمسكوا في الاخلاص كمنهج حياة، لا يحيدون عنه ولا يعتمدون على سواه.

لذلك ورد في الكتاب القيّم الموسوم بـ (الاخلاص سر التقدم) للامام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، حول قضية الاخلاص: إن (الإخلاص ليس طريقاً إلى ثواب الآخرة فحسب، بل هو طريق إلى تقدم الإنسانية، وهو سرُّ كل تطور يشهده البشر).

هكذا يبدو تأثير الاخلاص على تقدم الامم والشعوب جوهريا، كونه يتعلق في قضية بناء الذات الفردية والجمعية ايضا، بمعنى انك عندما تبني شخصيتك على الاخلاص في الفكر والعمل وعموم الانشطة التي تؤديها، انت ومن تشرف على تربيته وتوجيهه، فإن الاخلاص سوف يصبح منهج حياة تسيرون في ضوئه، وتعتادونه مثل الشرب والاكل وارتداء الملابس، أي يصبح الاخلاص حالة معتادة بينكم، وتصبح حياتكم كلها قائمة على هذه الصفة التي حتما ستقود المجتمع الى مراتب أعلى من التطور والتقدم والازدهار.

لذلك ورد في كتاب الامام الشيرازي نفسه: (إن الإخلاص في العمل ـ أيّ عمل كان ــ سيؤدي إلى الوصول إلى الأهداف المرجوة من ذلك العمل، بل هو أقرب الطرق وأكثرها استقامة إلى تلك الأهداف). هكذا يمكن أن يكون الاخلاص عاملا اساسيا في بناء الذات بشقيها الفردي والجمعي، فضلا عن كونها المسرّع الحقيقي لوصول الانسان الفرد والمجتمع الى اهدافه، ولا شك أننا يمكن ان نجرب اثر الاخلاص في حياتنا واعمالنا، فالشخص المخلص هو الانسان الناجح والمتقدم دائما، كذلك المجتمع الذي يجعل من الاخلاص منهجا وسلوكا معتادا في حياته، فإن النجاح سيكون من حصته حتما.

كرامات ينالها المخلصون

لن تذهب أعمال المخلصين سدى، فكل من يخلص لنفسه وللاخرين ولاهدافه ولدينه وافكاره، فإنه سيترك أثرا ايجابيا على غيره، لذلك سوف يُجزى من الله تعالى على ما يقوم به من اعمال مخلصة، جاء في مقدمة كتاب الامام الشيرازي (الاخلاص سر التقدم): (في هذا الكتاب ينقل لنا سماحة الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته) جملة من الكرامات التي نالها المخلصون، ومنهم الشعراء والأدباء والعلماء وطلبة العلم وغيرهم من المؤمنين، من الذين عاشوا في مختلف الأزمنة والأمكنة). إذن هنالك كرامات ينالها من يجعل الاخلاص طريقا لحياته وافكاره واعماله، بسبب اسهامه في تقدم المجتمع الذي يعيش فيه.

من هنا يرى الامام الشيرازي في كتابه هذا، أن الاخلاص يعد من ضرورات الحياة، لهذا امر به الله تعالى، نظرا للأثر الكبير الذي يتركه الاخلاص في طبيعة الانسان، فكرا وسلوكا، ومن ثم الآثار الكبيرة التي تغيّر حياة المجتمع، وتنقله من حال متردي الى حال متطور، والسبب دائما هو قدرة الاخلاص على تطوير الحياة الفردية والمجتمعية ايضا.

ويمكن ببساطة ان نعثر على النتائج المؤذية لعدم الاخلاص بالنسبة للفرد او المجتمع، فالشخص غير المخلص في عمله وفكره ونياته، غالبا ما يكون معزولا ومشكوكا في اقواله وافعاله، لان الناس قد تمنح الانسان فرصة لكي يثبت اخلاصه، واذا اثبت العكس فإنه سيخسر هذه الفرصة وسوف تهرب منه الناس وتتحاشاه ولا تتعامل معه، الامر الذي يجعله في ضائقة مالية، فضلا عن السمعة السيئة التي تطال شخصه، لذلك كان الاخلاص ولا يزال وسوف يبقى طريق الافراد والشعوب نحو التقدم، وقد اعطى الله تعالى مرتبة عالية للاخلاص.

لذلك يقول الامام الراحل في كتابه نفسه: (لو لم يكن الإخلاص من الضرورات في حياة الإنسان لما أمر الله تعالى به، إن هذا التأكيد على الإخلاص في آيات كثيرة يدل دلالة قاطعة أن الله سبحانه وتعالى لا يقبل عمل المؤمن من صلاة أو صيام أو زكاة أو حج أو جهاد وغيرها من الأعمال إن لم يكن المؤمن يؤديه لله وحده، مخلصاً له فيه كل الإخلاص، في السر والعلانية، ودون أن تشوب إخلاصه أي شائبة من شوائب الدنيا).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 30/كانون الأول/2013 - 26/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م