الإنصاف

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الإحساس بالظلم يسبق الإحساس بالعدالة.. لا تكتسب القوانين الدرجات القطعية لإحكامها الا بعد الطعن والتمييز من جهة أعلى سلطة من صاحبة اصدار القانون الاول، وتسمى بالاستئناف.. وهي عادة ما تكون باتة وقاطعة في احكامها التي لات رد او لا يطعن فيها.. من لجأ الى القانون للتقاضي تحصّل على حقوقه في المقام الاول، مقام اصدار الحكم لصالحه.. الطرف الاخر يلجأ الى الاستئناف وطلب النقض لإحساس بالظلم لحق به.

الاول يطلب العدالة والثاني يطالب بالإنصاف..

ما الفرق بينهما؟.

العدل (الإنْصاف، وهو إعطاء المرء ما لَهُ وأخْذُ ما عليه - المِثلُ والنَّظيرُ - الجزاءُ - العَدْلُ – الفِداءُ).

والعدل ايضا هو: (إستقامة - أمر متوسط بين نقيضين متطرفين - قصد واعتدال في الأمور - سوية - كيل).

العدل اصطلاحا هو خلاف الجور، وهو القصد في الأمور، وما قام في النفوس أنه مستقيم، مِن عَدَلَ يَعْدِلُ فهو عادل من عُدولٍ وعَدْلٍ، يقال: عَدَلَ عليه في القضية فهو عادِلٌ. وبسط الوالي عَدْلَهُ.

وهو: (أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه).

وقيل هو: (عبارة عن الاستقامة على طريق الحق بالاجتناب عما هو محظور دينًا).

وقيل هو: (استعمال الأمور في مواضعها، وأوقاتها، ووجوهها، ومقاديرها، من غير سرف، ولا تقصير، ولا تقديم، ولا تأخير).

عُرّف العدل في علم الكلام بأنه: (عدم فعل القبيح و عدم الإخلال بالواجب و عدم التكليف بما لا مصلحة فيه " كما يذهب الدكتور عبد الهادي الفضلي في كتابه (خلاصة علم الكلام).

شغلت العدالة تفكير الفلاسفة منذ اقدم الانشغالات الفلسفية وحتى اليوم، فقد رأى أفلاطون أن العدالة تتحدد باعتبارها فضيلة تنضاف إلى فضائل ثلاث هي: الاعتدال والشجاعة والحكمة، فالعدالة حسب افلاطون هي أن يؤدي كل فرد الوظيفة المناسبة لقواه العقلية والجسدية والنفسية، فهي (أي العدالة) تتحقق على مستوى النفوس حيث يحدث انسجام بين القوى الشهوانية والعقلية لدى الإنسان فالضامن الوحيد لتحقيق الفضيلة والعدالة هو الدولة التي تملك سلطة القانون والحكمة.

اختلف معه أرسطو حيث رأى ان العدالة تعد صفة من صفات النفس بل فضيلة مدنية والعدالة قد تلحقها أخطاء لذلك فإن الإنصاف وحده يصلح قوانين العدالة فالعدالة بالنسبة لأرسطو تقوم على مبدأين هما: المساواة والإنصاف: أي منح الأفراد ما يستحقونه بغض النظر عن القانون. وحد الإنصاف كما يرى ارسطو (إن المنصف وان كان في الوقت نفسه عادلا ليس ماهو عادل بمقتضى القانون وإنما هو ملطف من ملطفات العدالة القانونية والسبب قائم في أن القانون هو على الدوام أمر عام وفي أن ثمة حالات نوعية ليس بوسع المرء أن يصوغها في ملفوظ عام ينطبق عليها انطباقا يقينيا).

أما دافيد هيوم فهو يرى ان العدالة بالنسبة إليه تفقد معناها عندما تكون غير ذات نفع، ويدعو إلى التصرف أكثر إنصافا من أجل مصلحة ما، حيث ما وجدت مصلحة وجدت العدالة مادام الإنسان يميل بطبيعتها إلى تحقيقها.

في القرآن الكريم استعملت كلمة العدل في أكثر من مدلول منها:

1. العدل بمعنى الاستقامة في الفعل بوضع الشيء موضعه، فلا ظلم و لا جور، و تدل عليها الآيات القرآنية التالية: قال الله عَزَّ و جَلَّ: ﴿... وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ...﴾.

و قال عَزَّ مِنْ قائل: ﴿ وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾.

2. العدل بمعنى الإنصاف الذي يأتي بين الظلم و التفضّل، التفضّل هو فوق العدل هنا، يقول الشيخ الصدوق (رحمه الله) (إن الله أمر بالعدل و عاملنا بما فوقه و هو التفضّل، و ذلك أنه تعالى يقول: ﴿ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾.

ما هو الإنصاف؟

(إِنْصافُ الْمَظْلومِ): اِسْتِيفاؤُهُ حَقَّهُ، أَيْ إِزالَةُ الظُّلْمِ عَنْهُ.

عدل ومساواة وأخذ الحق للمظلوم من الظالم

وفي معناه العامي يعني العدالة الطبيعية أو النزاهة

وهو ايضا عدل: (أنصف في حكمه أو في معاملته - عامله بالعدل - أنصف الخصمين: سوى بينهما وعاملهما بالعدل - أنصفه منه: أخذ له حقه منه - أنصفه: خدمه).

والإنصاف هو في معنى التسوية بين الخصمين ومعاملتهما بالعدل. أمّا اصطلاحا، فهو (الشعور التلقائي الصادق بما هو عدل أو جور.. ويطلق أيضا على ما يعتاده الإنسان من التوفيق بين سلوكه وش عوره بالعدل، فكلّ من جعل سلوكه مطابقا للمثل الأعلى للعدل كان منصفا) كما يذهب الى ذلك جميل صليبا في المعجم الفلسفي.

وهو في عرف الحقوقيّين مقابل للتقيّد بنصّ القانون. يقول كوندياك: (الفرق بين الإنصاف والعدل، أنّ الإنصاف يوجب الحكم على الأشياء بحسب روح القانون، على حين أنّ العدل يوجب الحكم عليها بحسب نصّ القانون).

الإنصاف، يسمى العدالة الحقيقية لأنه يحكم بروح القانون وليس بنصه ويتعامل بشكل عادل مع الأفراد ويحاول أن يتفادى النقائص والمفارقات التي تظهر على العدالة عند تطبيق القانون على جميع الناس دون تمييز ودون مراعاة الظروف والوضعيات الخاصة ولذلك فهو يتدخل إما لإكمال القانون (إذا كان القانون غامضا لابد من إتباعه وإذا كان متناقضا لابد من التعمق في أحكامه ونصوصه وإذا كان ناقصا لابد من استشارة تجارب الإنصاف). أو لإصلاحه (إن الاحتكام إلى الإنصاف اليوم سيكون القاعدة القانونية غدا)، أو لأنسنته (عندما يرتبط العادل بماهو خير يكون موضوع اكتشاف وحينما ينتج بوسائل إجرائية فقط يكون العادل في حاجة إلى إنشاء فهو غير معروف مسبقا ويفترض أن ينتج عن الاختيار المتروي الذي يجري في وضع من الإنصاف التام).

حاول (جون راولس) تطوير نظرية أرسطو فيما يتعلق بالعدالة، من خلال نقده للفلسفة النفعية وذلك من خلال إعطائه قيمة كبرى لفكرة الإنصاف في المجتمع متنكرا للمفاهيم البراغماتية للحق والعدالة التي كرستها فلسفة: الإنسان حر في تحقيق منافعه الخاصة ولو على حساب الآخرين.

ويعني الإنصاف بالنسبة لراولس، إعطاء كل فرد في المجتمع حق الاستفادة بالتساوي من الحقوق الأساسية واعتبر أن اللامساواة مقبولة عقليا على أرضية تكافؤ الفرص التي تسمح للأفراد بلوغ مراتب ووظائف عليا في المجتمع، هكذا يحكم راولس على المؤسسات السياسية والاجتماعية هل هي عادلة؟ أم ليس كذلك؟.

من الرجوع إلى التاريخ وحالة تطبيق العدالة أو الإنصاف في مجتمعات عديدة يُلاحَظ أن البريثور في روما ـ وهو قاض كان يتمتع بسلطة التشريع المدني والقضائي في المسائل المدنية ـ قد أقام شيئاً فشيئاً سلسلة من القواعد البريتورية على أساس العدالة أكمل بها النص الحر في القوانين. وفي إنجلترا أقام حامل أختام الملك بالنسبة لقواعد القانون العام مبادئ مبنية على العدالة تطورت لتصل اليوم إلى ما يسمى بالعدالة الطبيعية، وهي عبارة توحي بأنها تستند إلى الإنصاف.

وكما أن مبدأ العدالة يكمل النصوص فقد وجد التطور أن هذا ليس كافياً، وعلى ذلك قُبِلَ في حالات نادرة إعادة إصلاح التطبيق وتصحيحُهُ استناداً إلى مبدأ العدالة بما يتفق وحاجات المجتمع ومقتضيات ضمير العصر، وفي هذا الصدد يشير التاريخ إلى أنه في بريطانيا في القرن الثامن عشر كانت سرقة الأشياء التي تزيد قيمتها على أربعين ليرة يُعَاقَبُ عليها بالإعدام، ولكن القضاء كثيراً ما لجأ إلى تقدير القيمة بـ 39 ليرة ليتحاشى صلابة القانون. واستناداً إلى مبدأ العدالة فإن مبدأ العدالة يستوجب تطبيقاً إنسانياً للقواعد القانونية، وفي هذا الشأن كان أرسطو قد أشار إلى لزوم تلطيف العدالة بالحب والشفقة على الضعيف والأرملة والفقير، ومن ذلك ما يذكر في تاريخ القضاء الفرنسي في عام 1898 إذ رفض إدانة امرأة بائسة عندما أقدمت على سرقة بعض الخبز لتغذية وليدها. كما أن القانون المدني الفرنسي منذ صدوره في عام 1804 أعطى القاضي في المادة 1244 منه صلاحية تعديل المهلة المحددة للمدين للوفاء بدينه.

ولا يقتصر استلهام مبادئ العدالة على النظام القانوني؛ فالمجتمع الدولي يراعي أيضاً احترام مبادئ العدالة والإنصاف؛ إذ تنص المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية على حق المحكمة في اللجوء إلى هذه المبادئ بدلاً من القواعد القانونية الوضعية شريطة موافقة أطراف النزاع على ذلك، كما يكتب الباحث القانوني عبد الهادي عباس.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 21/كانون الأول/2013 - 17/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م